اليوم الآخر (7-10): الحساب والميزان

راكان المغربي
1445/06/15 - 2023/12/28 15:37PM

 

الخطبةُ الأولَى:

أمَّا بعدُ:

طالَ الموقفُ، واشتدَّ الخطبُ، ثمَّ سجدَ سيِّدُ الخلقِ شافعًا.. "يَا محمدُ، ارفعْ رأسَكَ، وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ"؛ يرفعُ رأسَهُ شافعًا ليُقضَى بينَ الخلقِ، لينتهيَ موقفُ الحشرِ، ويبدأُ بعده موقف العرض والحساب..

 

(وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا)[الكهف:48]؛ زعمتمْ وظننتمْ! وهَا أنتمْ فِي الموعدِ حاضرينَ.. حاضرينَ حيثُ لاَ أهلَ ولاَ أصحابَ؛ حيثُ لاَ خدمَ ولاَ أعوانَ؛ حيثُ لَا ناصرَ ولاَ مُعِينَ إلَّا ربُّ العالمينَ.

 

(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مريم:93-95]؛ يتقدَّمونَ فُرادَى للمثولِ أمامَ المَلِكِ، ليستلمَ كُلٌّ منهمُ النتيجةَ، ليرَى مُلخَّصَ حياتِهِ، وجزاءَ أعمالِهِ..

 

(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)[الانشقاق:6]؛ هكذَا سنلقَى اللهَ، أنَا وأنتَ، وهوَ وهيَ.. فيَا لهولِ الموقفِ، ومَا أصعبَ المقامَ!!

 

قالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنكُمْ أحَدٌ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منهُ فلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أَشْأَمَ منهُ فَلَا يَرَى إلَّا مَا قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تَمْرَةٍ".

 

تُنْصَبُ الموازينُ لوزنِ أعمالِ العبادِ، (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[غافر:17]؛ (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)[الأنبياء:47].

 

ينادَى الناسُ كلُّ الناسِ بلَا استثناءٍ.. ولكنَّهُمْ حينهَا فِرَقٌ.. فأمَّا الفريقُ الأولُ فهمْ قومٌ لاَ يُحاسبونَ علَى أعمالهمْ، ولاَ تُعرضُ عليهمْ سيئاتُهُمْ.. منهمْ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ سبعونَ ألفًا؛ صفاتُهُمْ ذكرَهَا النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينَ قالَ: "همُ الذينَ لَا يَسْترقونَ ولَا يكتوونَ ولَا يتطيرونَ، وعلَى ربهمْ يتوكلونَ".

 

وأمَّا الفريقُ الثانِي فهمُ الذينَ يُحاسبونَ حسابًا يسيرًا، فلاَ يُناقَشُونَ الحسابَ، وَإِنَّمَا تُعْرَضُ أعمالُهُمْ ثُمَّ يَتجاوزُ اللهُ عنهَا بفضِلِهِ وإحسانِهِ.. قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عليْهِ كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ، ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّهُ هَلَكَ، قالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ".

 

ينطلقُ أهلُ الإيمانِ فرحينَ بهذِهِ النتيجةِ؛ إنَّهُ اليومُ الذِي كانُوا ينتظرونَ، والجزاءُ الذِي كانُوا يُوعَدُونَ، إنَّهُ الفوزُ الحقيقيُّ، إنَّهُ النجاحُ الذِي لَا رسوبَ بعدَهُ.. والفلاحُ الذِي لَا خَيْبَةَ بعدَهُ.

 

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الحاقة:19-24].

 

وأمَّا الفريقُ الثالثُ فالحسابُ عليهمْ عسيرٌ، والنقاشُ علَى أعمالهمْ شديدٌ.. فرُحْمَاكَ ربَّنَا رُحْمَاكَ! يُقرَّعُونَ علَى ذنوبهمْ، يُقَرَّرُونَ بتفريطهِمْ، يُؤَنَّبُونَ علَى فُجُورِهِمْ.. (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)[الأنعام:130].

 

ويُعطَى أحدُهُمْ كتابَهُ بشمالِهِ مِنْ وَراءِ ظهْرِهِ (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الإسراء: 14]؛ فلَا مجالَ للإنكارِ، ولَا فُرصةَ للفرارِ.

 

قالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يقولُ العبدُ يومَ القيامةِ: يَا ربِّ أَلَمْ تُجِرْنِي منَ الظلمِ؟ فيقولُ: بلَى. فيقولُ: إِنِّي لَا أُجيزُ علَى نفْسِي إلَّا شاهدًا منِّي، فيقولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ اليومَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وبالكرامِ الكاتبينَ شهودًا، فيُخْتَمُ علَى فِيهِ، ويقالُ لأركانِهِ: انطِقِي بأعمالِهِ، ثُمَّ يُخَلَّى بينَهُ وبينَ الكلامِ، فيقولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا، فعنكنَّ كنتُ أناضِلُ".

 

تنقطعُ الحُجَّةُ؛ فاليومُ يومُ العدلِ، واليومُ يومُ الجزاءِ.. (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف:49].

 

يستلمُ الشقيُّ الكتابَ فلَا يملكُ إلَّا الولولةَ والحسرةَ والصراخَ؛ (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا)[الانشقاق: 10-15].

 

وقالَ -سبحانه- واصفًا حالَ هذَا الشقيِّ فِي ذلكَ الموقفِ: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)[الحاقة:25-29]؛ انتهَى وقتُ العملِ وحانَ وقتُ الجزاءِ، وحَقَّتْ كلمةُ اللهِ..

 

ذاكَ هناكَ.. وأمَّا اليومُ فالبابُ مفتوحٌ، والفرصةُ قائمةٌ؛ (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الزمر:53-61].

 

اللهمَّ هَوِّنْ علينَا الموقفَ، ويَسِّرْ لنَا الحسابَ..

باركَ اللهُ لِي ولكُمْ..

 

 

الخطبةُ الثانيةُ:

 

منْ مَواقِفِ الحسابِ العسيرةِ: موقفٌ وصَفَهُ لنَّا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لأقوامٍ كانَ يُشارُ إليهِمْ فِي الدنيَا.. ليسَ بالمُلْكِ والجُنْدِ، وإنَّمَا بالصَّلاحِ والعبادةِ.. موقفٌ لَمْ يستطعْ أبُو هريرةَ أنْ يحكيَهُ عنِ النَّبيِّ إلَّا بعدَ أنْ أُغْشِيَ عليْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ..

 

فعنْ شُفَيِّ الأصبحيِّ أنَّهُ دخَلَ المَدينةَ؛ فإذَا هوَ برجُلٍ قدِ اجتَمَعَ عليهِ الناسُ، فقالَ: مَنْ هذَا؟ فقالُوا: أبُو هُرَيرةَ. قالَ: فدَنَوتُ منهُ حتَّى قعَدتُ بينَ يَدَيْهِ، وهوَ يُحدِّثُ الناسَ، فلَمَّا سكَتَ وخَلا، قُلتُ له: نَشَدْتُكَ بحقٍّ وبحقٍّ لَمَا حَدَّثتَنِي حَديثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَقِلتَهُ وعَلِمتَهُ.

 

فقال أبو هُرَيرةَ: أفعَلُ، لَأُحدِّثنَّكَ حَديثًا حدَّثَنيهِ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَقِلتُهُ وعَلِمتُهُ، ثُمَّ نشَغَ أبُو هُرَيرةَ نَشْغَةً -أيْ شهقَ شهقةً فأخذَتْهُ إغماءةٌ-، فمكَثَ قليلاً ثمَّ أفاقَ، فقال: لَأُحدِّثنَّكَ حَديثًا حدَّثَنيهِ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هذَا البَيتِ، مَا معنَا أحدٌ غَيري وغَيرُهُ. ثُمَّ نشَغَ أبُو هُرَيرةَ نَشْغَةً أُخْرَى، فمكَثَ كذلكَ، ثُمَّ أفاقَ ومسَحَ وَجهَهُ، فقالَ: أفعَلُ، لَأُحدِّثنَّكَ حَديثًا حدَّثَنيهِ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَا وهوَ فِي هذَا البَيتِ، مَا معنَا أحَدٌ غَيري وغَيرُهُ. ثُمَّ نشَغَ أبو هُرَيرةَ نَشْغَةً شَديدةً، ثُمَّ مالَ خارًّا على وَجهِهِ، وأسنَدتُهُ طَويلاً.

 

ثُمَّ أفاقَ فقال: حدَّثَني رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "أنَّ اللهَ -تبارَكَ وتَعالى- إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ؛ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ؛ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي. قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ؛ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ.

 

وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ؛ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ، حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ. قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ، وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ.

 

وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ؛ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ.

 

ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رُكْبَتِي، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

 

وعندما سمع معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- هذا الحديث قال: قد فُعِلَ بهؤلاءِ هذَا، فكيفَ بِمَنْ بَقيَ مِنَ الناسِ؟ ثم بَكَى مُعاويةُ بُكاءً شَديدًا حتَّى ظنَنَّا أنَّهُ هالِكٌ، ثمَّ أفاقَ مُعاويةُ ومسَحَ عن وَجهِهِ، وقال: صدَقَ اللهُ ورسولُهُ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[هود:15-16].

 

اللهمَّ قِنَا عذابكَ يومَ تَبعثُ عبادَكَ..

اللهمَّ ثَبِّتْنَا علَى دينكَ حتَّى نلقاكَ..

 

اللهمَّ إنَّا نعوذُ برضاكَ مِنْ سخطكَ وبمعافاتكَ مِنْ عقوبتكَ، وبكَ منكَ، لَا نُحصي ثناءً عليكَ، أنتَ كمَا أثنيتَ علَى نفسكَ..

المرفقات

1703767044_اليوم الآخر (7-10) الحساب والميزان.docx

1703767044_اليوم الآخر (7-10) الحساب والميزان.pdf

المشاهدات 554 | التعليقات 0