النظام الإيراني وانتهاك مرجعياته ! صباح الموسوي

النظام الإيراني وانتهاك مرجعياته !

صباح الموسوي


منذ تولي نظام الملالي و المرجعيات الدينية الشيعية المعارضة تتعرض إلى اعتداءات واضحة أدت إلى اعتقال بعضهم والزج بهم في السجون أو نزع العمة عنهم, خاصة أولئك الذين اختلفوا مع نظام الجمهورية الخمينية حول نظرية ولاية الفقيه والرواء الشرعية والسياسية للخميني سابقا وعلي خامنئي حاليا.


فمنذ عهد الدولة الصفوية (سنوات 1501-1785 م ) التي اعتمد مؤسسها الشاه اسماعيل الصفوية على رجال الدين لكسب الشرعية وترسيخ قواعد دولته الطائفية ‘ تحضا بحصانة قل ما تعرضت للانتهاك من قبل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم إيران قبل قيام الجمهورية الإسلامية . وقد هيئت هذه الحصانة التي كانوا يتمتعون بها في عهد نظام الشاه ‘ الذي رغم علمانيته فقد منح للمرجعيات الدينية الفرصة لرجال الدين لكي يسقطوا ذلك النظام ‘ و لكن بعد ذلك أصبحت هذه الحصانة عرضة للانتهاكات باستمرار من قبل السلطة الحاكمة. حيث تعرض و مازال يتعرض العديد من المرجعيات الدينية للاهانة والاضطهاد الذي تمثل جانب منه بالاعتقال والسجن والإقامة الجبرية وخلع العمامة للعديد من كبار المرجعيات الشيعية في إيران ‘وتعرض العديد منهم في الخارج الى التشهير مما أدى الى اعتبار نظام الجمهورية الإسلامية أكثر الأنظمة الإيرانية إساءة للمرجعيات الدينية في العالم الإسلامي . فقد واجه هذا النظام ومنذ بداية انتصار الثورة معضلة هامة تمثلت في معارضة عددا غير قليل من كبار المرجعيات الدينية لنظرية ولاية الفقيه المطلقة ‘حيث رأى المعترضون في هذه النظرية تكريسا لدكتاتورية رجال الدين و إلغاءا لمبدأ " الاستقلال والحرية والجمهورية " التي كانت المطلب الرئيسي للشعوب والقوميات الإيرانية التي ثارت ضد نظام الشاه.


لقد لقي قادة الثورة ونظام الجمهورية ‘خميني ‘ صعوبة في الحصول على اعتراف من قبل المرجعيات العليا في حوزتي قم و النجف بنظرية " ولاية الفقيه " ‘ والسبب في ذلك يعود في كون هذه النظرية تمنح الفقيه الحاكم سلطة لم يمنحها الله للأنبياء ‘على حد تعبير الشيخ مهدي كروبي احد أقطاب المعارضة الإصلاحية ‘ فيما ذهب رجال دين آخرون موالون للنظام ‘ من أمثال الشيخ محمد تقي مصباح يزدي‘ اعتبار كل من لا يؤمن بنظرية ولاية الفقيه يعد مرتدا‘ حسب زعمهم . و لهذا سعى

النظام الى قمع معارضي هذه النظرية وعلى رأسهم عدد ا من ابرز مراجع الشيعة في داخل إيران وخارجها ‘ دون الاعتناء بالحصانة التي يتمتع بها هؤلاء المراجع .


وعلى سبيل المثال لا للحصر ‘قامت السلطات في أوائل انتصار الثورة باعتقال المرجع الكبير " السيد كاظم شريعتمداري" (ت 23 رجب 1406هـ ) الذي رفض نظرية ولاية الفقيه وعدها مخالفة لقواعد الحرية والجمهورية الإسلامية. و على الرغم من الحصانة التي كان يتمتع بها بصفته مرجعا أعلى إلا انه تعرض لأقصى الاهانات‘ وجرى عزله من منصب المرجعية وصودرت جميع أمواله وأغلق مكتبه و تم وضعه تحت الإقامة الجبرية الى حين وفاته.


كما جرى الاعتداء على المرجع العربي" الشيخ محمد طاهر الخاقاني" ( ت- 1986م ) الذي كان يعد مرجعا لعرب الأحواز وعددا كبيرا من الشيعة في إيران ودول الخليج العربي‘ وذلك نتيجة لرفضه مبدأ ولاية الفقيه والمطالبة بالمساواة في الحقوق بين كافة أبناء الشعوب والقوميات في إيران ‘ حيث جرى اعتقاله ونقله من مدينة المحمرة الى مدينة قـم وبقي تحت الإقامة الجبرية حتى توفي فيها .


كما جرى كذلك انتهاك حصانة المرجع محمد مهدي الشيرازي (ت 1422هـ ) واعتقال أبناءه والعديد من أتباعه وتم وضعه قيد الإقامة الجبرية لسنوات عديدة لكونه طالب بتطبيق مبدأ " شورى الفقهاء" بدلا من مبدأ ولاية الفقيه ‘حسب قول أنصار الشيرازي .


ثم توالت أعمال التعدي على المرجعيات و انتهاك حصانة رجال الدين الكبار حتى وصلت الى أبرز الشخصيات الدينية على الإطلاق و هو ‘ الشيخ علي حسين منتظري ( ت- 2009م)‘ بعد ان جرى عزله من منصبه كنائب لقائد الثورة ‘وقد جاء عزله نتيجة لاعتراضه على السياسات والممارسات الخاطئة التي اخذ يرتكبها رجال الدين في السلطة . فبعد عزله فرضت عليه الإقامة الجبرية . وكان المنتظري في أواخر حياته وصف نظرية ولاية الفقيه المطلقة ‘ بأنها " من العناوين البارزة للشرك " وأضاف ‘" باعتقادي أن الرسول الأكرم ذاته لم يكن يحظى بالولاية المطلقة ‘ فالآية القرآنيةتأمر الرسول بالعمل وفق القانون الإسلامي لا حسب رأيه" .ونتيجة ذلك تعرض مكتب وبيت المنتظري لاعتداءات عديدة وجرى فيها أهانته و ضربه رغم كبر سنه و أهمية مركزه الديني .


ولم يسلم مراجع ورجال دين آخرون كبار ‘ من الاهانة وهتك الحصانة التي يتمتعون بها ‘ ومن بين هؤلاء يمكن ذكر المرجع البارز آية الله " محمد حسين كاظميني بروجردي" الذي تم مهاجمة منزله في طهران وجرى اعتقاله وضربه أمام أنظار العامة و مايزال يقضي عقوبة بالسجن لمطالبته بفصل الدين عن الدولة وعدم تسييس الدين .


وهناك رجال الدين شيعة خارج إيران من أمثال المراجع ‘أبو القاسم الخوئي ومحمد حسين فضل الله وغيرهم‘قد تعرضوا أيضا للمحاربة وحملات التشهير بسبب آرائهم المخالِفة ‘إما لنظرية ولاية الفقيه‘ وإما لسياسات والأفكار الطائفية المغالية التي ينتهجها لنظام طهران .


ومع تصاعد الأزمة السياسية الأخيرة التي نشبت عقب الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران العام الماضي‘ والتي وجه فيها قادة حركة المعارضة الإصلاحية ‘اتهامات للسلطة بالتلاعب بنتائجها لصالح المرشح المدعوم من قبل مرشد الثورة علي خامنئي ‘الرئيس احمدي نجاد ‘ فقد عادت هجمة الاعتداءات ضد المرجعيات الدينية تتكرر من جديد ، وقد طالت هذه الهجمة حفيد مؤسس الجمهورية الإيرانية "حسن الخميني " الذي تعرض لحملة تشهير عنيفة من قبل السلطة وقد جرى منعه من أتمام كلمته في حفل مراسم أحياء ذكرى وفاة جده آية الله الخميني حيث اعتاد حسن الخميني القاء خطابا بالمناسبة كل عام، حيث ردد عناصر من أنصار الرئيس أحمدي نجاد هتافات وشعارات احتجاج على دعم حسن الخميني للمعارضة الإصلاحية ، مكررين عبارة «الموت للمنافقين»، وهو الشعار الذي تطلقه السلطة على المعارضة.


كما أصبح المرجع الديني البارز و الممثل الأسبق لآية الله الخميني في مدينة قم ‘ آية الله يوسف صانعي ‘ الذي اعتبر فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بالانتخابات غير شرعي، واعتبر محاكمات المحتجين على نتائج الانتخابات باطلة‘هو الآخر عرضة للانتهاكات . فبعد ان هاجم في كانون الاول/ديسمبر الماضي نحو ألف عنصر من ميليشيات الباسيج ( التعبئة ) مكاتب آية الله صانعي في مدينة قم ‘ تعرض منزله أيضا يوم الأحد 13حزيران يونيو 2010 م الى هجوم مشابه . و قد تزامن مع ذلك مهاجمة مكتب المرجع الراحل حسين علي منتظري ‘للتخريب ومن ثم جرى إغلاقها من قبل محكمة رجال الدين .


مهاجمة بيوت ومكاتب مراجع الدين المعارضين لنظرية ولاية الفقيه والسياسة الدكتاتورية التي ينتهجها النظام ‘ ودعمهم لمطالب المعارضة الإصلاحية ‘ يرى بعض المراقبين ان هذه الاعتداءات لم تكن لتحصل لولا موافقة أعلى السلطات في النظام الممثلة بالخميني سابقا و علي خامنئي اليوم ‘وقد حملت بعض الجهات الإيرانية خامنئي مباشرة مسؤولية الهجمات الأخيرة على بيوت ومكاتب المرجعيات الدينية. وهذا ما صرح به علانية " سعيد منتظري " نجل المرجع الراحل حسين علي منتظري ‘حيث أكد في أكثر من لقاء مع وسائل الإعلام الأجنبية ‘ ان الهجمات الذي تعرض له مكتب والده ومنزل آية الله صانعي في يوم 13 حزيران الماضي ‘ تمت بعد يوم واحد فقط من زيارة مرشد الثورة علي خامنئي الى مدينة قم و الاجتماع سرا بعدد من كبار رجال الدين المؤيدين له في الحوزة. ويضيف سعيد منتظر ‘ ان الذين قاموا بتلك الهجمات هم من عناصر المخابرات ومليشيات الباسيج وهذا يدل على ان الأمر كان مدبرا من قبل السلطات الرسمية وليس عملا عرضيا من قبل أناس متشددين موالين لرئيس احمدي نجاد كما حاول البعض إظهار ذلك . وأضاف منتظري ‘ لقد قارن خامنئي الوضع الحالي، بما جرى في عهد علي رضي الله عنه حيث ادعى بأن أقرب أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم استلوا سيوفهم ضد علي‘. و كان هذا الكلام بمثابة الضوء الأخضر لمهاجمة المراجع المؤيدين للمعارضة الإصلاحية ‘ بغض النظر عن سيرتهم السابقة و قربهم من قائد لثورة الخميني.


وتأييدا لما قاله منتظري ‘ فقد أكد الصحفي الإصلاحي والطالب في حوزة قم الدينية‘ محمد جواد اكبرين ‘ في مقابلة مع الإذاعة الألمانية الناطقة بالفارسية في يوم 15من حزيران 2010م‘ ان هناك لجنة مؤلفة من مدير مكتب خامنئي ‘ الشيخ محمد كلبايكاني ‘ و وزير الاستخبارات السابق والمدعي العام الحالي ‘ الشيخ محسن ايجئي "‘ و زعيم جماعة حزب الله وعضو البرلمان ‘ الشيخ روح الله حسينيان ‘ هي من تخطط وتشرف على تنفيذ الهجمات على بيوت ومكاتب المرجعيات الدينية المعارضة لنظرية ولاية الفقيه والداعمة لحركة المعارضة الإصلاحية . و يضيف اكبرين ‘ ان هذه اللجنة تتلقى توجيهاتها من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي عبر المدعي العام للبلاد محسن ايجئي الذي يعد اقرب مسؤول قضائي وامني لخامنئي . ويؤكد رجل الدين والصحفي الإصلاحي " مجمد جواد اكبرين" ‘ ان لديه فيلما مصورا عن الزيارة السرية التي قام بها لمرشد الأعلى الى مدينة قم في 12 من حزيران 2010 م واجتماعه باللجنة التي قامت بإصدار الأوامر لمهاجمة منزل آية الله صانعي ومكتب الله منتظري . وأعرب " اكبرين "عن أمله في ان يعرض هذا الفيلم عما قريب حتى يطلع الناس ويعلموا ‘حسب قوله ‘ بالعلاقة و ما يدور بين الجهات التي تهاجم وتنتهك حصانة المرجعيات ‘ وبين الولي الفقيه و المرشد الأعلى ‘.


مما لاشك فيه ان هذه الانتهاكات التي يتعرض لها كبار المرجعيات الدينية الشيعية في داخل إيران وخارجها ‘ تعكس عمق الأزمة الداخلية التي تعيشها إيران اليوم من جهة‘ ومن جهة أخرى تكشف زيف ادعاءات النظام الايراني القائلة باحترامه المرجعيات الدينية‘ حيث أثبتت التجربة ان لا حرمة وحصانة لأي مرجع لا يسير في ركب النظام والتقيد بسياساته وأفكاره المتطرفة حتى وان كانت تلك الأفكار والممارسات دكتاتورية وبعيدة عن روح الإسلام .


المصدر: مفكرة الإسلام
المشاهدات 1779 | التعليقات 0