الوقاية خير من العلاج
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله الذي من علينا بصحة الأبدان، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الرحمن، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا رسوله إلى الأنام، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الكرام، وعلى من تبعهم بإحسان.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
إخوة الإيمان والعقيدة ... اتقوا الله حق تقاته، واسألوه دوام الصحة وتمام العافية، فقد كان رسول الله صَلى الله عليه وسلم يدعو ربه عز وجل كل غداة قائلاً (اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت) فصحة الأبدان وعافيتها من النعم التي منَّ الله تعالى علينا بها، وأوجب الحفاظ عليها، وذلك باتخاذ أساليب الوقاية الصحية، فإن درهم وقاية؛ خير من قنطار علاج.
فليس هناك من شك في إجماع الأطباء والحُكماء والعُلماء والعقلاء في كل زمانٍ ومكان أن (الوقاية خيرٌ من العلاج) وأن اجتهاد الإنسان في حماية نفسه من الوقوع فيما يضُـره، أو يُعكر عليه صفو عيشه، أو يؤثر على انتظام سير حياته أمرٌ مطلوبٌ، وواجبٌ فردي وجماعي لا يُنكره عقلٌ، ولا يُفرِّط فيه إلا جاهل أو مُتجاهل.
وقد جاء دين الإسلام الحنيف بالحث والتوجيه على أهمية الأخذ بأسباب الوقاية المُمكنة من كل شـر متوقع، أو من أي ضُـر مُحتمل، فعلى الإنسان أن يحمي نفسه، أو يحمي غيره من البلاء أو الابتلاء أو المرض أو الضـرر، فإن تعاليم الدين وتوجيهاته وآدابه تفرِض وتوجب عليه ذلك التصـرُّف لما فيه من الخير والنفع والمصلحة، سواء أكان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة، وهو خيرٌ له في دينه ودنياه، وفي عاجلٍ أمره وآجله (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فعليه ألا يهمل ذلك أو يتهاون فيه، فتكون النتيجة مؤسفةً ومؤلمة، ويندم حين لا ينفع الندم، نسأل الله تعالى الحفظ والسلامة.
عباد الله ... من حرص الإسلام على الصحة التحذير من الأوبئة التي قد تصيب الناس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (غطوا الإناء، وأوكئوا السقاء، فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وِكاء، إلا ونزل فيه من ذلك الوباء) وما هذا الأمر إلا حرصًا منه صلى الله عليه وسلم على حماية الناس من هذه الأوبئة، ومن النجاسات والقاذورات والحشرات. ومن حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه أنه حثَّهم على التحرُّز من الأمراض المعدية، وأرشدهم لمجانبة المصابين بها (وفِرَّ من المجذوم كما تفِرُّ من الأسد) ونهى صلى الله عليه وسلم أن يورد ممرض على مصح.
فنسأل الله جل في عُلاه أن يحفظنا جميعًا بحِفظه، وأن يتولانا بأمرِه، وأن يكفينا بقُدرته، وأن يمنَّ علينا بالعفو والعافية والسلامة في ديننا ودنيانا، وأن يجعلنا من أهل الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، وألا يُشمِت بنا الأعداء إنه سميعٌ قريبٌ مجيب الدعاء.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... من أعظم مقاصد الإسلام المحافظة على النفس، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي، فقال (تداووا عباد الله، ولا تداووا بحرام).
ومع قرب الموسم الذي يكثر فيه مرض الانفلونزا، فقد سعت حكومتنا الرشيد وفقها الله تعالى، إلى إطلاق حملة التطعيم من الانفلونزا الموسمية وبها تدعو وزارة الصحة المواطنين والمقيمين إلى أخذها والحرص عليها، وهذا من باب الأخذ بالأسباب الشرعية للوقاية من الأمراض الموسمية، ولا ينافي هذا التوكل على الله، بل هو حقيقة التوكل على الله.
عباد الله ... إني داع فأمنوا، فإنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، وإن الله تعالى يستحيي إذا رفع العبد يديه، ضارعا إليه؛ أن يردهما خائبتين، اللهم إنا نعوذ باسمك الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء؛ من أن يلحق بنا مرض أو بلاء، أو يحل بنا سقم أو وباء، يا سميع الدعاء. نسألك يا ربنا أن تديم العافية علينا، وعلى من حولنا، وتكفينا شر الأوبئة والأمراض. اللهم ارزقنا صحة في أبداننا، وعافية في أجسادنا، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين، وطاعة من أمرتنا بطاعته في كتابك المبين، حين قلت وأنت أصدق القائلين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحبه وترضاه.
اللهم أدم على بلادنا وسائر بلاد المسلمين نعمك، وجودك وفضلك، بكرمك يا أكرم الأكرمين.
وصلى الله على نبينا محمد