النهر الجاري
أنشر تؤجر
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنَا ومنْ سيئاتِ أعمالنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا ، أمّا بعدُ : فاتّقوا اللهَ عباد الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ) آل عمران:[102].
معاشر المسلمين : موسمٌ عظيمٌ ، ومنهل عذب كريمٌ ، يتكررُ كلَّ يومٍ خمسَ مرات ، له أثرٌ في زيادة إيمانِ العبد وقوةِ دينهِ وتكفيرِ ذنوبه ، يقول الرسول صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ :" أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا ". رواه مسلم .
الصَّلاةُ عَمُودُ الدِّين ، وهِيَ عَهْدُ اللهِ للمؤْمِنِينَ ، والْفَارِق بينَنَا وبينَ أَهْلِ الْكِتَابِ والمشْرِكِينَ ، مَتَى حَافَظَ عليهَا المُسْلِم كانتْ عَوْنًا لَهُ على المِحَنِ، ونَجَاةً مِنَ الْفِتَنِ، وأَوْرَثَهُ ذَلِكَ سَكِينَةً في الْقَلْبِ، ورَاحَةً في الْبَدَنِ، وسِعَةً في الرِّزْقِ، قَالَ الله تعالَى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) العنكبوت: [45].
الصَّلاةُ – يا عباد الله - هي أَجَلُّ فَريضَةٍ ، وأسْمَى طَاعَةٍ ، تَتَجَلَّى فيهَا عِبَادَاتٌ عَدِيدَةٌ ، فَهِيَ ذِكْرٌ ومُنَاجَاةٌ ، ودُعَاءٌ وخُشُوعٌ ، وذلٌّ وخضوعٌ ؛ وقدْ أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ عِبَادَهُ بِالمحَافَظَةِ على الصَّلاةِ بِقَوْلِهِ :( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) البقرة: [338] ، وَامْتَدَحَ المؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المؤمنون: 9] وحِفْظ العبدِ لصلاتِهِ بِتَحَيُّنِ أوْقَاتِهَا ، والتَّبْكِيرِ لَهَا ، وإِتْمَامِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ، مُوجِبٌ لِحِفْظِ اللهِ عزَّ وجلَّ لِلْعَبْدِ في الدُّنْيَا والآَخِرَةِ ، قالَ ﷺ :( مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا-أي: الصَّلاةُ- كَانَتْ لَهُ نُورًا وبُرْهَانًا وَنَجَاةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ ، وَكَانَ يَوْمَ الَقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهامَانَ وأُبَيِّ بنِ خلفٍ ) أخرجه أحمد (6576) وابن حبان (1467) والطبراني (14/127).
الصَّلاةُ عِبَادَةُ الأَنْبِيَاءِ ، وقُرْبَةُ الأَوْلِيَاءِ ، حَرِصَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ أَشَدَّ الْحِرْصِ في حَضَرِهِ وسَفَرِهِ وقُعُودِهِ وجِهَادِهِ وصِحَّتِهِ وسَقَمِهِ ، قالَ ﷺ :( وجُعِلَ قرةُ عيني في الصلاةِ ) أخرجه النسائي (3939) وصححه الألباني (3949) ، وكانَ عليه الصلاةُ والسلامُ يَتَحَيَّنُ وَقْتَهَا ، ويَتَهَيَّأُ لأَدَائِهَا ويَفْزَعُ إِلَيْهَا إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ بِقَوْلِهِ :( يَا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ ، أَرِحْنَا بِهَا ) أخرجه أبو داود (4985)
وهي آَخِرُ وَصَايَا النَّبِيّ ﷺ لأُمَّتِهِ ، يَقُولُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :( كانَت عامَّةُ وصيَّةِ رسولِ اللَّهِ ﷺ حينَ حضَرتهُ الوفاةُ وَهوَ يُغَرْغرُ بنفسِهِ الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكُم ) أخرجه النسائي (7095) وابن ماجه (2697) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2200).
واعلموا رحمكم الله أن الْحِرْصَ على أداءِ الصَّلاةِ في وقْتِهَا هو أَوْجَب الوَاجِبَات ، وآكَدُ الْفَرَائِضِ وأَصْلُ المهِمَّات ، فإذَا اسْتَقَامَتْ لِلْمَرْءِ صَلاتُهُ ، اسْتَقَامَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ، ومنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ صَلاتِهِ في وَقْتِهَا ، فَهُوَ عَنْ حِفْظِ وَقْتِهِ في غَيرِهَا أَعْجَزُ ، قَالَ تعالَى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء: [103].
وَمِنْ عَلامَاتِ الصِّدْقِ في الْعِبَادَةِ ، والإِخْلاصِ في الطَّاعَةِ : الاسْتِعْدَاد لهَا ، والتَّهَيُّؤ لأَدَائِهَا ، فمنْ كانَ حريصًا على الصَّلاةِ ، تَجِدهُ يَتَحَيَّنُ وَقْتَهَا ، وَيَتَهَيَّأ لأَدَائِهَا بِإِسْبَاغِ الوضُوء ، والتَّبْكِيرِ للمَسْجِدِ ، قالَ اللهُ تَعَالى :( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ) التوبة: [46] وقال تعالى :( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة:[18].
بَارَكَ اللهُ لي ولكم فِي الْوَحْيَيْنِ ، وَنَفَعَنَي وَإِيَّاكُم بِهَدْيِ خَيْرِ الثَّقَلَيْنِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ ، فَاسْتَغْفِرُوهُ ، وتوبوا إليه ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وأَشْهَدُ ألا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، الدَّاعِي إلى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا .
أمَّا بــــــعــــــــــدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ : واعْلَمُوا أَنَّ مِنَ الظَّوَاهِرِ الخَطِيرةِ الَّتِي يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهَا والتَّنْبِيهُ عَلَيْهَا : ظَاهِرَة النَّوْمِ عن الصَّلاةِ وتَضْيِيعِهَا أوْ تَأْخِيرِهَا ، قالَ تعالَى :( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) الماعون: [4-5]
وهذه الظاهرة وهي النومُ والتَّكَاسُلُ عن الصَّلاةِ ، والتَّفْرِيطَ في التَّبْكِيرِ للمَسَاجِدِ ، عَلامَةُ الخُسْرَانِ ، وَطَرِيقُ الشَّيْطَانِ ، قَالَ تَعَالَى :( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) مريم: [59].
وليسَ أَشَدُّ نَكَالًا وَتَحْذِيرًا مِنْ تِلْكَ الظَّاهِرَة مِنْ حَدِيثِ الرُّؤْيَا الطَّوِيلِ ، وَفِيهِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا مُضْطَجِعًا وَمَلَكًا مَعَهُ صَخْرَةً يَهْوِي بِهَا على الرَّجُلِ المضْطَجِعِ ، فَيَثْلَغُ رْأْسَهُ ، فَلا يَرْجِعُ إلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ المَلَكُ فَيَفْعَل بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةِ السَّابِقَة وهَكَذا ، يقُولُ ﷺ :( أَمّا الذي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بالحَجَرِ ، فإنَّه يَأْخُذُ القُرْآنَ ، فَيَرْفِضُهُ ، ويَنامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ ) أخرجه البخاري (1143)
والمُخَوَّلُ بِعِلاجِ تِلْكَ الظَّاهِرَةِ دَاخِلَ الأُسْرَةِ هم الأبُ والأمُّ ، قَالَ تَعَالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) التحريم: [6] وقَالَ ﷺ :( كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ) أخرجه البخاري (5200) ومسلم (1829) ، فإذَا أرادَ الأبُ الذّهَابَ للصلاةِ ، فعليهِ أنْ يُوقِظَ أَبْنَاءَهُ ، ويَصْحَبهُم معهُ تربيةً وتعليمًا ؛ وهكذا الأمّ مع بناتِهَا ، قال الله تعالى :( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ).
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بُيُوتَ المسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَجْعَلْهَا عَامِرَةً بِذِكْرِهِ ، قَائِمَةً بِأَمْرِهِ .
اللهمّ أقِرَّ عيوننا وأسعِد قلوبَنا وأبهج نفوسَنا بصلاحنا وصلاح أهلينا وأبنائنا وبناتنا ، اللهم اجعلنا وذريّاتنا من المقيمين للصلاة، ربنا وتقبل دعاء .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، واحم حوزة الدين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان .
اللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا ، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا ، اللهم وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى .
اللَّهُمَّ اغفر وارْحَمْ لهذَا الْجَمْعَ المبارك ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ ، واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وأُمَّهَاتِهِم ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا ، وأزواجًنا ، ومَنْ لهُ حقٌّ علينَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ .
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار .
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا ؛ إنك أنت التواب الرحيم .
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1731583545_النهر الجاري.docx