املأوا الدنيا تكبيرا

مشاري بن محمد
1440/12/01 - 2019/08/02 02:45AM

  إن الحمد لله نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأ شهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.

{يَاأَيها الذين آمَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَاته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون}.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.

{يَا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قَولاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعمالكم وَيَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً}.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ...
أيها المسلمون:
دخلنا ليلة البارحة في خيرُ أيامِ الدنيا، وزهرتِها وقرةُ عينها ...
أيامُ العملِ الصالحِ، أيامُ المسارعةِ إلى الله، أيامٌ يحبُّ اللهُ فيها العملَ الصالحَ أكثرَ من غيرها ...
فما أكثرَتفريطنا وغفلتنا وانشغالنا ...
عشرةُ أيامٍ فقط ... كعمرِ أوراقِ الخريفِ، تتصرمُ كأنها يومٌ لا أيام ...
يا حسرةً على المفرطين ...
أيامٌ هي أفضلْ أيامِ السنة ، وإنها لأفضلُ من العشرِ الأواخرِ من رمضانَ عدا ليلةِ القدر ...
أيامٌ فيها خيرُ أيامنا ... فيها يومُ عرفةَ يومٌ يباهي فيه اللهُ الملائكةَ
وفيها يومُ النحرِ يومٌ فيه تراقُ القرباتُ إلى الله ...
فشمروا عبادَ الله، وحضوا أهلَكم واصبروا فإن للطاعةِ ثقلا ولها لذةٌ تدوم ... وما يلقاها إلا الذين صبروا ...
عبادَ اللهِ، هلْ تأملنا قولَ نبينا صلى الله عليه وسلم :(ما منٍ أيامٍ أعظمُ عندَ اللهِ ولا أحبَ إليهِ العملُ فيهن من هذهِ الأيامِ العشر،... )
يامن يُحب الله قد أقبلت إليك أيام العمل فيها أحب إلى الله ...
فوالله لو كانت شهرا أو شهرين لكانت يسيرة فكيف وهي عشرة أيام معلومة ... لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر كبيرا
إن دعتك نفسك للمتعة واللهو فيها فسوِّف لها، وأجِّل شغلَها فإن الأيامَ تفوت والدنيا مدركة لاتفوت ...
ألا وإن الضيف يُستقبل استقبالا يليق به وإن من أحسن ما تُستقبلُ به هذهِ الأيامُ أن نستقبلها بـ  التوبة الصادقة :
يقول تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)
وبـــالبعد عن المعاصي:
فإن لهذه الأيام فضلا يستدعي الوقوف والتأمل ... فكم هي رحمة الله واسعة أن جعل لنا من الأزمان ما يضاعف الأعمال والعمل هو العمل والصلاة هي الصلاة والذكر هو الذكر فاللهم لك الحمد على نعمك وكرمك وفضلك، على ما فضلتَ به هذه الأيامِ عن غيرها ...فمن فضلها:
1- أن الله تعالى أقسم بها:
قال تعالى ( وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) .ولا يقسم الله إلا بعظيم ...
2- أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره:
قال تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما العمل في أيّام أفضل في هذه العشرة»، قالوا: ولا الجهاد، قال: «ولا الجهاد إلاّ رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء». (رواه البخاري).
ودل الحديث على أن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله،أو بأحدهما فالله أكبر الله أكبر ولله الحمد...
أيها المؤمنون، أُطلق العمل في هذه الأيام، ولم يُقيد، فليكثر المرء مما يجد طاقته فيه، فمن كان من أهل الصيام فليصم،ومن كان من أهل الصدقة فليكثر، ومن كان من أهل الصلاة فلييتعبد، والأبواب كثيرة، والخير عميم وفضل الله واسع، فصلة الرحم، والمرضى، واتباع الجنائز، والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلها خير وغيرها إلا أنه لا عذر لأحد في ترك الذكر لله، فاملأوا أوقاتكم بذكره، وعليكم بالتكبير، وأسمعوا من حولكم، وأحيوا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا ...
أيها المؤمنون، إنه لمن المؤسف أن يخجل المرء من رفع صوته بالتكبير، ليسمع من بجواره، ومن المؤسف أكثر أن يخجل المرء أن يرفع صوته بالتكبير حتى في بيته وبين أهله، املأوا بيوتكم تكبيرا، واعمروا أوقاتكم تهليلا، ولذكر الله أكبر من كل شيء، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا ...
وقال البخاري كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها. وقال: وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.
فعلامَ الحياءُ وإلى متى الخجلُ من رفعِ الصوتِ بالتكبير، كبروا حتى يخجل الساكت لا الذاكر وهو الأحق بالخجل، كبروا فليس المجاهرون بالمعاصي أولى بأهل الطاعات، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا... ليكبِّرَ المرءُ في بيتهِ وفي خروجِه وفي سُوقه وفي عملهِ وفي كلِ أحيانه ...
علموا أطفالكم التكبير فإنهم إن رأوا جهركم جهروا مثلكم ...وإن أصح الصيغ فيه: "الله أكبر الله أكبر كبيرا ..."
بارك الله لي ولكم ...


الخطبة الثانية:
الحمدلله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله حتى يرضى والحمد لله إذا رضي والحمد لله بعد الرضا، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه، وخليله، خير من لبى وكبر فالله أكبر والله أكبر كبيرا
ثم أما بعد:
....

عباد الله،  ليبذلَ المرءُ طاقتهُ وجهدَهُ فسيأتي اليومُ الذي يقالُ فيه: "ما أسرعَ هذهِ الأيامِ انقضتْ، وما أسرعَ العيدَ وقدْ حلَ"...
وتذكر يا عبدالله أن المعين من الناس على العمل الصالح أقل منهم في رمضان مع كون هذه الأيام أفضل، فلا تلتفت للمثبطين ولا لغفلة الناس، فإن غفلة الناس في أزمنة الطاعة، لا تنقصها أجرها بل تزيده فضلا، وأجرا، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
قال صلى الله عليه و سلم: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» . (رواه مسلم).
قال الإمام النووي - رحمه الله- : المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد.
وقال الحافظ ابن رجب - رحمه الله- : «وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها: أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام، فإنه سر بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء.
فالمحروم من حرم خير هذه الأيام وثوابها والله المستعان...
وهناكَ أعمالٌ أخرى يستحبُ الإكثارْ منها في هذهِ الأيامِ بالإضافةِ إلى ما ذكر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي:
قراءةَ القرآنِ وتعلمه ـ والاستغفارَ ـ وبرَ الوالدينِ ـ وصلةَ الأرحامِ والأقاربِ ـ وإفشاء‌َ السلامِ وإطعاَِ الطعامِ ـ والإصلاحَ بينَ الناسِ وحفظَ اللسانِ والفرجِ ـ والإحسانَ إلى الجيرانِ ـ وإكرامَ الضيفِ ـ والإنفاقَ في سبيلِ اللهِ ـ وإماطةِ الأذى عن الطريقِ ـ والنفقةَ على الزوجةِ والعيالِ ـ وكفالةِ الأيتامِ ـ وزيارةَ المرضى ـ وقضاءَ حوائجِ الإخوانِ ـ والصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم ـ وعدمَ إيذاءَ المسلمينَ ـ والرفقَ بالرعيةِ ـ وصلةَ أصدقاءِ الوالدين ـ والدعاءَ للإخوانِ بظهرِ الغيبِ ـ وأداءَ الأماناتِ والوفاءَ بالعهدِ ـ والبرَ بالخالةِ والخالـِ وإغاثةَ الملهوفِ ـ وغضَ البصرِ عن محارمِ الله ـ وإسباغَ الوضوءِ ـ والمحافظةَ على السنن الراتبةِ ـ وذكرَ اللهِ عقبَ الصلواتِ ـ والحرصَ على الكسبِ الحلالِ ـ وإدخالَ السرورِ على المسلمينَ ـ والشفقةَ بالضعفاءِ ـ واصطناعَ المعروفِ والدلالةَ على الخيرِ ـ وسلامةَ الصدرٌ وتركَ الشحناءِ ـ وتعليمَ الأولادِ والبنات ـ والتعاونَ مع المسلمينَ فيما فيه خيرٌ
وغيرها كثير فمن رحمة الله أن أطلقَ العملَ وكلٌ ميسرٌ لما خلقَ له ... ومن فُتحَ له في شيء فليبادر ...
وللمرء أن ينوعَ العبادةَ خشيةَ السأمِ وأن يكثرَ من الذكرِ لأنه منصوصٌ عليهِ في الحديثِ وإنه ليسيرٌ عظيمٌ كبير ...
اللهم أتمَّ علينا نعمتَكَ ويسرْ لنا طاعتَكَ وسلمِ الحجاجَ وبلغهمْ مناهمْ ورجاهم وتقبل منا ومنهم
اللهم احفظ جنودنا وانصرهم، وردهم لأهلهم سالمين غانمين، اللهم الطف بالمسلمين في بلاد العالم كلها، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عاريهم، وأمِّن خائفهم يارب العالمين ...
اللهم آمنا في بلدنا هذا، وأدم علينا نعمتك نعمة الأمن، والإطعام، والعافية والسلامة..
الله. وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، يارب العالمين ...
اللهم صل على سيدنا ونبينا محمد وعلى اله أجمعين، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكر الله يذكرم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ...

 

المشاهدات 1520 | التعليقات 0