النهي عن الإسراف والهدر الغذائي

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة ... إنَّ الأصول التَّشريعية، والقواعد القرآنية، والمبادئ النبوية، أصلُ التوسُّط والاعتدال في جميع الأمور وفي كلِّ الأحوال ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ ومن أصول الشَّريعة: حفظ الأمور الضرورية للنَّاس، وهي: الدِّين، والنَّفس، والمال، والعِرْض، والعقل، وحول موضوع المال جاءت نُصوص شرعية تحذِّر من الإسراف والتَّبذير، وتنْهى عن البخل والتَّقتير.

فالإسراف فعلٌ يبغضه الرَّب جلَّ وعلا، وتصرُّفٌ يذمُّه المولى سبحانه ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ ويقول سبحانه وتعالى في وصف عباده الأتقياء ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ ورسولُنا صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((كلوا واشربوا وتصدقوا والبَسوا ما لم يُخالطه إسراف أو مخيلة)) ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)).

أيها المؤمنون .. الإسراف: هو الزِّيادة في صرف الأموال على مقدار الحاجة، والتَّبذير: صرف الأموال في غير وجهها، وقيل: هو النفقة في معصية الله.

ومن الأمور المُحزنة: الإسرافُ في المآكل والمشارب، فترى من الناس مَن يَجتمع على مائدته من ألوان الطَّعام وصنوف الشراب ما يكفي أضعافَ عدد الحاضرين أحيانًا، والمصيبة العُظمى إذا أُلقيت في الحاويات والنفايات، وهذا كفرٌ بالنِّعم، وسببٌ في تحوُّلها وزوَالها ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ فليت شعري! أنَسِيَ هؤلاء المسرفون أم تناسَوا أنَّ من الناس أُمَمًا يَموتون جوعًا، لا يَجدون ما يسدُّون به حرارة جوعهم، ولظى عطشهم؟!

عباد الله: لقد نظَّم الشَّرعُ الحكيمُ أمورَ الناسِ كلَّها، وجاء بما فيه مَصلحتُهم، وأحَلَّ لهم الطَّيِّباتِ وحرَّم عليهم الخبائثَ، وأباح لهم التَّمتُّعَ بالحياةِ ومَلذَّاتِها، لكنْ دونَ إفراطٍ أو نسيانٍ لحقوقِ اللهِ والعبادِ، وقدَّمَ الإسلامُ للبشرية منهجًا متكاملًا وتصورًا واضحًا عن طبيعة التَّصرُّفِ في جميع شؤون الحياة، وبيَّنَ بشكلٍ واضحٍ حدودَ الحلال والحرام فيها، ونهى عن الإسراف في شتى صوره.

وإنَّ أبشعَ صور الإسراف عندما يكونُ في معصية الله والتعدي على حدوده، فهو محرمٌ بالإجماع، وأما الإنفاقُ في المباحات فيجبُ الالتزام بالعدل والاستقامة والتوسطِ فيها؛ حتى لا يتحولَ الإنفاقُ على المأكل والمشرب والملبس إلى البذخ والتفاخر والتعالي على الناس.

ومن صور الإسراف أنْ تُقامَ الولائمُ العظيمةُ ويُدْعى إليها الأغنياءُ، ويُحرَمُ منها الفقراء، وقد يكون ما يُلقى منها في الفضلات يُشبِعُ خَلْقًا كثيرًا من أهل الحاجة، وأما المبالغة في بذل المال طاعةً لله وفي سبيله، فلا يكونُ إسرافًا، وإن كان هذا البذلُ مشروطًا بأنْ لا يُضيِّعَ المُنفقُ منْ يعول، ويذَرَ ذريتَه عالةً على الناس، قال صلى الله عليه وسلم:))أفضلُ الصدقةِ جَهْدُ المُقِلِّ، وابدأْ بِمَنْ تَعولُ)).

أيها المسلمون .. لقد صرَّحَ القرآنُ بأنَّ من طبيعة الإنسان السَّرفَ عند الجِدَة، وتجاوزَ حدود القصدِ والاعتدالِ ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ وقال تعالى ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ﴾.

ولتهذيب الإنسان وتربيته أمرَ الله تعالى بالقصد في الأمور كلِّها حتى في أمور العبادات؛ كيلا يملَّها العبد؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلغُوا)) وضدُّ القصد السَّرَف وهو منهيٌّ عنه.

فالإسرافُ في شراء الأطعمة وأكْلِها أو رمْيها من مواطن النهي الجلي في القرآن، قال تعالى ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ وكذا الإسراف في الملابس والمراكب والأثاث وغيرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا، ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ)).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، إنه تعالى جواد كريم، ملك بر رؤوف رحيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الحمد لله الذي دبَّرَ عباده في كُلِّ أمورهم أحسنَ تدبير، ويسَّر لهم أحوال المعيشة وأمرهم بالاقتصاد ونهاهم عن الإسراف والتقتير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه البشيرُ النذير، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا طرق الاعتدال والتيسير.

معاشر المؤمنين ... أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ولنعلمْ أنَّ المسلمَ معتدلٌ متوسّطٌ مقتصدٌ في أموره كلِّها، لا إِفْرَاطَ ولا تَفْرِيطَ، لا غُلُوَّ ولا مُجَافَاةَ، لا إسرافَ ولا تَقْتِيرَ؛ لأنه ينطلق في ذلك من تعاليم الإسلام التي تأمرُه بالاعتدال والتوازن والاقتصاد في جميع الأمور، وتنهاه عن الإسراف والتبذير ومجاوزةِ الحَد.

عباد الله: إنَّ حِفْظَ المال فيه حِفْظُ الدين والعِرْض والشرف، وإنَّ الشريعة لم تحرِّمْ اكتسابَ الأموالِ ونماءَها والتزودَ منها، بل حثَّتْ على ذلك، ولكنَّها نهتْ عن الطُّرقِ المُحرَّمةِ في كَسْبِ المال وإنفاقِه، ومن الطُّرقِ المُحرَّمة في إنفاق المال: الإسرافُ، وإهدارُ المال بغير حقٍّ، قال رسول الله صلى لالله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ يرضى لكم ثلاثًا ويسخَطُ ثلاثًا: يرضى لكم أنْ تعبُدوه ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأنْ تعتصموا بحبلِ اللهِ جميعًا، وأنْ تُناصِحوا مَن ولَّاه اللهُ أمرَكم، ويسخَطُ لكم: قيل وقال، وإضاعةَ المالِ، وكثرةَ السُّؤالِ)) فالنحافظ على ما أنعم الله به علينا من نعمة الغذاء والماء وغيرها من النعم.

في دراسة أجرتها الهيئة العامة للأمن الغذائي جاء فيها أن نسبة الفقد والهدر الغذائي في المملكة العربية السعودية بلغت 33.1% وبتكلفة مالية بلغت 40 مليار ريال سعودي، وهذه احصائية مخيفة ومبالغ كبيرة جدا، فاحذروا كل الحذر أن نكون سببا لتبديل أمننا خوفا ورزقنا جوعا بسبب تلك التصرفات التي نهينا عنها فإن كفر النعمة يقود إلى زولها.

فاشكروا الله تعالى على ما أنعم به عليكم، وأحسنوا الثناء عليه، وأكثروا من حمده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا)).

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ...

المرفقات

1695970786_النهي عن الإسراف والهدر الغذائي.pdf

1695970794_النهي عن الإسراف والهدر الغذائي.docx

المشاهدات 535 | التعليقات 0