الوقوف مع إخواننا في السودان
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... مِن فضلِ الله علينا أن جعَل لنا إخوة في الدين أقربَ إلينا من إخوةٍ في النَّسل، وهذه العلاقة الوطيدة تَظهر لنا عند الشدة دون أن نشكوَ لهم أو نسألَهم، فسبحان مَن ألَّف تلك القلوبَ وربَطها برابطة الحب فيه! ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا[.
فيا لها من نعمةٍ تستحق الحمد، وسبحان الله جلَّ في علاه مَن جمَع أُناسًا مِن بلدان شتى، ولغات مختلفة، ولكن غايتهم واحدة، وهي نيل رضا الله، وبلوغ الدرجات العلا من الجنة.
ويا له من شعور جميل عندما تَمُدُّ أيادي العون والمساعد بين الإخوة في الدين، وكلما أحسسنا بهذا الشعور تذكَّرنا حديث النبي ﷺ (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسدِ بالسهر والحُمى).
هذا الصِّنف مِن البشر ترى عروقَهم تَسري بها الرحمة والمودة تُجاه إخوانهم المسلمين، وكأنهم جسد واحدٌ، وكيف لا وهم كما وصَفهم رسول الله ﷺ (المؤمن للمؤمن كالبُنيان، يَشُدُّ بعضُه بعضًا)!!
عندما تغلغلتْ في قلوبهم الأخوةُ في الإسلام والحب في الله - وللهِ فقط - صاروا كالجسد الواحد، وهذا الجسد عندما يَقوى بأخيه المسلم، فلا شك أنه سيكون كالبنيان، ولن يستطيع أحدٌ أن يُفرِّقَهم، ولا يَهدِمَ هذه العلاقة القوية بينهم، ترى شعارهم (المسلمُ أخو المسلم، لا يَظلمه ولا يُسلمه، مَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كُربة، فرَّج الله عنه بها كربةً مِن كُرب يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا ستَره الله يوم القيامة) يرجون مِن الله - لا مِن الخلق - أن يقضيَ حاجتهم، ويُفرِّج همومَهم.
إنها أُخوة الدين والعقيدة هي أقوى الروابط التي تربط بين المسلمين ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[ وقال سبحانه ]مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ[ وقال سبحانه ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[.
عباد الله ... تعلمون جميعًا ما حل بإخواننا في بلاد السودان، وما تشاهدونه ما عندهم من المعاناة ما الله به عليم، وإن المواساة بين المؤمنين تتطلب منا أن يرحم المسلم إخوانه المسلمين، و أن يشارك مع إخوانه على حسب قدرته، وأن يشفق عليهم، وأن تتحرك عاطفته نحو إخوانه المسلمين هناك، قال رسول الله ﷺ (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وقال ﷺ (من لا يرحم لا يُرحم).
أيها المؤمنون ... لقد ثمّن عدد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة الذين وصلوا إلى بلادنا دور المملكة في إجلائهم من جمهورية السودان. وأشاد عدد من سفراء البلدان والدول بالدور الدبلوماسي الكبير الذي قدمته حكومة المملكة العربية السعودية في عملية إجلاء رعايا بلادهم، ووصولهم من السودان على متن سفينة جلالة الملك إلى السعودية.
وأعربوا عن شكرهم وتقديرهم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولولي عهده، على توجيهاتهما ومتابعتهما المباشرة لعملية إجلاء الرعايا التي تمت بكل يسر وسهولة، حتى وصولهم بسلام وأمان، ثم توفير الاحتياجات كافة لهم تمهيداً لمغادرتهم إلى أوطانهم، وهو أمر ليس بمستغرب على حكومة المملكة العربية السعودية.
كما عبر عدد من الرعايا عن مدى شعورهم بالسعادة لما شاهدوه من رعاية واهتمام منذ مغادرتهم السودان وحتى لحظة وصولهم إلى المملكة، والجانب الإنساني الذي رسمته الجهات المختلفة خلال استقبالهم وتعاونهم مع جميع الرعايا من مختلف الجنسيات وتقديم الخدمات لهم، وهي مواقف إنسانية نبيلة ليست بمستغربة على المملكة وشعبها، مثمنين للجهات المعنية في المملكة ما بذلوه من جهود لتأمين نقلهم، والعمل على تسهيل إجراءات وصولهم إلى المملكة.
أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يُوفِّقَهم لِما يُحب ويرضى في الدنيا قبل الآخرة، وأن يديم على بلادنا وبلاد المسلمين الأمن والأمان والاستقرار. وأن يفرج عن إخواننا في السودان همهم وينفس كربهم.
أقول ما تسمعون ...
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... إن الواجب على كل واحد منا على حسب قدرته وعلى حسب استطاعته: أن يقدم ما يستطيع ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ[ والمؤمن يا عباد الله في ظل صدقته يوم القيامة. والصدقة يا عباد الله تدفع ميتة السوء.
وما يقدمه الإنسان يقدمه لنفسه ]وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ[ فالمال الذي تنفقه -يا عبد الله- مخلوف عليك في الدنيا والآخرة، قال الله في الحديث القدسي: (يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك) فهذا المال مخلوف عليك. قال تعالى ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[.
ونظرًا لعظم المصيبة التي حلت بإخواننا في السودان وما ترتب عليها من الخسائر العظيمة في الأنفس والأموال، ولا شك أن حاجة إخواننا في السودان شديدة تستدعي منا المبادرة والمسارعة إلى مساعدتهم والوقوف بجانبهم وتخفيف آلامهم.
وقد سرنا ما قامت به حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده حفظهما الله على المبادرة والوقوفِ بجانبِ الأشّقاءِ في السّودان والمساهمةِ في حلِّ الأزمةِ منذُ بدايتِها، ثمّ جاء بعد ذلك توجيهٌ كريمٌ مِنْ خادمِ الحرمينِ الشّريفينِ ووليِّ عهدِه وفّقَهم الله بتقديمِ مساعداتٍ عاجلة، وتنظيمِ حملةٍ شعبيّةٍ مباركة، عن طريقِ مَنَصَّةِ ساهم، لتمكينِ المواطنينَ والمقيمينَ والمحسنين من أمثالكم مِن المساهمةِ في التّبرّعِ للشّعبِ السّودانيِّ الشّقيق، لتخفيفِ معاناتِهم، ومواساتِهم في محنتِهم، ومَدِّ يَدِ العونِ لهم.
فبادروا في المساهمةِ في تلك الحملةِ المباركة، وأكثروا مِن الدّعاء أنْ يطفئ الله نار الفتنة، وأن يُصْلِحَ ذات بينهم، وأن يَكْشِفَ ضرهم، ويرفع عنهم البلاء.
واشكروا الله عز وجل على ما أنعم به عليكم في هذه البلاد المباركة من نعمة التوحيد والوحدة والأمن والاستقرار واجتماع الكلمة ومحاربة الجماعات والأفكار الضالة والأحزاب المنحرفة.
أسأل الله عز وجل أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والرخاء وأن يحفظ لنا ولاة أمرنا ويوفقهم لما يحب ويرضى ولما فيه الخير للبلاد والعباد وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.