الهجرة هل هي حكمة إلهية أم رغبة نبوية ؟

[font="] [/font][font="]الهجرة : هل هي حكمة إلهية.. أم رغبة نبوية ؟[/font]
[font="] [/font]

[font="]الحمد لله ولي النعمة شديد النقمة جعل من الهجرة نقلة كبيرة في حياة الأمّة..[/font] [font="]أحمده جل في علاه.. وأشكره على نعمه التترى و آلائه الجمة و أشهد أن لا إله إلا[/font] [font="]الله وحده لا شريك له و أشهد أن نبيّنا و حبيبنا محمّداً عبد الله و رسوله كشف الله[/font] [font="]به عن البشرية الغمة و هدى به الأمّة صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليماً[/font] [font="]كثيراً.. أمّا بعد: [/font]
[font="]فاتقوا الله عباد الله و ارعوا سمعكم لقول الحقّ تعالى: " لاّ[/font] [font="]يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ[/font] [font="]ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا[/font] [font="]رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ[/font] [font="]فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلأََبْرَارِ[/font] [font="]".[/font][font="]( سورة آل عمران الآيات: 196/198 )[/font][font="]..[/font]
[font="] [/font][font="]إن العبد منذ أن استقرّت قدمه في هذه الدار، فهو مسافر فيها إلى ربّه تعالى، و مدّة سفره هي عمره كلّه الذي كتب له أن يعيشه. و جعلت الأيام و الليالي مراحل سفره، فكل يوم و ليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي سفره. فالكيّس الفطن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه فيهتمّ بقطعها سالما غانما بطاعة الله و فعل الخيرات، فإذا قطعها جعل الأخرى نصب عينيه. و الناس في قطع هذه المراحل فريقان: [/font]
[font="]* الفريق الأوّل[/font][font="]: قطعوها مسافرين فيها إلى دار الشقاء، فكلما قطعوا منها مرحلة، اقتربوا من تلك الدار، و ابتعدوا عن ربّهم و عن دار كرامته، قطعوا تلك المراحل بمساخط الله و معاداة رسله و دينه. مصحوبين بالشياطين الموكلة بهم كما قال الله تبارك و تعالى: " ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزّا ".[/font][font="]( سورة مريم: الآية: 83 )[/font][font="].[/font][font="] [/font][font="]أي تزعجهم إلى المعاصي و الكفر إزعاجا و نسوقهم سوقا.[/font]
[font="]* الفريق الثاني[/font][font="]: قطعوا تلك المراحل سائرين فيها إلى الله و إلى دار السلام، بالاستسلام لأوامر الله و هجرة المعاصي.[/font]
[font="]فما أحسن أن نحيي مناسبات الإسلام الضخمة، و لكن الأحسن من هذا ألاّ نحيي المناسبة فقط في فترة من نهار أو فترة من ليل، و لكن الأحسن أن نحيا نحن هذه المناسبة، نحياها في كل ما آتت من ثمار نحياها أسوة و نحياها قدوة، و نحياها عبرة لا تغيب. و حذار من أن نكتفي للإسلام بأن يحيوا مناسباته و كأن الإسلام في حاجة إلى أن يعيش بهم، و الناس ليسوا في حاجة إلى أن يعيشوا بالإسلام. ما أغنى الإسلام في أن يحيا بنا، و لكن ما أحوجنا نحن إلى أن نحيا بالإسلام ؟ نحن في العالم الإسلامي نحسن استقبال المناسبة، و لكننا لا نحسن معايشة المناسبة.[/font]
[font="]و إذا كانت الهجرة حدثا ضخما من أحداث الإسلام، فيجب أن نلاحظ أن تاريخها لم يبدأ حيث بدأت حدثا، و لكنها نشأت مع البعثة نفسها لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم، حينما ذهبت به زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل فقصّ عليه ما يراه من خبر الوحي.[/font]
[font="]قال له: لتقاتلن و لتخرجن.[/font]
[font="]قال عليه الصلاة و السلام: " أو مخرجي هم ".[/font]
[font="]قال : ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلاّ عودي، و إن يدركني يومك أنصرك نصرا مظفرا... فكأنّ الرسول صلى الله عليه و سلم قد استقبل خبر الهجرة في الوقت الذي استقبل فيه تصديق أنه مبعوث. إذن فالهجرة نشأت مع البعثة، و كأن هذا القران أراد به الحقّ سبحانه و تعالى أن يعلمنا أنّ البعثة بدأت إطلاق الدعوة في مكّة في أذن سادات مكة و الجزيرة العربية. و لكنها إنطلقت من المدينة، فكان و لا بد أن يلتقي الإطلاق بالإنطلاق. أي أن البعثة أطلقت في مكة و لكن حقيقة إنطلاقتها كانت مع الهجرة في المدينة المنورة. فالهجرة إلى المدينة كانت إنطلاقا بالدعوة، لذلك نجد كل الأحداث الضخمة نشأت بعد الهجرة.[/font]
[font="]و إذا أردنا أن نتدبر و نفهم معنى كلمة – هجرة – فهي مأخوذة من الفعل الرباعي " هاجر ". الإسم هجرة و الفعل هاجر. و هجر غير هاجر، فقد يترك الإنسان مكانا يقيم فيه فيكون هذا معناه " هجر " بمحض إرادته أي يترك المكان لسبب أقرّه هو بنفسه، إنّما "هاجر" لابد أن يكون هناك تفاعل بين إثنين ألجأه إلى أن يهاجر. إذا فهناك عمليتان: اضطهاد الكفّار للمسلمين، لأنهم لو لم يضطهدوهم و عاشوا في آمان يعلنون إسلامهم بحرية، ما أمر الله بالهجرة، و لكن الإضطهاد الذي لاقاه المسلمون كان تفاعلا أدّى إلى هجرتهم. أي: أنك إذا تركت قوما دون أن يكرهوك على ذلك تكون أنت الذي رحلت عنهم ( هجرتهم ) و لكن المهاجرة التي قام بها المسلمون كانت بسبب أن الكفار ألجأوهم إلى ذلك.[/font]
[font="]نحتفل اليوم الثلاثاء 1 محرّم 1432 [/font])[font="]07 ديسمبر 2010[/font]([font="] بذكرى هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة أحبّ المدن إلى قلبه، إلى المدينة أحبّ المدن إلى الله تعالى.[/font]
[font="] [/font]
[font="] إذا ترحّلت عن قوم و قد قدروا أن لا تفارقهم فالراحلون هُمُ [/font]
[font="] [/font]
[font="]أي: إذا ألجأك قوم أن ترحل و هم قادرون ألاّ ترحل فلا تكون أنت الراحل و إنما هم الذين رحلوا. فكأنّ رسول الله عليه الصلاة و السلام، لم يهجر مكّة لأنها كانت أحبّ البلاد إليه، و لكنه هاجر لأن من في مكّة ممن لم يقبلوا دعوة الإسلام اضطرّوه بالإيذاء له و لأصحابه و باضطهادهم إلى أن يهاجروا.[/font]
[font="]و لذلك كان جزاؤه صلى الله عليه و سلم، كما جاء في السيرة النبوية: "اللهم إنّك أخرجتني من أحبّ البلاد إليّ، فأسكنّي أحبّ البلاد إليك". إذن، فيجب أن نفهم من هنا أن المدينة أحب البلاد إلى الله، و أن مكّة أحب البلاد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم.[/font]
[font="]انظروا إلى الفارق بين محبوب الله و بين محبوب رسول الله صلى الله عليه و سلم، النبيّ يعطينا بحدث الهجرة درسا يجب أن نتأسّى به في كل تصرفات أحداثنا الضخمة التي نحاول بها أن نؤثر في مجرى الحركة للحياة. لأنّ الذي يحاول أن يغيّر مجرى حركة حياة ألفها الناس و عاشوها، لابد أن يتعرض إلى كثير من المتاعب لأنه سيخرج الناس عمّا ألفوه، و ينزعهم مما اعتادوه، و ذلك أمر شاق على النفوس. أمر تنطلق فيه حرية الحركة للأفراد يفعلون ما يشاءون و يتركون ما يشاءون. فينقلهم الآن إلى دائرة تتحكم في أمورهم فتقول لهم: افعل كذا و لا تفعل كذا. إذن فالذي يغيّر مجرى حياة إلى مناقض لها، لابدّ أن يتعب، لابدّ أن ينصب، و لكن التعب و النصب لا يمنعانه من أن يأخذ بالأسباب في مظانها و في أماكنها. و رسول الله صلى الله عليه و سلم، آمن بأنه رسول الله، لأنه يشهد هو كما نشهد له نحن، فيقول: أشهد أن محمدا رسول الله، فلا بدّ كما شهد الله لنفسه: أنه لا إله إلاّ هو، كذلك يشهد محمدا أنه رسول الله. و إلاّ فلو لم يقتنع تماما بأنه رسول الله، لأهتزّ من أول حدث، و لكن الذي يجعله يقف أمام الأحداث و ما فيها من متاعب و إغراءات، أنه يعلم أنه يستند إلى ركن رشيد شديد هو الله. و إن كل ما يحدث له إنما هو أمر إبتلاء حتى يتحمّل الدعوة الجديدة، قوم لهم جلد.. قوم لهم صبر.. قوم لهم تدريب على تلقّي المصاعب و تحدّي كل العقبات. لذلك لم ينحن أمام إغراءات قريش و قال لعمّه أبي طالب:" يا عمّ والله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتّى يظهره الله أو أهلك دونه ".ما أعظم محمدا..[/font]
[font="]فهل كان صعب على الله أن ينصر الإسلام في مكّة.؟ أبدا كان من الممكن أن يفعل ذلك..و الله على كل شيء قدير.. و لكن الله لم يشأ ألاّ يحمل الإسلام قوما رأوا في الإسلام عوضا عن أهلهم، عوضا عن أولادهم، عوضا عن أموالهم و ممتلكاتهم، ما داموا وجدوا هذا فهم يتحملون تعب الدعوة، و الله قد أعدّ مكة و الجزيرة العربية من قديم لتحمّل رسالة الإسلام، و مشاهدة وقائع هجرة خاتم الأنبياء. و كان من إعداده لها أنّها أمّة أمّية..[/font]
[font="]و لربما لقائل أن يقول: كيف إختار الله أن يعدّ أمّة أمّية.؟[/font]
[font="]لأنّ الله تبارك و تعالى، لا يريد انطلاقة تنشأ حضارية من أمّة متحضّرة، لأنّه ربّما قيل: إن الدعوة نضجت لحضارة كان و لا بد أن توجد.[/font]
[font="]فلم يشأ الله تعالى أن يكون الإسلام في فارس، و لم يشأ أن يكون الإسلام في الروم، لأنها دول ذات حضارات، و دول ذات إرتقاءات فربّما قال: قفزة حضارية يريد الله أن يجيء بنبيّ أمّي في أمّة أمية، ليعلم الناس جميعا أن ما عندهم ليس للبشر دخل فيه، و أنه من عند الله وحده. لذلك يمكن لنا القول أن الله جل و علا، أراد أن يعلّم البشرية أنّ محمدا و قوم محمد لم يأخذوا من حضارة الدنيا شيئا ليسودوا الدنيا، و إنما جاء كل منهجهم من السماء فلا دخل لأحد فيه. لا بالنسبة للرسول الذي أنزل عليه، و لا بالنسبة للقوم الذين آمنوا به و تلقوا نبأ السماء منه صلى الله عليه و سلم. من جهة أخرى يجب أن نعلم أن الله سبحانه قبل أن يأمر رسوله بالهجرة، و لمدة ثلاثة عشر سنة، نصره و حماه لما عرض نفسه على القبائل و صار في أسباب الدعوة، فكان الكفار المعاندون المعارضون للدعوة يحترمون بقاء أبي طالب معهم على ديانتهم، لا يشتدّون في إيذائه صلى الله عليه و سلم. و كان عدم إيمان أبي طالب كترضية لهؤلاء في ألاّ يؤذوا محمدا إيذاءا كبيرا، لأنهم يحترمون بقاء عمّه في حضانة دينهم، فإحتراما لهذا ربما كان ذلك. و لكن لو آمن أبو طالب أو أعلن إيمانه لأصبحت المهاجرة شيئا عاديا و ربما كان لهم فعل كبير في الإسلام. إذن نستخلص من هذا، أن الله سبحانه و تعالى قد ينصر الإيمان بالكفر.. فنصر إيمان محمد و حمايته بكفر أبي طالب..[/font]
[font="]لذا وجب علينا بعد أربعة عشر قرنا، أن نفهم و أن نتدبّر هذا الأمر.. لماذا ؟. لأن الحقّ تبارك و تعالى حينما يريد أن يثبّت أمرا يأتي بالنصير للأمر من خصوم ذلك الأمر، و هذا معنى قوله جل و علا:" و يمكرون و يمكر الله " ، إذا فأبو طالب كان حاميا للنبيّ عليه الصلاة و السلام، على طريقة الحماية السّببية، و إن كان محمد يعلم أنّ الذي أرسله لن يتخلّى عنه و لن يخذله. و هذه الحماية تسمى حماية داخلية من موقع الدعوة و من مسرح الأحداث المتعاقبة بتعاقب تطور الدعوة نفسها التي إنطلقت بأربعة أشخاص: خديجة، أبو بكر، عليّ و زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم، لتنتهي بالألاف المؤلفة من سكان الجزيرة العربية. و هذه الأولى، أما الحماية الثانية فهي أهم و أعمق، بما أنها حماية الحق تبارك و تعالى لعبده و من معه، و يتجلّى ذلك في طريق الهجرة إلى المدينة، إلتجأ صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و دليلهما أريقد الكافر إلى غار ثور و اختبأوا داخله، و جاء الكفار يقودهم أبو جهل و أبا لهب، و وقفوا عند مدخل الغار، و سيطر الخوف على قلب أبي بكر خشية أن يقع رسول الله صلى الله عليه و سلم في أيدي الكفار، و قال الصدّيق: لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا..فالكفار واقفون على باب الغار، و النبيّ صلوات ربي و سلامه عليه و أبو بكر داخله و نظرة واحدة من الكفار إلى داخل الغار تكشف الأمر كلّه..[/font]
[font="]فماذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:[/font]
[font="]رفع الأمر إلى الله و قال: " ما ظنّك بإثنين الله ثالثهما ". و هذا ما تشير إليه الآية الكريمة: " لا تحزن إنّ الله معنا " [/font][font="]التوبة 40 .[/font][font="] إذن فالرسول صلى الله عليه و سلم رفع الأمر إلى الله، فهو و أبو بكر في معيّة الله.. قول أبو بكر: لو نظر أحدهم لرآنا، قول الإنسان الخائف، و لكن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا تحزن إنّ الله معنا ". معناه أنه بقدرة البشر لو نظروا تحت أقدامهم لرأونا، و لكننا ما دمنا في حماية الله تعالى و عنايته فإنهم لن يرونا، ذلك لأن قدرة الله ستزيغ أبصارهم فلن يرونا، و حتى إذا نظروا تحت أقدامهم فلن يرونا، و ذلك لأن الله تبارك و تعالى هو الذي يحفظنا، فنحن لا نحفظ أنفسنا، و هكذا جاءت الآية لتبيّن لنا كيف أن الله تعالى إذا كان معنا كانت لنا الغلبة، و أننا يجب أن نستعين بالله في جميع الأمور. أفهمتم عباد الله، الآن بعد أربعة عشر قرنا من حادثة الغار في طريق الهجرة، لماذا تألّبت الأمم اليوم على أمّة الإسلام ؟ ولماذا عجزنا اليوم على تحقيق الغلبة ؟ لماذا ؟..لأن رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه رفع الأمر إلى الله، وهو في معيّة الله.. أما الأمة الإسلامية اليوم فقد رفعت الأمر إلى الكفار أعداء الإسلام، وهي اليوم في معية الكفار من أعداء الأمة.. ومن لا يخاف الله و يخاف من عبد الله، سلّط الله عليه من لا يخاف الله ..[/font]
[font="]لهذا كله لم يشأ الله أن ينصر دينه في مكة بالذات.. و لهذا إختار الله أن تكون أمة الإسلام أمّة أمّية.. و لهذا أراد الله أن يبقى أبا طالب على عقد قريش.. و لهذا خيّر الله أن تكون إنطلاقة الدعوة من تاريخ إطلاق الهجرة.. فهذه عبر و مواقف و أحداث و مفاهيم و دروس، حفظت لنا نحن أمّة محمد، لتكون وثيقة عمل في حياتنا و شريعتنا و خاتمة أمرنا.. ترى فهل إعتبرنا ..؟ و هل نحن نستحقّ هذه العناية الربانية و الوصاية المحمدية..؟ فليحاول كل منا أن يجيب نفسه قبل أن يجيب الملك الديّان يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.[/font]
[font="] [/font]
[font="]إن في عيد الهجرة أعيادا كلّها روعة و عزّ و افتخار. إن من أعيادها الرائعة المتألقة، عيد الوفاء في أروع مظاهره، و يتمثّل هذا واضحا جليا فيما فعله الصدّيق رضي الله عنه، فقد كانت براثن الخطر تترقب، و مخالب الشيطان تتوثّب، و كل شيء في شعاب الطريق و مسالكه ينذر بخطر أكيد، و لكن كل هذا لم يثن الصديق عن وفائه لصديقه، فأعدّ للأمر عدّته و قدّم لصديقه روحه و ماله و دمه، فكان خير مثال للوفاء المرّ، فصابر المكاره، و عالج العقبات، فكان خير مثال يقتدى في مثل هذه المحن.[/font]
[font="]و من أعياد الهجرة و ذكرياتها عيد الفداء، و يتمثّل هذا واضحا جليا فيما فعله عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فقد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم، أن ينام على فراشه حين مغادرته هو المكان، فلم يتردّد و أسرع للإجابة، وهو يعلم أنّ شباب قريش قد أحاطوا بالمكان و أن الموت أكيد يلمع في أسنّة السيوف بباب مرقده، و لكن هذا لم يخفه، و رقد في فراش الرسول صلى الله عليه و سلم، ليؤمّن نجاته من القوم، فكان خير مثال للفدائي الجريء البطل. و كان عمله هذا مدعاة لإعجاب الأبطال و رضاء الله. فقد روي أنّ الله تعالى قال لجبريل و ميكائيل: إني قد آخيت بينكما، و جعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فمن يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختار كل منهما الحياة. فقال لهما: " هلاّ كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه و بين محمد، فآثره على الحياة، و فداه بنفسه ؟ اهبطا إلى الأرض فأحفظاه من عدوّه ". فهبطا إلى الأرض و وقف جبريل عند رأسه، و ميكائيل عند قدميه يحرسانه حتى الصباح، و هما يقولان: بخ.. بخ لك يا ابن طالب، فإنّ الله يباهي بك ملائكته.[/font]
[font="] تمرّ الشهور بعد الشهور و تمضي السنون خلف السنين، و الناس في سبات غافلون عن الممات، و نسيانه ضلال مبين، و مهما عشت يا ابن آدم فإلى الثمانين أو التسعين فما أقصرها من مدّة و ما أقلّه من حين. و قيل لنوح عليه السلام و قد لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين، كيف رأيت هذه الدنيا ؟ فقال عليه السلام: كداخل من باب و خارج من آخر، و مضى مثل الأولين، و من علم أن الموت سنّة الله في العالمين، فكيف يطمع في البقاء وهو يرى كثرة الراحلين. و ما لك لا تستعدّ للرحيل أيها المسكين، و أنت تعلم قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لأحد أصحابه: " كن في الدنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل "، و كذلكشأن أهل اليقين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " و ربّك الغنيّ ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم و يستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين إنّ ما توعدون لآت و ما أنتم بمعجزين ". صدق الله العظيم.[/font]
[font="]اللهم فصل و سلم و بارك على سيدنا محمّد نور شمس العرفان، و مهبط أسرار القرآن، المنقذ العظيم و المرشد الحكيم، و خير داع إلى الصراط المستقيم، و على آله الأطهار الطيبين، و صحابته الأعلام الميامين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم اليقين.. اللهم أعزّ الإسلام و أنصاره، و أذل الشرك و أصهاره.. اللهم اجمعنا بنبيّك على كوثره و في جنات النعيم، اللهم اكتب لنا بركة توصلنا إليه، و تجمعنا عليه، و تقربنا لحضرته، و تمتعنا برؤيته، اللهم اجمعنا معه في أعلى مقام، و ارزقنا يا ربّنا في جواره حسن الختام.. آمين، آمين و صل اللهم و سلم على خير الأنام و على آله و أصحابه الأعلام و من تبع نهجهم إلى يوم النور و الظلام..[/font]

[font="][/font]
[font="] لم يعد لنا مزيد و غدا إن شاء الله هناك جديد[/font]
[font="]
[/font]

[font="][/font]
[font="] الشيخ محمد الشاذلي شلبي[/font] [font="] الإمام الخطيب[/font]
[font="] [/font]
المشاهدات 2489 | التعليقات 0