الهلاك والتلف لمن أسرف

عبدالرزاق بن محمد النهيان
1438/05/06 - 2017/02/03 20:20PM
الخطبة الأولى:(الهلاك والتلف عاقبة السرف)6/5/1438هـ
أيها الناس:قال لي أحد الصالحين:قبل فترة من الزمن كنا نطعم البهائم الخبز اليابس!واليوم أصبحنا نطعمها أطباق الفطائر والحلوى!وربما جاءت هذه الأطباق مغلفة وجديدة لم تلمسها يد لامس!
أليس هذا واقع؟!
ناهيكم عن الأطعمة الملقاة في براميل النفايات!
وعن ما تقوم به أكثر المطاعم قبل إقفالها في آخر الليل !
صور يندى لها الجبين ويتفطر القلب لها ألماً وحسرة!
إنه أمر خطيرٍ جد خطير،وأمر إن لم نسع جميعا في إصلاحه،والإقلاع عن أسباب انتشاره وإقراره،وإلا فإننا نخشى عقوبة تلحق الجميع،الصغير منا والكبير،والذكر والأنثى،والأمير والمأمور،وحينها لن يندم المرتكبون لهذا المنكر فحسب،بل سيعظ الجميع أصابع الندم!
أهكذا تشكر النعم،وتستدفع النقم،أما حدثكم الآباء و الأجداد عما كانوا فيه من ضيق العيش وقلة ذات اليد،أما سمعتم بقصصهم،وما مسهم من الجوع والقحط،أما تأملتم في حال من كفر النعمة وأهانها،على مر الدهور والأزمان،من دول وشعوب وأفراد،وما نزل بهم من العذاب والنكال،جزاء إسرافهم وتبذيرهم وعدم شكرهم؟!
لقد جاء التحذير من هذا الفعل في كتاب الله تعالى،وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال سبحانه:﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ وقال عز وجل:﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾وقال وقوله الحق: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.
قال السعدي في تفسير عن هذه الآية: فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه،وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن،وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
وقال في وصف عباده الأتقياء:﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾.
قال بعض السَّلف:"جَمَعَ اللَّهُ الطِّب في نصف آية:﴿وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾وقال تعالى:﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾قال عطاء بن أبي رباح: "نُهوا عن الإسراف في كلِّ شيءٍ"وقال ابن كثير:"أيْ:ولا تسرفوا في الأكل؛لما فيه من مضرَّة العقل والبَدَن". الإسرافُ عدوُّ حفظِ الأموال والموارِد، وهو طريقُ الفقر والإفلاس، حفظُ المال حفظٌ للدين والعِرض والشَّرَف، وقد قالت الحُكماء: "من حفِظَ مالَه فقد حفِظَ الأكرَمَيْن: الدينَ والعِرض".
وعن خَوْلَة الأنصارية قالت:سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:(إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ؛فلهم النار يوم القيامة)رواه البخاري.
وعند البخاري في صحيحيه قال عليه الصلاة والسلام:(كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ). وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:"كُلْ ما شئتَ، والْبَسْ ما شئتَ،ما أخطأَتْكَ اثنتانِ:سَرفٌ أو مَخِيلَةٌ"رواه البخاري.
عن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:(لا تزول قَدَما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل: عن عمره فيمَ أفناه؟وعن عِلْمِه فيمَ فعل؟وعن مالِه؛من أين اكتسبه؟وفيمَ أنفقه؟))رواه الترمذي وصححه الألباني.
الإسرافُ يُنبِتُ في النفوس أخلاقًا مرذولة؛من الجُبن، والجَور،وقلَّة الأمانات،والإمساك عن البذل في وجوه الخير؛لأن من أخذَت ملذَّاتُه بمجامِع قلبِه كان أعظم همِّه إعطاءَ نفسه مُشتهاها في مطعومِه وملبُوسِه ومركوبِه ومفروشِه.
الإسراف جالب للهموم والغموم،مفسدٌ للأمزجة وفساد الذمم،يقودُ إلى تراكُم الديون،وإثقال الكواهِل،وقد يقودُ إلى أكل الحرام.
الإسرافُ هدرٌ وخرابٌ،وحقٌّ على أمةٍ تُريدُ النُّهوضَ من كبوَتها أن تُقلِعَ عن التبذير والإسراف في الصَّرف والإنفاق، ويكونُ بذلُها في وجوه البِرِّ والإصلاح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)
بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية:
عباد الله: وحتى لا تسلب هذه النعم من بين أيدينا،ينبغي أن لا يستهان بقليل الطعام ولو كان لقمة واحدة،ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة،فلقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما يدل على حرصه على نعم الله تعالى،وتأملوا في هذا الحديث عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى فِي أَي طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ »رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَجَدَ تَمْرَةً فَقَالَ « لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأَكَلْتُهَا ».رواه البخاري.
ولننتبه لبقايا الطعام في القدور والأواني،ولا نستهين بها،بل تكرم وتصان،وتسلت فتؤكل،كما قال أنس رضي الله عنه: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ،قال:فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة»،قوله:نسلت القصعة:أي نمسحها ونتتبع ما بقي فيها من الطعام. فاتقوا الله معاشر المؤمنين،واحفظوا أموالكم،اكتسبوها بحقٍّ، وأنفقوها في الحقِّ؛فإنكم مسئولون عنها يوم القيامة.
ثم صلوا وسلموا على نبيّ الرحمة والهدى كما أمركم بذلك ربُّكم في محكم التنزيل،﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

المشاهدات 1119 | التعليقات 0