الوعيُ سلاحٌ منيعٌ

سعود المغيص
1444/03/23 - 2022/10/19 21:47PM

اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى :

إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

أَمَّا بعدُ عباد الله  :

اتقوا الله تعالى واعلموا أن الإنسانُ الناجحُ المُوفَّق هو ذلكم الشخصُ الذي آمنَ بربِّه - جل وعلا -، وصدَّق برسوله - صلى الله عليه وسلم -، وجعلَ الإسلام قائدَه ودليلَه إلى فعل الحسن واجتِناب القبيح، وجعل من هذا الشعور المُتكامِل مِعيارًا يَميزُ به الخبيثَ من الطيب، والزَّينَ من الشَّين.

لديه من الحكمة والأناة والتأمُّل ما يتَّقي بها السوءَ قبل وقوعِه -

ولو تأمَّلنا السرَّ الكامِن وراءَ حُسن التصرُّف في مثلِ ذلكم، لوجَدنا خصلةً مهمةً تلبَّس بها مثلُ ذلكم المؤمن كواحدٍ من قلَّةٍ تنعُم بتلك الخَصلة في حين يفتقِدُها كثيرون، ألا وهي: "خصلةُ الوعي".

 

نعم، "خصلةُ الوعي" التي تتجلَّى في سلامة الإدراك ودقَّته قال تعالى: ﴿ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾   .

وقال صلى الله عليه وسلم: ( نضَّر اللهُ امرءًا سمِع مقالتي فوعاها ).

إن المرءَ المُسلم أحوج ما يكونُ إلى استثمار جانب الوعيِ في زمنٍ كثُر في الغشُّ، وشاعَ بين عمومه التدليسُ والتلبيسُ في كافَّة جوانب الحياة: دينيَّةً كانت أو دُنيويَّة.

الوعيُ سلاحٌ منيعٌ يحميكَ بعد الله سبحانه من أن تقعَ ضحيَّة غشٍّ أو خِداعٍ أو غفلةٍ، أو أن تُجرَّ إلى مغِبَّةٍ لا تحمدُها لنفسِك بسبب غفلتك، أو أن تتعثَّر في الأمر الواحد أكثرَ من مرَّةٍ بسبب غيابِ الوعي عن شخصِك.

قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يُلدغُ المؤمنُ من جُحرٍ واحدٍ مرتين ).

جاء في "الصحيحين" أن امرأتين خرجَتا على سليمان - عليه السلام - وقد اختلفَتا في ابنٍ معهما، كلُّ واحدةٍ تدَّعي أنه ابنُها. فقال - عليه السلام -: ائتُوني بالسكِّين أشقُّه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمُك الله، هو ابنُها - أي: ابن الكبرى -. فقضَى به للصغرى.

 

أي: حكمَ به لمن رفضَت شقَّه بالسكِّين، مع أنها أقرَّت أنه ابنُ الكبرى، ولكنه عليه السلام وعَى حقيقةَ الأمر ولم يأخذ بإقرارها الظاهِر، وهو كما قيل: "سيدُ الأدلة"؛ لأنه لو كان ابنًا للكُبرى لما رضِيَت الكُبرى بشقِّه بينهما نصفَيْن.

الوعيُ - عباد الله - ليس عبارةً فلسفيَّة، أو ترفًا فكريًّا، كلا؛ بل هو إدراكٌ ينالُه المرءُ بالجِبِلَّة تارةً، وبالاكتِساب والدُّربَة تاراتٍ أخرى،

بالوعيِ يُعرفُ المرءُ متى يُصدِّق الشيءَ ومتى يُكذِّبُه. وبالوعيِ يعرفُ المرءُ متى يكونُ الكلامُ خيرًا، ومتى يكونُ الصمتُ خيرًا له. بالوعيِ يُدرِكُ من يستعينُ به ومن يستغِلُّه.

وأكثرُ ما يُوقِعُ المرءَ فريسةً للمكر والخِداع قلَّةُ وعيِه أو عدمُه بالكليَّة.

 

أقول قولي هذا ..

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بعدُ عباد الله  :

احرِص - أيها المسلم - على أن تكون لبِنةً واعيةً من لبِنات المُجتمع؛ لكي تُحسِن المسيرَ، وتُتقِنَ العمل والتعامُل في النُّهوض بمُجتمعك من السيِّئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن.

وإياك والعُزلةَ المقيتة عن أمور المُسلمين؛ فإنها تحجُبُك عما هو خيرٌ لك في دينِك ومعاشِك، وتقضِي على كلِّ مُقوِّمات الوعيِ الناشِئِ من المُخالطَة ومعرفة أحوال الناس وأيامهم.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ( المؤمنُ الذي يُخالطُ الناسَ ويصبرُ على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالطُ الناسَ ويصبِرُ على أذاهم (

فاتقوا الله - عباد الله -.

واعلموا أن الأمة بمجموعها لا تكونُ واعيةً إلا بوعيِ أفرادها، فهم فكرُها النابِض، وبصيرتُها الراقية بها إلى معالِي الأمور؛ فإن الأمةَ إذا وعَت فقد أدركَت ما لها وما عليها بين الأُمم الأخرى، فتستثمِرُ مُكتسباتِها الدينية والسياسية والاقتصادية لتثبيت هويَّتها والاعتزاز بها، والاستِعداد الدائِم لسدِّ الثَّغَرات داخِلَها وخارِجَها لئلا تُؤتَى من قِبَلها.

 اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ 

سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 1002 | التعليقات 0