النية في الزواج

أيمن عرفان
1438/01/21 - 2016/10/22 19:44PM
النية في الزواج
من أهم العوامل التي قد تؤدي إلى نجاح الزواج أو فشله هو النية أو السبب أو الهدف الذي يريده الإنسان من هذا الزواج، والمتأمل في هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد من بين الكلمات الإشارة إلى هذا الأمر، فمثلا، روى الترمذي بإسناد حسن عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ: الْمُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِى يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِى يُرِيدُ الْعَفَافَ». هؤلاء وعد الله أنه سيعينهم، ثَابِتٌ عِنْدَهُ إِعَانَتُهُمْ، (وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) أَيْ الْعِفَّةَ مِنْ الزِّنَا. وهنا نجد أن النبي لم يقل الناكح ثم سكت، ولكنه وصف نوعا معينا منهم وهم هؤلاء الذين أخلصوا النية في هذا الزواج بأنهم يريدون الزواج من أجل العفة، ليس ليتباهى بجمالها أمام أقرانه، وليس لمصلحة يجنيها من مال أو جاه أو سلطان، يؤكد على هذا المعنى حديث آخر رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». فيبين النبي –صلى الله عليه وسلم- أن الزواج يساعد على غض البصر وإحصان الفرج، وكأنه يقول اطلب الزواج من أجل ذلك، أو اجعل نيتك ذلك في الزواج وهو طلب العفة وغض البصر وإحصان الفرج.
فهل هناك أسباب أخرى يمكن أن تكون نية صالحة من أجلها يتزوج الرجل؟ نعم. من هذه الأسباب طلب الولد، وذلك من هدي المصطفى. روى أبو داود بإسناد صحيح عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّى أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: «لاَ». ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ». (الْوَدُود) أَيْ الَّتِي تُحِبّ زَوْجهَا، (الْوَلُود) أَيْ الَّتِي تَكْثُر وِلَادَتهَا. وَقَيَّدَ بِهَذَيْنِ لِأَنَّ الْوَلُود إِذَا لَمْ تَكُنْ وَدُودًا لَمْ يَرْغَب الزَّوْج فِيهَا، وَالْوَدُود إِذَا لَمْ تَكُنْ وَلُودًا لَمْ يَحْصُل الْمَطْلُوب وَهُوَ تَكْثِير الْأُمَّة بِكَثْرَةِ التَّوَالُد، (فَإِنِّي مُكَاثِر بِكُمْ الْأُمَم) أَيْ مُفَاخِر بِسَبَبِكُمْ سَائِر الْأُمَم لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِي وذلك يوم القيامة، فعلمنا من ذلك أن من النوايا الصالحة في الزواج نية طلب الولد الموحد لله عز وجل، الذي تحسن تربيته فيكون باب من أبواب الحسنات لك بعد موتك، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
والمتأمل في زيجات النبي صلى الله عليه وسلم جميعها لا يجد زيجة واحدة تخلو من نية صالحة، زواجه من السيدة خديجة –رضي الله عنها- كان للعفة وطلب الولد، وهذا الزواج يعطي لك إشارات في غاية الأهمية، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن رجلا شهوانيا كما يحاول ملحدوا الغرب تصويره، شاب في الخامسة والعشرين من العمر يتزوج بامرأة في الأربعين، ويظل بعد الزواج نيفا وعشرين سنة وليس في حياته امرأة أخرى سوى خديجة لا بالزواج ولا بغيره، وإشارة أيضا إلى منزلة السيدة خديجة فهي امرأة أغنته عن كل نساء الدنيا.
(1) بعد وفاة السيدة خديجة بشهر تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة سودة بنت زمعة، كانت متزوجة من ابن عم لها من الصحابة، قد توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة، وكانت سودة مؤمنة مهاجرة، ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل والإكراه على الكفر. فتزوجها النبي ليعلمنا أن من النوايا الصالحة للزواج الزواج بامرأة بنية إنقاذها من الفتنة في الدين، امرأة متدينة ولكنها يخشى عليها من الزلل، امرأة غير مسلمة وتريد الدخول في الإسلام، وهكذا.
(2) بعد الهجرة إلى المدينة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر وكانت البكر الوحيدة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تزوج بعدها السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنها وعن أبيها، فماذا كانت النية؟ البر والوفاء وزيادة رابطة الأخوة في الدين، أبو بكر وعمر وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدما للإسلام الكثير، فعلمنا النبي أن من النوايا الصالحة في الزواج رد الجميل، وتأكيد الأخوة في الدين.
(3) بعد السيدة حفصة تزوج النبي –صلى الله عليه وسلم- من السيدة زينب بنت خزيمة، وكانت تسمى أم المساكين لرحمتها إياهم ورقتها عليهم، السيدة زينب كانت متزوجة بأحد الصحابة قيل الطفيل بن الحارث وقيل عبد الله بن جحش الصحابي الجليل وابن عمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، المهم أن زوجها قد استشهد في إحدى الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبحت أرملة، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن من النوايا الصالحة للزواج، الزواج بأرملة بنية رعايتها والتكفل بها والقيام على أمرها، وماتت السيدة زينب بعد الزواج بثلاثة أشهر.
(4) ثم تزوج النبي –صلى الله عليه وسلم- بالسيدة أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية كانت زوجة أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وهو أول من هاجر إلى الحبشة، أصابه جرح يوم أحد ثم مات بعد ذلك متأثرا بهذا الجرح، فلما مات كان له أولا صغار، أصبحوا أيتاما بموت أبيهم، فتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بأم سلمة ليعلمنا أن من النوايا الصالحة في الزواج، الزواج بأرملة من أجل وبنية كفالة هؤلاء الأيتام ورعايتهم.
(5) بعدها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب بنت جحش، وحقيقة هو لم يتزوجها من نفسه بل أن الله عز وجل زوجه إياها من فوق سبع سماوات، قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا}. فزينب كانت متزوجة من زيد بن حارثة، الذي كان ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم بالتبني قبل أن يلغي الإسلام نظام التبني، ثم طلقها زيد، وكانت زوجة المدعو إبنا عندهم كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب. فأبطل الإسلام ذلك. وزوجه الله عز وجل إياها ليطبق حكما شرعيا ألا وهو جواز الزواج من طليقة الدعي أو أرملته وأنه ليس كالإبن من الصلب.
(6) ثم تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- من السيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، فبعد غزوة بني المصطلق انتصر عليهم المسلمون ووقع عدد كبير في السبي وهرب منهم عدد من الرجال فوجعت جويرية في السبي، وعلم النبي –صلى الله عليه وسلم- أنها ابنة زعيم بني المصطلق، فتزوجها، فلما رأى الصحابة ذلك قالوا كيف نسبي أصهار رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأطلقوا من كانوا تحت أيديهم، فدخلوا في الإسلام جميعا، أكثر من أهل مائة بيت كانوا من المشركين فدخلوا في الإسلام بسبب هذا الزواج، فعلمنا النبي أن من النوايا الصالحة للزواج نية الدعوة إلى الله والتيسير إلى طريق الهدى والخير.
(7) ثم تزوج من السيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب، كانت متزوجة من عبيد الله بن جحش وكان قد أسلم، وهاجرا معا إلى الحبشة، وهناك ارتد زوجها عن الإسلام ودخل في النصرانية وبقيت هي على الإسلام وحيدة في بلاد الغربة، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم والسبب هو المروءة والشهامة، أنه ليس من المروءة أن تبقى هذه المرأة وحيدة في بلاد الغربة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة يخطبها منه، فزوجه إياها النجاشي وأمهرها وأرسلها إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، ليعلمنا أن من النوايا الصالحة للزواج المروءة والشهامة والغيرة على أعراض المسلمين.
(8) وتزوج النبي –صلى الله عليه وسلم- من السيدة صفية بنت حيي بن أخطب، وكان أبوها زعيم من زعماء اليهود وسيد بني النضير، فلما وقعت الحروب بين المسلمين واليهود بسبب خيانتهم للعهود مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قتل أبوها وقتل زوجها، فتزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحفظ لها مكانتها وشرفها، وكأنه يعلمنا أن من النوايا الصالحة للزواج الزواج من بنت الأكارم التي دار عليها الزمن دورته، لأنها لو تركت ضاعت.
بعد التأمل في زيجات النبي صلى الله عليه وسلم يتضح لنا أن الزواج في الإسلام له مفهوم وله أهداف وله وظيفة أعظم بكثير مما نتخيله اليوم أو نعتقده، ليس لمجرد قضاء شهوة أو إنجاب أطفال وإن كان ذلك من مقاصده، فكل واحدة من زوجات النبي كانت لمقصد مختلف وبنية مختلفة عن الأخرى ويجوز للرجل أن يكون زواجه بأي نية من هذه النوايا فهي نوايا صالحة.
ونحن نتكلم عن النية في الزواج نريد أن نلفت الانتباه إلى بعض النقاط المتعلقة بالنية وصحة أو عدم صحة العقد، أول هذه الملاحظات نستخلصها من حديث رواه الإمام الترمذي بإسناد حسن عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ». هذا الحديث يبين لنا أن الإنسان طلما تلفظ بألفاظ الزواج أو الطلاق أو الرجعة صريحة واضحة متعمدا وقع منه ما قال، وليس له أن يقول كنت أمزح، والرجعة عَوْدُ الْمُطَلِّقِ إِلَى طَلِيقَتِهِ، لماذا؟ لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ وَقَالَ كُلُّ مُطَلِّقٍ أَوْ نَاكِحٍ إِنِّي كُنْت فِي قَوْلِي هَازِلًا فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى. فَمَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِمَّا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ وَخَصَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ لِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْفَرْجِ. فالزواج في الإسلام لا يشترط فيه الكتابة أو التوثيق، وإنما استحدثت هذه المسائل لضمان الحقوق، وبالتالي يصح الزواج ولو لم يوثق، والزواج في الإسلام ليس له سن معينة، فلو كان الكلام عن طفلة لصح ذلك. فالبعض يستهين بمثل هذه الأمور فتقع كوارث ويعيش الرجل مع المرأة في الحرام بمثل هذه الأمور، تماما كما تحدث الاستهانة بالطلاق وألفاظ الطلاق فتكون سببا لأن يزني الرجل بالمرأة كل يوم وهو لا يحسب لذلك حسابا.
الملاحظة الثانية أن نية الرفض في حالة الإكراه تفسد النكاح أو الطلاق، روى ابن ماجه بإسناد حسن عن عَائِشَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِى إِغْلاَقٍ». إغلاق يعني أكراه فرأي جمهور العلماء أن المجبر على الزواج أو على الطلاق لا يقع منه ذلك، وروى ابن ماجه بإسناد صحيح عَنْ أَبِى ذَرٍّ الْغِفَارِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِى الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
المشاهدات 1670 | التعليقات 0