الوضوء صفته ، وفضائله

مريزيق بن فليح السواط
1434/02/08 - 2012/12/21 01:50AM
إن الحمد لله...
عباد الله:
الإسلام دين نقاء وطهارة، وتهذيب ونزاهة، طهر القلوب والأبدان، وهذب السلوكوالأخلاق، قال تعالى: "ونفس وما سوها. فألهمها فجورها وتقوها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دسها" آي قد أفلح من زكى نفسة بطاعة الله، وطهرها من الأفعال القبيحة، والأخلاق الدنئية، وخاب من دساها بالرذائل والنكرا، ودنسها بالمعاصي والموبقات.
والطهارة يا عباد الله: حسية، ومعنوية، طهارة للظاهر، وطهارة للباطن، "يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر"
وفي شريعة الاسلام تكليف لطيف، وأمر ألهي ظريف، فية رحمة وتخفيف، جعله الله شرط للصلاة، ومُقدم عليها، لما فية من نقاء وصفاء، ونظافة وبهاء، منزلته في الاسلام عالية، فهو نصف الإيمان قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الطَّهورُ شطر الإيمان" والمحافظة عليه دليل على ما في القلب من إيمان، وتعظيم للملَك الديان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولن يحافظ على الوضوء الا مؤمن" لا تصح صلاة الّا به، ولا تجزء صاحبها بدونه قال عليه الصلاة والسلام: "لا يقبلُ اللهُ صلاة أحدِكم إذا أحْدثَ حتى يتوضأ".
الوضوء مأخوذ من الوضاءه وهي الأشراقة والضياء، والنور والصفاء، وهو عبادة مستقلة، رتب الله عليها أجورا عظيمة، وجعل لها أحكاما جليلة، وحكما جميلة.
الوضوء شريعة ربانية، يتبين فيها عظمة الاسلام، ورقي أحكامه، وسمو تشريعاته قال تعالى: "ما يُريدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عليكُمْ من حَرَجٍ ولكن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وليُتِمَّ نِعْمتَهُ عليْكُمْ لَعَلَّكُم تَشْكُرون".
الوضوء عمل يسير، وأجر كبير، فرضه الله على كل مسلم، بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تهالى: "ياأيها الذين أمنوا إذا قُمْتُمْ إلى الصلاةِ فاغسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إلى المرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبيْن" ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طَهور، ولا صدقة من غلول"
الوضوء فُرض للصلاة على هئية يسيرة، فينوي المتؤضي ويقصد رفع الحدث عن نفسه، والنية محلها القلب والتلفظ بها بدعة، ثم يقول: بسم الله، ثم يغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يُمضْمض ويستنشق ويستنثر يقعل ذلك ثلاث مرات، والمضمضة هي: إدارة الماء بالفم، والاستنشاق هو: سحب الماء الى داخل الأنف، والاستنثار هو: إخراج الماء من الأنف، ثم يغسل وجهه ثلاث مرات، وحد الوجه: من الأُذن إلى الأُذن عرضا، ومن منابت شعر الرأس إلى أسفل اللحية طولا، ولايجوز أن يُفرّط بشئ من ذلك، ومن كانت لحيته خفيفة فعليه غسلها، وأما الكثيفة فيُخلّلها بالماء مع غسل ظاهرها، ثم يغسل يدية إلى المرفقين ثلاث مرات، وعليه أن يلحظ غسل الكفين لأنها من اليد، "فاغسِلُو وُجُوهَكُم وأَيْدِيَكُم" ثم يمسح رأسه بيدية من مُقدّمه إلى قَفَاة، ويمسح أذنيه بنفس الماء الذي أخذه لرأسه فيدخل سبابتيه في صماخيهما، ويمسح بإبهامية ظاهرهما، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات، ومن نسي التسمية فوضُؤه صحيح ولا شيء عليه.
هذه صفة الوضوء التي يجب على المسلم العناية بها، الحرص على تمامها واسباغها، واستيعابها لجميع أعضاء الوضوء، ومن فرط في ذلك تُوعِّد بعظيم العقاب، فقد رآى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلا توضأ وبقي في عَقِبه -مؤخرة قدمه- جزء لم يصبة الماء، فقال علية الصلاة والسلام: "ويلٌ للأعقاب من النار اسبغوا الوضوء" ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ وغسل أعضائة مرة مرة، وتوضأ وغسلهما مرتين مرتين، وتوضأ وغسلهما ثلاث مرات، وقال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم" فالزيادة على الثلاث غلو وإفراط وإسراف.

أيها المسلمون:
الوضوء شرعه الله لفوائد عظيمة، وثمرات جليلة، وحكم ومنافع عديدة، ورتب عليه من الأجور والثواب ما يدعو المسلم للإهتمام به، والحرص عليه، فليس الأمر مقتصر على غسل الأطراف للنظافة، وإزالة ماعلق بها من أوساخ، ففي الوضوء تكفير للسيئات فهذة الأعضاء محل الكسب والعمل، وما يفعلة الإنسان لا يخرج عن هذة الاطراف الأربعة اليدان والرجلان والوجة والرأس، وأبواب الذنوب والمعاصي تقع على العبد من جهة هذه الاطراف فيمشي إليها برجليه، ويبطش ويأخذ الحرام بيديه، ويسمع ويتكلم ويبصر ويشم ويفكر فيما لا يحل له وهذه في رأسة ووجهه، وإذا توضأ خرجت هذه الخطايا مع الوضوء قال عليه الصلاة والسلام: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهِهِ كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب"
وبالوضوء تحصل محبة الله للعبد ومن أحبة الله سعُدَ في الدنيا والأخرة قال تعالى: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوابينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرين" فما أعظمها من محبة وما أفضلها من قربة.
الوضوء سيما هذه والأمة، وعلامتهم في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة، يعرفهم به رسولهم صلى الله عليه وسلم، ويتميزون به بين الأمم، قال عليه الصلاة والسلام: "إن أُمتى يأتون يوم القيامة غُرّا مُحجَّليين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يُطيلَ غُرّتة وتحجيله فلْيَفعل".
الوضوء سلاح المؤمن، يَتقي به الشيطان، ويُطفئُ سّوْرَة الغضب الذي يُورث المشاكل والمحن، فيكون به للنفس ارتياح، وللصدر إنشراح، لأن الغضب يصاحبه فوارن الدم ، والماء يطفئ هذه الفورة ويكسر حدتها.
الوضوء سببٌ لحفظ الله للعبد، وعنايته به، وطرد الشياطين عنه، قال عمر رضي الله عنه:الوضوء الصالح يطرد الشيطان، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من بات طاهرا بات
في شعاره -الملابس الملاصقه للجسم- ملك فلا يَسْتيقِظُ من الليل الا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهرا".
الوضوء يمحو الخطايا ويرفع الدرجات، ويدرك ثواب المرابط في سبيل الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يَمْحو الله به الخطايا، ويرفعُ الدرجات، اسباغُ الوضوء على المكاره، وكثرةُ الخُطى إلى المساجد، وإنتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".
الوضوء سبيل لكسب الحسنات، وتكفير السيئات فإذا توضأ المسلم، وخرج إلى المسجد كان ممشاة صدقة له، وله بكل خطوة حسنة، ويُحط عنة سئية، وكان زائرا الله وحق على المَزُورِ أن يكرم زائرة قال صلى الله عليه وسلم: "من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر".
الجنة غايتنا وهدفنا، وبالوضوء تفتح لنا أبوابها، ونُخيّر في الدخول من أبوابها، "ما منكم من أحد يتوضأ فيُسبغُ الوُضوء، ثم يقول: أشْهدُ أنْ لا إله إلّا الله، وحْدَه لا شَريكَ له، وأشْهدُ أن محمدًا عبْدُه ورسُوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المُتَطهرين، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء" فكيف تطيب نفس عبد عن الوضوء، بعد أن علم ثمراته العظيمة، وفضائله الكثيرة.

الحمد لله على إحسانه...
الوضوء ليس مُرتبط بالصلاة فقط، بل هو مشروع في مواطن كثيرة، فيُستحبُّ عند النوم لحديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوئك للصلاة...".
ويشرع الوضوء عند الاستيقاظ من النوم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ".
ويشرع للجنب عند إرادة الجماع مرة أخرى فأن ذلك خيرُ له، وأنشط لبدنه ونفسه، يقول عليه الصلاة والسلام: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ" بل حتى إذا أراد الجُنُبُ الأكل أوالنوم قبل الإغتسال سُنَّ له الوضوء، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جُنُبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوئه للصلاة".
أيها المسلمون:
ومن الأمور التي يحسن التنبية لها، وهي من الطهارة التي ينبغي الحرص عليها عند الحضور للمسجد، لا سيما في هذة الأيام الباردة، لبس الملابس النظيفة المطيبة قال تعالى: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" والنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأسوتنا كان أحسن الناس لباسا قال أبو هريرة رضي الله عنه: "كان يبلس من صالح ثيابة" وقال عمرو بن حريث رضي الله عنه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعلية عمامة سوداء وقد أرخى طرفيها بين كتفية" وكان عليه الصلاة والسلام يقول: "البسوا من ثيابكم البياض فإنه خير ثيابكم" وكان لة حُلّة يتَجمّل بها للجمعة والوفود، فيستحب غسل الثياب وتنظيفها وتطيبيها عند إرادة الصلاة خلافا لما علية بعض الناس من لبس ملابس متسخة، أو شفافة، أو لبس ملابس النوم والدخول بها إلى المسجد، وليس من السائغ ذوقا وأدبا أن يدخل المسجد بثياب مهنته وهي متسخة، قد فاحت رائحتها الكريهه، فيتأذى الناس منه، ومثل ذلك لبس ملابس الصوف في مثل هذه الأيام وعدم الاهتمام بنظافتها وتطيبها فيعكر على المصلين صلاتهم، ويُذهب خشوعهم.
أيها المسلم:
أنت تقف بين يدي الله، وتناجي ربك، وتتقرب إليه بأحب الأعمال إليه، وهي الصلاة، فاحرص على الطهارة لها، والتجمل عند حضورها، ولبس الملابس النظيفة والمطيبة اللائقة بها، تعظيما لشعائر الله، ورغبة فيما عند الله، "ومن يُعَظّمْ شَعَائرَ اللهِ فإِنَّها من تَقْوَى القُلُوب".
المرفقات

الوضوء صفته ، وفضائله.doc

الوضوء صفته ، وفضائله.doc

المشاهدات 2939 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


أسعدني مرورك وتعليقك أخي شبيب
تقبل الله منا ومنك وغفر لنا ولك
قد يكون من المستحسن عند البعض أن يتكلم عن أحكام تخص الاستنجاء والاستجمار قبل الحديث عن صفة الوضوء.