الوعود الربانية

ناصر بن عبدالرحمن الحمد
1440/04/01 - 2018/12/08 07:11AM
                                                                    بسملة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد: ثم يذكر حاجته.

أما بعد :

فإن المؤمن يعيش في هذه الدار على أمل بوعد الله ﷻ في دار القرار ...

وهي نقطة فاصلة وخطة حافلة بين المؤمن والفاجر والمسلم والكافر وكلما عظم التصديق عظم التطبيق حتى إن المؤمن ليقدم روحه ليشتري من الله راحة الآخرة ونعيمها ..

ويقدم ماله ليعظم عند الله مآله

ويحج ويعج ويأتي من كل فج ليشهد المنافع ولينال المرافع

ويعج وللأضاحي والهدي يثج لا لأن الله يناله لحومها ودماؤها ولكن ليناله منا الهدى والتقوى وبه على الحق نرقى ونقوى ...

تلك هي الوعود الربانية والعهود الإيمانية التي بها يميز الله ﷻ بها الخبيث من الطيب والوضيع من الرفيع والموقن من المرتاب ...

  ﴿ أفمن وعدناه وعداً حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو من المحضرين ﴾

شتان بين هذا وذاك ،شتان بين من يعيش في هذه الدار لقصد سامي ورجاء نامي ، وبين من يعيش في هذه الدار بغير قرار..

وتأملوا كيف أن الله ﷻ قال عن أولئك الذين ليس لهم هدف في الحياة وليس عندهم يقين بموعود الله تعالى فقال عنهم :

  ﴿ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ﴾ 

وقال الله ﷻ عنهم :

﴿والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ... ﴾

عباد الله...

كلما عظمت ثقة المؤمنين بموعود الله ﷻ كلما عظم وفاء الله ﷻ لهم ...

وكلما ضعفت ثقتهم عاملهم الله بسوء ما عندهم ...

وكذلك يثبت الله تعالى من آمن به وبموعوده ..

أولم تروا أن نبيكم نصر بالرعب مسيرة شهر ؟

والمشركون في قلق وحيرة ليس عندهم موعود من الله ﷻ يتمسكون به ؟

أوليس الله ﷻ قد نصر المؤمنين ببدر وهم قلة ؟

حتى قال نبيكم ﷺ هذا مصرع فلان ومصرع فلان !!

بينما في حنين كان لهم شأن آخر ...

حتى إذا عظم عدد المسلمين وقوي سلطانهم وازدادات عدتهم وجاؤوا في "حنين" ومعهم من ضعف إيمانه فقلّ أمانه وأعجبتهم الكثرة وخدعهم الغرور فلجُّوا في غرور حتى ضعف يقينهم بالعزيز الغفور ...

فلم تغن عنهم قوتهم من الله شيئا وولوا مدبرين وبقيت الصادقة قلوبهم في نزر يسير مع إيمان كالجبال يناديهم محمد ﷺ ويذكرهم بموعود الله ﷻ ...

حتى عظم الإيمان عندهم فأنزل الله ﷻ سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم يروها وعذب الذين كفروا

عباد الله ..

ها أنتم هؤلاء حين يكون لأحدكم مال يرجوه كيف يعمل ويرجو أن يلقَّى أحسن المكافأة وأرقاها وأبقاها ويجتهد لينال درجات الدنيا ...

فكذلك المؤمن إذا أيقن بما وعده الله ﷻ كان سر عمله ومعين عطائه وسرّ بقائه ..

عباد الله ..

إن أعظم موعدٍ نسعى إليه وأجلَّ مقصود نهفوا إليه هي الجنة التي وعدها الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...

لقد وعد المؤمنين بالجنة في عدة مواضع

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالْأَنْهَارُ ... ﴾

﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا وعد الله حقًا ومن أصدق من الله قيل ﴾

فهنيئا للمؤمنين وهم يرون تصديقهم بوعد الله ﷻ والملائكة يرحبون بهم من كل باب

﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 103]

﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ﴾ [ص: 53، 54].

أسرع وحُث السير جهدك إنما *** مسراك هذا ساعة لزمان

فاعشق وحدّث بالوصال النفس وابـ***ـذل مهرها ما دمت ذا إمكان

واجعل نعوت جمالها الحادي وسر*** تلقى المخاوف وهي ذات أمان

وقد حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ..

فتحولت المكاره عند المؤمنين لذة حين أيقنوا بوعد الله ﷻ

إن الموعد الحق للعالمين لا بد منه يوم ترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها وقد أخبر الله ﷻ عن هذا الوعد فقال ومن أصدق من الله وعداً وقيلا ...

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ﴿٤ يونس﴾

وحينها تبلى السرائر وتفضح الضمائر ويخرج إبليس في خطبته الشهيرة ومعذرته الأخيرة

 ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ( 22 ) . ﴿٢٢ ابراهيم﴾

قال الشيطان لهم في الدنيا :

 لا بعث ولا جنة ولا نار ولا نعيم ولا جحيم ...

وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا قليل من المؤمنين

ولذلك يعيش أهل الإيمان وهم يستشعرون ذاك الوعد كما قال ﷻ عن المؤمنين وهم يعبدون الله ويرجونه ..

وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا﴿١٠٨ الإسراء﴾

بينما الكفار والفجار فقد وعدهم الله ﷻ النار وساءت مصيراً

فقال ﷻ :

 ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [التوبة: 68]

وقال :

﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ [القمر: 46].

 فتلك الساعة التي شكوا فيها هي موعدهمفي الآخرة

﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [سبأ: 29، 30].

 حينئذ يقال لهم :

﴿ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾[يس: 63، 64]

﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 60].

وأما في الدنيا فقد وعد الله ﷻ المؤمنين سعادة وهناء لا يكون للمشركين أبداً

  ﴿ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ... ﴾

ووعد الله ﷻ رسله والمؤمنين بالصبر على دينهم حتى يأذن الله ﷻ لهم بالنصر والتمكين فعليهم بالصبر والاستمرار بالطاعة والعبادة حتى يأتي الله بنصره

 ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]

 ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]

 ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [غافر: 77].

فالله ﷻ أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم وأراه بعضه وجعل بعضه بعد موته صلى الله عليه سلم .

فقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم بقصور كسرى وقيصر وهزمهم الله تعالى على يد صحابته بعد موته

فالمؤمن يدرك أنه ليس لزاما أن يرى النصر بعينه ولكن بعين قلبه ويقينه

وفي زمن الضعف والوهن يجب على الأمة أن تتأمل لموعود الله تعالى وأن الله تعالى لا يخلف الميعاد .

قال المولى ﷻ مبشراً بنصره وتأييده ودعمه وتأكيده:

  ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً ﴾

لقد وعد الله ﷻ المؤمنين في هذه الآية بعدة مواعيد

 

1- الاستخلاف في الأرض والسلطان عليها وقد حصل أن هزم الله ﷻ كسرى وقيصر على يد المؤمنين وسيعود النصر متى ما عاد الإيمان الصادق للقلوب

2- تمكين الدين وحصل هذا وسيحصل حين يدخل الناس في دين الله أفواجاً أفواجاً

3- الأمن بعد الخوف حتى ولو طال زمن الخوف وعظم جانبه ، يقول البراء بن عازب رضي الله عنه :

لقد نزلت علينا هذه الآية ونحن في خوف شديد

ونصر الله ﷻ للمؤمنين حاصل لا محاله لا يشك به إلا من عميت بصيرته وضلت سريرته

قال ﷻ :

  ﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ﴾

وهذا وعد الله ﷻ منذ أن أرسل الرسل وأنزل الكتب بأن لهم النصر والتأييد

 

إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم

 

 

الخطبة الثانية :

الحمدلله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا وصلى الله وسلم على البشير النذير أما بعد :

فمن أوفى بالعقود وأيقن بالموعود نال شرف الرضى في الدنيا والأخرى

و من كان في شك من هذا فقد ضل وللكفر أحل ، إن الله ﷻ لا مكره له ولا معقب لحكمه

( إن الله لا يخلف الميعاد. )

(وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

وحتى في أمور المعايش والأرزاق فهناك مواعيد ربانية لمن صدق مع الله

وليطمئن المؤمنون في هذه الحياة الدنيا بسعة الرزق وبرد العيش

فالشيطان هو من يعد الناس بالفقر والخوف وأما الله ﷻ فيعدهم مغفرة منه وفضلاً

 ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ﴾ [البقرة: 268]

﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 120].

 ولما أوحى إلى أم موسى أن تلقيه وهو رضيع في اليم وعدها برجوعه إليها فكان وعده سبحانه حقا وصدقا ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13].

ولما أيقن ابراهيم بوعد الله ﷻ قال الله ﷻ :

( قلنا يا نار كوني برداً وسلاما على ابراهيم)

ولما أيقن موسى بوعد الله ﷻ نصره الله قال تعالى : ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137]

ولما ايقن يوسف بوعد الله ﷻ :

قال الله ﷻ : ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض )

 

ولما أيقن محمد ﷺ بموعود الله ﷻ فتح الله ﷻ ما زوي له من الأرض ودخل الناس في دين الله أفواجاً

 

ولكنكم قوم تستعجلون

 

 

اللهم أعز الحق وأهله وأذل الباطل وأهله وأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين

المشاهدات 1880 | التعليقات 0