الوفاء ورد الجميل
ahmed-muhamed ahmed-muhamed
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مقدر الأقدار. مصرف الأمور مكور الليل على النهار، تبصرة لأولى القلوب والأبصار.
وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارا بوحدانية، واعترافا بما يجب على الخلق كافة من الإذعان لربوبيته.
يا رب إن ذنوبي في الورى كثرت
**
وليس لي عمل في الحشر ينجيني
وقـد أتيتك بالتوحـيد يصحـبه
**
حب النبي وذاك القدر يكفيني
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه المصطفى من خليقته، وأكرم الأولين والآخرين من بريته، أكرم الخلق وأزكاهم وأكملهم، وأعرفهم بالله تعالى وأخشاهم وأعلمهم،
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
العناصـــــر
أولا: أولًا: فضل الوفاء ورد الجميل ثانياً: نماذج على الوفاء ورد الجميل
ثالثًا: ذم الجحود ونكران الجميل
الموضـــــــوع
أولًا: فضل الوفاء ورد الجميل
الدعوة إلى مكارم الأخلاق : عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ.وفي رواية ( مكارم الأخلاق ) رواه البخاري
أمر الله برد الجميل: قال الله تعالى : ( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) القصص 771
وقال تعالى : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن 60
شكر الناس دليل على شكر الله: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ"البُخاري\" في \"الأدب المفرد\" 218
أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد الجميل: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ.- وفي رواية :مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ. "البُخَارِي\" في (الأدب المفرد) 216.
النفس تحب مَن أحسن إليها، وتحب حفظ الجميل ورده لمَن يستحقه: فهذا كعب بن مالك -رضي الله عنه- لما بُشِّر بتوبة الله -تعالى- عليه انطلق مسرعًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- فرحًا بذلك، فقال عن نفسه: "دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَاللهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ. فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ" (متفق عليه).
نهى الله عن نسيان الفضل : ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ البقرة: 237
إنَّ الاعترافَ بفضلِ الآخرين ومواقفهم الجميلة والكريمة لخلقٌ إسلاميٌّ نبيل عزيز، كدنا أن نفقده في مجتمعاتنا المسلمة في زماننا هذا ،
وإذا كانت هذه الآية (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) نزلت في شأن الزوجين المطلقين ، إلا أنها تشمل كل علاقة بين اثنين ، ففي حياتنا صنوف من العلاقات ـ سوى علاقة الزواج ـ:
فهناك علاقة القرابة، أو المصاهرة، أو علاقة العمل، أو الصداقة، وغيرها الكثير والكثير ،
فما أحرانا أن نطبق هذه القاعدة في حياتنا؛( وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) ، ليبقى الود نهرًا مطردًا، ولتُحفظ الحقوق، وتتصافى القلوب .
{وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ،وذلك بالتيسير على المعسرين، وإنظارهم ، والتسامح عند البيع وعند الشراء، بما تيسر من قليل أو كثير، فبذلك ينال العبد خيراً كثيراً”
إن من كريم الأخلاق و كمال الأدب أن لا تنسى فضل من كانت بينك و بينه مودة ..
لأن نسيان فضل صاحب الفضل من خسيس الطباع و الأخلاق ..
كيف تنسى فضل والديك عليك وهما اللذان ربياك واحسنا تربيتك وسهرا الليالي لمرضك وبحثا عن لقمة العيش لتعيش في رغد وهناء ..
كيف تنسى مودة تلك الزوجة التي رضيت بك و عاشت معك و صبرت على حُلو معيشتك و مُرها ..!
كيف تنسى فضل صديقك الذي ربطتكم علاقة أُخوةٍ ومحبة ، و يأتي اليوم الذي تريد ان تنتقم منه لسوء فهم منك ..!
أخوك الذي ولدته أمك تخاصمت معه بسبب تافه واختلاف بالرأي و قد كنتم تتقاسمون اللقمة سوياً، اين فضل الأخوة ..!
جارك الذي تبادلت معه أطباق الطعام و كنتم من قبل مثل الإخوة بل ربما أشد و الآن لا تُلقي السلام عليه لسوء ظن منك، أين فضل الجار ..!
زميلك في العمل الذي كان يساعدك ويعلمك صرت تشتكي منه وتتأفف وقد كان من أقرب الناس لقلبك، أين فضله ..!
شيخك أو أستاذك الذي تعلمت منه العلم، وأخذت عنه سماحة الأخلاق ، حتى أصبح لك شأنا بين الناس .. أصبحت تتعالى عليه .. اين فضيلة العلم في نفسك!؟
قاعدة ربانية تحملك على الوفاء لكل شخص تربطك به علاقة
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد)،
وقال الشاعر : ومن يسدِ معروفًا إليك فكن له…شكورًا يكن معروفه غيرَ ضائع
ولا تبخلنّ بالشكر والقَرض فاجزه…تكن خير مصنوع إليه وصانع
ثانيًا: نماذج على الوفاء ورد الجميل
النبي صلى الله عليه وسلم : يرد الجميل لعمه أبي طالب الذي تكفل بتربيته بعد وفاة جده عبد المطلب ، فلا ينسى له ذلك ، فحينما يتزوج السيدة خديجة رضي الله عنه يأخذ ابن عمه علياً في كنفه ورعايته رداً لجميل عمه ومساعدة له
وفاءه لزوجته التي واسته ووقفت بجواره ، فلم يتنكر لها ، ولم ينس جميلها ، فعن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن عليها الثناء ، فذكرها يوما من الأيام ، فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلا عجوزا ، فقد أبدلك الله عز وجل خيرا منها ، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ، ثم قال : « لا والله ما أخلف الله لي خيرا منها ، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني وكذبني الناس ، وواستني من مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل الأولاد منها ، إذ حرمني أولاد النساء » قالت عائشة رضي الله عنها : فقلت : بيني وبين نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا \"
مسند أحمد (6/117)
وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام كان إذا ذبح الشاة قال: ((أرسلوا إلى أصدقاء خديجة، فذكرت له يومًا، فقال: إني لأحب حبيبها))، وفي رواية: ((إني رزقت حبها)).
يذكر صلى الله عليه وسلم فضل أبي بكر ومواقفه الطيبة معه فيقول : "مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَيْنَاهُ مَا خَلاَ أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا نَفَعَنِى مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِى مَالُ أَبِى بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً أَلاَ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ
.أخرجه الترمذي (3661)
سيدنا موسى عليه السلام: عندما توجه تلقاء مدين وسقي الأغنام لابنتي شعيب على أرجح الأقوال ،وجاءته أحداهما على استحياء لكي تستدعيه له لكي يأخذ الأجر وليشكره على هذا الجميل والمعروف فقال له شعيب:(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ )) سورة القصص:27) فماذا كان رد موسي؟(قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ على وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ )(سورة القصص:28) فلقد روي البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ فَعَلَ) رواه البخاري. حفظًا للمعروف وردًا للجميل من نبي الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ذكر ابن الجوزي في المنتظم أن المأمون بلغه أن رجلا يأتي كل يوم إلى قبور البرامكة فيبكي عليهم ويندبهم، فبعث من جاء به فدخل عليه وقد يئس من الحياة، فقال له: ويحك ! ما يحملك على صنيعك هذا ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنهم أسدوا إلي معروفا وخيرا كثيرا
فقال: وما الذي أسدوه إليك ؟ فقال: أنا المنذر بن المغيرة من أهل دمشق، كنت بدمشق في نعمة عظيمة واسعة، فزالت عني حتى أفضى بي الحال إلى أن بعت داري، ثم لم يبق لي شئ، فأشار بعض أصحابي علي بقصد البرامكة ببغداد، فأتيت أهلي وتحملت بعيالي، فأتيت بغداد ومعي نيف وعشرون امرأة فانزل في مسجد مهجور ثم قصدت مسجدا مأهولا أصلي فيه.
فدخلت مسجدا فيه جماعة لم أر أحسن وجوها منهم، فجلست إليهم فجعلت أدبر في نفسي كلاما أطلب به منهم قوتا للعيال الذين معي، فيمنعني من ذلك السؤال الحياء، فبينا أنا كذلك إذا بخادم قد أقبل فدعاهم فقاموا كلهم وقمت معهم، فدخلوا دارا عظيمة، فإذا الوزير يحيى بن خالد جالس فيها فجلسوا حوله، فعقد عقد ابنته عائشة على ابن عم له ونثروا فلق المسك وبنادق العنبر، ثم جاء الخدم إلى كل واحد من الجماعة بصينية من فضة فيها ألف دينار، ومعها فتات المسك، فأخذها القوم ونهضوا وبقيت أنا جالسا، وبين يدي الصينية التي وضعوها لي، وأنا أهاب أن آخذها من عظمتها في نفسي، فقال لي بعض الحاضرين: ألا تأخذها وتذهب ؟ فمددت يدي فأخذتها فأفرغت ذهبها في جيبي وأخذت الصينية تحت إبطي وقمت، وأنا خائف أن تؤخذ مني، فجعلت أتلفت والوزير ينظر إلي وأنا لا أشعر، فلما بلغت الستارة أمرهم فردوني فيئست من المال، فلما رجعت قال لي: ما شأنك خائف ؟ فقصصت عليه خبري، فبكى ثم قال لأولاده: خذوا هذا فضموه إليكم.
فجاءني خادم فأخذ مني الصينية والذهب وأقمت عندهم عشرة أيام من ولد إلى ولد، وخاطري كله عند عيالي، ولا يمكنني الانصراف، فلما انقضت العشرة الأيام جاءني خادم فقال: ألا تذهب إلى عيالك ؟ فقلت: بلى والله، فقام يمشي أمامي ولم يعطني الذهب والصينية، فقلت: يا ليت هذا كان قبل أن يؤخذ مني الصينية والذهب، يا ليت عيالي رأوا ذلك.
فسار يمشي أمامي إلى دار لم أر أحسن منها، فدخلتها فإذا عيالي يتمرغون في الذهب والحرير فيها، وقد بعثوا إلى الدار مائة ألف درهم وعشرة آلاف دينار، وكتابا فيه تمليك الدار بما فيها، وكتابا آخر فيه تمليك قريتين جليلتين، فكنت مع البرامكة في أطيب عيش، فلما أصيبوا أخذ مني عمرو بن مسعدة القريتين وألزمني بخراجهما، فكلما لحقتني فاقة قصدت دورهم وقبورهم فبكيت عليهم.
فأمر المأمون برد القريتين، فبكى الشيخ بكاء شديدا فقال المأمون: مالك ؟ ألم استأنف بك جميلا ؟ قال: بلى ! ولكن هو من بركة البرامكة.
فقال له المأمون: امض مصاحبا فإن الوفاء مبارك، ومراعاة حسن العهد والصحبة من الإيمان.
البداية والنهاية ، لابن كثير 10/214
الوفاء وحفظ الجميل للمشايخ والعلماء (باحترامهم وتوقيرهم والدعاء لهم، والحذر مِن الإساءة إليهم): قال أبو حنيفة -رحمه الله-: "ما صليتُ منذ مات شيخي حماد، إلا استغفرتُ له مع والدي، وإني لأَستغفر لمَن تعلَّمتُ منه علمًا أو علَّمته علمًا!".
وقال أبو يوسف -رحمه الله-: "إني لأدعو لأبي حنيفة قبْل أَبويّ!".
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ما بتُّ منذ ثلاثين سنةً إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له!".
وقال الشافعي -رحمه الله-: "الحر مَن راعى وداد لحظة، وانتمى لمَن أفاده لفظة".
الوفاء وحفظ الجميل للأبوين، وكيف لا؟ والله جل وعلا جعل شكره مقرونًا بشكر الوالدين فقال ربنا: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إلى الْمَصِيرُ)) (لقمان:14) فالشكر لله على نعمة الإيمان، والشكر للوالدين على نعمة التربية. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الشكر. َلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ}. وصدق ربنا إذ يقول:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) سورة الإسراء:23
ويكون برهما حتى بعد موتهما كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا)رواه ابن ماجه. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) رواه أحمد في مسنده
بل من البر والوفاء وحفظ الجميل كما قال النبي المختار صلى الله عليه وسلم فنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ) رواه مسلم
الوفاء بين الأزواج: ففي الحديث :" أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" . (متفق عليه) . فالوفاء بين الزوجين، يجعل الأسر مستقرة، والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء، والعسر واليسر.
ومن جميل الوفاء وفاء الزوجة لزوجها بالمبالغة فى احترامه وليس من شك في أن الزوجة يلزمها التأدب مع زوجها ومعرفة حقه عليها، وقد سمى الله الزوج سيدا، فقال: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ)
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (قالت: حدثني سيدي) تعني زوجها أبا الدرداء. ففيه جواز تسمية المرأة زوجها سيدها وتوقيره" انتهى.
وروى أبو نعيم في حلية الأولياء : " قَالَتِ امْرَأَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : مَا كُنَّا نُكَلِّمُ أَزْوَاجَنَا إِلا كَمَا تُكَلِّمُوا أُمَرَاءَكُمْ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، عَافَاكَ اللَّهُ".
ولا عجب
بكى عمر المختار حين ماتت زوجته، فقالوا له ما يبكيك؟ قال : كانت ترفع باب الخيمة لأدخل
فأسألها لم تفعلين ذلك؟ فتقول : لكي لا تنحني لغير الله.
أما اليوم فالزوجة تقصف ظهر زوجها ، فهل هذا وفاء أم وباء..؟
الوفاء للوطن الذي نعيش فيه: وذلك بالحفاظ على معالمه وآثاره ومنشآته العامة والخاصة؛ والحفاظ على مياه نيله التي تربينا عليه وروينا منها أكبادنا !! وعدم الإفساد في أرضه؛ أو تخريبه وتدميره؛ وعدم قتل جنوده وحراسه الذين يسهرون ليلهم في حراستنا وحراسة أراضينا!! والذين تمتد إليهم يد الغدر والخيانة بين الحين والحين!! فعن الأصمعي قال: ” إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه.” ( الآداب الشرعية لابن مفلح).
وفاء الأصدقاء: قال بعض العقلاء: "تعلموا أن تنحتوا المعروف على الصخر، وأن تكتبوا آلامكم على الرمل؛ فإن رياح المعروف تذهبها!". وهذه قصة لطيفة في هذا المضمون: والقصة تبدأ عندما كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء ، خلال الرحلة تجادل الصديقان فضرب أحدهما الآخر على وجهه. الرجل الذي ضُرب على وجهه تألم ولكنه دون أن ينطق بكلمة واحدة؛ فكتب على الرمال: اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي. استمر الصديقان في مشيهما إلى أن وجدوا واحة فقرروا أن يستحموا. الرجل الذي ضُرب على وجهه علقت قدمه في الرمال المتحركة و بدأ في الغرق، ولكن صديقة أمسكه وأنقذه من الغرق. وبعد أن نجا الصديق من الموت قام وكتب على قطعة من الصخر: اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي. الصديق الذي ضرب صديقه وأنقده من الموت سأله: لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرمال؛ والآن عندما أنقذتك كتبت على الصخرة ؟! فأجاب صديقه: عندما يؤذينا أحد علينا أن نكتب ما فعله على الرمال؛ حيث رياح التسامح يمكن لها أن تمحيها، ولكن عندما يصنع أحد معنا معروفًا فعلينا أن نكتب ما فعل معنا على الصخر؛ حيث لا يوجد أي نوع من الرياح يمكن أن يمحوها .
فتعلموا أن تكتبوا آلامكم على الرمال لتمُحى؛ وأن تنحتوا المعروف على الصخر ليُحفظ الجميل ؛ لأن أقسى شيء على نفس الإنسان؛ أن يُقابل جميله بالنكران؛ ومعروفه بالكفران.
ثالثًا: ذم الجحود ونكران الجميل
مِن طبائع النفوس اللئيمة، وهو كفر بنعمة الله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).
مَن أُعطِيَ عَطاءً"، أي: مَن أخَذَ عَطاءً مِن أحَدٍ، "فوجَدَ"، أي: فوَجَدَ ما يُكافِئُ بهِ مَن أعْطاهُ، "فلْيَجْزِ بهِ"، أي: فلْيُجازِ مَن أعطاهُ بما وجَدَ عندَه؛ مُكافَأةً له على العَطاءِ، "ومَن لم يَجِدْ"، أي: فإنْ لم يجِدْ مَن أخَذَ العَطاءَ شيْئًا يُكافِئُ بهِ مَن أعطاهُ، "فلْيُثْنِ بهِ"، أي: يُثْنِ عليه بسَببِ هذا العَطاءِ، وهو مِن الثَّناءِ والشُّكرِ والعِرْفانِ بهذا العَطاءِ، "فإنَّ مَن أَثْنى"، أي: فمَن شَكَرَ صاحِبَ العَطاءِ ومدَحَهُ عليهِ وأَثْنى عليهِ خيرًا، "فقدْ شكَرَ"، أي: فقدِ اعتَرَفَ له بحَقِّه وفضْلِه ولم يُنكِرْه عليه، "ومَن كتَمَ"، أي: ومَن لم يَشكُرْ صاحِبَ العَطاءِ ويمْدَحْه عليهِ ويُثْني عليهِ خيرًا، "فقدْ كفَرَ"، أي: لم يَعتَرِفْ له بحَقِّه وفضْلِه، وأنكَرَه عليه، "ومَن تحلَّى بما لم يُعْطَ كان كلابِسِ ثَوبيْ زُورٍ"، والمعنى: أنَّ المُتكثِّرَ بما ليس عندَه؛ بأنْ يُظهِرَ أنَّ عندَه ما ليس عندَه، يَتفاخَرُ بذلك على النَّاسِ ويَتزيَّنُ بالباطلِ؛ فهو مَذمومٌ كما يُذَمُّ مَن لَبِسَ ثَوْبَيْ زُورٍ، وهو مَن يُزوِّرُ على النَّاسِ، كمَنْ يَلْبَسُ لِباسَ أهلِ العِلمِ وليس هو بتِلكَ الصِّفةِ، وأضافَ الثَّوبَيْنِ إلى الزُّورِ؛ لأنَّهما لُبِسَا لأجلِه؛ فالإضافةُ لِأَدْنَى مُلابَسةٍ، والتَّثنِيَةُ اعتبارًا بالرِّداءِ والإزارِ.
اللئام لا يزيدهم الإحسان والمعروف إلا تمردًا!: عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر: (مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ) (رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي الدنيا، وقال الألباني: حسن صحيح).
وقال الشاعر:
إذا أنتَ أكرمتَ الكريم ملـكته وإن أنتَ أكرمت اللئيم تمردا
وقال آخر:
وإخوَانٍ حسِبتهُمُ دُرُوعـًا فـكـانـوها ولـكنْ للأَعَـادِي
وخلتُهُمُ سِـهـامًا صائِباتٍ فكانوها ولكنْ في فُؤادِي!
زوال النعم، وحلول النقم: ففي حديث الأقرع والأبرص والأعمى أن الملَك قال لمَن أعترف بالجميل: "لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ" (متفق عليه).
سببٌ مِن أسباب دخول النار: فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ) قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: (يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) (متفق عليه).
هناك من الرجال من قل وفاؤهم لنسائهم، فهو وفي لزوجته ما دامت تقوم على خدمته وخدمة بيته وأولاده محتفظة بجمالها فإذا ما كبرت وذهب شيء من جمالها أو ابتليت بداء أو مرض،أو حتى أغضبته في أمر بسيط من أمور الحياة الزوجية تنكر لها ولما قدمته له وعاقبها بطلاقها وقد يستخدم أولادها أداة لزيادة تعذيبها أو قد يتركها في البيت كشيء مهمل ليس له قيمة ويبحث عن زوجة صغيرة رشيقة جميلة يقضي معها حياته ولا يعطي هذه المسكينة حقوقها التي شرعها الله لها بل قد ينساها هي وأولادها، فتتحول تلك الزهرة التي كانت تملأ البيت أريجا وعطرا والتي طالما تغنى بجمالها.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جمع وترتيب: الشيخ أحمد محمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء
المرفقات
1629861858_الوفاء ورد الجميل للشيخ أحمد أبو عيد.docx
1629861869_الوفاء ورد الجميل للشيخ أحمد أبو عيد.pdf