النهي عن التشبه بالكفار والتحذير من مشاركة النصارى في عيد رأس السنة الميلادية

فيصل التميمي
1436/03/04 - 2014/12/26 04:14AM
معدة من مجموع خطب لتناسب المقام
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهي عن التشبه بالكفار والتحذير من مشاركة النصارى في عيد رأس السنة الميلادية 4/3/1436هـ
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا؛ منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضللْ فلا هاديَ له؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

أمّا بعد، فأيها الناس.. اتقوا الله تعالى, وابذلوا أسباب الفوز برحمته, واحذروا من أسباب سخطه وعقوبته, ثم اعلموا رحمكم أن الله سبحانه قد أغنى المسلمينَ وأنعم عليهم بشريعة كاملة شاملة لكل مصالح الدين والدنيا، وعلق السعادة في الدنيا والآخرة على العمل بها والتمسك بهداها، قال تعالى: ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا) وهذه الشريعة هي الصراط المستقيم طريق من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وما خالفها فهو طريق المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى والمشركين .
وأنت أيها المسلم في كل ركعة من صلاتك تدعو ربك أن يهديك الصراط المستقيم، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين، فتأمل هذا الدعاء ومقاصده وثماره .
إخوةَ الإسلام، والمتأمِّل في كلامِ الله جلّ وعلا يجِد النَّهيَ الصريح عن التشبُّه بالكفّار بِصيغٍ مختلفة وطرق متعدِّدَة في القرآن الكريم، قال الله جل وعلا لنبيِّه محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) وقال سبحانه ) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الهّ عليه وسلم :((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)) رواه أبو داود.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما: (مَنْ تَأَسَّى بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ, وَصَنَعَ نَيْرُوزَهَمْ, وَمِهْرَجَانَهمْ, وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ, حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
إخوةَ الإسلامِ، وعن التشبُّه بأعيادِ المشركين بشتَّى أشكالِها وصوَرِها، يقول ربُّنا جلّ وعلا في حقّ عباده المؤمنين: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) [الفرقان: 72]، قال غير واحد من السَّلَف: الزور هو عيد المشركين.
عباد الله.. والسيرةُ النبويّة القوليّة والعمليّة تؤصِّل قاعدةً شرعية في مخالفةُ الكفار في الظاهر والباطِن، يقولُ صلى الله عليه وسلم: ((خالِفوا اليهودَ؛ فإنهم لا يصلّون في خفافهم ولا في نعالهم)) رواه أبو داود وابن حبان، ويقولُ عليه الصلاة والسلام: ((خالِفوا المشركين؛ وفِّروا اللِّحى وأحفُوا الشوارب)) متفق عليه، وفي صحيح مسلم:((خالِفوا المجوس؛ جُزُّوا الشواربَ وأرخوا اللِّحى)).
ومن هنا فهِم السلفُ الصالح من الصّحابة والتابعين من هذه النصوصِ وغيرِها تحريمَ التشبُّه بالكفار بأيّ حالٍ وعلى أيِّ صورة ولو لم يرِد في تعيين حكمِ التشبّه بهم في ذلك الفعلِ بعينِه نصٌّ خاصّ. حكى إجماعَهم على ذلك شيخ الإسلام وغيرُه من أهل العلم.

أيّها المسلمون، وهذه النّصوص الشرعيّةُ تشمَل النهيَ عن محاكاةِ الكفار والتشبّه بهم في العقائد والعادات وفي التزين بزيّهم والتخلُّق بأخلاقهم وهيئاتهم وحِليتهم وصفاتهم فيما اختَصّوا به من عاداتٍ وأشكال وصُوَر وسلوك، والتحريمُ للتشبّه بهم فيما هو مِن خَصائصهم واقعٌ شَرعًا، سَواء كانَ ذلك الفعلُ مما قَصَد فاعلُهُ التشبّهَ بهم أو لم يقصِده، لكن الجاهلُ لاَ إثمَ عليه قبلَ العلمِ والبيان. وعلى من رأى من المسلمين أخاه المسلم يأتي شيئاً من خصائص الكفار جاهلا أن يبصره بأنه من خصائصهم وأن الشرع نهانا عن التشبه بهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ(
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعبر والعظات والقول الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوالله عباد الله ثم اعلموا رحمكم الله أنه لا عزّ لنا ولا فلاح إلا باتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( [الأنعام: ١٥٣]، وقال الفاروق عمر رضي الله عنه: (إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن طلبنا العزة بغيره أذلنا الله). وإن الناظر في عالم اليوم يرى بوضوح جهود أعداء الإسلام في محاولاتهم طمس حقائق الدين وإطفاء نوره بشتى الوسائل الممكنة وغير الممكنة، كل ذلك ليقطعوا صلة المسلم بدينه ويبعدوه عن منهج خالقه سبحانه، ليصبح مسلمًا بالاسم فقط، قال تعالى: ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ( "التوبة: 32"
أيها المؤمنون الموحدون، كثير من المسلمين يشاركون النصارى في احتفالات عيد رأس السنة الميلادية، وما علم هؤلاء أن المشاركة فـيها مشاركة في شعيرة من شعائر من وصفهم الله بالضلال، والفرح بعيدهم فرح بشعائر الكفر وظهوره وعلوه، وفي ذلك مـن الخطر على عقيدة المسلم وإيمانه ما فيه.
ولا أدري كيف يرضى مسلمٌ يؤمن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشاركهم في أعيادهم وهو يقرأ في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: ( مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ مّن رَّبّكُمْ) [البقرة:150].
كيف يفرح المسلم بعيد الكفار وهو يقـرأ في كتاب الله تعالى قـول الباري جل وعز: ( وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة:109].
كيف يجامل المسلم على حساب عقيدته ويشارك النصارى في شعائر كفرهم وهو يقرأ قوله سبحانه: ( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) [النساء:89]. )إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوء وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة:2].
فيا أيها المسلمون الموحدون، اتقـوا الله تعالى، واشكروا نعمته عليكم أن هداكم للإسلام، وخَصَّكم بمحمد نبيِّ الرحمةِ عليه الصلاة والسلام، وجعلكم ـ إن تمسكتم بهذا الدين، واتبعتم هذا الرسولَ ـ خير أمة أخرجت للناس.
واعتزوا بدينكم وعقيدتكم عقيدة التوحيد الخالص التي لا يعبد فيها مع الله أحد جل جلاله وتنزه عن الند والضد والصاحبة والولد سبحانه: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) .
لا كما يقول النصارى عَبَدةٌ الصليب بأن الله ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً. وقد قال سبحانه في محكم التنزيل (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ *))
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله سيد الأولين والآخرين، وأفضل الخلق أجمعين، استجابةً لأمر ربكم إذ أمركم فقال قولا كريماً...
المشاهدات 2594 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا