الوقاية

عبدالعزيز بن محمد
1442/07/16 - 2021/02/28 20:38PM

أيها المسلمون: تحيط بالمرءِ المكاره، ويواجِهُ في دروبِ الحياةِ شتى المخاطِرِ، وذو العقلِ الرشيدِ والرأي السديد.. يَتَوَقَّى مَوَاطِنَ الخطرِ، ويتحاشى أسبابَ الضَّرَرِ.

ومَن سارَ في مسالكِ الحياةِ آمناً.. لا يَتَوَقَّى ولا يحذرْ، ولا يتيقَّظُ ولا يحتاط، يوشِكُ أن يقتحمَ المخاوِفَ عارياً.  جاءتِ الشريعةُ بلزومِ فِعلِ الأسبابِ، وأمرتْ بالأخذِ بطرائقِ النجاة.  وَنَهَت عَن التهاوُنِ والتجاهُل، والتفريطِ والتساهل، وِقَايةً لدين المرء ووقايةً لدنياه.. فَمَنْ لَمْ يَحْمِ دِيْنَه خَسِرْ، ومَن لَمْ يَحْمِ دُنْيَاهُ حَسِر.

والأخذُ بأسبابِ الوقايةِ والحذر.. لا يَتعارَضُ مع الإيمانِ بالقضاءِ والقَدَرْ، أسبابٌ مشروعةٌ.. يُتقى بها المرهوبُ، ويستجلِبُ بها المَرْغوْبَ.

وعلى قَدْرِ قيمةِ كُلِّ أمرٍ تكونُ الوقايةُ له. وَكُلَّمَا عَظُمَ أمرٌ.. عظُمَ الأمرُ بحمايَتِه. والدينُ أساسٌ ومرتكزٌ وعِماد.. يُحمى بكلِ ما دُوْنَه مِنْ نَفْسٍ وأهلٍ ومالٍ وولد. يَقيْ المرءُ دِينَه أن يُخْتَرَم، ويحميه أن يُنتَقَص،  ولئن تَبَدَّدَ الإيمانُ من القلوبِ.. فما لما سواهُ من المقاماتِ قِيْمَه، ولئن بِيْعَ الدينُ بمتاعٍ من الدنيا.. فلسوفَ يَرِدُ المرءُ القيامةَ خاسراً.   وكم في القرآنِ من آيات تأمُرُ بالتقوى، فَمَن اتقى الله وَقَى دِيْنَه، ومن اتقى الله صَلَحَت دُنياه.  

الوقايةُ والحَذَرُ وسائلُ للسلامةِ.. يُجْمِعُ العقلاءُ على ضَرُوْرَتِها. وشريعةُ اللهِ تأمر وتُؤكِّد.   شريعةٌ.. لَمْ تَنْفَكَّ يوماً عَن مصلحةٍ من مصالِح العبادِ إلا بَيَّنَتْها،  ولا ضرورةٍ لهم إلا أوضحتها،   ففي كُلِّ مسألةٍ من مسائل الحياةِ.. ترى الشريعةَ تتصدَّرُ بنصوصها، تُبَيِّنُ للناسِ حكمَ الله فيها، تُرْشِدُ العبادَ إلى ما فيه صلاحُهم، وتنهاهم عما فيها فَسادُهُم. {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

قال السعدي رحمه الله:  والإلقاءُ باليدِ إلى التَهْلُكَةِ يرجعُ إلى أمرين: لتركِ ما أُمِرَ بِهِ العبدُ، إذا كان تَرْكُهُ مُوجباً أو مقارباً لهلاك البدن أو الروح،   وفَعْلِ مَا هو سِبَبٌ مُوْصِلُ إلى تَلَفِ النفسِ أو الروح, فيدخلُ تحتَ ذلك أمورٌ كثيرة، فمن ذلك, ترك الجهادِ في سبيل الله, أو النفقةِ فيه الموجبِ لتسلط الأعداء.  ومِنْ ذلك, تَغْرِيْرُ الإنسانِ بِنَفُسِه في مُقاتَلَةٍ أو سَفَرٍ مَخوف, ... أو يَصْعَدُ بُنْيَاناً خَطِراً ونحو ذلك.    فهذا وَنَحْوُهُ ممن ألقى بيده إلى التهلكة. ومن ذلك الإقامةُ على معاصي الله, واليأسُ من التوبة، ومِن ذلك تركُ ما أمر اللهُ به من الفرائضِ التي في تركها هلاك للروح والدين) ا.هـ

* (الوقايةُ).. مِن أعظمِ الواجباتِ على كُلِّ وَلِيٍّ.. يَقِي نَفْسَهُ ومَنْ تَحتَ يدِهِ أن يُصابوا بأذى، أو أن يَنْزِلَ بهم مكروه، أو أن تَحِلَّ بهم نازلةٍ تُفسِدُ عليهم دينَهم أو دنياهم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} قوا أنفسَكُم وأهليكم ناراً.. وذلك بفعلِ أوامِر الله واجتنابِ نواهيه، فإن مَن لم يستجب لأمر اللهِ، ولَم يَنْتَهِ عن نهيه، ولَم يُرْشِد أهله لذلك.. فقد عَرَّضَ نفسه وأهله لعذاب النار.

* وفي شريعةِ الله.. كما يجِبُ على العبدِ أن يَقِي نفسَه وأهلَه مِن عذاب الله، فإن عليه أن يقي نفسَه وأهله من كُلِّ آفةٍ من آفات الدنيا، فلا يُعَرِّضُ نفسَه وأهله للمخاطِر، ولا يتهاونُ في الأخذِ بالاحترازِ مِن المكارِهِ، مِنْ غَيْرِ مُبالَغةٍ ولا وسواسٍ.  عنِ ابْنِ عُمرَ tعنِ النَّبي r قَال: "لاَ تَتْرُكُوا النَّار فِي بُيُوتِكُمْ حِين تَنامُونَ" متفق عليه وعن أبي موسى t أن رسولَ الله r قال: «إنَّ هذه النارَ عَدوٌ لكم، فإذا نِمتُم فأَطفِئوها عَنْكم». متفق عليه أمرٌ بالوقايةِ والاحترازِ مِن كُل ما يُخشى ضَرَرُه.

عباد الله: والأمةُ المسلمةُ.. لَنْ تكونَ في مأمنٍ من المهالِكِ.. ما لم تَكُنْ مُتَيَقِظَةً حذرةً، تأخذُ بأسبابِ الوقايةِ، وتَجْتَنِبُ أسباب الخَطَر، تَرْقُبُ مَكْرَ الأعداءِ، وتَرْصُدُ مكائدَهُم.. وتُعِدُّ لمواجَهَتِهِم ما تَقدِرُ عليهِ من قوةٍ، تستنفِرُ كُلَّ طاقاتِها العِلميةِ والتربويةِ والسياسيةِ والاقتصادِيةِ والعسكريةِ وغيرها،  تَحْمِيْ حُصُونَ الأمةِ أن تُقتَحَمَ، وتُقَوِّي مَنَاعَتَها العقديةِ والأخلاقيةِ والاجتماعيةِ.. أنْ تَذُوْبَ في حضاراتِ الأممِ الأخرى أو تتلاشى أو تَضْعُف.   

فإن تَرَاخَتِ الأمةُ في هذا السبيلِ أو غَفَلَت.. اجتاحتها جيوشُ الفسادِ، ومَزَّقتها أيادي المعتدين، فما لضعيفٍ في قلوبِ الأعداءِ هيبة، ولا لغافلٍ عن مؤامرات العدو تمكين.  {..وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ } خذوا حذرَكُم.. هذا في شأن الأعداءِ المجاهرين لكم بالعَداء.. وفي شأن المنافقين المستترين تَكونُ الوقايةُ والحذرُ.. بِهَتْكِ أستارِهم، وكشف أسرارهم، وفضح مقاصِدِهِم، وتلاوةِ وتدَبُرِ الآياتِ التي جاءت بِذِكرِ أوصافِهم. {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} بارك الله لي ولكم..


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً.. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.

أيها  المسلمون: ووقايةُ المسلمِ لنفسِه.. وتحصينُه لها مِنَ الأخطارِ والأمراضِ وسائرِ الشرور الحسيةِ والمعنوية..  يكونُ بَفَعْل الأسبابِ المشروعةِ.. مِن المحافظةِ على الصلوات،  فَمَن حافظَ على صلاتِه، تَقَلَّبَ في ذِمَّةِ الله، محفوظاً مكفياً آمنا.. عَنْ جُنْدُبِ بنِ عبدِ الله t قال: قال رسول الله r : (مَنْ صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله.. الحديث) رواه مسلم

ولزومُ أذكارِ الصباح والمساء. يتعوذُ بها المسلمُ مِن كُل ما يَخْشى ويرَهَب،  آيةُ الكُرسيِّ.. حرزٌ للمؤمنِ ووقاية،  والمعوذتانِ وآخر آيتين من سورة البقرة، وما صَحَّ من أحاديثِ رسول الله r مِنَ أدعيةِ وأذكار.. بهما للعبد هدايةٌ وضمانٌ وكفاية.  عَنْ عُقَبَةَ بنِ عَامِرٍ t: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: «ألَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ هذِهِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ؟ {قُل أَعْوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} (وَ) {قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}». رَوَاهُ مُسْلِمٌ   وعن أبي هريرة t قال جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله: ما لقيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البارحة، قال: (أما لو قُلتُ حين أمسيتَ أعوذُ بكلماتِ اللهِ التاماتِ من شرِّ ما خلق لم تضرك) رواه مسلم

عباد الله: ووقايةُ المسلمِ لنفسِه وتحصينه لها مِن الأمراضِ.. بالأخذِ بالأسبابِ المشروعةِ، والتداوي بالأدوية النافِعةِ.. أمرٌ لم تنهَ عنه الشريعةُ بل أمرَت به.

فكما أن المسلمَ مأمورٌ بالوقايةِ والحذرِ مما يفسدُ عليه دينَه، فإنه مأمورٌ بالوقايةِ والحذرِ مِما يفسدُ عليه صِحتَه.

ولئن كان المسلمُ مأموراً بأن يَصْدُرَ في مسائل الدينِ عَمن يثقُ بعلمه وورعه مِن أهل العلمِ في مسائل الشريعة.    فإنه مأمورٌ بأن يَصْدُرَ في مسائل التداوي عَمن يثقُ بعلمه ونزاهته مِن أهل العلمِ في مسائل الطب. 

فلا يؤخذُ علمُ الشريعةِ مِمن لا علم له به ولا أمانةَ ولا تقوى ولا وَرَع، ولا يؤخذ عِلمُ كُلِّ فَنٍّ ممن لا يحُسنه.

اللهم قنا والمسلمين كل بلاء ومكروه..

المرفقات

1614544700_الوقاية 17ـ5ـ1442هـ.doc

المشاهدات 733 | التعليقات 0