الوضوء مرضاة للرب

عبدالعزيز أبو يوسف
1446/02/29 - 2024/09/02 10:44AM

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أحمده حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأصلي وأُسلم على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد:

فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن فهي خير زاد لمعادكم وخير زينة لكم في دنياكم، ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) .

أيها المسلمون:

إن لكل قوم وأهل بلد أو مِلةَ ما يُميزهم عن غيرهم إما بفعل أو قول أو صفة خَلقية أو خُلقية ، وإن مما يتميز به أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن غيرهم من الأمم في الدنيا ويوم الدين فيعرفهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم أمر عظيم ، وصفة جليلة ، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي  هُرَيْرَةُ - رَضِيّ اللَّه عَنهُ - أَنَّ رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَقْبَرَةُ  فَقَالٌ: ( السّلَامُ عَلَيكُمْ دَارَ قُوَّمُ مُؤْمِنِينَ، وإنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكَمْ لَاَحِقُونَ، وَدَدْتِ أَنَا قَدْ رَأْينَا إِخْوَانِنَا " قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانُكَ يا رَسُول اللَّه؟ قَال: " أَنْتُمْ أَصْحَابِيٌّ، وَإِخْوَاننَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدَ " فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرُفَ مِنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدَ مَنْ أَمَّتْكَ يا رَسُول اللَّه؟ فَقَالٌ: " أَرَأَيْتِ لَوْ أُنَّ رَجُلَا لَهُ خَيَّلَ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ، بَيْنَ ظُهْرِي خَيْل دُهْم بُهم، أَلَا يَعْرُفَ خَيْلُهُ؟" قَالُوا بَلَى يا رَسُول اللَّه! قَال: " فَإِنّهُمْ يَأْتُونَ غُرّاً مُحَجَّلَيْنِ مَنِ الْوَضُوءَ، وَأَنَا فَرَطَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ)

 

عباد الله : منزلة الوضوء في دين الله تعالى عالية؛ فهو نصف الإيمان كما في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الطَهور شطر الإيمان "،  فهو عبادةٌ مستقلةٌ وقربةٌ جليلة بذاته ولو لم  تعقبه صلاة، وهو شرط لصحتها قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاةٌ بغير طهور ) رواه الإمام مسلم،  فالوضوء ليس مجرد مضمضة واستنشاق وغسلٍ للوجه وللأطراف، وإزالةٍ للأقذار.. إنه أعلى وأجل؛ بل هو جالب لمحبة الله تعالى القائل: ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).

فالوضوء مُذهب للخطايا والسيئات ، قال صلى الله عليه وسلم قال: " إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجههِ كلُ خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُ خطيئةٍ كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئةٍ مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًّا من الذنوب " رواه الإمام مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: " من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره " رواه الإمام مسلم.

والوضوء أيها الفضلاء سبب لأن تُفتح أبواب الجنة للمتوضئ ، قال رسول الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم أجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه الإمام مسلم .

 

والمداومة على الوضوء صفةٌ الكُمّل من المؤمنين، لا يصبر على الاتصاف بها إلا هم، قال عليه الصلاة والسلام: (استَقيموا ولَن تُحصوا واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ) رواه ابن ماجة  بإسناد صحيح، فهنيئاً للمحسنين في وضوئهم المداومين عليه هذه الشهادة العظيمة.

 والنوم على وضوء سببُ على الموت على خير إن قدر الله تعالى قبض الروح حال النوم ، وسبب لنيل دعوة الملك ، قَالَ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ: (إذا أتَيْتَ مضجَعَكَ فتوضَّأْ وُضوءَكَ للصَّلاةِ، ثمَّ اضطجِعْ على شِقِّكَ الأيمَنِ، وقُلِ: اللَّهمَّ أسلَمْتُ وجهي إليكَ، وفوَّضْتُ أمري إليكَ، وألجَأْتُ ظَهْري إليكَ، رَهْبةً ورَغْبةً إليكَ، لا مَلجأَ ولا منجَى منكَ إلَّا إليكَ، آمَنْتُ بكتابِكَ الَّذي أنزَلْتَ، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلْتَ. قال: فإنْ مِتَّ مِتَّ على الفِطرةِ، واجعَلْهنَّ آخِرَ ما تقولُ)؛ أَخْرَجَهُ الإمام البُخَارِيُّ . وقَالَ عليه الصلاة والسلام: (مَن باتَ طاهرًا باتَ في شِعارِهِ ملَكٌ فلا يَستيقظُ إلا قالَ الملَكُ اللَّهمَّ اغفِر لعبدِكَ فلانٍ فإنَّهُ باتَ طاهِرًا)؛ أَخرَجَهُ البَيْهَقِيُّ بسند    

أيها المباركون : ما هذه  الأحاديث المتضمنة لفضائل للوضوء وثماره الجليلة إلا شيء يسير مما ورد بشأنه.  فاقدروه قدره وأعلوا من شأنه والتزموه لعلكم تفلحون.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، وبسنة خير المرسلين ، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن ولآه أما بعد:

أيها المسلمون إن صفة الوضوء الكامل كما ورد في السنة هي:

أن يُسمي الإنسان عند وضوئه، ويغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، يبدأ باليمنى ثم اليسرى، ثم يمسح رأسه مرة واحدة، يبل يديه ثم يمرهما من مقدم رأسه إلى مؤخرة ثم يعود إلى مقدمه ثم يمسح أذنيه فيدخل سباحتيه في صماخيهما ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ثلاثاً يبدأ باليمنى ثم باليسرى، ثم يقول بعد ذلك: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرةَ مرة ، ومرتين مرتين ، وثلاثاَ ثلاثا.

ومن الأخطاء التي قد يقع فيها البعض في الوضوء:

أولاً: عدم إسباغ الوضوء أي عدم إتمامه وهذا سبب موجب لبطلان الصلاة، روى مسلم عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى.

ثانياً: غسل العضو أكثر من ثلاث مرات، وهذا مخالف لهدي النبي صلَّى الله عليه وسلم، فإنه توضَّأ ثلاثًا ثمَّ قال: "هذا الوضوء، فمَن زاد على هذا، فقد أساء وظلَم".

ثالثاً: عدم إكمال غسل اليدين إلى المرفقين، والواجب عليه غسل يديه كلها من أطراف الأصابع إلى المرافق؛ لأن الكفين داخلان في مسمى اليد، ولا يكتفي بالغسل الأول لهما.

رابعاً: عدم مراعاة المولاة والترتيب في الوضوء، وكذا عدم العناية بأمر المسح على الجوربين ، وكذا الجبيرة والتفقه في أحكام المسح عليهم، والتساهل من البعض في هذا الأمر.

خامساً: عدم التنزه من الخارج من السبيلين والاستنجاء وهو الطهارة بالماء أو الاستجمار وهو الطهارة بالحجر والمنديل ونحوه ، ولا شك أن ذلك مبطل للوضوء ومن أسباب عذاب القبر نسأل الله السلامة والعافية، فقد مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قبرينِ فقال: ( إنَّهما ليُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ ثمَّ قال: بلى أمَّا أحدُهما فكان يسعى بالنَّميمةِ وأمَّا الآخَرُ فكان لا يستنزِهُ مِن بولِه ) رواه الإمام البخاري.
 

سادساً: الإسراف في الماء، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]. روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالـْمُدِّ.

اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين ووفقنا لهداك وأجعل اعمالنا في رضاك  يا رحمن.

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل   عليماً: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا  تسليماً) ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وأرضى اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحب والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعدائك أعداء الدين ، وانصر عبادك الموحدين ، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاء ، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال ، ومُدهما بنصرك وإعانتك وتوفيقك وتسديدك ، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا على القوم الظالمين، وأحفظهم واشف مريضهم وداوي جريحهم وتقبل ميتهم في الشهداء، وأدم على هذه البلاد أمنها وإيمانها وقيادتها ورخائها ، ومن أراد بها سوءً فأشغله في نفسه وأجعل كيده في نحره، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ، وحرم على النار أجسادنا ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 116 | التعليقات 0