النوافل وأهميتها .. وأداؤها بالبيت أفضل
متدرب متدرب
1437/11/10 - 2016/08/13 09:56AM
صلاة النوافل في البيوت
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ ؛ فلا مُضِلَّ له ، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعدُ أيُّها المسلمونَ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ ، ( يا أيُّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ ولا تَموتُنَّ إلاَّ وأنتم مسلمونَ )
عبادَ الله، إنَّ مِن رحمةِ اللهِ بعبادِهِ المؤمنينَ أنْ شرعَ لهم نوافلَ من العباداتِ والطاعاتِ يكمُلُ بها نقصُ فرائضِهم، ولتكونَ سببًا في رفعِ الدرجاتِ، وحَطِّ الخطايا والأوزارِ، وغيرِ ذلك من الفوائدِ العظيمةِ.
أيُّها المسلمُ، إن لِنوافلِ الطاعاتِ فضائلُ كثيرةٌ، فمن ذلك أنها سببٌ لمَحَبَّةِ اللهِ للعبدِ، يقول صلى الله عليه وسلم عن ربِّهِ عزَّ وجَلَّ أنه قال: (وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، ولا يَزالُ عبدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحِبَّه)، فإذا كانت نوافِلُ الطاعاتِ سبب سببًا لمَحَبَّةِ اللهِ لك، فما أعظَمَها مِن نعمةٍ أن يُحِبَّك اللهُ جَلَّ وعلا، وثِمارُ تلك المَحَبَّةِ أن يُعلِيَ مَنزِلتِك ويُدخِلُك جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ، ومن فوائدِ المحافظة على النوافلِ بعدَ الفرائضِ حصولُ مَعِيَّةِ اللهِ لك في كُلِّ أحوالِك، في الحديثِ القُدْسِيِّ يقولُ اللهُ: (فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يَسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يَبطِشُ بها، ورِجلَه التي يَمْشِي بها)، فيُوَفِّقَك اللهُ في حَواسِّك كلُّها أن تُسَخِرَّها فيما يُقَرِّبُك إليه، ويُبعدُك عن مُخالفةِ أمرِهِ، وارتكابِ نهيِه.
ومِن فوائدِ النوافلِ إجابةُ الدعاءِ، يقولُ اللهُ في الحديث القدسي: (ولئن سَأَلني لأُعْطِيَنَّه ولئن اِستعاذَني لأُعِيذَنَّه)، فإذا أدَّيْتَ النوافلَ بعدَ الفرائضِ؛ فإنَّ ذلك سببٌ لإجابةِ دُعائِك .
ومن فوائدِ النوافلِ –أيضًا- بعدَ الفرائضِ، أنَّ هذه النوافلَ يُجبَرُ بها النقصُ الحاصلُ علينا في فرائضنا، فمَن منَّا على يقين أنه أدَّى الفرضَ كاملًا؟ لا بُدَّ مِن تقصيرٍ، لا بُدَّ من غفلةٍ، لا بُدَّ من سهوٍ، لا بُدَّ من حصولِ النَّقصِ، فهذه النوافلُ يَجعلُها اللهُ سببًا يَجبُرُ به نقصَ فرائضِنا، ويُعلي به درجاتِنا، يقول صلى اللهُ عليه وسلم: "إن أوَّلَ ما يُحاسَبَُ عنه العبدُ يومَ القيامةِ من أعماله الصلاةُ فإنْ صَلَحت؛ فقد أفلحَ ونجحَ، وإن فسدَت؛ فقد خابَ وخسِرَ، وإن انتقصَ منها شيء، قال اللهُ "انظُروا هل لعبدي من تطوعٍ؛ فيُكَمَّلُ به النقصُ، ثم تأتي سائرُ الأعمالِ كذلك".
إذًا فنوافلُ صلاتِنا يُجبَرُ بها نقصُنا الحاصلُ علينا في الفريضةِ، ونوافلُ الصدقةِ يُكَمَّلُ بها ما حصلَ علينا من تقصيرٍ في زكاتِنا، وصيامُ النافلةِ يُجبَرُ به ما قد حصلَ علينا في صيامِنا المفروضِ.
ومن فوائدِ النوافلِ، أنَّ المُحافِظَ عليها، يَنالُ الخيرَ العظيمَ، بأن يكونَ رفيقًا لرسول الله صلى اللهُ عليه وسلم في دارِ كرامةِ اللهِ، فقد قَرَّبَ ربيعةُ الأسلَمِيُّ رضي الله عنه للنبِيِّ وَضوءَه؛ فقال: "سَلْنِي يا ربيعةُ"، قال: أسألُك مُرافَقَتَك في الجَنَّةِ، قال: "أوْ غيرَ ذاكَ"، قال: هُو ذاك، قال: "أَعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السُّجودِ"، وهذا التوجيه ليس لربيعة وحده، بل هو لجميعِ المسلمين.
ومن فوائدِ النوافلِ بعدَ الفرائضِ أنها سببٌ لرفعِ الدرجاتِ، وحَطِّ الخطيئةِ، ففي حديث ثَوبانَ أنه صلى اللهُ عليه وسلم قال: "إنَّك لن تسجُدَ للهِ سجدةً إلا رفعَكَ اللهُ بها درجةً، وحَطَّ عنك بها خطيئةً"، ومن فوائدِ النوافلِ أنها سببٌ لزيادةِ الإيمانِ وقُوَّتِهِ؛ فإنَّ الإيمانَ يزيدُ بالأعمالِ الصَّالحةِ، كما يَنقُصُ بالأعمالِ السيِّئةِ، ومن فوائدها –أيضًا- أنها ميدانٌ فسيحٌ للتنافسِ في صالحِ الأعمالِ (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26]، ومن فوائدِها قُوَّةُ صِلتِك بربِّك وقُربِك من ربِّك، فأنت بأمَسِّ الحاجةِ إلى كُلِّ وسيلةٍ تُدنيك من ربِّك، وتُقَرِبُّك إليه؛ لتنالَ الفضلَ والعطاءَ الجزيلَ.
أيُّها المسلمُ، الصلواتُ الخمسُ هي المطلوبةُ منَّا والمفروضةُ علينا، ولكنَّنا قد نَغْفُلُ ونَلهو في صلاتِنا ، ويَتَسَلَّطُ العَدُوُّ اللَّدودُ علينا في صلاتنا، فيَشغَلُنا هُنا أوهُناك، حتى رُبَّما صَلَّيْنا، وما شعُرْنا ما قرأْنا، لا تسبيحُ ركوعٍ ولا سجودٍ، بل ربما لو سهى الإمامُ ما شعُرنا، وكُلُّ ذلك من الغفلةِ والإعراضِ، ولهذا جاء في الحديث: "إنَّ العبدَ لَيُصَلِّي الصَّلاةَ ما يُكتبُ له إلا نصفُها، إلا ثُلُثُها، حتى قال إلا عُشْرُها"، قال ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: "ليسَ لك من صلاتِك إلا ما عقِلتَ"، إذا فما أحوجنا إلى النوافلُ تَجبُرُ نقصَ صلاتِنا.
عباد الله : هذه النوافلُ هي سنَّةٌ مُستحبَّةٌ، ورغم أنها ليست واجبة لكنْ لا يَنبَغِي الإخلالُ بها، لمَّا ذُكِرَ لعائشة أنَّ قومًا يقولون: لا نُؤَدِّي إلا ما افترضَهُ اللهُ علينا، قالت: "لعمرُ اللهِ لن يسألَكم اللهُ إلا عمَّا افترضَ عليكم، ولكنَّكم قومٌ تُذنِبون، تُسيئون، وما أنتم إلا من نبيِّكم وما نبيُّكم إلا منكم، ولقد كان نبيُّكم يُحافِظُ على قيامِ الليل".
أيُّها المسلمُ، هذه مستحباتٌ، فلا تزهدْ فيها، بل اِجعلْ فِعْلَكَ لها تصديقٌ لمشروعيَّتِها، نحنُ لا نغلو فيها، ولا نُقَدِّمُها على الفرائضِ ولا نذل نَذُمُّ تاركَها، لكنْ نُرَغِّبُ فيها، ونَحُثُّ عليها، رغبةً في حصولِ المسلمِ على الخيرِ.
إن للصَّلاةِ سنن رواتِبُ مشروعةٌ قبلَها وبعدَها، فيَرْوِي عبدُ الله بنُ عمرَ بنِ الخَطَّابِ رضيَ اللهُ عنهما قال: "حفِظتُ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَكعتين قبلَ الظُّهر، ورَكعتينِ بعدَها، وركعتين بعدَ المغرِبِ، وركعتين بعدَ العِشاءِ، ورَكعتينِ قبلَ الفجرِ
فهذه رواتبُ مستحبةٌ لا ينبغي للمُسلمِ -وهو مقيم غير مسافر- أن يتهاونَ بها، بلْ يُحافِظُ عليها، ويَقضِيها إذا فاتتهُ، فإنه صلى اللهُ عليه وسلم لمَّا شُغِلَ عن الرَّكعتين بعدَ الظهرِ قضاهما بعدَ العصرِ اهتمامًا بهذه الرواتب، وعنايةً بها، ورغبةً فيها ، وشُرِعَ نوافلُ أخرى، نافلةُ قبلَ المغربِ، في الحديثِ: "صَلُّوا قبلَ المغربِ، صَلُّوا قبلَ المغربِ، صَلُّوا قبلَ المغربِ" ثم قال في الثالثة "لِمنْ شاءِ" كراهيةَ أن يَتَّخِذَها الناسُ سنةً، ورغَّبَ في الصلاة بينَ الآذانِ والإقامةِ، فقال: "بين كل أذانين صلاة"، ورغَّبَ في أربعٍ قبلَ الظهر وأربعٍ بعدَها فقال: "من حافظَ على أربعٍ قبلَ الظهرِ، وأربعٍ بعدَها بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ"، وحَثَّ على الركعتين تحيةَ المسجدِ فقال: "إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ؛ فلا يجلسْ حتى يُصَلِّيَ رَكعتين"، وسنَّ ركعتينِ بعدَ الوُضوءِ؛ لأنَّه قال لبلالٍ: "أراك أمامي في الجنة فما أرجى عملٍ عمِلتَه؟"، قال: "ما هو إلا أني إذا أحدثت توضأت، وإذا توضأت رأيتُ لله حقًّا أن أُصَلِّيَ رَكعتينِ"؛ فقال: "هو ذاك".
أما صلاة الجمعة فليس لها سنة راتبة قبلية ، بل المشروع لمن أتى المسجد قبل الجمعة أن يصلي نفلاً مطلقاً ، فيصلي ما شاء من الركعات إلى أن يصعد الخطيب المنبر . أما النافلة بعد صلاة الجمعة فلها حالتين إن صلى سنة بعد الجمعة في المسجد صلاها أربعا ، وإن أخرها فصلاها في البيت يصلي ركعتين فقط.
كما حَثَّ نبينا ص على الوِترِ، ورَغَّبَ فيه ؛ فقال صلى اللهُ عليه وسلم: "إنَّ اللهَ أَمَدَّكُم بصلاةٍ، هي خيرٌ لكم من حُمْرِ النَّعَم الوترُ ما بين صلاةِ العشاءِ وصلاةِ الفجرِ"، وقال: "اِجْعَلوا آخِرَ صلاتِكم بالليلِ وترًا"، وقال: "أَوْتِروا يا أهلَ القرآنِ"، فالوِترُ سنَّةٌ مؤكدة، وكان صلى اللهُ عليه وسلم يُحافِظُ على الوِترِ وركعتَيِ الفجرِ حَضَرًا وسفرًا، فقالت عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: "لم يكنْ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم على شيءٍ أشدَّ تَعاهُدًا منه على رَكعتيِ الفجرِ، وكان يقولُ: "ركعتا الفجرِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها" ، كما حَثَّ على قيامِ الليلِ، ورَغَّبَ فيه، قال اللهُ جَلَّ وعلا: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) [الإسراء:79] ، أيُّها المسلم، هذه النوافل ينبغي المحافظة عليها وإلزام النفس بها فمن رَوَّضَ نفسَه عليها؛ فإنها خيرٌ له، يُلازِمُ عليها إلى أن يَلقَى اللهَ، وسَيَرى ثوابَها مُدَّخَرًا له، أَحْوَجَ ما يكونُ إليه، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران:]،
اللَّهُمَّ أعِنَّا على شكرِك، وذِكرِك، وحُسْنِ عبادتِك، أقولُ قولي هذا، وأَستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ، لي ولكم، ولسائر المُسلِمين، مِن كُلِّ ذنبٍ؛ فاستغفِروه، وتوبوا إليه؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى اللهُ عليه ، وعلى آله وصحبِه ، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ ، أما بعدُ:
فقد عرفنا في الخطبة الأولى أهمية النوافل وفضلها ، و نؤكد الآن على أن الأفضل هو تأدية النوافل في البيت بدلا من المسجد .
فالمشاهد أن أكثر الناس يحرصُ كلَّ الحرصِ ، على أنْ يصليَ جميعَ النوافلِ في المسجدِ ، فلا يكونُ لبيتِهِ منها نصيبٌ ، وهذا خلاف الأولى ، فلو تتبعتَ السنةَ المطهرةَ ، وسيرةَ الصحابةِ والتابعينَ رضيَ اللهُ عنهُم ، وكلامَ أهلِ العلمِ ، لوجدْتَ من الأحاديثِ والآثارِ والرواياتِ ، التي تُرغِّبُ وتندُبُ ، أن تكونَ صلاةُ النوافلِ في البيوتِ ، قالَ بعضُ أهلِ العلمِ : أنَّ النوافلَ شُرعتْ للتقربِ إلى اللهِ فينبغي أنْ تكونَ بعيدةً عن الرياءِ ، وأما الفرائضُ فشُرعتْ لإشادةِ الدينِ ، وإظهارِ شعائرِ الإسلامِ ، فهي واجبةٌ بأنْ تُؤدَّى جماعةً في المساجدِ ، ولقدْ حرصَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، ومِنْ بعدِهِ سلفُ هذهِ الأمةِ على صلاةِ النوافلِ في البيوتِ ، حتى لو كانَ أحدُهُم يُقيمُ بجانبِ مسجدِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، الذي تعدلُ الصلاةُ فيهِ ألفَ صلاةٍ فيما سواهُ ، أو بجانبِ المسجدِ الحرامِ الذي تعدلُ الصلاةُ فيهِ مئةَ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ ، فصلاةُ النوافلِ في البيوتِ أفضلُ من صلاتِها في المساجدِ ، فعنْ ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما عنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: (( اجعلوا في بيوتِكُم من صلاتِكُم ، ولا تتخذُوها قبوراً )) رواهُ البخاريُّ ومسلمُ ، قالَ الإمامُ النوويُّ رحمهُ اللهُ في المنهاجِ " : معناهُ : صلُّوا فيها صلاة النافلة ، ولا تجعلوها كالقبورِ مهجورةً من الصلاةِ ، وعنْ زيدِ بنِ ثابتٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((صلُّوا أيها الناسُ في بُيوتِكُم، فإنَّ أفضلَ الصلاةِ صلاةُ المرءِ في بيتِهِ إلا المكتوبةُ)) رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ ، إذا فجميع الصلوات غير الفريضة الأفضل أن تكون بالبيت ، عدا ما يشرع التجمع فيه مثل العيدين و الاستسقاء والكسوف والجنازة والتراويح ، وكذلك تحية المسجد وركعتي الطواف وركعتي القدوم من السفر وتنفل المعتكف وأمثالها ، وما عدا ذلك ، فالأفضل أن تكون بالمنزل وليس في المسجد.
عنْ عبدِاللهِ بنِ شقيقٍ قالَ : سألتُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنهاَ عن صلاةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وعنْ تطوُّعِهِ فقالتْ: ((كانَ يُصلي في بيتي قبلَ الظُّهرِ أربعاً، ثم يخرجُ فيصلي بالناسِ، ثم يدخلُ فيصلي ركعتينِ، وكانَ يُصلي بالناسِ المغربَ، ثم يدخلُ فيصلي ركعتينِ، ويصلي بالناسِ العشاءَ، ويدخلُ بيتي فيُصلي ركعتينِ، وكان يُصلي منَ الليلِ تسعَ ركعاتٍ فيهِنَّ الوترَ، وكان يُصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكانَ إذا قرأَ وهو قائمٌ ركعَ وسجدَ وهو قائمٌ، وإذا قرأ قاعداً ركعَ وسجدَ وهو قاعدٌ، وكانَ إذا طلعَ الفجرُ صلىَّ ركعتينِ)) رواهُ مسلمٌ.
وعن جابرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ((إذا قضى أحدُكُم الصلاةَ في مسجدِهِ فليجعلْ لبيتِهِ نصيباً من صلاتِهِ ، فإنَّ اللهَ جاعلُ في بيتِهِ من صلاتِهِ خيراً )) رواهُ مسلمٌ ، قال العلماء وفيهِ دليل: أنَّ النفلَ في البيتِ أفضلُ منهُ في المسجدِ حتى ولو بالمسجدِ الحرامِ " .
والأدلةُ على ذلكَ أكثرُ من هذا ، فصلاتُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، الرواتبُ ، وقيامُ الليلِ ، والضحى ، كلُّ ذلكَ كانَ في بيتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ، وقدْ ذكرَ بعضُ العلماءِ لصلاةِ النافلةِ في البيتِ حِكَماً فقالَ ابنُ قدامةَ رحمهُ اللهُ في المُغني : " والتطوُّعُ في البيتِ أفضلُ ، لأنَّ الصلاةَ في البيتِ أقربُ إلى الإخلاصِ ، وأبعدُ من الرياءِ ، وهو مِنْ عملِ السِّرِّ ، وفعلُهُ في المسجدِ علانيةً ، والسرُّ أفضلُ " وليسَ معنى هذا أنَّ صلاةَ النافلةِ في المسجدِ غيرُ مقبولةٍ ، وإنما المقصودُ التعوُّدُ على أدائِهِا في البيتِ لأنُّهُ أفضلُ كما ذُكرَ ، وقدْ قال القاسمُ بنُ محمدٍ : إنُّ صلاةَ النافلةِ تفضلُ في السرِّ على العلانيةِ ، كفضلِ الفريضةِ في الجماعةِ
أيُّها الأحبةُ المسلمونَ : قدْ تبيَّنَ لنا منْ تلكَ المقتطفاتِ الغراءِ منْ حديثِ المصطفى صلىَّ اللهُ عليهِ وسلمَ وكلامِ أهلِ العلمِ رحمَهُمُ اللهُ ، أنَّ الأصلَ في صلاةِ النوافلِ ، هوَ أنْ تؤدَّى في البيتِ ، أنْ تؤدِّيهاَ في بيتِكَ وبينَ أبنائِكَ وبناتِكَ ، وإخوانِكَ وأخواتِكَ ، بينَ أفرادِ أسرتِكَ ، يتربَّى على الإقتداءِ بكَ صغارُ السِّنِّ منَ البناتِ والبنينَ ، فهذهِ النوافلُ ، مدرسةٌ أسريةٌ يتربَّى عليها الصغارُ ، وتنشأُ في أحضانِها الأجيالُ ، فكُنْ باركَ اللهُ فيكَ منَ الأولياءِ الذينَ يغرسونَ هذا الخيرَ العظيمَ في نفوسِ أبنائِهِم وبناتِهِم ، وحافظ على أداء النوافل في البيت أمام أهلك وأبنائك. ولا تجعل بيتك كالمقبرة لا صلاة نافلة فيها .
عباد الله يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خلفائِه الراشدين ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُر عبادَك المُوَحِّدين، واجعلِ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتَّنا ووُلاةَ أمرِنا ، اللهمَّ وفِّقْهُم لما فيه صلاحُ الإسلامِ والمسلمين ، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا وولي أمرنا ونائبيه ، اللَّهمَّ أَمِدَّهُ بعونِك وتَوفيقِك ، ووفقْهُ لصالحِ الأقوالِ والأعمالِ ، إنَّك على كُلُّ شيءٍ قديرٌ ، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا ، اللهم قو عزائمهم وعجل بنصرهم يا قوي يا عزيز ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً ، وقِنا عذابَ النار. عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم ، واشكروه على عمومِ نعمِه يزِدْكم ، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ ، والله يعلمُ ما تصنعون.
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ ؛ فلا مُضِلَّ له ، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعدُ أيُّها المسلمونَ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ ، ( يا أيُّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ ولا تَموتُنَّ إلاَّ وأنتم مسلمونَ )
عبادَ الله، إنَّ مِن رحمةِ اللهِ بعبادِهِ المؤمنينَ أنْ شرعَ لهم نوافلَ من العباداتِ والطاعاتِ يكمُلُ بها نقصُ فرائضِهم، ولتكونَ سببًا في رفعِ الدرجاتِ، وحَطِّ الخطايا والأوزارِ، وغيرِ ذلك من الفوائدِ العظيمةِ.
أيُّها المسلمُ، إن لِنوافلِ الطاعاتِ فضائلُ كثيرةٌ، فمن ذلك أنها سببٌ لمَحَبَّةِ اللهِ للعبدِ، يقول صلى الله عليه وسلم عن ربِّهِ عزَّ وجَلَّ أنه قال: (وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، ولا يَزالُ عبدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحِبَّه)، فإذا كانت نوافِلُ الطاعاتِ سبب سببًا لمَحَبَّةِ اللهِ لك، فما أعظَمَها مِن نعمةٍ أن يُحِبَّك اللهُ جَلَّ وعلا، وثِمارُ تلك المَحَبَّةِ أن يُعلِيَ مَنزِلتِك ويُدخِلُك جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ، ومن فوائدِ المحافظة على النوافلِ بعدَ الفرائضِ حصولُ مَعِيَّةِ اللهِ لك في كُلِّ أحوالِك، في الحديثِ القُدْسِيِّ يقولُ اللهُ: (فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يَسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يَبطِشُ بها، ورِجلَه التي يَمْشِي بها)، فيُوَفِّقَك اللهُ في حَواسِّك كلُّها أن تُسَخِرَّها فيما يُقَرِّبُك إليه، ويُبعدُك عن مُخالفةِ أمرِهِ، وارتكابِ نهيِه.
ومِن فوائدِ النوافلِ إجابةُ الدعاءِ، يقولُ اللهُ في الحديث القدسي: (ولئن سَأَلني لأُعْطِيَنَّه ولئن اِستعاذَني لأُعِيذَنَّه)، فإذا أدَّيْتَ النوافلَ بعدَ الفرائضِ؛ فإنَّ ذلك سببٌ لإجابةِ دُعائِك .
ومن فوائدِ النوافلِ –أيضًا- بعدَ الفرائضِ، أنَّ هذه النوافلَ يُجبَرُ بها النقصُ الحاصلُ علينا في فرائضنا، فمَن منَّا على يقين أنه أدَّى الفرضَ كاملًا؟ لا بُدَّ مِن تقصيرٍ، لا بُدَّ من غفلةٍ، لا بُدَّ من سهوٍ، لا بُدَّ من حصولِ النَّقصِ، فهذه النوافلُ يَجعلُها اللهُ سببًا يَجبُرُ به نقصَ فرائضِنا، ويُعلي به درجاتِنا، يقول صلى اللهُ عليه وسلم: "إن أوَّلَ ما يُحاسَبَُ عنه العبدُ يومَ القيامةِ من أعماله الصلاةُ فإنْ صَلَحت؛ فقد أفلحَ ونجحَ، وإن فسدَت؛ فقد خابَ وخسِرَ، وإن انتقصَ منها شيء، قال اللهُ "انظُروا هل لعبدي من تطوعٍ؛ فيُكَمَّلُ به النقصُ، ثم تأتي سائرُ الأعمالِ كذلك".
إذًا فنوافلُ صلاتِنا يُجبَرُ بها نقصُنا الحاصلُ علينا في الفريضةِ، ونوافلُ الصدقةِ يُكَمَّلُ بها ما حصلَ علينا من تقصيرٍ في زكاتِنا، وصيامُ النافلةِ يُجبَرُ به ما قد حصلَ علينا في صيامِنا المفروضِ.
ومن فوائدِ النوافلِ، أنَّ المُحافِظَ عليها، يَنالُ الخيرَ العظيمَ، بأن يكونَ رفيقًا لرسول الله صلى اللهُ عليه وسلم في دارِ كرامةِ اللهِ، فقد قَرَّبَ ربيعةُ الأسلَمِيُّ رضي الله عنه للنبِيِّ وَضوءَه؛ فقال: "سَلْنِي يا ربيعةُ"، قال: أسألُك مُرافَقَتَك في الجَنَّةِ، قال: "أوْ غيرَ ذاكَ"، قال: هُو ذاك، قال: "أَعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السُّجودِ"، وهذا التوجيه ليس لربيعة وحده، بل هو لجميعِ المسلمين.
ومن فوائدِ النوافلِ بعدَ الفرائضِ أنها سببٌ لرفعِ الدرجاتِ، وحَطِّ الخطيئةِ، ففي حديث ثَوبانَ أنه صلى اللهُ عليه وسلم قال: "إنَّك لن تسجُدَ للهِ سجدةً إلا رفعَكَ اللهُ بها درجةً، وحَطَّ عنك بها خطيئةً"، ومن فوائدِ النوافلِ أنها سببٌ لزيادةِ الإيمانِ وقُوَّتِهِ؛ فإنَّ الإيمانَ يزيدُ بالأعمالِ الصَّالحةِ، كما يَنقُصُ بالأعمالِ السيِّئةِ، ومن فوائدها –أيضًا- أنها ميدانٌ فسيحٌ للتنافسِ في صالحِ الأعمالِ (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26]، ومن فوائدِها قُوَّةُ صِلتِك بربِّك وقُربِك من ربِّك، فأنت بأمَسِّ الحاجةِ إلى كُلِّ وسيلةٍ تُدنيك من ربِّك، وتُقَرِبُّك إليه؛ لتنالَ الفضلَ والعطاءَ الجزيلَ.
أيُّها المسلمُ، الصلواتُ الخمسُ هي المطلوبةُ منَّا والمفروضةُ علينا، ولكنَّنا قد نَغْفُلُ ونَلهو في صلاتِنا ، ويَتَسَلَّطُ العَدُوُّ اللَّدودُ علينا في صلاتنا، فيَشغَلُنا هُنا أوهُناك، حتى رُبَّما صَلَّيْنا، وما شعُرْنا ما قرأْنا، لا تسبيحُ ركوعٍ ولا سجودٍ، بل ربما لو سهى الإمامُ ما شعُرنا، وكُلُّ ذلك من الغفلةِ والإعراضِ، ولهذا جاء في الحديث: "إنَّ العبدَ لَيُصَلِّي الصَّلاةَ ما يُكتبُ له إلا نصفُها، إلا ثُلُثُها، حتى قال إلا عُشْرُها"، قال ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: "ليسَ لك من صلاتِك إلا ما عقِلتَ"، إذا فما أحوجنا إلى النوافلُ تَجبُرُ نقصَ صلاتِنا.
عباد الله : هذه النوافلُ هي سنَّةٌ مُستحبَّةٌ، ورغم أنها ليست واجبة لكنْ لا يَنبَغِي الإخلالُ بها، لمَّا ذُكِرَ لعائشة أنَّ قومًا يقولون: لا نُؤَدِّي إلا ما افترضَهُ اللهُ علينا، قالت: "لعمرُ اللهِ لن يسألَكم اللهُ إلا عمَّا افترضَ عليكم، ولكنَّكم قومٌ تُذنِبون، تُسيئون، وما أنتم إلا من نبيِّكم وما نبيُّكم إلا منكم، ولقد كان نبيُّكم يُحافِظُ على قيامِ الليل".
أيُّها المسلمُ، هذه مستحباتٌ، فلا تزهدْ فيها، بل اِجعلْ فِعْلَكَ لها تصديقٌ لمشروعيَّتِها، نحنُ لا نغلو فيها، ولا نُقَدِّمُها على الفرائضِ ولا نذل نَذُمُّ تاركَها، لكنْ نُرَغِّبُ فيها، ونَحُثُّ عليها، رغبةً في حصولِ المسلمِ على الخيرِ.
إن للصَّلاةِ سنن رواتِبُ مشروعةٌ قبلَها وبعدَها، فيَرْوِي عبدُ الله بنُ عمرَ بنِ الخَطَّابِ رضيَ اللهُ عنهما قال: "حفِظتُ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَكعتين قبلَ الظُّهر، ورَكعتينِ بعدَها، وركعتين بعدَ المغرِبِ، وركعتين بعدَ العِشاءِ، ورَكعتينِ قبلَ الفجرِ
فهذه رواتبُ مستحبةٌ لا ينبغي للمُسلمِ -وهو مقيم غير مسافر- أن يتهاونَ بها، بلْ يُحافِظُ عليها، ويَقضِيها إذا فاتتهُ، فإنه صلى اللهُ عليه وسلم لمَّا شُغِلَ عن الرَّكعتين بعدَ الظهرِ قضاهما بعدَ العصرِ اهتمامًا بهذه الرواتب، وعنايةً بها، ورغبةً فيها ، وشُرِعَ نوافلُ أخرى، نافلةُ قبلَ المغربِ، في الحديثِ: "صَلُّوا قبلَ المغربِ، صَلُّوا قبلَ المغربِ، صَلُّوا قبلَ المغربِ" ثم قال في الثالثة "لِمنْ شاءِ" كراهيةَ أن يَتَّخِذَها الناسُ سنةً، ورغَّبَ في الصلاة بينَ الآذانِ والإقامةِ، فقال: "بين كل أذانين صلاة"، ورغَّبَ في أربعٍ قبلَ الظهر وأربعٍ بعدَها فقال: "من حافظَ على أربعٍ قبلَ الظهرِ، وأربعٍ بعدَها بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ"، وحَثَّ على الركعتين تحيةَ المسجدِ فقال: "إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ؛ فلا يجلسْ حتى يُصَلِّيَ رَكعتين"، وسنَّ ركعتينِ بعدَ الوُضوءِ؛ لأنَّه قال لبلالٍ: "أراك أمامي في الجنة فما أرجى عملٍ عمِلتَه؟"، قال: "ما هو إلا أني إذا أحدثت توضأت، وإذا توضأت رأيتُ لله حقًّا أن أُصَلِّيَ رَكعتينِ"؛ فقال: "هو ذاك".
أما صلاة الجمعة فليس لها سنة راتبة قبلية ، بل المشروع لمن أتى المسجد قبل الجمعة أن يصلي نفلاً مطلقاً ، فيصلي ما شاء من الركعات إلى أن يصعد الخطيب المنبر . أما النافلة بعد صلاة الجمعة فلها حالتين إن صلى سنة بعد الجمعة في المسجد صلاها أربعا ، وإن أخرها فصلاها في البيت يصلي ركعتين فقط.
كما حَثَّ نبينا ص على الوِترِ، ورَغَّبَ فيه ؛ فقال صلى اللهُ عليه وسلم: "إنَّ اللهَ أَمَدَّكُم بصلاةٍ، هي خيرٌ لكم من حُمْرِ النَّعَم الوترُ ما بين صلاةِ العشاءِ وصلاةِ الفجرِ"، وقال: "اِجْعَلوا آخِرَ صلاتِكم بالليلِ وترًا"، وقال: "أَوْتِروا يا أهلَ القرآنِ"، فالوِترُ سنَّةٌ مؤكدة، وكان صلى اللهُ عليه وسلم يُحافِظُ على الوِترِ وركعتَيِ الفجرِ حَضَرًا وسفرًا، فقالت عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: "لم يكنْ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم على شيءٍ أشدَّ تَعاهُدًا منه على رَكعتيِ الفجرِ، وكان يقولُ: "ركعتا الفجرِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها" ، كما حَثَّ على قيامِ الليلِ، ورَغَّبَ فيه، قال اللهُ جَلَّ وعلا: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) [الإسراء:79] ، أيُّها المسلم، هذه النوافل ينبغي المحافظة عليها وإلزام النفس بها فمن رَوَّضَ نفسَه عليها؛ فإنها خيرٌ له، يُلازِمُ عليها إلى أن يَلقَى اللهَ، وسَيَرى ثوابَها مُدَّخَرًا له، أَحْوَجَ ما يكونُ إليه، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران:]،
اللَّهُمَّ أعِنَّا على شكرِك، وذِكرِك، وحُسْنِ عبادتِك، أقولُ قولي هذا، وأَستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ، لي ولكم، ولسائر المُسلِمين، مِن كُلِّ ذنبٍ؛ فاستغفِروه، وتوبوا إليه؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى اللهُ عليه ، وعلى آله وصحبِه ، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ ، أما بعدُ:
فقد عرفنا في الخطبة الأولى أهمية النوافل وفضلها ، و نؤكد الآن على أن الأفضل هو تأدية النوافل في البيت بدلا من المسجد .
فالمشاهد أن أكثر الناس يحرصُ كلَّ الحرصِ ، على أنْ يصليَ جميعَ النوافلِ في المسجدِ ، فلا يكونُ لبيتِهِ منها نصيبٌ ، وهذا خلاف الأولى ، فلو تتبعتَ السنةَ المطهرةَ ، وسيرةَ الصحابةِ والتابعينَ رضيَ اللهُ عنهُم ، وكلامَ أهلِ العلمِ ، لوجدْتَ من الأحاديثِ والآثارِ والرواياتِ ، التي تُرغِّبُ وتندُبُ ، أن تكونَ صلاةُ النوافلِ في البيوتِ ، قالَ بعضُ أهلِ العلمِ : أنَّ النوافلَ شُرعتْ للتقربِ إلى اللهِ فينبغي أنْ تكونَ بعيدةً عن الرياءِ ، وأما الفرائضُ فشُرعتْ لإشادةِ الدينِ ، وإظهارِ شعائرِ الإسلامِ ، فهي واجبةٌ بأنْ تُؤدَّى جماعةً في المساجدِ ، ولقدْ حرصَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، ومِنْ بعدِهِ سلفُ هذهِ الأمةِ على صلاةِ النوافلِ في البيوتِ ، حتى لو كانَ أحدُهُم يُقيمُ بجانبِ مسجدِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، الذي تعدلُ الصلاةُ فيهِ ألفَ صلاةٍ فيما سواهُ ، أو بجانبِ المسجدِ الحرامِ الذي تعدلُ الصلاةُ فيهِ مئةَ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ ، فصلاةُ النوافلِ في البيوتِ أفضلُ من صلاتِها في المساجدِ ، فعنْ ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما عنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: (( اجعلوا في بيوتِكُم من صلاتِكُم ، ولا تتخذُوها قبوراً )) رواهُ البخاريُّ ومسلمُ ، قالَ الإمامُ النوويُّ رحمهُ اللهُ في المنهاجِ " : معناهُ : صلُّوا فيها صلاة النافلة ، ولا تجعلوها كالقبورِ مهجورةً من الصلاةِ ، وعنْ زيدِ بنِ ثابتٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((صلُّوا أيها الناسُ في بُيوتِكُم، فإنَّ أفضلَ الصلاةِ صلاةُ المرءِ في بيتِهِ إلا المكتوبةُ)) رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ ، إذا فجميع الصلوات غير الفريضة الأفضل أن تكون بالبيت ، عدا ما يشرع التجمع فيه مثل العيدين و الاستسقاء والكسوف والجنازة والتراويح ، وكذلك تحية المسجد وركعتي الطواف وركعتي القدوم من السفر وتنفل المعتكف وأمثالها ، وما عدا ذلك ، فالأفضل أن تكون بالمنزل وليس في المسجد.
عنْ عبدِاللهِ بنِ شقيقٍ قالَ : سألتُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنهاَ عن صلاةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وعنْ تطوُّعِهِ فقالتْ: ((كانَ يُصلي في بيتي قبلَ الظُّهرِ أربعاً، ثم يخرجُ فيصلي بالناسِ، ثم يدخلُ فيصلي ركعتينِ، وكانَ يُصلي بالناسِ المغربَ، ثم يدخلُ فيصلي ركعتينِ، ويصلي بالناسِ العشاءَ، ويدخلُ بيتي فيُصلي ركعتينِ، وكان يُصلي منَ الليلِ تسعَ ركعاتٍ فيهِنَّ الوترَ، وكان يُصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكانَ إذا قرأَ وهو قائمٌ ركعَ وسجدَ وهو قائمٌ، وإذا قرأ قاعداً ركعَ وسجدَ وهو قاعدٌ، وكانَ إذا طلعَ الفجرُ صلىَّ ركعتينِ)) رواهُ مسلمٌ.
وعن جابرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ((إذا قضى أحدُكُم الصلاةَ في مسجدِهِ فليجعلْ لبيتِهِ نصيباً من صلاتِهِ ، فإنَّ اللهَ جاعلُ في بيتِهِ من صلاتِهِ خيراً )) رواهُ مسلمٌ ، قال العلماء وفيهِ دليل: أنَّ النفلَ في البيتِ أفضلُ منهُ في المسجدِ حتى ولو بالمسجدِ الحرامِ " .
والأدلةُ على ذلكَ أكثرُ من هذا ، فصلاتُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، الرواتبُ ، وقيامُ الليلِ ، والضحى ، كلُّ ذلكَ كانَ في بيتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ، وقدْ ذكرَ بعضُ العلماءِ لصلاةِ النافلةِ في البيتِ حِكَماً فقالَ ابنُ قدامةَ رحمهُ اللهُ في المُغني : " والتطوُّعُ في البيتِ أفضلُ ، لأنَّ الصلاةَ في البيتِ أقربُ إلى الإخلاصِ ، وأبعدُ من الرياءِ ، وهو مِنْ عملِ السِّرِّ ، وفعلُهُ في المسجدِ علانيةً ، والسرُّ أفضلُ " وليسَ معنى هذا أنَّ صلاةَ النافلةِ في المسجدِ غيرُ مقبولةٍ ، وإنما المقصودُ التعوُّدُ على أدائِهِا في البيتِ لأنُّهُ أفضلُ كما ذُكرَ ، وقدْ قال القاسمُ بنُ محمدٍ : إنُّ صلاةَ النافلةِ تفضلُ في السرِّ على العلانيةِ ، كفضلِ الفريضةِ في الجماعةِ
أيُّها الأحبةُ المسلمونَ : قدْ تبيَّنَ لنا منْ تلكَ المقتطفاتِ الغراءِ منْ حديثِ المصطفى صلىَّ اللهُ عليهِ وسلمَ وكلامِ أهلِ العلمِ رحمَهُمُ اللهُ ، أنَّ الأصلَ في صلاةِ النوافلِ ، هوَ أنْ تؤدَّى في البيتِ ، أنْ تؤدِّيهاَ في بيتِكَ وبينَ أبنائِكَ وبناتِكَ ، وإخوانِكَ وأخواتِكَ ، بينَ أفرادِ أسرتِكَ ، يتربَّى على الإقتداءِ بكَ صغارُ السِّنِّ منَ البناتِ والبنينَ ، فهذهِ النوافلُ ، مدرسةٌ أسريةٌ يتربَّى عليها الصغارُ ، وتنشأُ في أحضانِها الأجيالُ ، فكُنْ باركَ اللهُ فيكَ منَ الأولياءِ الذينَ يغرسونَ هذا الخيرَ العظيمَ في نفوسِ أبنائِهِم وبناتِهِم ، وحافظ على أداء النوافل في البيت أمام أهلك وأبنائك. ولا تجعل بيتك كالمقبرة لا صلاة نافلة فيها .
عباد الله يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خلفائِه الراشدين ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُر عبادَك المُوَحِّدين، واجعلِ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتَّنا ووُلاةَ أمرِنا ، اللهمَّ وفِّقْهُم لما فيه صلاحُ الإسلامِ والمسلمين ، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا وولي أمرنا ونائبيه ، اللَّهمَّ أَمِدَّهُ بعونِك وتَوفيقِك ، ووفقْهُ لصالحِ الأقوالِ والأعمالِ ، إنَّك على كُلُّ شيءٍ قديرٌ ، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا ، اللهم قو عزائمهم وعجل بنصرهم يا قوي يا عزيز ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً ، وقِنا عذابَ النار. عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم ، واشكروه على عمومِ نعمِه يزِدْكم ، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ ، والله يعلمُ ما تصنعون.
أصل الخطبة لسماحة المفتي تم الزيادة عليها من خطبة من موقع آخر مع الاضافة و الحذف
راشد الناصر
جزاك الله خيرا على هذه الكلمات الطيبات وما أجملها من خطبة لولا الإطالة فيها
تعديل التعليق