اليمن الملتهب والفجر الجديد

د مراد باخريصة
1432/07/08 - 2011/06/10 12:17PM
لا تزال الأزمة في اليمن تنتقل من منعطف خطير إلى منعطف أخطر فالحبال قد اشتدت والكرب كثرت والدماء سالت والأوضاع تفجرت والأرواح أزهقت وأنات المكلومين والمظلومين ارتفعت والفتنة أطلت والأهواء تحكمت.
هنا في اليمن أزمة سياسية تشعبت خيوطها وتشتت رؤاها وتطايرت تحليلاتها وكثرت وقائعها وأحاطها اللبس والغموض واكتنفتها الغرابة والحيرة فكلما حاول المرء أن يفهمها أو يمسك خيوطها أو يفك لغزها انقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير.
وهنا أزمة عسكرية حادة فالجيش مقسوم وكلما خاض حرباً خرج منها مهزوما ولم يبق فيه اليوم إلا من باع دينه بدنيا غيره ورضي أن يكون أداة لقمع الناس وقتلهم وإرهابهم كما نراه ونسمعه كل يوم في صنعاء وعدن وفي تعز والحديدة وأبين وفي غيرها من ربوع اليمن.
وهنا أزمة اقتصادية بلغت ذروتها قبل الأزمة وزادت فوق حدها بعد الأزمة فالفقر والبطالة ونقص الغذاء وقلة الدواء وانقطاع الكهرباء وتقطع الماء كلها أزمات تتفاقم وتتعاظم كل يوم.
وهنا في اليمن أزمة اجتماعية خطيرة فالرؤى تضادت واختلفت والقبائل انقسمت وتناطحت والتكتلات كثرت وتنوعت والخطابات اختلفت وتفلتت واللجان الشعبية والحراسات الليلية توقفت وتفككت وسحب الحرب الأهلية بدت وظهرت في العاصمة وما حولها.
إنها أزمة خانقة وأجواء مشحونة استخدمت فيها جميع وسائل الإثارة من أسلحة حربية وآلة إعلامية ومخططات تخريبية تشارك فيها عصابات الموت وشلل المرتزقة وبلاطجة التدمير الذين يخططون للتخريب ويقومون بالتعطيل وقد تواردت الأنباء أنهم قد حطوا رحالهم في أرضنا وجاسوا خلال ديارنا.
هذه العصابات المجرمة تقتل وتدمر وتعبث وتخرب ثم ترمي بهذه الأفعال غيرها وتحمل الآخرين مسئولية جرائمها وتنسب تخريبها إلى جهات أخرى يقول الله سبحانه وتعالى مبيناً خطر هذا الأمر وقبح هذا الفعل أن يفعل الإنسان جرماً ثم يحمله غيره وينسبه إلى غيره ويظهر نفسه أنه برئ منه فقال سبحانه {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.
إن هؤلاء الفجرة والمرتزقة لن يتورعوا أبداً في استعمال الآت القتل والقمع والإهانة والإذلال ضد الأبرياء ولن يكتفوا بما جرى فبين جنباتهم قلوب نزعت منها الرحمة والشفقة فهي كالحجارة أو أشد قسوة يقتلون بلاهدف ويتلذذون بالفساد والإفساد فلا مُحرم عندهم إلا ما حرمه طاغوتهم ولا مباح إلا ما أباحه طاغيتهم فكم صادروا من حقوق وكم نهبوا من ثروات وكم أهدروا من موارد وكم تملكوا من نفوذ وسلطان وكم تحكموا في رقاب الناس وشردوهم وكتموا أنفاسهم وطاردوهم وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} ويقول {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} ويقول سبحانه {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
إن هذا الوضع المزري الذي وصلت إليه البلاد وهذه الحالة السيئة التي آلت إليها الأمور يتحملها في المقام الأول من تشبث بكرسيه وأراق دم شعبه وبالغ في ظلمه وهضمه وعبث بثرواته ومقدراته وسحق الناس وأذلهم عقوداً من الزمن.
يتحملها من رفض كل الحلول والمخارج والمبادرات التي تسعى – على علاتها – لإخراج البلاد من هذا النفق المظلم فرفضها ووضع العراقيل والعقبات في طريقها وأخلف وعده ونقض عهده من أجل الهوى والاستعلاء.
يتحملها من ركب خيل الجهالة وسلك طريق الضلالة واستمع إلى دعاة الفتنة وتجار الحروب ولم يستمع لنصائح الناصحين الحريصين على رأب الصدع وإطفاء الفتنة.
يتحملها من أشعل الفتنة العمياء وتسبب في إراقة الدماء وواجه السلم بالسلاح وجابه العزل بالغطرسة والقوة وأدمن اللف والدوران والمرواغة.
يتحملها من أتيحت له كل الفرص للخروج باحترام ولكنه قرر الاستمرار في المشي في الطريق المسدود والبحث عن مخرج غير موجود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنه سيكون عليكم أمراء فلا تعينوهم على ظلمهم ولا تصدقوهم بكذبهم فإن من أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فلن يرد علي الحوض" ويقول صلى الله عليه وسلم " شرار أئمتكم من تلعنونهم ويلعنونكم وتدعون عليهم ويدعون عليكم".
يقابله في ذلك معارضة أو معارضون ممسكون بالخيط الأكبر من خيوط هذه اللعبة ويسعون لتحقيق مكتسبات أكثر من وراء هذه الأزمة وجاهزون لعرض برنامجهم الجديد ومشروعهم السياسي على كل أحد حتى لو كانوا أعداء للملة وخصوماً للشريعة {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}.
وأما الشعب المسحوق المظلوم المغلوب على أمره فقد وقع بين سندان النظام ومطارق اللاعبين وظل يدفع فواتيرهم الباهظة ويتحمل آثارهم الكارثية فالدم المسفوك هو دمه والأرواح التي تزهق ليلاً ونهاراً فوق أرضه هي أرواح أبنائه وفلذات أكباده وما يخرب من ممتلكات عامة أو خاصة هي في الحقيقة ممتلكاته وحقوقه التي هي في النهاية واقعه ومستقبله.
فيجب عليه أن يستفيد من هذه الأزمة في معرفة الصادقين من الكاذبين والمخلصين من المتمصلحين ومن يريد الدنيا ويسعى لطلب المناصب والرئاسات ممن يريد الآخرة ويسعى لمصلحته ومصلحة أمته.
فهذه الأزمات تكشف الأقنعة الزائفة وتوضح النوايا المبيتة وتظهر المواقف الحقيقية يقول الله سبحانه وتعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ويقول {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
الخطبة الثانية
هاهي الشعوب المستضعفة تشهد ثورة شعبية وهبة شبابية تطالب بإقامة العدل ورفع الظلم وإسقاط الأنظمة الظالمة المستبدة والانتفاضة على الجلادين والمستبدين والتخلص منهم ومن شرهم وفسادهم.
إنهم حكام فجرة ساموا شعوبهم سوء العذاب وحرموهم أبسط الحقوق وحكموهم بقوة الحديد والنار وأراقوا دمائهم في الشوارع والطرقات وأهانوهم في السجون والمعتقلات وقاموا بدور الشرطي في تنفيذ الأوامر الخارجية عليهم.
إنهم طغاة قتلة ولصوص فجرة ومنافقون كذبة تلاعبوا بقضايا الأمة ومقدساتها وباعوا قضاياها المصيرية في المحافل الدولية بأبخس الأثمان فأراد الله سبحانه وتعالى نهاية لليلهم البهيم وظلامهم الدامس فبدأ النور يشع والتاريخ الجديد لمرحلة الخلافة يصنع فهذه هي بداية الطريق وأول قبس من قبسات الفجر الجديد.
لقد بدأت البداية من تونس الحبيبة فهي التي أيقظتنا من سباتنا وأحيتنا من مواتنا فأنارت لنا السبيل ووضحت لنا الدليل.
ثم ثارت في مصر فصارت هي الكبيرة المعلمة ببركان ثورتها النشيط وبحر تغييرها المحيط.
ولا تسل عن شعب ليبيا البطل فإنه شعب عجيب أمره طويل صبره جليل في الجهاد ذكره.
وأما سوريا فلنضع تاج الشموخ على رأس شعبه لأنه أعظم شعوبنا بلاء بقسوة النظام ورغم هذا فقد انطلق ثائراً كالإعصار وماج كلهيب النار وثار ضد الطغاة وانتفض ضد البغاة.
وأما اليمن فلله در أهل اليمن ولنعم الشعب شعب اليمن فقد سبق الشعوب في عزيمة التغيير وحكمة التنظير غير عابئ بالدم الدفيق ووعث الطريق وخذلان الصديق.
وأما الجزائر فتريثوا عليها فلن تلبث إلا قليلاً حتى ترنوا أبصاركم إليها.
وأما مغرب الإسلام فياله من مغرب سمعت زئير أسوده الصارمة وليوثه العازمة واستعد للوثبة اللازمة والثورة العارمة.
وأما السودان فإن أهلها يواصلون المسير بهدوئهم المعتاد وسكينتهم المعروفة بين العباد.
هذه المرحلة بإذن الله هي مرحلة نهاية الظلم والظلم والقضاء على المتعسفين والمتكبرين ومن شايعهم من البلاطجة والمجرمين يقول الله سبحانه وتعالى {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} ويقول سبحانه وتعالى {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " تكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ومن لم يدخل عليهم ويصدقهم بكذبهم ويعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه".
المراجع:
موقع الشيخ أحمد المعلم
موقع الشيخ حامد العلي
مقال الأزمة اليمنية على مفترق طرق علي ملص

المشاهدات 2098 | التعليقات 1

باخريصة;7279 wrote:
{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} ويقول سبحانه وتعالى {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}

آمين .. آمين .. آمين