[بَائِعو الْأوهام] سأذكرُ قصصًا وقفتُ عليها فيها عبرةٌ للمصابين بالوسواس من مس أو عين
أحمد بن ناصر الطيار
1438/01/05 - 2016/10/06 14:19PM
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ, صَلَّى الله عَلَيه وعَلَى آَلِه وأَصْحَابِه الْغُرُّ الْمَيَامِين, وسَلَّم تَسْليمًا كَثيرًا إلى يومِ الدِّين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ حديثي هذا اليومَ سيكون عن بائعي الأوهام, وصانعي الأسْقَام, فمن هم هؤلاء؟
سنعرفهم بعد سرد هذه القصة:
جاءني رجل قد شابت لحيتُه وقال لي: هل ترقي؟
قلت: لست براقٍ.
فولى ثم رحمته فقلت: ما المشكلة؟
قال: عند ابنة تُعاني من عين أو مس منذ عشر سنين, ولم أترك أحدًا إلا ذهبت إليه, وبعضهم يقول بها عين, وبعضهم يقول بها مس من الجان, وتحتاج إلى قراءة, وقد بذلت لهم ما يُقارب عشرين ألف ريال, فبعضها يذهب لشراء الزيت والماء الذي قرأ به الراقي, وبعضها يذهب أجرة للراقي, ناهيك عن الآلاف التي خسرتها لأجار السكن وتعبئة وقود السيارة.
فقلت: أحضرها لي, فأحضرها فسألتها عما تشتكي؟
فقالت: أشتكي سقوطي في الطريق في كثير من الأحيان دون سبب, وأشتكي حديثَ الجن معي, وتهديدَهم لي يقظةً ومنامًا, وآلامًا متنقلة, وغضبًا يعتريني, وخوفًا وإغماءً لا أعلمُ سببَه.
فطلبت مني أن أقرأ عليها.
فقلت: لستُ من الرقاة, ولكن الرقيةَ ليست حكرًا على أحد, وليس لها رجال متخصصون لا تحصل بركةُ القراءة إلا عن طريقِهم, ولا يُعرف عن سلف الأمة مَن يتفرغ للرقية, بل كلُّ مسلمٍ فإنه يرقي نفسه ويرقي غيرَه, ومِن هذا الباب سأرقيك وأرقي نفسي ومَن معك.
ثم قرأت عليها برفق, واقتصرت على فاتحة الكتاب وبعض السور والتعاويذ المعروفة.
وبعد الانتهاء قلت لها: هل شعرت بشيء؟
قالت: لم أشعر بخوفٍ ولا ألمٍ ولا غيرِ ذلك.
فقلت: هذا دليل على أنك سليمة, ولست مُصابةً بالجان أو العين.
ثم عملت على إقناعها بأنها ليست مُصابةً بمسٍّ ولا عين, وأنّ أعراضَ الوسواس وشدةَ الخوف كأعراض الصرع والمس أو أشد.
فإنّ الموسوس يتخيل أنَّ الجن تُخاطبه, ويعتقد ذلك اعتقادًا لا يقبل الشك, ويروي لك مواقف وقصصًا عن مُشاهداته لهم, وكلامهم له.
بل يصل الْمُصاب بالوسواس والخوف إلا حد المرض العضوي, فيسقط على الأرض دون شعور, ولا يعرف سبب ذلك, ويشعر بآلام تتنقل في بدنه, ويشعر بفرط الغضب والحنق.
ونصحتها وهي نصيحة لكل من يُعاني بمثل ذلك بعد أمور:
الأول: أنْ تُشغل وقتها بما ينفع في الدين أو الدنيا, فالفراغ هو أكبر وأقوى أسباب الوسوسة القاتلة.
ومن الشغل النافع: زيارة الأقارب والأصدقاء, وقراءة القرآن والكتب النافعة.
الثاني: ممارسة رياضة المشي ونحوها, فتحريك البدن ونشاطُه: من أعظم أسباب طرد الهموم والخوف والوسواس.
الثالث: الاعتمادُ على الله وحده, ثم على النفس في الرقية والعلاجِ بها.
وبعد مُدَّةٍ مِن الزمنِ جاءني الرجلُ مصطحبًا ابنته, وقالت: من بعد تلك الجسلة إلى يومي هذا زال عني كلُّ ما كنت أجده, فقد زال الخوفُ وذهبتِ الْآلام, ولم أسقطْ أبدًا مع كثرة المشي.
قلت: وأين الجن.
فقالت: بعد ذهاب الخوف عني, وقناعتي بأن ما أسمعه وأشعر به إنما هو وسواس وتخييلات, لم أسمع شيئًا ولم أحلم بهم أبدًا.
فهذه قصة واحدة من عشرات القصص المشابهة لها, التي يشعر الكثير من الناس أنهم مسحورون أو مُصابون بالمس أو العين, وحينما يجدون من يُقنعهم ويُحاورهم, يزول ذلك عنهم تمامًا.
وأعرف امرأة كانت تُعاني مثل هذه الفتاة وأشد, وتحلف أنها ترى الجن وتسمعهم, وتشعر بآلام في جسدها, ويتنقل من مكان إلى مكان.
ووالله لو قالت لأكثر هؤلاء الرقاة هذا, لجزموا بأنها مُصابةٌ بمس أو أكثر.
فنَصَحها ناصِحٌ بأن تذهب إلى طبيب نفسي مُوَفَّق, فجسلت معه جلسات قليلة, وتحلف لي بأنه قد ذهب عنها كل ما كانت تشعر به من قبل.
أين ذهبت أوجاعها وآلامها؟ أين الخوف الذي كاد يُقطع قلبها؟
كل ذلك ذهب عنها بعد أنْ أقنعها وحاورها, وقد مضى عليها سنواتٌ وهي بعافية وصحة.
وأين الجنُّ الذين تراهم ويُخاطبونها؟
هل الطبيب النفسي قتلهم أو أخرجهم من جسدها؟
إنها مُجرّدُ أوهامٍ وتخييلات.
وتقول: والله ما زادني هؤلاء الرقاة إلا مرضاة وخوفًا, وأقنعوني بأني مُصابة بالمس والعين, حتى أصحبت أشك في أقرب الناس إلي, وآخذ آثارهم, طلبا للشفاء من المرض المزعوم.
وأكثر الأمراض منشؤها من الوهم والوسواس, والشعور بالمرض.
وينبغي زيارةُ الطبيب النفسي, لمن يشعر بأنه مُصاب بالمس أو الخوف, وهم يُرشدونه غالبًا إلى العلاج الصحيح النافع.
وقد يكون المرضُ ناشئًا من خلل عضوي, فيظن المريض أنه بسب مسّ أو عين.
أعرف أحدهم ذهب إلى أحد هؤلاء, فقال له بعد أنْ قرأ عليه: بداخلك ثلاثةٌ من الجن! فتحتاج إلى قراءة شديدة, أي: تحتاج إلى دفع مبالغ كثيرة, يقول: فخرجت من عنده وذهبت للمستشفى وأخذت تحليلا شاملا, فتبين أنّ عندي نقصًا في إحدى الفيتامينات, فأخذتُها وشُفيتُ بعدها إلى يومي هذا.
بل قد يكون المرض بسبب سوء تغذيةٍ.
فهذه فتاةٌ تشكتي من عدم قدرتها على الوقوف أحيانًا, وأنها تسقط وتَعْجِزُ رِجْلاها عن حملها, وتشتكي آلامًا أخرى, فطلبتْ منْ أحدهم يقرأ عليها, ظنًّا منها أن بها عينًا.
فسألها عن أكلها, فإذا هو يحتوي على المشروبات الغازية, والزيوتِ والمواد الحافظة الْمُمْرضة, وتُكثر من أكل المطاعم, فأمرَها أن تقطع ذلك كله, وأن تترك الأجهزة الحديثة, وتُمارسَ رياضة المشي والحركة, وتأكلَ أكلا نظيفًا نافعًا.
فالْتزمتْ بذلك وشُفيت بعدها والحمد لهأ, ومن فضل الهِ عليها, أنها لم تذهبْ إلى هؤلاء الرقاة, فيُدمّروا حياتَها وهي في ريعان شبابِها.
ومن هنا نعرف من هم باعةُ الوهم.
إنهم أناسٌ يأتيهمُ المريضُ المسكين, الذي يشك أنه مريضٌ بالمس أو بالسحر, فيأتي إلى رجلٍ منهم فيشكو إليه حاله, فيبيعُه الوهم, وينفخُ في رُوعه الوَهَن, عن طريق إقناعه بأنه مريض, ثم يطلب منه مبلغًا من المال مباشرة, أو بشراء عُلَبٍ بمبالغ ضخمة.
وهو من خلالِ طريقةِ رقيته له: يُوهمه بأنه مريض إلى النخاخ, وأنه مصاب بالمس والعين والسحر وكل الأدواء, ولا سبيل لشفائه إلا عن طريقه, لا يُعلّقونه بالله.
ولا يعلِّمونه الفأل وحسن الظن, وهم يُنفرون ولا يُبشرون, خلافًا أوصاهم به نبينا صلى الله عليه وسلم.
فهل رأيتُم أشدَّ إجرامًا من هؤلاء, يبيعون الوهم والوهن للناس, وليتهم يأكلون أموالهم بالباطل أو يسرقونها فحسب, ولكنهم يُوقعونهم في خسارةٍ هي أعظمُ من خسارة أموالهم, وهي خسارةُ عقولِهِم وصِحَّتِهِم وحيَاتِهِم.
فاحذروا باعة الوهم والوهن, فهم يُمرضونكم ويأكلون أموالكم, وقد بلغ ببعضهم أنه اشترط الرقية على المريض شهرًا بخمسةِ آلاف ريال, بل تُحدثني امرأةُ بأنه طلب في جلسةٍ واحدةٍ خمسةَ آلاف ريال.
فهي تُجارةٌ سهلةٌ مضمونه ربحها الدنيوي, ما على أحدهم إلا نشرُ حسابه, وتصوير نفسِه وهو يرقي وينفُث, حتى يأتيه الناس من كل حدب وصوب, ثم يترقَّى إلى وضع مُحاسب له, ثم يُوظف رجلاً يستقبل المكالمات, ويُرتب الزيارات, ثم يتطور به الأمر, إلى وضع خلطاتٍ يكتب عليها: خلطة فلان.
وهذا والله أمرٌ واقعٌ مُشاهَدٌ.
نسأل الله تعالى, أنْ يعيذنا من شرّ العائنين والساحرين, والشكِّ والرّيبِ في الدين, وأنْ يرزقنا الثقةَ واليقين بالله رب العالمين, إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقَدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى، وعلى آلِه وأصحابِه أعلام الهدى، أما بعد:
معاشر المسلمين: إنَّ الواجبَ تجاه المسؤولين إيقافُ هذا العبث, وعدم السماح لأحد بأن يرقي إلا إذا زُكي من العلماء وأهل الرأي والاختصاص.
وهذا لا يعني أنّ جميعَ الرقاة على هذا المنهج, بل هناك من يسير على المنهج الصحيح في التعامل مع المرضى, ويُوجههم أحسن توجيه.
وما تقدم لا يعني كذلك إنكار دخول الجني في الإنسي, فإنَّ هذا ثابتٌ في الدين والحس.
نسأل الله تعالى أنْ يرزقنا العافية في الدين والدنيا, وأنْ يجعلنا هداةً مهتدين, إنه على كل شيء قدير.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ حديثي هذا اليومَ سيكون عن بائعي الأوهام, وصانعي الأسْقَام, فمن هم هؤلاء؟
سنعرفهم بعد سرد هذه القصة:
جاءني رجل قد شابت لحيتُه وقال لي: هل ترقي؟
قلت: لست براقٍ.
فولى ثم رحمته فقلت: ما المشكلة؟
قال: عند ابنة تُعاني من عين أو مس منذ عشر سنين, ولم أترك أحدًا إلا ذهبت إليه, وبعضهم يقول بها عين, وبعضهم يقول بها مس من الجان, وتحتاج إلى قراءة, وقد بذلت لهم ما يُقارب عشرين ألف ريال, فبعضها يذهب لشراء الزيت والماء الذي قرأ به الراقي, وبعضها يذهب أجرة للراقي, ناهيك عن الآلاف التي خسرتها لأجار السكن وتعبئة وقود السيارة.
فقلت: أحضرها لي, فأحضرها فسألتها عما تشتكي؟
فقالت: أشتكي سقوطي في الطريق في كثير من الأحيان دون سبب, وأشتكي حديثَ الجن معي, وتهديدَهم لي يقظةً ومنامًا, وآلامًا متنقلة, وغضبًا يعتريني, وخوفًا وإغماءً لا أعلمُ سببَه.
فطلبت مني أن أقرأ عليها.
فقلت: لستُ من الرقاة, ولكن الرقيةَ ليست حكرًا على أحد, وليس لها رجال متخصصون لا تحصل بركةُ القراءة إلا عن طريقِهم, ولا يُعرف عن سلف الأمة مَن يتفرغ للرقية, بل كلُّ مسلمٍ فإنه يرقي نفسه ويرقي غيرَه, ومِن هذا الباب سأرقيك وأرقي نفسي ومَن معك.
ثم قرأت عليها برفق, واقتصرت على فاتحة الكتاب وبعض السور والتعاويذ المعروفة.
وبعد الانتهاء قلت لها: هل شعرت بشيء؟
قالت: لم أشعر بخوفٍ ولا ألمٍ ولا غيرِ ذلك.
فقلت: هذا دليل على أنك سليمة, ولست مُصابةً بالجان أو العين.
ثم عملت على إقناعها بأنها ليست مُصابةً بمسٍّ ولا عين, وأنّ أعراضَ الوسواس وشدةَ الخوف كأعراض الصرع والمس أو أشد.
فإنّ الموسوس يتخيل أنَّ الجن تُخاطبه, ويعتقد ذلك اعتقادًا لا يقبل الشك, ويروي لك مواقف وقصصًا عن مُشاهداته لهم, وكلامهم له.
بل يصل الْمُصاب بالوسواس والخوف إلا حد المرض العضوي, فيسقط على الأرض دون شعور, ولا يعرف سبب ذلك, ويشعر بآلام تتنقل في بدنه, ويشعر بفرط الغضب والحنق.
ونصحتها وهي نصيحة لكل من يُعاني بمثل ذلك بعد أمور:
الأول: أنْ تُشغل وقتها بما ينفع في الدين أو الدنيا, فالفراغ هو أكبر وأقوى أسباب الوسوسة القاتلة.
ومن الشغل النافع: زيارة الأقارب والأصدقاء, وقراءة القرآن والكتب النافعة.
الثاني: ممارسة رياضة المشي ونحوها, فتحريك البدن ونشاطُه: من أعظم أسباب طرد الهموم والخوف والوسواس.
الثالث: الاعتمادُ على الله وحده, ثم على النفس في الرقية والعلاجِ بها.
وبعد مُدَّةٍ مِن الزمنِ جاءني الرجلُ مصطحبًا ابنته, وقالت: من بعد تلك الجسلة إلى يومي هذا زال عني كلُّ ما كنت أجده, فقد زال الخوفُ وذهبتِ الْآلام, ولم أسقطْ أبدًا مع كثرة المشي.
قلت: وأين الجن.
فقالت: بعد ذهاب الخوف عني, وقناعتي بأن ما أسمعه وأشعر به إنما هو وسواس وتخييلات, لم أسمع شيئًا ولم أحلم بهم أبدًا.
فهذه قصة واحدة من عشرات القصص المشابهة لها, التي يشعر الكثير من الناس أنهم مسحورون أو مُصابون بالمس أو العين, وحينما يجدون من يُقنعهم ويُحاورهم, يزول ذلك عنهم تمامًا.
وأعرف امرأة كانت تُعاني مثل هذه الفتاة وأشد, وتحلف أنها ترى الجن وتسمعهم, وتشعر بآلام في جسدها, ويتنقل من مكان إلى مكان.
ووالله لو قالت لأكثر هؤلاء الرقاة هذا, لجزموا بأنها مُصابةٌ بمس أو أكثر.
فنَصَحها ناصِحٌ بأن تذهب إلى طبيب نفسي مُوَفَّق, فجسلت معه جلسات قليلة, وتحلف لي بأنه قد ذهب عنها كل ما كانت تشعر به من قبل.
أين ذهبت أوجاعها وآلامها؟ أين الخوف الذي كاد يُقطع قلبها؟
كل ذلك ذهب عنها بعد أنْ أقنعها وحاورها, وقد مضى عليها سنواتٌ وهي بعافية وصحة.
وأين الجنُّ الذين تراهم ويُخاطبونها؟
هل الطبيب النفسي قتلهم أو أخرجهم من جسدها؟
إنها مُجرّدُ أوهامٍ وتخييلات.
وتقول: والله ما زادني هؤلاء الرقاة إلا مرضاة وخوفًا, وأقنعوني بأني مُصابة بالمس والعين, حتى أصحبت أشك في أقرب الناس إلي, وآخذ آثارهم, طلبا للشفاء من المرض المزعوم.
وأكثر الأمراض منشؤها من الوهم والوسواس, والشعور بالمرض.
وينبغي زيارةُ الطبيب النفسي, لمن يشعر بأنه مُصاب بالمس أو الخوف, وهم يُرشدونه غالبًا إلى العلاج الصحيح النافع.
وقد يكون المرضُ ناشئًا من خلل عضوي, فيظن المريض أنه بسب مسّ أو عين.
أعرف أحدهم ذهب إلى أحد هؤلاء, فقال له بعد أنْ قرأ عليه: بداخلك ثلاثةٌ من الجن! فتحتاج إلى قراءة شديدة, أي: تحتاج إلى دفع مبالغ كثيرة, يقول: فخرجت من عنده وذهبت للمستشفى وأخذت تحليلا شاملا, فتبين أنّ عندي نقصًا في إحدى الفيتامينات, فأخذتُها وشُفيتُ بعدها إلى يومي هذا.
بل قد يكون المرض بسبب سوء تغذيةٍ.
فهذه فتاةٌ تشكتي من عدم قدرتها على الوقوف أحيانًا, وأنها تسقط وتَعْجِزُ رِجْلاها عن حملها, وتشتكي آلامًا أخرى, فطلبتْ منْ أحدهم يقرأ عليها, ظنًّا منها أن بها عينًا.
فسألها عن أكلها, فإذا هو يحتوي على المشروبات الغازية, والزيوتِ والمواد الحافظة الْمُمْرضة, وتُكثر من أكل المطاعم, فأمرَها أن تقطع ذلك كله, وأن تترك الأجهزة الحديثة, وتُمارسَ رياضة المشي والحركة, وتأكلَ أكلا نظيفًا نافعًا.
فالْتزمتْ بذلك وشُفيت بعدها والحمد لهأ, ومن فضل الهِ عليها, أنها لم تذهبْ إلى هؤلاء الرقاة, فيُدمّروا حياتَها وهي في ريعان شبابِها.
ومن هنا نعرف من هم باعةُ الوهم.
إنهم أناسٌ يأتيهمُ المريضُ المسكين, الذي يشك أنه مريضٌ بالمس أو بالسحر, فيأتي إلى رجلٍ منهم فيشكو إليه حاله, فيبيعُه الوهم, وينفخُ في رُوعه الوَهَن, عن طريق إقناعه بأنه مريض, ثم يطلب منه مبلغًا من المال مباشرة, أو بشراء عُلَبٍ بمبالغ ضخمة.
وهو من خلالِ طريقةِ رقيته له: يُوهمه بأنه مريض إلى النخاخ, وأنه مصاب بالمس والعين والسحر وكل الأدواء, ولا سبيل لشفائه إلا عن طريقه, لا يُعلّقونه بالله.
ولا يعلِّمونه الفأل وحسن الظن, وهم يُنفرون ولا يُبشرون, خلافًا أوصاهم به نبينا صلى الله عليه وسلم.
فهل رأيتُم أشدَّ إجرامًا من هؤلاء, يبيعون الوهم والوهن للناس, وليتهم يأكلون أموالهم بالباطل أو يسرقونها فحسب, ولكنهم يُوقعونهم في خسارةٍ هي أعظمُ من خسارة أموالهم, وهي خسارةُ عقولِهِم وصِحَّتِهِم وحيَاتِهِم.
فاحذروا باعة الوهم والوهن, فهم يُمرضونكم ويأكلون أموالكم, وقد بلغ ببعضهم أنه اشترط الرقية على المريض شهرًا بخمسةِ آلاف ريال, بل تُحدثني امرأةُ بأنه طلب في جلسةٍ واحدةٍ خمسةَ آلاف ريال.
فهي تُجارةٌ سهلةٌ مضمونه ربحها الدنيوي, ما على أحدهم إلا نشرُ حسابه, وتصوير نفسِه وهو يرقي وينفُث, حتى يأتيه الناس من كل حدب وصوب, ثم يترقَّى إلى وضع مُحاسب له, ثم يُوظف رجلاً يستقبل المكالمات, ويُرتب الزيارات, ثم يتطور به الأمر, إلى وضع خلطاتٍ يكتب عليها: خلطة فلان.
وهذا والله أمرٌ واقعٌ مُشاهَدٌ.
نسأل الله تعالى, أنْ يعيذنا من شرّ العائنين والساحرين, والشكِّ والرّيبِ في الدين, وأنْ يرزقنا الثقةَ واليقين بالله رب العالمين, إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقَدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى، وعلى آلِه وأصحابِه أعلام الهدى، أما بعد:
معاشر المسلمين: إنَّ الواجبَ تجاه المسؤولين إيقافُ هذا العبث, وعدم السماح لأحد بأن يرقي إلا إذا زُكي من العلماء وأهل الرأي والاختصاص.
وهذا لا يعني أنّ جميعَ الرقاة على هذا المنهج, بل هناك من يسير على المنهج الصحيح في التعامل مع المرضى, ويُوجههم أحسن توجيه.
وما تقدم لا يعني كذلك إنكار دخول الجني في الإنسي, فإنَّ هذا ثابتٌ في الدين والحس.
نسأل الله تعالى أنْ يرزقنا العافية في الدين والدنيا, وأنْ يجعلنا هداةً مهتدين, إنه على كل شيء قدير.
المرفقات
بَائِعو الْأوهام.docx
بَائِعو الْأوهام.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق