( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ )

مبارك العشوان 1
1442/10/22 - 2021/06/03 02:24AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون.

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ). رَوَاهُ مُسِلْمٌ. 

إِنَّ الأَمْرَ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَظِيمٌ، وَإِنَّ الخَطَرَ شَدِيدٌ؛ تَظْهَرُ فِتَنٌ عَظِيمَةٌ، مُدْلَهِمَّةٌ؛ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ؛ فِتَنٌ تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؛ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

ولَا عِصْمَةَ وَلَا نَجَاةَ إِلَّا لِمَنْ عَصَمَهُ اللهُ.

أَسْأَلُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَعْصِمَنَا مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

عِبَادَ اللهِ: هَذَا الحَدِيثُ وَاحِدٌ مِنْ أَحَادِيثِ الفِتَنِ.

وَالَّتِي اِهْتَمَّ العُلَمَاءُ بِهَا كَثِيرًا؛ وَجَمَعُوهَا فِي كُتُبِهِمْ، وَأَفْرَدَهَا بِالتَّألِيفِ بَعْضُهُمْ؛ وَمِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ؛ أَنْ حَذَّرَ عِبَادَهُ مِنَ الفِتَنِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ طَرِيقَ الخَيْرِ لِيَسْلُكُوهُ، وَطَرِيقَ الشَّرِّ لِيَتْرُكُوهُ.

بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَوْضَحَ البَيَانِ، وَقَيَّضَ لَهُ مِنَ العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ مَنْ يُبَيِّنُ سُبُلَ الوَقَايَةِ لِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ هَذِهِ الفِتَنَ، وَطُرُقَ السَّلَامَةِ لِمَنْ أَدْرَكَهَا.

عِبَادَ اللهِ: أَلَا وَإِنَّ أَعْظَمَ سَبِيلٍ لِلنَّجَاةِ مِنَ الفِتَنِ: لَهُوَ لُزُومُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَهُمَا سَدُّ مَنِيعٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ؛ دُونَ الفِتَنِ؛ وَلَا زَيْغَ وَلَا ضَلَالَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِمَا؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللهِ...). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

يَقُولُ الشَّيخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: كُلُّ أنْوَاعِ الفِتَنِ؛ لَا تَخَلُّصَ مِنْهَا، وَلَا نَجَاةَ مِنْهَا؛ إِلَّا بِالتَّفَقُّهِ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْرِفَةِ مَنْهَجِ سَلَفِ الأُمَّةِ؛ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيْلَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلَامِ وَدُعَاةِ الهُدَى. ا هـ

مِنْ أَعْظَمِ مَا يَعْصِمُ مِنَ الفِتَنِ: العِلْمُ الشَّرْعِيُ؛ هُوَ وِقَايَةٌ مِنَ الفِتَنِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَهُوَ مَخْرَجٌ مِنْهَا إِذَا وَقَعَتْ.  

حِينَمَا تُقْبِلُ الفِتَنُ يَغْتَرُّ بِهَا الكَثِيرُ، وَيَخُوضُ فِيْهَا الكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، أمَّا أَهْلُ العِلْمِ وَالتُّقَى؛ فَأَعْطَاهُمُ اللهُ مِنَ البَصِيرَةِ وَالتَّوفِيقِ وَالسَّدَادِ مَا لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُم؛ وَلِهَذَا فلَا بُدَّ مِنَ الأَخْذِ عَنْهُمْ، وَالصُّدُورِ عَنْ فَتَاوِيهِم.

وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِمْ، وَالحَذَرِ مِنِ اِنْتِقَاصِهِمْ وَالطَّعْنِ فَيهِمْ، وَإِسْقَاطِ هَيْبَتِهِمْ.

وَمِمَّا يَعْصِمُ ويُنْجِي مِنَ الفِتَنِ: الِاشْتِغَالُ بِالعِبَادَةِ؛ لُزُومُ الفَرَائِضِ، وَالتَّزَوُّدُ مِنَ النَّوَافِلِ، نَوَافِلِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيرِهَا مِنَ البِرِّ وَالإِحْسَانِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: الْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا: الْفِتْنَةُ، وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ، وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَادٌ. اهـ

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَعْصِمُ مِنَ الفِتَنِ: اللُّجُوءُ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ بِدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ، وَالتَّوبَةِ النَّصُوحِ إِلَيهِ، وِالاِسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ سَائِرِ الفِتَنِ؛ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِصَحَابَتِهِ: ( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ) قَالُوا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ؛ فَقَـالَ: ( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ) قَالُوا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ؛ قَــــالَ: ( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) قَالُوا نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. قَالَ: ( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ) قَالُوا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ).

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ؛ يَقُولُ اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَلْنَتُبْ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - إِلَى اللهِ، وَلْنُكْثِرْ الاِسْتِعَاذَةَ مِنَ الفِتَنِ؛ وَلْنَدْعُ اللهَ تَعَالَى؛ أَنْ يَحْفَظَ  لَنَا دِيْنَنَا، وَألَّا يُزِيغَ قُلُوبَنَا.

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَدُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَآخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ .

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ. 

 

الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَمِمَّا يُنْجِي مِنَ الفِتَنِ: البُعْدُ عَنْهَا، وَعَنْ مَوَاطِنِهَا، وَالفِرَارُ مِنْهَا، وَمِنْ أهْلِهَا؛ وَالحَذَرُ مِنِ اِسْتِشْرَافِهَا وَالتَّطَلُّعِ إِلَيهَا وَالمُشَارَكَةِ وَالخَوضِ فِيْهَا؛ بِفِعْلٍ، أَوْ قَولٍ، أوْ كِتَابَةٍ، أوْ رِسَالَةٍ، أوْ مَقْطَعٍ يُنْشَرُ.

وَفِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: ( سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ).

وَفِي الحَدِيثِ الآخَــرِ: ( يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

أَلَا فَلْنَلْزَمْ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عِبَادَةَ اللهِ؛ وَلْنُحَافِظْ عَلَى الفَرَائِضِ، وَلْنَتَزَوَّدْ مِنَ النَّوَافِلِ. 

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.  

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1622687043_بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ.pdf

المشاهدات 4159 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا