الوصايا اللقمانية التربوية 3

عبدالرزاق المضياني
1442/01/27 - 2020/09/15 00:52AM

الخطبة الأولى:(30/1/1442هــ) الوصايا اللقمانية التربوية 3                       

أيها المسلمون:كان العلماء ومن سار على نهجهم من الصالحين إذا أرادوا أن يبحثوا عن دين إنسان سألوا عن صلاته، فإنْ حُدِّثوا بأنَّه يحافظ على الصلاة،عَلِموا أنَّه ذو دين،وذو خشية من ربِّ العالمين، ولو كان عليه شيءٌ من التقصير، فإن الصلاة ترغِّبه في صالح الأعمال، وتنهاه عن منكرات الأقوال والأعمال؛ حتى يأتيه الموتُ على أحسن الأحوال، وإنْ حُدِّثوا بأنَّه مُضيِّعٌ للصلاة، عَلِموا أنَّه لا دينَ له، ومَن لا دِين له جديرٌ بكل شرٍّ، بعيدٌ من كلِّ خير، وعادمُ الخير لا يُعطيه، وكلُّ إناءٍ ينضح بما فيه، فالمضيِّع للصلاة ليس من إخوان المؤمنين، بل هو من جُند إبليس اللعِين، فإن إقامة الصلاة شرطُ الأخوَّة في الدِّين، ونسيان الصلاة أمارة على اتِّباع الشياطين؛قال تعالى:﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾.                          

هذا ما أوصى به لقمان الحكيم ابنه الوصية الرابعة :                       

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾وفي توجيهِ لقمان لابنه بإقامة الصلاة إصلاحٌ لنفسه وتهذيب لأخلاقياته؛ فالمُصلِّي يَشعر بالراحة والطمأنينة من جراء الخشوع والسكون المصاحب لها، فضلاً عن أن تعاقُبَ الصلوات الواحدة تلو الأخرى تنميةٌ وترسيخ للرقابة التي سبقت الوصيةُ بها، كما أن المصلي لا يستطيع الشيطان أن يستحوذ عليه؛ لأنه يجدِّد العهد مع الله في كل صلاة، من استعاذة واستغفار، أضف إلى ذلك ما تُحدِثه صلاة الجماعة من ترابط وتماسُك اجتماعي.                     

ويُعلمنا لقمان في هذه الوصية أسلوبًا آخر من أساليب التربية، وهو أسلوب التعويد؛ وذلك من خلال أمر الأولاد بإقامة العبادات والطاعات قبل سنِّ التكليف؛ ليَعتادوها ويَألفوها، وكذا الحال مع شتى السلوكيات الإسلامية، وهذا هو مَقصد التربية.

 إنَّ أعظمَ الناس بركة، وأشرفهم منزلة الرجلُ يكون في المجلس، أو في أي مكان وعنده أهله وأولادُه، أو صحبُه وجلساؤه، أو خَدَمُه وحَشَمُه، فيسمع النداء بالصلاة، فيقوم إليها فَزِعًا فَرِحًا، ويأمر مَن عندَه بالقيام إلى الصلاة معه، فيؤمُّون مسجدًا من مساجد الله؛ لأداء فريضة من فرائض الله بسكينة ووقَار، فيغشاهم النور، وتُكتب لهم الآثار، وتُضاعَف لهم الحسنات، وتُرفَع الدرجات، وتُحَطُّ الأوزار.     

وبضدِّ هؤلاء أقوامٌ يجلسون في مجالسهم،ومنتدياتهم، فيسمعون النداء بالصلاة، فلا يُجيبون الداعي إلى الفلاح بتلك الكلمات، بل ألسنتهم لاغية، وقلوبهم لاهية؛﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.          

أولئك المشَائيم على أنفسهم، وعلى جُلسائهم وذَويهم.                              

عباد الله:هل تعلمون أننا ملزمون بأمر أبناءنا بالصلاة أكثر من خمسة آلاف أمر وَهُوَ تَكرَارٌ كَثِيرٌ وَتَأكِيدٌ كَبِيرٌ، لَو حَصَلَ وَحُوفِظَ عَلَيهِ كَمَا أَمَرَ بِهِ المُرَبِّي الأَكبَرُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- لَكَانَ كَفِيلاً بِغَرسِ مَكَانَةِ الصَّلاةِ في سُوَيدَاءِ قَلبِ المَأمُورِ بِهَا، وَلَكَانَ كَافِيًا لِتَأكِيدِ أَهَمِّيَّةِ تِلكَ العِبَادَةِ في نَفسِهِ، وَلَتَيَقَّنَ أَنَّ عِبَادَةً يُؤمَرُ بها في ثَلاثِ سَنَوَاتٍ أَكثَرَ مِن خمسَةِ آلافِ أَمرٍ فَرِيضَةٌ مُحكَمَةٌ وَرُكنٌ مَتِينٌ مِن أَركَانِ الدِّينِ.                                                                  

وذلك فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود وحسنه الألباني أنه صلى الله عليه وسلم قال:"مُرُوا أَولادَكُم بِالصَّلاةِ وَهُم أَبنَاءُ سَبعِ سِنِينَ، وَاضرِبُوهُم عَلَيهَا وَهُم أَبنَاءُ عَشرِ سِنِينَ" .                                    

بارك الله لي ولكم،،،،، 

الخطبة الثانية:                                                                    

لَقَد كَانَ مِن دَأبِ أَنبِيَاءِ اللهِ المُرسَلِينَ وَعِبَادِهِ الصَّالحِينَ الأَمرَ بِالصَّلاةِ وَدُعَاءَ اللهِ أَن يُعِينَهُم وَأَبنَاءَهُم عَلَى إِقَامَتِهَا، قَالَ -تَعَالى- عَن خَلِيلِهِ إِبرَاهِيمَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: (رَبِّ اجعَلْني مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).                                                   

وَقَالَ عَن إِسماعِيلَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: (وَاذكُرْ في الكِتَابِ إِسماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَكَانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا).                                              

وَبِهَذَا الأَمرِ العَظِيمِ أَمَرَ اللهُ خَاتَمَ الأَنبِيَاءِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: -سُبحَانَهُ-: (وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى) .                                            

وَهُوَ أَمرٌ لِلأُمَّةِ مِن بَعدِ نَبِيِّهَا، وَاجِبٌ عَلَيهَا امتِثَالُهُ وَالاصطِبَارُ عَلَيهِ؛ إِبرَاءً لِلذِّمَّةِ وَأَدَاءً لِلوَاجِبِ، وَقِيَامًا بِحَقِّ الرَّعِيَّةِ الَّتي سَيُسأَلُونَ عَنهَا يَومَ القِيَامَةِ؛ قَالَ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّكُم رَاعٍ وَكَلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسؤُولٌ عَن رَعِيِّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهلِهِ وَهُوَ مَسؤُولٌ عَن رَعِيِّتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيتِ زَوجِهَا وَهِيَ مَسؤُولَةٌ عَن رَعِيِّتِهَا" الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. إِنَّهُ لأَمرٌ عَظِيمٌ، وَإِنَّ التَّقصِيرَ فِيهِ لَخَطِيرٌ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَم يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلاَّ لم يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.                                          

وَأَنَّى لأَبٍ لا يَأمُرُ أَبنَاءَهُ بِالصَّلاةِ أَن يَكُونَ قَد نَصَحَ لَهُم أَو أَدَّى مَا عَلَيهِ مِن وَاجِبٍ تجَاهَهُم؟!

ثم صلوا وسلموا،،،

 

 

المشاهدات 925 | التعليقات 0