الهجرة..درس وموقف !1445/3/21ه

يوسف العوض
1445/03/20 - 2023/10/05 08:55AM

الخطبة الأولى

عباد الله : عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأَيت في المنام أَنّي أهاجر من مكة إِلى أرض بِها نخل فذهب وهلي [أي ظني] إِلى أَنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينَة يثرب"، كانت هجرته عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من بعثته عليه الصلاة والسلام وذلك في يوم الاثنين واستمرت ثمانية أيام ، كما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين"، يَقُولُ الله تعالى في مُحكمِ كتابِه: ﴿ إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.

عباد الله : إذا كان في الحياة أيام عز يقف عندها المرء وقفات طويلة ليأخذ منها الدروس والعبر فإن يوم الهجرة الشريفة أشهرها وأعزها؛ لأن الهجرة النبوية حدث عظيم في حياة المسلمين، لقد كانت الخطوة الأولى والكبرى لإقامة الدولة الإسلامية وتحويل المبادئ العظيمة التي نادى بها الإسلام إلى واقع ملموس فقامت الدولة، وطبقت الشريعة الإسلامية، ونال المسلمون بالهجرة القوة والمنعة التي جعلتهم ينشرون رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ولما كانت الهجرة نقطة تحول في تاريخ المسلمين بل في تاريخ الإنسانية حيث سماها الله تعالى نصرا، وقد استشار عمر ـ رضي الله عنه ـ الصحابة في اختيار حادثة من حوادث السيرة النبوية يؤرخون بها، وقع اختيارهم على حادثة الهجرة، ومنذ ذلك الوقت صار ذكرى انطلاقة الهجرة، هو التاريخ الذي يؤرخ به المسلمون تاريخهم.

عباد الله : من دروس الهجرة النبوية التخطيط، وهو مبدأ مهم في الحياة، وهو من عوامل النجاح، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام قد أخذ بالأسباب وأحكم الخطة في الرحلة، وتوكل على الله، ليعلم المسلمين أن الأخذ بالأسباب مطلوب، وأن التوكل على الله أمر مطلوب، قال عليه السلام: (اعقل وتوكل) فهو قد استبقى الصديق في مكة، ولم يأذن له بالهجرة مع أصحابه لعل الله أن يأذن له بالرحيل ليكون رفيقه، واستبقى عليا ليرد الودائع إلى أهلها، والنوم في فراشه ـ عليه الصلاة والسلام ـ واتبع مبدأ الكتمان في الرحيل، فلم يخبر أحدا إلا أبا بكر وعليا، والتجأ الركب إلى غار ثور، ثم أمر عبد الله بن أبي بكر أن يستطلع خبر القوم، ويزوده بتلك الأخبار طيلة ثلاثة أيام في الغار، واتخذ دليلا له في سفره من مكة إلى المدينة، وهو الذي أعد الراحلة للسفر، وهذا كله من باب التخطيط والأخذ بالأسباب والتوكل على الله.

عباد الله : ومن دروس الهجرة في واقع المسلمين أنه لابد من الصبر على مشقات العمل ومتطلبات الحياة، فلم تكن الهجرة رحلة ترفيهية، بل كانت رحلة طويلة وشاقة وفيها المصاعب والأذى، سفر في صحراء مجدبة، وانقطاع للماء، وقليل من الطعام ، وليال مظلمة، وأيام حارة وطريق طويل، وفي هذا درس لنا ـ نحن المسلمين ـ أن نتعلم الصبر من النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإذا تعب أحدنا في حياته، فليذكر تعب النبي عليه الصلاة والسلام، وما ناله من جهد ومشقة ومعاناة.

الخطبة الثانية

عباد الله : ومن دروس الهجرة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فقد عقد صلى الله عليه وسلم لواء الأخوة الدينية بين المهاجرين والأنصار، فكان لكل مهاجر أخ من الأنصار، فقد بلغ من طيب وكرم الأنصار أن طلبوا من إخوانهم المهاجرين أن يقاسموهم بالأموال والعقار ، ولكن المهاجرين تعففوا وطلبوا السوق، وأخذوا يعملون، وبهذه الأخوة زالت فوارق النسب والطبقية والعصبية، فلا حمية في الإسلام ورابطة الدين فوق كل رابطة، قال تعالى: (والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه، فأولئك هم) .

عباد الله : وفي مجال تربية الشَّباب والمرأة ، وميدان البيت والأسرة - يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضل الصَّلاة وأتمُّ التَّسليم؛ ففي موقف عبدالله بن أبي بكر - رضيَ الله عنهما - في خدمة ونُصْرَة صاحب الهجرة عليه الصَّلاة والسَّلام - بأبي هو وأمي - ما يجلِّي أثرَ الشَّباب في الدَّعوة، ودورهم في الأمَّة ونُصْرة الدِّين والملَّة ، أين هذا ممَّا ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمَّة وثقافتها من تخدير الشَّباب بالشَّهوات والشبهات، وجَعْلِهم فريسةً لمهازل القنوات وشبكات المعلومات، في الوقت الذي يعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمَّات؛ في الحفاظ على دينهم ووطنهم، والثَّبات على الأخلاق والمبادئ، أمام المتغيِّرات المتسارِعة.

 

المشاهدات 343 | التعليقات 0