اليمن والخيارات الصعبة / نبيل البكيري

احمد ابوبكر
1436/05/02 - 2015/02/21 09:23AM
[align=justify]دخلت اليمن منذ سقوط العاصمة صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014، ما يشبه المتاهة التي لا يمكن الوصول إلى نهايتها بدون معرفة بدايتها جيدا، وهذا ما يتهرب منه الجميع، خوفا ربما من سطوة سلاح المليشيات الحاكمة التي ربما ذهبت هذه الأطراف السياسية في لعبة مقايضة معها، الأمن مقابل الانبطاح باستثناء التنظيم الناصري.

غياب الدولة وانهيار مؤسساتها العسكرية والأمنية بهذا الشكل المريب، على يد مليشيات طائفية، لم يكن إلا نتاجا طبيعيا للخلل البنيوي الكبير في هذه المؤسسات منذ أحداث أغسطس/آب 1968، وزاد من تعزيز هذا التوجه في البناء غير الوطني أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1978، أي ما عرف بالانقلاب الناصري حينها.

وبالتالي فأي حديث اليوم عن حل للمأزق اليمني الراهن، بعيدا عن مقاربة هذه الإشكالية البنيوية ليس إلا عبثا يضاف إلى عبث سابق، يراكم الأخطاء ويؤجل انفجارها مستقبلا، والذهاب باليمن إلى مربعات لا وطنية ضيقة، تتمثل بحروب وانقسامات قبلية ومناطقية وطائفية.

فالانقلاب الحوثي لم يكن لينجح دون هذا البعد غير الوطني في بنية الجيش، وليس هذا سببا وحيدا قطعا، ولكنه سبب جوهري تليه أسباب عدة، كحالة الانشقاق والصراع بين مختلف القوى الوطنية فيما بعد ثورة 11 فبراير/شباط 2011.

عدا عن الظرف الدولي والإقليمي الذي غض الطرف عن تلك المليشيات واستخدامه لها كقفاز لضرب قوى ثورة فبراير/شباط الرئيسية ممثلة في الإسلاميين في ظل أجندة القوى الدولية المتمثلة في ضرب تيار الإخوان المسلمين أبرز قوى ثورة الربيع العربي وأهم حوامل المسار الديمقراطي عربيا أيضا.

عودة للحدث عن الإشكال اليمني الراهن والمتمثل بالانقلاب الحوثي المليشيوي على كل مكتسبات اليمنيين، ليس في ثورة 11 فبراير/شباط 2011 فحسب بل في القلب منها ضرب مكتسبات ثورة 26 سبتمبر 1962 التي ترى هذه المليشيات أنها ثورة كانت ضد فكرتها الكهنوتية الإمامية.

وبالتالي فالحديث اليوم عن الذهاب لتشكيل أي إطار رئاسي للحكم بدلا عن الإطار الذي تم ضرب رمزيته ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي بعد إسقاط كل مؤسسات الدولة كالأمن والدفاع وآخرها رئاسة الجمهورية، فالذهاب إلى ذلك ليس سوى إنقاذ وشرعنة للانقلاب المليشيوي لجماعة الحوثي.

تلك الجماعة التي أسقطت كل شيء في اليمن -طوال عام 2014- واستمرت على ذلك النهج حتى اللحظة في ضربها لكل أطر العملية السياسية ومؤسساتها وقيمها ومبادئها، بإسقاطها لكل شيء في طريقها للحكم بقوة السلاح والكهنوتية الدينية، التي تعني إلغاءهم حتى للتعددية الاجتماعية والمذهبية والثقافية التي تعيشها اليمن.

وتكمن الكارثة هنا، في سعي هذا الجماعة إلى التهام الدولة كحق إلهي خاص بها، نصا دينيا مقدسا، وبالتالي ارتداء معطف هذه الدولة، ولكن بدون أن تتحمل أي مسؤولية تجاه الناس وأمنهم واستقرارهم واقتصادهم.

فكل ما تريد هذه الجماعة هو فقط أن تجني المكاسب باعتبار أن الدولة ومؤسساتها مجرد أطر لموارد ريعيه للجباية، وبعد ذلك تترك الآخرين ممن تبحث عنهم ليكونوا في الواجهة متحملين مسؤولياتهم وملزمين أمام الشعب بها، فيما ليس لديهم أي صلاحيات لإدارة هذه المؤسسات.

ومن هنا أعتقد أن الوضع الذي طرأ على المشهد المحلي والإقليمي طوال الثلاثة الأشهر الماضية، تجاه ما أحدثته هذه الجماعة منذ سبتمبر/أيلول الماضي وحتى اللحظة، كان جديرا أن يدفع بالجماعة إلى مراجعة حساباتها غير المنطقية، لكن ما تمارسه هذه الجماعة يؤكد أنها ماضية في مهمة انتحارية لليمنيين جميعا، الأكثر شبها اليوم بركاب طائرة مختطفة.

وبالتالي أعتقد، أن أي حديث عن أي حوارات مع هذه الجماعة المليشيوية لن تجدي نفعا -بالنظر إلى تاريخها التفاوضي السيئ- بقدر ما تخدمها هذه الحوارات بإعطائها شرعية ولو شكلية من خلال الاعتراف بها كقوة سياسية حاضرة على طاولة التفاوض، فيما هي في الحقيقة مليشيات طائفية مسلحة يجب أن تعزل سياسيا وتترك لمواجهة مصيرها وقدرها بمفردها وهي اليوم قد أصبحت طرفا وحيدا أمام الشعب اليمني وكل قواه الوطنية.

فما تقوم به بعض أحزب اللقاء المشترك، بمعية مبعوث الأمين العام للإمام المتحدة جمال بن عمر -بدون الانطلاق من أن ما تم هو انقلاب، ومن أن من قامت به هي مليشيات مسلحة- ليس إلا عملا مريبا يضفي شرعية على عمل انقلابي غير شرعي.

ومن هنا أستطيع القول إن ذهاب هذه الأطراف إلى نهاية المشهد التفاوضي مع جماعة مليشوية مسلحة وغير سياسية، والخروج معها إلى أي اتفاق كان، بتشكيل مجلس رئاسي بوجود الرئيس هادي أو بغيره أو بمجلس عسكري أو الذهاب إلى مجلس النواب كما يطرح حزب الرئيس السابق صالح، أو أي صيغه مهما كانت، ليس إلا عملا عبثيا كارثيا، يؤجل الانفجار الكبير ولا يقضي عليه.

فما لم تتزامن أي صيغة للحل مع اشتراط تسليم سلاح الدولة وسحب المليشيات وعودتها إلى ما قبل أحداث 21 سبتمبر/أيلول الماضي، فإن كل ذلك لن يغير من حقيقة الأزمة واستمرارها بشكل أكثر تعقيدا، ولن يجدي معها أي عمل سياسي لا يتناسب مع طبيعة الذهنية الحاكمة للمليشيات المسلحة.

وعلى افتراض المضي في الحوار الذي لم يعد طرفا فيه أمام الحوثي، سوى حزب الإصلاح بعد انسحاب الحراك الجنوبي والسلفيين والمؤتمر الشعبي العام والناصري، فلا معني لأي شيء سينتج عنه هذا الحوار في ظل المهلة التي حددها مؤتمر آخر لجماعة الحوثي عقد بصنعاء مؤخرا ومُدد لأكثر من مرة، مطالبا المتحاورين بحل خلال ثلاثة أيام وإلا فما يسميه المؤتمر باللجان الثورية ستمضي لحسم موضوع الفراغ الدستوري.

يدرك الجميع اليوم مدى المأزق الذي وقعت فيه جماعة الحوثي، كما يدرك الجميع أيضا، أن أي حل لا يقتضي العودة بالمسار السياسي والأمني والعسكري إلى ما قبل سبتمبر/أيلول الماضي، بجملة اشتراطات، لن يؤدي إلى مخرج حقيقي للأزمة الراهنة، وبالتالي ذهاب البلاد إلى مربعات أخرى خارج إطار المربع السياسي.

يدرك الجميع أيضا أن إقدام الحوثيين على تشكيل أي إطار رئاسي كان، سيعني مباشرة دفع المكونات الأخرى في الجنوب والشمال إلى حسم خيارات صعبة سيلجئهم الحوثي إليها، وكلها خيارات مصيرية، كانفصال الجنوب والأقاليم كالجند وسبأ شمالا، عن سلطة المركز في صنعاء الخاضعة لقبضة الحوثي.

وعلى افتراض فشل كل الخيار المتصارع حولها بما فيها خيار البرلمان الذي يحبذه حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي يروم من خلاله العودة للسلطة بحكم أغلبية أعضائه في برلمان هو الأطول عمرا ربما في التاريخ منذ انتخابه في عام 2003 وحتى اللحظة، فأعتقد أن الخيارات الأخرى تضيق أمام الجميع.

ولكن يبقى خيار أخير ربما هناك شبه إجماع حوله من قوى الأطراف التي دفعتها مغامرة الحوثي الانقلابية للتشبث بخيار الأقاليم، ويتمثل هذا الخيار في إعلان نقل العاصمة إلى تعز أوعدن، وإعلان صنعاء عاصمة محتلة، مع وقف فوري لكافة أشكال التعامل مع سلطتها الانقلابية بصنعاء والبدء بالنضال لتحرير العاصمة والأقاليم المحتلة، هذا في حال لم يطرأ جديد في موضوع التحالف بين جماعة الحوثي والرئيس السابق، قد يقود المشهد اليمني إلى سيناريوهات أخرى.

المصدر : الجزيرة نت
[/align]
المرفقات

659.doc

المشاهدات 936 | التعليقات 0