الوفاء بالعهد والتزام قوات التحالف بالمواثيق الدولية

بندر بن عبدالله الرشود
1438/05/19 - 2017/02/16 21:30PM
الخطبة الأولى
فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
عباد الله / تكمُل النفس البشرية بعبوديتها لله تعالى وحسن معاملتها مع الخلق، وقد أمر الله عباده بالأخذ بمعالي الأمور ونهاهم عن سفاسفها
وإن من معالي الأمور التي أمر الله بها عباده الوفاء بالعهد حيث قال تعالى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً [الإسراء:34].
والوفاء بالعهد أدب رباني حميد، وخلق نبوي كريم، وسلوك إسلامي نبيل، جعله الله صفة لأنبيائه:
فقال تعالى في إبراهيم عليه السلام : وإبراهيم الذي وفى
وقال تعالى في إسماعيل عليه السلام: واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً [مريم:54].
وجعل الله الوفاء بالعهد صفة لأوليائه، فقال في أولي الألباب: إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق [الرعد:20].
والوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به وعاهد عليه
وأعظمُ عهدٍ يجب الوفاء به: الوفاء بعهد الله تعالى بأن يُعبَد وحده لا يُشرَك به شيئًا، كما قال - سبحانه -: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: 40].
ومن الوفاء بعهد الله تعالى المحافظة على فرائض الدين وواجباته , وان من أعظم فرائضه اقامة الصلاة ,حيث قال المصطفى عليه الصلاة والسلام ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) فمن حافظ على الصلاة فقد أوفى بأعظم عهد بينه وبين الله تعالى بعد توحيده جل وعلا ,
وكل أمر أو نهي في الشرع فهو عهد بين العبد وبين ربه , قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كل ما أحل الله وما حرم وما فرض في القرآن؛ فهو عهد" وعلى قدر امتثال العبد لأوامر الله تعالى ونواهيه يُعلم مدى وفائه ونكثه , والعاقل حسيبُ نفسه , ومن لم يحاسب نفسه في الدنيا دامت حسراته؛ وطالت في عرصات القيامة وقفاته , وقد قال عليه الصلاة والسلام ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ) ولأن يحاسب العبد نفسه في الدنيا خير من أن يحاسبها في الآخرة واقرأوا ان شئتم ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )

والوفاء بالعهد -عباد الله - يعظُم مع الوالدَيْن؛ فقد تعِبا لراحتك، وسهِرَا لنومك، وكدَحَ الوالدُ لعيشك، وحمَلَتك أمك كرهًا ووضعَتْك كرهًا، وأول واجبٍ فرَضَه الله من حقوق الخلق البرُّ بالوالدين، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]، ومن الوفاء لهما: الدعاء لهما: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 24]، وطاعتهما في غير معصيةٍ، وفعل الجميل معهما، وإدخال السرور على نفوسهما، ومن البرِّ بهما: أن يريَا ثمرة جهدهما على أولادهما بسلوكهم طريق الاستقامة والصلاح، ومن الوفاء لهما: إكرام صديقهما بعد موتهما.
مرَّ أعرابيٌّ على ابن عمر فقال له ابنُ عمر: ألستَ ابنَ فلان بن فلان؟ قال: بلى، فأعطاه ابن عمر دابةً كان يركبها وقال: اركبها، وأعطاه عِمامَته وقال: اشدُد بها رأسك، فقال له بعضُ أصحابه: غفر الله لك، أعطيتَ هذا الأعرابي دابةً كنت تروح عليها وعِمامةً كنت تشدُّ بها رأسك، فقال: إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن من أبرِّ البرِّ: صلةَ الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يُولِّي»، وإن أباه كان صديقًا لعُمر؛ رواه مسلم.

والوفاء بالعهد هو من شِيَم الرجال، وأمارةٌ على سموِّ النفس وحُسن الخُلق، وهو من أعظم أُسس بناء المجتمع واستقامة الحياة ولذا أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود ( يا أيها الذين امنوا أوفوا بالعقود ) والعقد عهد , ومتى أخل الناس بالعقود ونكثوا العهود اختلت موازين الحياة وتفككت أواصر المجتمعات وساد الظلم والفقر والقتل فيهم , وقامت بينهم الحروب على ساق ولم يكن للخلاص منها حل أو مساق .
والحقوق بين الخلق كثيرة , فكل اتفاق بين اثنين فأكثر على أن يقوم أحدهم للاخر بشيء فهو عهد وعقد يجب الوفاء به ما لم يكن معصية واثما .
وأعظم العقود بين الخلق عقد الزواج ؛ حيث سماه الله تعالى بالميثاق الغليظ فقال تعالى ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) و جاء في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)) فأيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر، ليس في نفسه أن يؤديها حقها أو قصر في أدائه لها فقد أخل بالعقد وأخلف الوعد ونكث العهد وخالف أمر الله ورسوله .

ومن العقود العظيمة بين الخلق والتي يؤدي الإخلال بها الى ضياع الحقوق وانتشار الظلم والفساد في المجتمع ؛ عقد الوظيفة , وهذا العقد قد غفل عن أهميته خلق كثير حتى ظن بعض الناس أن الوظيفة حق خالص له غير محاسب عليه فهو بين مهمل ومقصر وقد خاب ظنه وعمله , فالوظائف ضرب من ضروب الولاية ، ويكفي في عظيم شأنها وخطير أمرها ما رواه الامام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يا أبا ذرٍّ، إنَّك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلاَّ مَن أخَذَها بحقِّها وأدَّى الذي عليه فيها)) وجاء في السنن ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لعن الله الراشي والمرتشي ) وهل تكون الرشوة الا في الوظائف , وحسب اللبيب هذا القدر موعظة وتحذيرا
اقول ما تسمعون ..

الخطبة الثانية
فاتقوا الله عباد الله وراقبوه فان التقوى سبيل الفلاح ( واتقوا الله لعلكم تفلحون )
عباد الله وان من الوفاء بالعهد الوفاء بالمواثيق الدولية , فكل ميثاق يبرمه ولي أمر المسلمين مع الدول الأخرى ولو كانت كافرة فانه يجب الوفاء به ، ويجب على جميع الرعية أن يفوا بهذا العهد الذي عقده ولي الأمر ، وقد دلت عموم الأدلة السابقة على ذلك , ومما يدل على عظيم خطرها أن الله تعالى جعل حق الميثاق فوق حق الإخوة الإسلامية حيث يقول الله تعالى في شأن المسلمين اذا استنصروا اخوانهم ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ) وقد أمر الله تعالى بإتمام عهدهم (إِلاّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) وقد كان النبي  يتعاقد مع الكفار ويتمم العهد معهم , وهذا كله مما تواطأ عليه فقهاء الشريعة وعلماء الأمة , ومما يجدر ذكره في هذه الآونة ؛ التزام قوات التحالف العربي في حربهم ضد الانقلابيين الحوثيين في اليمن بالقرارات والاتفاقات الأمنية حيث أعلنت قيادة قوات التحالف في أكثر من بيان الالتزام بوقف إطلاق النار في اليمن، على أن يتمدد الوقف تلقائياً في حال التزام ميليشيات الحوثي والقوات الموالية لها بهذه الهدنة، إلا أن جماعة الحوثي لم يستجيبوا لها، بل استغلوا هذه الهدنة لنهب المساعدات الإنسانية وتكثيف عدوانهم على اليمنيين وعلى أراضي المملكة, فكان لزاما كف المعتدي والظالم بما يردعه عن ظلمه وعدوانه ( والله لا يهدي كيد الخائنين )
عباد الله كفى بالوفاء بالعهد شرفا وحسبه رفعة قول الله تعالى ( ومن أوفى بعهده من الله ) ومن ثم كان العهد مما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة؛ ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما )
المشاهدات 1152 | التعليقات 0