النهر الجاري 7 ربيع ثاني 1435هـ

شبيب القحطاني
1435/04/07 - 2014/02/07 07:55AM
هذه خطبة عن الصلاة مستفادة من بعض الإخوة الخطباء جزاهم الله خيرًا .
الحمد لله السميع البصير ، واللطيف الخبير ، والقوي القدير ، القائل في كتابه : " غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ "
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين .
أما بعد ، فيا عباد الله : تقوى الله وصية الله سبحانه لعباده ، وخير زاد للعبد في حياته لمعاده ،فالله يقول في كتابه : " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ " فلنتق الله أحبتي في الله جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون ، في حديث صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ ، يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، مَا تَقُولُونَ مُبْقِيًا مِنْ دَرَنِه ِ؟ " قَالُوا : لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا . قَالَ : " فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا "
أيها الأخوة المؤمنون ، ففي هذا الحديث ، يبين لنا صلى الله عليه وسلم أهمية الصلاة ودورها الفعال في تطهير المسلم من الذنوب والخطايا ، ويشبهها بالنهر الجاري الذي يُغْتَسَلُ منه في كل يوم خمس مرات ، فإنه كفيل بالقضاء على أوساخ من يغتسل منه ، بهذه الطريقة وذلك العدد . فالذنوب والخطايا أيها الأخوة أدران وأوساخ تقضي عليها الصلاة ، وتطهر من بلي بها منها بإذن الله تعالى ، ولذلك يقول تعالى : " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ " يقول ابن سعدي رحمه الله في تفسيره : ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أن العبد المقيم لها المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها ، يستنير قلبه ، ويتطهر فؤاده ، ويزداد إيمانه ، وتقوى رغبته في الخير ، وتقل أو تعدم رغبته في الشر ، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه ، تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها .
أيها الأخوة المؤمنون ، فشأن الصلاة شأن عظيم ، ودورها في تطهير المسلم من ذنوبه ومعاصيه دور فعال ، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ " ولا أدل على أهمية الصلاة وعلو مكانتها من كونها أهم شعائر الدين ، فهي في الدين العمود والأساس ، وعليها تبنى الأعمال ، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ؛ فإن كانت صالحة صلح سائر عمله ، وإن كانت والعياذ بالله فاسدة فسد سائر عمله . يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " أوَّلُ ما يحاسَبُ بهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيامَةِ الصلاةُ ، فإنْ صَلَحَتْ صَلَحَ له سائِرُ عَمَلِه ِ، وإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عَمَلِهِ "
ولهذا أيها الأخوة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت ، وهو يودع الدنيا يقول لأصحابه : " الصلاةَ الصَلاةَ وَمَا مَلَكتْ أيمانُكُمْ " يوصيهم بالمحافظة على الصلاة ، وهذا دليل على أهميتها ومكانتها في هذا الدين . يوصيهم بالصلاة لحاجتهم لها ، ولعظيم فائدتها ، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا ، لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا بُرْهَانًا وَلَا نَجَاةً ، وَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ " فلنتق الله أحبتي في الله ولنحافظ على هذه الصلاة ، ولنهتم بها ، ولنحذر إضاعتها ، فقد قال تعالى : " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا " بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيمًا لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ ، صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وَإِخْوَانِهِ ، وسلّمَ تَسليمًا كثيرًا .
أيها الأخوة المؤمنون ، ولكي ندرك مكانة الصلاة ونستشعر أهميتها ، نتأمل في حياة سلفنا الصالح ، كيف كانوا مع هذه الصلاة ؟ إلى أي درجة كانوا يهتمون بها ؟ ماذا كانت تمثل عندهم الصلاة ؟ هذه الصلاة التي يضحي بها بعض الناس من أجل مباراة أو مسلسل أو من أجل ضيف ثقيل ليس عنده لشعائر الدين قيمة ، كيف كانت في حياة السابقين من سلفنا الصالح ؟
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعالج سكرات الموت يوصي بالصلاة . عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مطعون ، أمعاؤه في حجره ، يسأل : هل صلى المسلمون ؟ المريض منهم ، الذي أقعده المرض ، لا يستطيع المشي على رجليه ، يؤتى بها يهادى بين رجلين ، حتى يقام في الصف ، ليؤدي الصلاة مع المسلمين . فلنفكر ما حالنا مع الصلاة ونحن أصحاء أقوياء نتقلب في نعم الله ورغد من العيش في أمن وأمان ؟! يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ ، أَرِحْنَا بِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ . يجد راحته في الصلاة ، وحالنا في هذه الأزمان نقول للمؤذن : أقم الصلاة أرحنا منها ، نستعجل معاصينا وذنوبنا وتكالبنا على الدنيا ومتاعها الزائل الزائف .
أسأل الله لي ولكم علما نافعًا ، وعملاً خالصًا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب . اللهم أيقظنا من رقدة الغافلين ، وأغثنا بالإيمان واليقين ، واجعلنا من عبادك المخلصين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يا رب العالمين .
اللهم أحينا مسلمين ، وتوفنا مؤمنين ، غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا ، وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا , وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ , وَأَبْعِدْ عَنْهُمْ بِطَانَةَ السُّوءِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ .
" رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"
عباد الله ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
المشاهدات 2957 | التعليقات 1

بورك فيك شيخ شبيب ونفع الله بك أحسنت الاختيار وفتح الله عليك وجزيت الجنة.

والشكر لك شيخ شبيب خاصة في هذا المنتدى على تجوالك الملحوظ وتفاعلك الملموس وناشطك وتعليقاتك الفاعلة.