النضال السعودي لاستعادة الإسلام

النضال السعودي لاستعادة الإسلام


صراع آل سعود الداخلي لاستعادة المبادئ الأساسية للعقيدة الإسلامية من تنظيم القاعدة.

الكاتبة : كاريل مورفي

جلوبال بوست GlobalPost 22 يونيو 2010

ترجمة موقع إسلام ديلي

الرياض، المملكة العربية السعودية- إبراهيم الميمان، عالم مسلم يحظى بالاحترام، ويصف نفسه "ابن" جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قلعة المذهب الإسلامي شديد المحافظة الذي تعتنقه المملكة العربية السعودية.
هذا الوضع يؤهل الميمان للعب دوره الجديد في الصراع الفكري الخطير الذي يجري الآن في المملكة وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي. لقد كلف بتنظيم مؤتمر دولي حول الممارسات الإسلامية القديمة للتكفير. وهذا ليس مجرد مؤتمر علمي، بل جزء من جهود حثيثة يبذلها آل سعود وكبار رجال الدين هناك لاستعادة المفاهيم الأساسية للإسلام التي قام المتطرفون بإساءة تفسيرها. وكلمة تكفير تعني ببساطة الإعلان بأن مسلماً قد أصبح مرتداً، أو كافراً، بسبب ارتكابة سلوك غير إسلامي.
في العقود الأخيرة استخدمت الجماعات المتطرفة كتنظيم القاعدة التكفير- ربما تكون كلمة الإختطاف أفضل- باعتبارها الأساس العقدي للفكر الذي تعتنقه هذه الجماعات لتبرير قتل المسلمين الآخرين.
فقط أطلقت هذه الجماعات مفهوم التكفير في مختلف أرجاء الشرق الأوسط لقتل النساء بسبب الكشف عن شعرهن، ولقتل العراقيين بسبب عملهم مع المحتلين الأمريكيين، وكذلك لقتل الروائيين بسبب كتابة المشاهد المثيرة، ومدراء محطات التلفزة لبثهم المسلسلات الرومانسية، ومسئولي الحكومات لكونهم جزء من الأنظمة التي يسميها هؤلاء المتطرفون أنظمة تكفيرية أو كافرة.
وقال الميمان مؤخراً في ليلة ماطرة في الرياض "خطر هذا الفكر أصبح الآن أشد مما كان عليه في السابق. ويعد الأخطر على الإطلاق لأن كل من يقتنع بهذا الفكر.... يعتقد أنه يجب عليه التعبير عن هذا الاعتقاد من خلال الفعل. وبلغوا مرحلة يدفعون فيها أرواحهم ثمناً لهذا الاعتقاد".
وقد أعطي الميمان مقابلة نادرة لغلوبال بوست GlobalPost وهو يجلس في قاعة الاستقبال الملكية بالجامعة حيث يعمل أستاذاً مساعداً للشريعة الإسلامية. لقد كان يرتدي عباءة سوداء مزينة باللون الذهبي، ولحيته سوداء مرسلة تجسيداً لإتباعة النبي محمد. وقد بدا غاضباً مما يعتقد انه سوء استغلال واسع لمفهوم التكفير بواسطة المتطرفين.
وقال الميمان "إن التكفير في الإسلام له قاعدة تحكمها قوانين خاصة، وهي ليست متروكة هكذا لأهواء الناس وأمزجتهم. وأولاً وقبل كل شيء هو حكم قضائي، وليس مجرد أقاويل يتداولها الناس فيما بينهم ... والمحاكم الشرعية وحدها هي التي يمكنها الفصل وإثبات أن شخص بعينه مرتد".
ووفقا لدائرة معارف "القرآن" وتحت "الإيمان والكفر" فأن كلمة "تكفير" لا توجد في الكتاب المقدس للمسلمين (القرآن). وقد أدين التكفير في كتب الحديث -وهي الراويات التي تتناول أقوال النبي محمد وأفعاله- ويبدو أن هذا المفهوم ظهر عبر التاريخ ونما وتطور في سياق ثقافي وسياسي ليصبح أداة عقدية فاعلة تستخدم لاستبعاد شخص بعينه من جماعة المسلمين.
المؤتمر الذي يعكف الميمان على الإعداد له الآن- سينعقد في سبتمبر في المدينة المنورة - ويهدف إلى استعادة مفهوم التكفير ووضعه في موقع العقدي الصحيح، عن طريق الاستعانة بفكر أفضل العلماء المسلمين من مختلف أنحاء العالم.
وحسب إحدى المطويات التعريفية للمؤتمر "يسعى هذا المؤتمر الذي تشارك الجامعة في رعايته إيجاد "حلول عملية" لظاهرة التكفير التي تسود الآن، والتي تختفي وراء أقنعة مضللة تنسب نفسها زوراً إلى الإسلام، وتبدأ من التطرف الديني وتنتهي بالتفجير".
وهذا المنتدى جزء من حملة حكومية ذات أوجه متعددة للتنديد بما تسميه بالفكر "الضال" للجماعات المتطرفة.
وتتضمن هذه الجهود التي بدأت بعد موجة من الهجمات الإرهابية في المملكة في عامي 2003 و2004، برنامج لإعادة تأهيل المسجونين من أنصار تنظيم القاعدة، وبعض المراجعات اللغوية للمناهج الدراسية، وإصدار الفتاوى الدينية، حيث صدر في الشهر الماضي فتوى من أعلى هيئة دينية في المملكة بتحريم تقديم الدعم المالي للجماعات الإرهابية. كما أن مؤتمر حوار الأديان الذي أطلقه الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2008 في مدريد، كان جزءاً من هذه الجهود الرسمية لتعزيز الاعتدال والتسامح في الإسلام التقليدي.
وقرار الحكومة بالتركيز الآن على التكفير مهم - لمنطقة تؤثر المفاهيم الشرعية في الشعوب المتدينة- لأن التكفير يمنح المتطرفين وسيلة فعالة من الناحية العقدية لتبرير الهجمات ضد الحكومات، والتخلي عن التقاليد الإسلامية السنية التي تحرم الخروج على الحاكم.
ويقول توماس هيغامر Thomas Hegghammer وهو باحث في السياسة الإسلامية في معهد برنستون للدراسات المتقدمة "التكفير هو مفتاح العنف الثوري". والحكومات العربية تخاف منه، لأنه يشرعن العنف ضد هذه الحكومات".
ويضيف هيغامر Hegghammer وهو مؤلف كتاب الجهاد في المملكة العربية السعودية (Jihad in Saudi Arabia) : " في السعودية على سبيل المثال، فإن أكبر مشكلة واجهت تنظيم القاعدة كانت استهداف قوات الأمن. وكان الهدف الأساسي الذي أعلنه تنظيم القاعدة هو مهاجمة الغربيين، ولكن الشرطة السعودية قامت بحماية الغربيين. إذا ما العمل مع قوات الأمن هذه؟ هنا يتدخل التكفير... حسناً يمكننا قتلهم .. لأنهم أيضا كفار".
ويرى بعض الباحثين من أمثال هيغامر Hegghammer مفارقة عجيبة في محاولة الحكومة السعودية للحد من إسراف المتطرفين في استخدام التكفير، لأن هذه الممارسة كانت من الأركان التي قام عليها مذهب شديد المحافظة تعتنقه المملكة والذي يعرف بالمذهب الوهابي.
ويقول هيغامر Hegghammer " في الواقع، وحتى منتصف القرن العشرين، كان هناك عنصر بارز في المدرسة او المؤسسة الوهابية يقوم بتطبيق التكفير بحق مسلمين آخرين" من الذين لا يعتنقون هذا المذهب الزاهد. ولفت الى ان الوهابيين كانوا في القرن الثامن عشر الميلادي، "يقتلون مسلمين آخرين على أساس أنهم مشركين".
وقال ديفيد كومينز David Commins وهو أستاذ التاريخ في كلية ديكنسون في بنسلفانيا ومؤلف كتاب "الرسالة الوهابية والمملكة العربية السعودية The Wahhabi Mission and Saudi Arabia" في القرن التاسع عشر الميلادي قام بعض رجال الدين الوهابية بتحريم السفر إلى العراق أو الكويت على أساس تحريم السفر إلى ديار الكفار ... إنهم يتحدثون عن السفر إلى القاهرة أو بغداد أو دمشق!"
وضع مؤسس الدولة السعودية الحديثة، الملك عبد العزيز بن سعود، حداً للاعتداء الجسدي على المسلمين الآخرين عندما أخضع حلفائه الوهابيين تحت سيطرته في بدايات القرن العشرين. ويستدرك كومينز Commins قائلاً "لا أظن أن المؤسسة الدينية السعودية، والعلماء، قاموا بضبط وتنظيم تعاليمهم في تلك الفترة... ولعل هذا (المؤتمر) يكون جزءاً من هذا التنظيم... وهو على ما يبدو جزء من التكييف أو التوفيق التدريجي والمؤلم للمذهب الوهابي لكي يتعايش في قرية العولمة".
أسرة آل سعود الحاكمة تستمد جزء كبير من شرعيتها من التحالف مع المؤسسة الدينية، والتي كانت على مدى عدة عقود تسمح بنشر مذهب يصفه مسلمون آخرون بأنه مذهب إسلامي متعصب وغير متسامح. وقد تحول هذا التعصب فيما بعد الى الفكر الذي تعتنقه الجماعات المتطرفة كتنظيم القاعدة.
ويتمتع الميمان بوضع جيد يسمح له بانتقاد هذا الفكر. فقد درس منذ تعليمه الثانوي حتى نال درجة الدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أو في واحدة من المدارس التابعة لها. وقد حاز على معرفة عميقة بالفقه الإسلامي، مما يضعه بين علماء الدين الذين يشار إليهم بالبنان في بلاده. وتخصصه الدقيق هو تطبيق الشريعة الإسلامية في القضايا المعاصرة.
وقال الميمان بينما نحن جالسون تحت وهج الثريات المتوهجة بالقاعة الملكية بالجامعة "لقد لوحظ انتشار التكفير في الآونة الأخيرة (وذلك بسبب) ظهور العديد من المنظمات التي تتبناه كمبدأ تعتمد عليه في عملها".
لقد كان يرتدي بشتاً بني اللون، وهي عباءة يرتديها السعوديون من الرجال في المناسبات الرسمية، وغطاء رأس تقليدي مزركش باللون الأحمر (شماغ). وكما هو الحال بالنسبة لمن يتبعون المذهب الإسلامي المحافظ، لم يصافح الميمان زائرته الأنثى. ولكنه كان يبتسم وينظر إليها وهي تطرح عليه الأسئلة.
وأكد مراراً وتكراراً على أن التكفير يخضع حصرياً للمحاكم الشرعية التي تقع تحت إشراف سلطات دينية إسلامية معترف بها
وقال "دعيني أوضح لك مرة أخرى أن المحاكم هي من يتولى الفصل في هذا الأمر ولا يجب استخدام (التكفير) كأداة اتهام أو لنعت المجتمعات. وهو ينطبق على المسلم فقط عندما يرتكب فعلاً يخرجه من دائرة الإسلام. وهذا يسمى بباعث الكفر أو التجديف. ولا تصدر مثل هذه الأحكام إلاّ إذا توافرت الأدلة اللازمة لإصدارها".
وأضاف الميمان "ولكن البعض، يتجاهل هذه القيود الشرعية، ويسيء استخدام التكفير (إما للخروج عن التيار العام، أو لخدمة أهداف معينة، وقد تكون أهداف سياسية)".
وفي إشارة إلى بعض التقارير الغير مؤكدة لوسائل الإعلام عن وجود نقاش حول اعتبار إطلاق التكفير من قبل أشخاص غير مخولين بذلك جريمة جنائية، قال الميمان "يجب أن تكون هناك وقفة حاسمة في هذه المسألة، خصوصاً عندما نرى الفوضى التي يخلقها الناس عندما يصدرون فتاوى التكفير". وأضاف "وخطورة التكفير تكمن في أنه يأخذهم إلى مستوى جديد من المواجهة. ولهذا يجب أن يكون محصوراً لدى السلطات الدينية".
ولكن وحتى ضمن مجتمع رجال الدين، يساء استخدام التكفير لإدانة سلوك لا يعتبره أغلب المسلمين خطأ أو محرم بشكل واضح في الشريعة الإسلامية. فمثلاً، عبد الرحمن البراك، وهو شيخ طاعن في السن، ومن الشيوخ المحافظين، أعلن مؤخراً أن كل من يسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء في الأماكن العامة فهو مرتد، ويجب قتله، اذا لم يتراجع عن ذلك. وهذه فتوى في غير محلها لأن الملك نفسه قام بافتتاح جامعة مختلطة في الخريف الماضي. وفتوى البراك التكفيرية لاقت ردود أفعال مختلفة من زملائه من رجال الدين. فقد أيدها بعضهم، وانتقدها البعض الآخر.
وتأكيد الميمان على دور المحاكم يبين كيف أن المعركة التي تدور للتحكم بالتكفير أصبحت جزءاً من صراع أكبر يدور في الإسلام العاصر: فمن الذي يملك الصلاحية ليتحدث باسم هذا الدين العالمي؟ وخلافاً لمعظم الطوائف المسيحية، فإن الإسلام لا يستند إلى مرجعية أو تسلسل هرمي أو مؤسسة دينية رسمية تتولى إصدار الفتاوى الدينية الحاسمة. وأفضل ما يمكن أن يعول عليه في الفصل في الكثير من القضايا المثيرة للجدل، هو الإجماع.
ويلاحظ كومينز Commins أن المؤتمر المزمع انعقاده "يحاول تعزيز مفهوم ؛ أن الإعلان بكفر شخص بعينه يعتمد على نوع معين من السلطة... ويستند إلى دراسة دينية معمقة بان المؤسسة الدينية السعودية هي التي تعنى بهذا الأمر. ويقولون أن الذين يطلقون التكفير ليسوا خبراء في النصوص الدينية. ولذلك يرجع الأمر مرة أخرى إلى من يملك السلطة لتفسير هذه النصوص".
ويضيف هيغامر Hegghammer: "والأمر هنا لا يتعلق بالتكفير في حد ذاته، بل يتعلق بخصخصة هذا التكفير، والسلطة التي تخولك للقول بأن هذا صواب وهذا خطأ في الإسلام. ولعل هذه هي المعركة الأحدث في خضم النزاع الطويل الذي يجرى على مدى خمسين عاماً بين رجال الدين والعوام. "
والندوة التي ستقام في سبتمبر القادم يشارك في رعايتها أيضاً مؤسسة تدعى جائزة نايف بن عبد العزيز للسنة والدراسات الإسلامية المعاصرة، وسيحضرها الملك عبد الله وكذلك الأمير نايف، وهو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء. وقال الميمان "إن هذه الندوة تمثل الإسلام ككل، وليس جماعة أو دولة بعينها" والدعوة إلى تقديم أوراق في هذه الدورة استجاب لها 450 ورقة، وسيتم تصفيتها إلى حوالي 80 ورقة لتقديمها بشكل رسمي.
وقال "الحمد لله تلقينا استجابة كبيرة من العديد من الدول، ليس من الدول الإسلامية وحسب، بل من دول أخرى غير إسلامية، بينها الولايات المتحدة وأستراليا وبعض الدول الأوربية. وأضاف أن هناك بين المشاركين علماء غير مسلمين.
والسؤال الأساسي بطبيعة الحال هو، ما هو حجم تأثير هذا المؤتمر على الشباب الذين هم عرضة للوقوع في شراك التطرف. قال الميمان أنهم فكروا في ذلك، ولم يشاءوا أن يكون هذا المؤتمر مجرد حفنة من الأوراق يتم تقديمها خلال فترة زمنية معينة. ولذلك سيكون هناك معرض عن مخاطر التكفير، وكتب وموقع على الإنترنت لبدء الحوار مع الشباب".
ويتمنى الميمان أن يسهم المؤتمر في تحسين العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، فقد أصبح العالم الآن قرية صغيرة، وأن المسلمين في حاجة إلى التواصل مع الأمم الأخرى. ولذلك نحن في حاجة إلى إظهار روح الإسلام الطيبة. حيث أن الآراء السلبية ألحقت بالإسلام ضرراً بليغاً، وخصوصاً في الحالات التي يعتقد فيها المرء أنه سفير للمسلمين، بينما هو في واقع الأمر ليس كذلك".


المصدر: موقع إسلام ديلي
المشاهدات 1753 | التعليقات 0