اليوم الآخر (3-10): الموت

راكان المغربي
1444/07/04 - 2023/01/26 15:11PM

الخطبةُ الأولَى:

 

أَمَّا بَعْدُ:

هِيَ مُجَرَّدُ لَحْظَةٍ!

لَحْظَةٌ مِنَ اللَّحَظَاتِ، سَتَمُرُّ عَلَيْنَا جَمِيعًا، كُلٌّ مِنَّا سَيَعِيشُهَا وَيَعِيشُ أَدَقَّ تَفَاصِيلِهَا وَأَحْدَاثِهَا، لَيْسَ لَهَا مَوْعِدٌ مُحَدَّدٌ لَكِنَّهَا سَتَأْتِي لَا مَحَالَةَ، قَدْ يَعِيشُهَا الرَّضِيعُ، وَقَدْ يَذُوقُهَا الصَّبِيُّ، وَقَدْ تَهْجُمُ عَلَى الشَّابِّ، وَقَدْ تَتَأَخَّرُ حَتَّى تُبَاغِتَ الْكَبِيرَ..

 

مِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ تَهَيَّأَ لَهَا؛ فَهُوَ فِي تَأَهُّبٍ وَاسْتِعْدَادٍ دَائِمٍ لَهَا.. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْفُلُ وَيَتَغَافَلُ عَنْهَا، فَلَا يَزَالُ هَكَذَا حَتَّى تَأْتِيَهُ بَغْتَةً عَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ.

 

إِنَّهُ الْمَوْتُ يَا عِبَادَ اللَّهِ! الْمَوْتُ! تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْمُخِيفَةُ الَّتِي تَنْفِرُ مِنْهَا النُّفُوسُ، لَكِنَّهَا -وَاللَّهِ- حَقِيقَةٌ آتِيَةٌ وَحَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ. حَقِيقَةٌ مَنْ وَضَعَهَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَيْنَيْهِ عَنْهَا، وَأَلْقَى بِهَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ.

 

هُوَ الْمَوْتُ مَا مِنْهُ مَلَاذٌ وَمَهْرَبٌ *** مَتَى حُطَّ ذَا عَنْ نَعْشِهِ ذَاكَ يَرْكَبُ

نُشَاهِدُ ذَا عَيْنَ الْيَقِينِ حَقِيقَةً *** عَلَيْهِ مَضَى طِفْلٌ وَكَهْلٌ وَأَشْيَبُ

وَلَكِنْ عَلَا الرَّانُ الْقُلُوبَ كَأَنَّنَا  *** بِمَا قَدْ عَلِمْنَاهُ يَقِينًا نُكَذِّبُ

نُؤَمِّلُ آمَالاً وَنَرْجُو نِتَاجَهَا  *** وَعَلَّ الرَّدَى مِمَّا نُرَجِّيهِ أَقْرَبُ

 

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَبْصَرَ بِجَمَاعَةٍ فَقَالَ: "عَلَامَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ؟"، قِيلَ: عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ، قَالَ: فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَدَرَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ مُسْرِعًا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ فَجَثَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَقْبَلْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لِأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، قَالَ: "أَيْ إِخْوَانِي، لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا".

 

فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ.. تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُكَ الْأَرْضَ وَأَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، فَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟!

 

أَخِي فِي اللَّهِ: وَاللَّهِ ثُمَّ وَاللَّهِ سَتَأْتِي عَلَيْكَ هَذِهِ اللَّحْظَةُ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، وَحِينَهَا سَتُغَادِرُ وَحِيدًا، لَا أَهْلَ وَلَا مَالَ، لَا صَحْبَ وَلَا خَدَمَ. كُلُّهُمْ سَيَتَوَلَّوْنَ عَنْكَ بَعْدَ أَنْ يَحْثُوا عَلَى وَجْهِكَ التُّرَابَ، وَحِينِهَا لَنْ يَبْقَى لَكَ إِلَّا عَمَلُكَ، سَتَبْقَى لَكَ صَلَاتُكَ الَّتِي أَخْلَصْتَ فِيهَا لِرَبِّكَ، وَصِيَامُكَ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ لَا تَبْتَغِي بِهِ إِلَّا وَجْهَهُ، وَمَالُكَ الَّذِي تَصَدَّقْتَ بِهِ وَكُنْتَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، كَلِمَتُكُ الطَّيِّبَةُ، تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ، حُرُوفٌ نَطَقْتَ بِهَا ذِكْرًا لِلَّهِ، كُلُّ ذَلِكَ سَيَبْقَى لَكَ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)[الزلزلة:7].

 

وَسَيَبْقَى لَك أَيْضًا صَلَاةٌ أَخَّرْتَهَا عَنْ وَقْتِهَا عَمْدًا، وَكَلِمَةٌ رَمَيْتَ بِهَا أَخَاكَ سَبًّا وَشَتْمًا، وَرِيَالٌ أَخَذْتَهُ بِالْحَرَامِ تَسَاهُلاً وَتَهَاوُنًا، سَيَبْقَى لَكَ تَكَبُّرُكَ عَلَى خَادِمِكَ، وَظُلْمُكَ لِزَوْجِكَ وَوَلَدِكَ، وَغِيبَةٌ لِأَخِيكَ وَنَمِيمَةٌ، كُلُّ ذَلِكَ سَيَبْقَى لَكَ (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة:8].

 

الْمَوْتُ يَا أَخِي لَيْسَ نِهَايَةَ الْحَيَاةِ، بَلْ هُوَ الْبِدَايَةُ!

هُوَ أَوَّلُ مَرَاحِلِ الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالدَّارِ الْخَالِدَةِ.. الْمَوْتُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[العنكبوت:64].

 

عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِيَوْمَيْنِ ولَيْلَتَيْنِ لَمْ تَسْمَعِ الخَلائِقُ بِمِثْلِهِنَّ؟ أوَّلُ يَوْمٍ يَجِيئُكَ البَشِيرُ مِنَ اللَّهِ، إِمَّا بِرِضًا أوْ بِسَخَطٍ، ويَوْمٌ تَقِفُ فِيهِ عَلى رَبِّكَ آخِذًا كِتابَكَ إِمَّا بِيَمِينِكَ وإمَّا بِشِمَالِكَ. وأوَّلُ لَيْلَةٍ تَسْتَأْنِفُ المَبِيتَ فِي القُبُورِ ولَمْ تَبِتْ فِيهَا قَبْلَهَا، ولَيْلَةٌ صَبِيحَتُهَا يَوْمُ القِيامَةِ لَيْسَ بَعْدَها لَيْلٌ". فَوَاغَوْثَاهُ!! مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ سَنَكُونُ؟!

 

قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ يَحْتَضِرُ: "أَلَا رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمِثْلِ مَصْرَعِي هَذَا!! أَلَا رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمِثْلِ سَاعَتِي هَذِهِ! أَلَا رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمِثْلِ يَوْمِي هَذَا؟ ثُمَّ بَكَى؛ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَتَبْكِي وَقَدْ صَاحَبْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَقَالَ: وَمَالِي لَا أَبْكِي وَلَا أَدْرِي عَلَامَ أَهْجُمُ مِنْ ذُنُوبِي".

 

وَبَكَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي مَرَضِهِ؛ فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: "أَمَا إِنِّي لَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَى بُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّة زَادِي، وَإِنِّي أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مُهْبِطٍ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، وَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا يَأْخُذُ بِي".

 

هَكَذَا هُمْ الصَّالِحُونَ، يَخَافُونَ فِي الدُّنْيَا، فَيُؤَمِّنُهُمْ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ.. هُمْ آمَنُونَ مِنْ أَوَّلِ لَحَظَاتِهَا حِينَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ رَأْيَ الْعَيْنِ؛ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ الرَّهِيبَ الْمُخِيفَ الْمَهِيبَ!

 

قَبْل قَلِيلٍ كَانَ يَرَى أَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ وَأَحْبَابَهُ، وَالْآنَ يَرَى خَلْقًا غَرِيبًا عَجِيبًا؛ يَقْدُمُوا عَلَيْهِ لِيَنْقُلُوهُ مِنْ حَيَاةٍ إِلَى حَيَاةٍ، وَمِنْ دَارٍ إِلَى أُخْرَى، أَنْصِتْ لِكَلِمَاتِ رَبِّكَ وَهُوَ يَصِفُ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ لِلْمُؤْمِنِ الْمُسْتَقِيمِ عَلَى أَمْرِهِ: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)[فصلت:29-32]؛ فَمَا أَهْنَأُ الْمَقَامِ!، وَمَا أَحْلَى الْبُشْرَى!

 

فَأَبْشِرْ يَا مَنْ كُنْتَ تَخَافُ رَبَّكَ وَتَنْهَى نَفْسَكَ عَنْ هَوَاهَا، أَبْشِرْ يَا مَنْ دَعَتْكَ نَفْسُكَ لِلْحَرَامِ فَأَلْجَمْتَهَا، وَكَسَّلَتْكَ عَنِ الطَّاعَةِ فَزَجَرْتَهَا وَأَقَمْتَهَا؟

 

أَتَذْكُرُ خُطُوَاتِكَ إِلَى الْمَسَاجِدِ؟ أَتَذْكُرُ حُبَّكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ وَلِصَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ؟ أَبْشِرْ ثُمَّ أَبْشِرْ؛ فَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. الْيَوْمَ يَوْمُكُ! الْيَوْمَ تَلْقَى ثَوَابَكَ وَجَزَاءَ صَبْرِكَ وَطَاعَتِكَ! سَتَسْمَعُهَا يَا أَيُّهَا الصَّالِحُ فَتَجِدُ بَرْدَهَا وَحَلَاوَتِهَا (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)[الفجر:27-30].

 

وَأَمَّا الطَّرَفُ الْآخَرُ فَيَقُولُ: وَاحَسْرَتَاهُ عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ!

كَمْ كُنْتَ تُذَكَّرُ وَتُوعَظُ وَتُبَصَّرُ، فَتَمَادَيْتَ فِي الْعِصْيَانِ، وَاعْتَدْتَ عَلَى الطُّغْيَانِ؟

هَجَرْتَ الطَّاعَاتِ، وَاقْتَرَفْتَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَغَفَلْتَ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ.

"اللَّهُ" لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابَاتِكَ وَلَا اهْتِمَامَاتِكَ، كُلُّ هَمِّكَ اللَّذَائِذُ وَالشَّهَوَاتُ، الْأَمْوَالُ وَالنِّسَاءُ، اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ.. أَمَّا "اللَّهُ" فَمَا كُنْتَ تَحْسُبُ لَهُ أَيَّ حِسَابٍ (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[الحشر:19].

 

فَوَاحَسْرَتَاهُ عَلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ بَقُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُمْ الْمَوْتُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)[النحل:28-29].

 

فَيَا إِخْوَانِي! لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا..! (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 185].

 

 

الْخُطْبَة الثَّانِيَة:

 

أَمَّا بَعْد: نِدَاءٌ مِنَ اللَّهِ فَأَوْعِ لَهُ سَمْعَكَ، وَأَنْصِتْ إِلَيْهِ بِقَلْبِكَ.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر:5]؛ الْوَعْد حَقّ، وَاللِّقَاء قَادِم، وَالْمَصِير إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ أَوْ إِلَى نَار.

 

كَمْ مِنْ النَّاسِ مَنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَفِرُّونَ مِنَ الْمَوْتِ؛ فَإِذَا هُوَ يُلَاقِيهِمْ مِنْ أَمَامِهِمْ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجمعة:8].

 

نِسْيَانُكَ لِلْمَوْتِ يَعْنِي ضَيَاعَ مُسْتَقْبَلِكَ، وَخَرَابَ آخِرَتِكَ، وَسُوءَ مُنْقَلَبِكَ. وَلِذَلِكَ أَوْصَاك الْحَبِيبُ الْحَرِيصُ عَلَيْكَ بِالْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ: الْمَوْتِ; فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ مِنَ الْعَيْشِ إِلَّا وَسَّعَهُ عَلَيْهِ، ولَا ذَكَرَهُ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ"؛ فَأَكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، لِتَكُونَ دَائِمَ الِاسْتِعْدَادِ لِلِقَاء اللهِ -تَعالَى-.

 

يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أحَبَّ لِقاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقاءَهُ". قالَتْ عائِشَةُ أوْ بَعْضُ أزْواجِهِ: "إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، قالَ: ليسَ ذاكِ، ولَكِنَّ المُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ برِضْوانِ اللهِ وكَرامَتِهِ، فليسَ شيءٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، فأحَبَّ لِقاءَ اللهِ وأَحَبَّ اللهُ لِقاءَهُ، وإنَّ الكافِرَ إذا حُضِرَ بُشِّرَ بعَذابِ اللهِ وعُقُوبَتِهِ، فليسَ شيءٌ أكْرَهَ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، كَرِهَ لِقاءَ اللهِ وكَرِهَ اللهُ لِقاءَهُ"(صحيح البخاري: ٦٥٠٧).

 

اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا الْمَوْقِفَ، وَاسْتُرْنَا فَوْقَ الْأَرْضِ وَتَحْتَ الْأَرْضِ وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ..

اللَّهُمَّ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ..

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْك ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ فَاهْدِنَا سُبُلَ الرَّشَادِ وَاعْصِمْنَا مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ..

 

إِلَهنَا يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبنَا عَلَى دِينِكَ وَصَرِّفْهَا عَلَى طَاعَتِكَ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ.

 

المرفقات

1674735073_اليوم الآخر (3-10) الموت.docx

1674735073_اليوم الآخر (3-10) الموت.pdf

المشاهدات 821 | التعليقات 0