الوقافون عند آيات الله

عنوان الخطبة: منهج القرآن والسنة في التشويق إلى الجنة

الحمد لله الكبير المتعال ذي العزة والكمال والجمال والجلال الكبير المتعال، أنشأ السحاب الثقال

وأغاث العباد بالغيث ونور الوحي لتحيا الأرض والقلوب أشهد أن لا إله  إلا الله وحده لا شريك الله و أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد :

عباد الله اتقوا الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى فهي وصية الله لكم في كتابه (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبكم و إياكم أن اتقوا الله )

عباد الله :

الهمم العالية محلها الأنفس الزاكية، والأرواح الطاهرة، التي كلما رأت ثمرة العمل واضحة، والغنيمة فيها ظاهرة، كان ذلك دافعاً قوياً لها،

لتستفرغ وسعها، وتبذل طاقتها للحصول على تلك الثمرة، ولا ثمرة يرجوها العبد المسلم أعظم من رضى الله ثم الجنة، ولذا كانت الجنة وتشويق العباد لها ظاهراً واضحاً في خطاب الشرع العظيم، ليشتاق لها المشتاقون، فيشمَر لها المشمرون، ويتنافس عليها المتنافسون، فإذا أيقن الجنان بالجنان، صدق اللسان، وعملت الجوارح بالأركان 

عباد الله:.

لقد رسخ المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الإيمان بالغيب عند صحابته ومن ذلك الترغيب بالجنة والتحفيز للعمل لها، حتى تملك حب الجنة وذكرها قلوبهم، وأصبحت أغلى أمانيهم، فلا تغيب عن ذكرهم، فحددوا الهدف وسعوا إليه سعياً حثيثاً، وشعروا بحلاوة الإيمان، واستلذوا المشاق في سبيل الوصول إلى الجنان، فذا بلال بن رباح يسحب على رمضاء مكة في حرِ الظهيرة، ويسأل كيف صبرت على هذا الأذى، فقال مقولة مشهورة، (( مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان )) ومن هنا كان لزاماً علينا أن نعرف معالم الهدي النبوي في جعل الجنة حاضرة في مجالسنا ولقاءاتنا، كي نسلك مسلكهم رضي الله عنهم وعمن ترضى عنهم. فمن المعالم ما يلي:.

جعل الجنة وذكرها بلسماً لجراح المصاب المفجوع المكلوب:

فمرة يواسي بذكر الجنة أُما فجعت بولدها وفلذة كبدها، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أصيب حارثةٌ يوم بدرٍ وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يك في الجنة أصبر، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع ! فقال: ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي، إنها جنان كثيرة وإنه لقي جنة الفردوس)) رواه البخاري والترمذي

ويعزى كل مسلم فقد ولده ببيت الحمد في الجنة فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي، فيقولون نعم، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون نعم، فيقول ماذا قال عبدي، فيقولون حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد )) رواه الترمذي وقال حديث حسن .

ويعزى المصاب الذي فقد صفيه وخليله في الدنيا بجنات تخفف عليه المصاب ففي صحيح البخاري أن رسول الله –صلى الله عليه سلم – قال: يقول الله عزوجل: مالعبدي المؤمن عندي من جزاءٍ إذا قبضت صفيه وخليله من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة.

وفي ذكر الجنة سلوان لمن فقد عضواً من أعضائه أو حاسة من حواسه فهذا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في مؤته، يأخذ لواء المسلمين بيمينه فتقطع ، فيأخذه بشماله فتقطع، فاحتضن اللواء بعضديه حتى قتل رضي الله عنه فأبدله الله بجناحين يطير بهما في الجنة كيف شاء، وفي هذا سلوان لأهل بيته ومجازة له ولمن حذا حذوه .

وفاقد الحبيبتين العينين يصبر ويسلى بذكر الجنة فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول يقول الله عزوجل: من أذهب حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً إلا الجنة

وفي ذكر الجنة تصبير المريض على مرضه والمبتلى على بلائه فتسكن نفسه ويصبر على ألمه ولا أدل على ذلك من تلكم المرأة التي كانت تصرع وتتكشف فذهبت لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- تطلب منه الدعاء فقال لها إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت ولك الجنة، فقالت أصبر )) ثم طلبت من المصطفى الدعاء بعدم التكشف فدعا لها

عباد الله:.
ذكر الجنة سلوان للمصابين وهو علاج ناجح في تخفيف المصاب على المصابين فلا تنس تذكير المصاب بالوعد العظيم إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب  قال تعالى: (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزل زلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ))

ومن معالم الهدي  النبوي في التحفيز للجنة: أنه على قدر ما تفقد في الدنيا في سبيل الله ما يعوض به في الآخرة .

ومن الأساليب التي كان يستخدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – في الترغيب إلى الجنة الإصلاح بين المتخاصمين والمتنازعين: فلقد تخاصم رجلان في زمن المصطفى عليه الصلاة والسلام – على نخلة بين بستانيهما فأبى أحدهما أن يتنازل لصاحبه اليتيم عنها وعن بيعها، فطلب اليتيم شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – فشفع الرسول المصطفى فرفض صاحبه الشفاعة ثم قال بعها لصاحبك بنخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام، فرفض فذهل الصحابة لرفضه العرض العظيم فسابق باغي الجنان أبو الدحداح، مريد آمن ربه الفلاح، وسأل الرسول عليه السلام قائلاً إن اشتريت تلك النخلة وتركتها لليتيم ألي نخلة في الجنة فقال رسول الله نعم، فاشتراها ببستانه وبئره وحائطه ذي الستمائة نخلة بنخلة في الجنة .

وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستخدم أسلوب الجنة لتعزيز مبدأ الإحسان والتواصل الاجتماعي وأهم من يبذل إليه الإحسان في الدنيا الوالدان فهما سببا الوجود في الدنيا، وكم كان لهما من الفضل والرعاية، فرب ارحمهما كما ربياني صغيراً ولقد استأذن صحابي في الجهاد مراراُ وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول أحية أمك فقال نعم فقال ويحك الزم رجلها فثم الجنة، صحيح ابن ماجه صححه الألباني وكذا الإحسان للضعفة والمحتاجين يقول النبي – عليه السلام -: (( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وكذا الإحسان للناس بإزالة الأذى عن الطريق قال –صلى الله عليه وسلم – لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس )) رواه مسلم . وكذا إفشاء السلام: قال – صلى الله عليه وسلم – لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم

ومن معالم الهدي النبوي في التحفيز للجنة

أن خفاء العمل طريق عظيم من طرق الجنة، فصفاء القلب جعل رجلاً يشهد له المصطفى بالجنة ثلاثة أيام متواليات، وقيام الليل الذي جعله الله بهجة العباد يلقون فيها همومهم ويبثون شكواهم لمولاهم ما أشد خفاء هذه العبادة فظلمة الليل البهيم وسكونه ونوم أهله، عباد الله صلاة العبد في تلك الساعة دليل على عمق صلة العبد بربه فماذا كان جزاؤه وكذا الصوم فلا مجال للرياء فيه والصدقة دليل على حسن ظن بالله فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير، الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا: (( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون))

ومن معالم الهدي النبوي في التحفيز للجنة تعديل الخطأ كترك الجدال والكذب حتى في المزاح، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنا زعيم ببيت في ربضِ الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وزعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )) رواه أبو داود وحسنه الألباني .

ومن معالم الهدي النبوي في التحفيز للجنة التنفير من المحرمات وبيان عقوبتها في الآخرة، كشرب الخمر فالله حرمه ونفر منه وأوجب على شاربه حداً وكي ينفر محب الخمر عن شربه أخبر عليه السلام كما في حديث ابن عمر من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب )) أخرجه البخاري ومسلم

ومن معالم الهدي النبوي في التحفيز للجنة ربط الجنة بالذكر في أحاديث متنوعة، وذلك أن مديم ذكر الله دائم استحضار رقابة الله له، فتكون بإذن الله في معزل عن المحرمات، والموفق من وفق الله ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة، فقلت: بلى فقال: (( لا حول ولا قوة إلا بالله )) صحيح ومسلم

ومن قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة

من معالم الهدي النبوي في التحفيز للجنة أن الجنة تحتاج إلى عمل صالح قال تعالى: (( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً )) عباد الله على أهمية العمل الصالح لدخول الجنان إلا أنه لا تعلق أبداً في الدنيا إلا بربنا سبحانه وتعالى فعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –يقول: ((لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة))

عباد الله:. التعلق بالله العظيم أساس الدين فبالله عليكم استشعروا رقابة الله عليكم في كل أحوالكم أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلني الله وإياكم ممن يستمع يوم القيامة إلى هذا النداء العظيم ((وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وصلى الله على النبي المصطفى وعلى آلهوصحبه ومن اقتفى

عباد الله:.هذا هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في تحفيز صحابته في الجنة ألا فلنحفز أنفسنا وذريتنا كما حفز النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن رأينا مصاباً ذكرناه بوعد الجنة وإن رأينا مبتلاً ذكرناه بعظيم الوعد في الجنة وإذا رأينا مقصراً في حق والديه ذكرناه بالجنة الزم رجلها قثَم الجنة وإذا رأينا من يعمل عملاً خاطئاُ عدلنا سلوكه وذكرناه بالجنة يجب أن يكون ذكر الجنة حاضراً في مجالسنا حتى نعمل لها كيف يعمل عبدٌ للجنة والجنة ليست حاضرة لا في ذهنه ولا في قوله ولا في عمله  .

المشاهدات 505 | التعليقات 0