النظافة والتجمل

عبدالله محمد الطوالة
1435/11/17 - 2014/09/12 07:36AM
أيها الأحبة .. هذه خطبة عن النظافة والتجمل .. تعظم الحاجة لها ..
وهي من روائع الشيخ صالح بن حميد .. مع بعض التصرف .. زيادة ونقصان .. أسأل الله أن ينفع بها ..


الحمد لله ، الحمد لله الذي خلق الإنسانَ في أحسن صورة صورها ، واستخلفَه في الأرض ليستثمرها ويعمُرها ، وخلق له ما في السماوات وما في الأرض وسخَّرَها ، أحمده سبحانه وأُثني عليه .. والَى علينا نعمَه وآلاءَه لنشكُرَها ، ومن رامَ لها عدَّاً فلن يحصُرَها ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ حقٍّ ويقينٍ وعند الله أدخِرها ، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله رسمَ معالمَ الملَّة وأظهرَها، والتزم بتعاليم ربه وأمر بها ودعا إليها ونشرها .. صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين .. أفضلُ هذه الأمة وأبرها وأطهرها ، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا ..
أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله ربكم ، وأخلِصُوا لله القصدَ والنيةَ جهدكم ، فإنما الأعمالُ بالنياتِ ، واجتهِدوا في الطاعة فقد أفلحَ من جدَّ في الطاعات ، والزَموا الصدقَ ، فإن دين الله هو الصدق في المُعاملات ..
الدنيا دارُ عملٍ لا دارُ كسل، ويوم تقومُ الساعةُ لا فوزَ إلا بالطاعة ، ومن كان له من نفسِه واعِظ كان له من الله حافِظ ، ومن أصلحَ أمرَ آخرتِه صلُح له أمرُ دُنياه ، والناسُ لن يُعطُوك أو ينفعوك إلا بما قد قُدِّر لك ، ولن يضرُّوك أو يمنعُوك إلا بما قُضِيَ عليك ، قضي الأمر : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ..
بادِروا رحمكم الله ، إلى ما يحبُّه مولاكم ويرضاه ؛ فكلُّ امرئٍ مرهون بما اجترحته وجناه : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) ..
أيها الأحبة : جاء في الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار، قال جابر: فبينا أنا نازل تحت شجرة إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله، هلم إلى الظل، قال: فنزل رسول الله فقمت إلى غرارة لنا، فالتمست فيها شيئًا فوجدت فيها بعض القثاء ، فكسرته ثم قربته إلى رسول الله فقال: "من أين لكم هذا؟" قال: فقلت خرجنا به يا رسول الله من المدينة ، قال جابر: وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا ، قال: فجهّزته ، ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه بردان له قد خَلِقا قال: فنظر رسول الله إليه فقال: "أما له ثوبان غير هذين؟" فقلت: بلى يا رسول الله ، له ثوبان كسوته إياهما ، قال: "فادعه فمره فليلبسهما"، قال: فدعوته فلبسهما ، ثم قال صلى الله عليه وسلم ، أليس هذا خيرًا له؟! " ..
أيها الأحبة : الإسلام دين الفطرة ، دين العبادة والمعاملة ، دين العقيدة والشريعة ، دين الروح والجسد ، يعالج شؤون الحياة كلها ، صغيرها وكبيرها ، قديمها وحديثها ، {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .. {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} .. {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ..
دينٌ كامل شامل ، يجمع البشاشة في حياء ، وحسن الخلق في ابتسامة ، دين يعترف بما للبشر من أشواق قلبية ، وحظوظ نفسية ، وطبائع إنسانية .. دين يُقِرُ بكل ما تتطلبه الفطرة السليمة من سرور وفرح ، ولباس وزينة ، على أنه يحيط ذلك بسياج من الأدب الرفيع والخلق الجميل ، يبلغ بالمتعة كمالها ونقاءها ، ويصل بالسرور غايته ، بعيداً عن الخنا والحرام ، وظلم النفس أو التعدي على الآخرين ..
وعناية الإسلام بمتطلبات الفطرة جاءت مصاحبة ومرتبطة للعناية بإصلاح المعتقد وسلامة الباطن: {يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ} .. فتطهير العقيدة وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي مقرونة بتطهير الظاهر من بدنٍ وثوبٍ وبيئة ليجمع المسلم بين النظافتين ، ويحافظ على الطهارتين ..
فحين يجمّل الدين بواطنهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، فإنه يجمّل ظواهرهم ليكونوا في أحسن تقويم ..
وإذا كان الأمر كذلك يا عباد الله ، فإن الأخذ بالزينة ، والقصد إلى التجمل ، والعناية بالمظهر ، والحرص على التطهر والنظافة من الأصول المرعية في الدين ومن الآداب التي حث عليها ديننا القويم ، وتميّز بها أتباعه المستقيمون .. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده الجمالين اللباس والزينة لتجمّل ظواهرهم ، والتقوى والإخلاص ليجمّل بواطنهم ، وقال في أهل الجنة: {وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً} .. فجمّل وجوهم بالنضرة ، وبواطنهم بالسرور ، وأبدانهم بالحرير ..
وفي الحديث الصحيح : "خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر" ، فهذه هي الفطرة السليمة وهي سنة المرسلين ؛ دعت إليها كل الرسالات السماوية .. وتركُ شيء من ذلك ، ترك لهدي المرسلين وتشبه بمن لا خلاق لهم في الدين ..
ومن أجل هذا أيها الأحبة فإن الإسلام حريص على أخذ أبنائه بنظافة الحس مع نظافة النفس ، وصفاء القلب مع نقاء البدن ، وسلامة الصدر مع سلامة الجسد ، وفي محكم التنزيل {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} .. وتلك هي نظافة الباطن والظاهر ..
أيها الأحبة .. المسلمون هم الذين نشروا ثقافة النظافة والتنظيف في أصقاع الدنيا مما لم تعرفه الأمم السابقة قبلهم ..
وإن من يقرأ تاريخ الأمم والملل يعلم أن أكثر البشر كانوا يعيشون كما تعيش الوحوش في البرية .. وما دخل الإسلام بيئة ولا بيتاً إلا وعلّمهم حسن اللباس ، وجمال الستر ، ونظافة البدن ، وطهارة المسلك ونقلهم من الوحشية والقذارة إلى الرقي والنظافة والحضارة ..
وظل المسلمون المتمسكون بآداب دينهم طوال تاريخهم المجيد نماذج رائعة للطهر والجمال والنظافة ، في أبدانهم وبيوتهم وأحيائهم ومدنهم . وتعالوا بنا لنستعرض بعضاً من مظاهر الطهر والنقاء والجمال والزينة والنظافة في توجيهات الإسلام وتشريعاته ، وسلوك أبنائه الحريصين على التمسك بتعاليمه ؛ بدأً من الطهور وهو شطرُ الإيمان .. ثم الصلاة والتي هي أهم فرائض الإسلام بعد الشهادتين .. فقد شُرع لها التطهر من الحدثِ كبيرة وصغيرة ، والتنظف من القذر والنجس .. والتهيؤ لها بأحسن حال يقدر عليه .. {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} .. إنها الصلوات الخمس .. تنظف الباطن وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، ووضؤها ينظف الظاهر ؛ "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه خمس مرات أيبقى من درنه شيء .. " .. ومعلوم أن غسل الجمعة واجب على كل محتلم .. جاء في الحديث الصحيح "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدّهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" ..
والتطهر المأمور به ليس مقصوراً على المجامع ومجالس الناس ولكنه مطلوب في جميع الأوقات والأحوال ، حتى وإن قعد المرء في بيته أو ذهب إلى فراشه ، فقد جاء في الخبر مرفوعاً: "طهروا الأجساد طهركم الله فإنه ليس عبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً" .. وفي خبر آخر عند أبي داود: "ما من مسلم يبيت طاهراً: فيتعار من الليل ـ أي يستيقظ .. فيسأل الله من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه " ..
وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تُعرف يوم القيامة من بين سائر الأمم بغرتها وتحجيلها من آثار الوضوء .. والسواك مطهرة للفم مرضاة للرب ، وقص الشارب وتهذيبه من التجمل ، ومن كان له شعر فليكرمه ، بالغُسل والدهن والترجيل والتطييب .. فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أشعث الرأس قد تفرق شعره ، فقال: "أما كان يجد ما يسكّن شعره؟ " ..
ومن مظاهر الطهر والجمال والنظافة في توجيهات الإسلام وتشريعاته .. أمره بقص الأظافر ، وغسل البراجم وهي مفاصل الأصابع ، ونتف شعر الإبط ، وحلق العانة ، واجتناب الروائح الكريهة من الثوم والكراث والبصل .. والإنسان قد يحتمل من غيره ألوانا من الأذى ولكنه لا يصبر على الرائحة المنتنة تنبعث من فم أو عَرَقٍ أو غيرهما .. ويتأكد ذلك في المساجد التي يؤمّها المسلمون للصلاة والذكر ، وكيف تخشع نفس مضطربة تعرّضت للضيق والأذى ، وتعكر عليها صفو المناجاة ؟ ، كما أن من المستكره فتح الفم عند التثاؤب لما في ذلك من قبح المنظر وقلة الذوق وإيذاء الجليس وسرور الشيطان بذلك ..
وفي مقابل ذلك جاء الحرص على الطيب والحث على التطيب ، ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر منه ..
ومن مظاهر الطهر والجمال والنظافة في توجيهات الإسلام وتشريعاته .. أمره بتغطية الإناء ، وإيكاء السقاء ، واجتناب الجُشاء ، وأن لا يشرب المرء من فم السقاء ، ولا يتنفس في الإناء ، ولا ينفخ فيه ..
كما أن المسلم مأمور بالتنظف من بقايا الطعام وفضلاته في الأيدي والأفواه والأسنان .. وفي الأثر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم شرِبَ لبناً ثم تمضمض وقال: "إن له دسماً" ..
والتطهر والتنظف يمتد من الأبدان إلى البيوت والطرقات والمساجد ومجامع الناس؛ قال تعالى:{وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} .. "وإماطة الأذى عن الطريق صدقة" ..
ومن مظاهر الطهر والجمال والنظافة في توجيهات الإسلام وتشريعاته .. سبل الوقاية المحكمة في آداب قضاء الحاجة .. فلا ينبغي أن يتلوث بها ماءٌ عام ، ولا أن يتنجس بها طريقٌ أو مستظل ، فقد جاء "النهي عن البول في الماء الدائم" وقال عليه الصلاة والسلام: "اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل" ..
أما حُسن الملبس وجمال الهندام فمطلوب حسب القدرة والاستطاعة .. فعن الأحوص الجُشمي رضي الله عنه قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعلي أطمارٌ أي ثياب بالية فقال: "هل لك من مال؟ قلت: نعم، قال: ومن أي المال؟ قلت: من كل ما أتى الله من الإبل والشاء ، قال: فلتُر نعمته وكرامته عليك ؛ فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده" ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ} ..

الحمد لله وكفى ..
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون ، وأعلموا أن الأناقة من غير إسراف ، والتجمل في غير تكلف مطلوب شرعاً وهو من آداب الإسلام وتوجيهاته .. فالإسلام يريد للمسلم علوّ المنزلة وجمال الهيئة .. بل وأن يكون المسلم في الناس كالشامة البيضاء ..
غير أنه ليس من مقاصد الإسلام أن يركض الإنسان خلف أسباب الزينة بغير عنان ، وأن يملأ يديه منها بغير ميزان .. لأن من يطلق يده في الإنفاق في الزينة ولذائد النفس ويتجاوز بالإنفاق الحد المعتاد ، والقدر المعقول في عرف الناس ، فسيكون ذلك على حساب ما هو أولى وأوجب ، من البذل في وجوه الخير .. ذلك أن النفوس المبتلاة بحب الزينة المفرطة والكماليات .. لن تقف عند حد معين ، وكلما أدركت منزلة تشوّفت إلى ما بعدها ؛ كما جاء في الخبر الصحيح عنه : "إن هذا المال حلوٌ فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة ، وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع" .. وفي محكم التنزيل: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} ..
والنفس كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم ..
وسأل رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ما ألبس من الثياب؟ قال: ما لا يزدريك فيه السفهاء ، ولا يعيبك به الحكماء ..
إذا كان الأمر كذلك أيها الأحبة .. فليس من المسموح به شرعاً في زينة الرجال حلق اللحى ، ولا لبس الحرير ، ولا التختم بالذهب ، ولا إسبال الثياب ؛ ولا أن يطلب بلبسه شهرةً أو فخراً أو مباهاة .. فكل ذلك من الممنوع شرعاً ، وما أسفل من الكعبين ففي النار ..
وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : "من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا . فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان" .. وحسب الناس من القذر والروائح الكريهة هذا التدخين المؤذي ، أسأل الله أن يتوب على كل مبتلى ، ويهدي كل ضال ..

المشاهدات 3013 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا