النصيريون.. ودعوى التصدي والممانعة

النُّصَيْرِيُّونَ.. وَدَعْوَى التَّصَدِّي وَالْمُمَانَعَةِ
21/5/1433

الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى؛ مُسْبِغِ النَّعْمَاءِ، وَرَافِعِ الْبَلَاءِ، وَكَاشِفِ الْكَرْبِ، وَمُزِيلِ الْعُسْرِ؛ [يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ] {الرعد:2}، نَحْمَدُهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَنَشْكُرُهُ فِي الْعَافِيَةِ وَالابْتِلَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ حَكِيمٌ فِي أَفْعَالِهِ، لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ، عَظِيمٌ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، لَا يُقَدِّرُ لِلْمُؤْمِنِ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ؛ فَمَنْ رَضِيَ أَعَانَهُ وَسَدَّدَهُ، وَمَنْ سَخِطَ خَذَلَهُ وَوَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ؛ فَسَاءَ ظَنُّهُ، وَزَاغَ قَلْبُهُ، وَخَابَ سَعْيُهُ؛ [وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ] {الزُّمر:23}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ تَعَالَى، عَظِيمَ الرَّجَاءِ فِيهِ سُبْحَانَهُ، لَا يَرَى الْأَعْدَاءُ أَطْبَقُوا عَلَيْهِ إِلَّا أَيْقَنَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَاعِلٌ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَفِي الْغَارِ أَحَاطَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى بَابِ الْغَارِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوُ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا! قَالَ: اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللهُ ثَالِثُهُمَا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وَجُوهَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوبَكُمْ، فَلَا تَخُافُوا غَيْرَهُ، وَلَا تَرْجُو سِوَاهُ، اعْبُدُوهُ فِي الرَّخَاءِ وَالنِّعْمَةِ، وَلُوذُوا بِهِ فِي الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ ظَنِّ عِبَادِهِ بِهِ، فَإِنْ ظَنُّوا خَيْرًا فَلَهُمْ، وَإِنْ ظَنُّوا غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ، وَبِئْسَ مَا ظَنُّوا، إِنْ ذَكَرُوهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَهُمْ، وَإِنْ دَعَوْهُ اسْتَجَابَ لَهُمْ؛ [وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] {الحديد:4}.
أَيُّهَا النَّاسُ: لَا خَطَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَشَدُّ مِنْ خَطَرِ النِّفَاقِ، وَلَا كَيْدَ لِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ أَعْظَمُ مِنْ كَيْدِ الْمُنَافِقِينَ؛ فَلَقَدْ فَعَلُوا مَا عَجَزَ عَنْهُ الْكَافِرُونَ، وَحَقَّقُوا مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ يُحَقِّقْهُ غَيْرُهُمْ، وَبَلِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ عَظِيمَةٌ، وَامْتِحَانُهُمْ بِوُجُودِهِمْ كَبِيرٌ، وَهُمْ أَشَدُّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُجَاهِرِينَ بِكُفْرِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: [هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ] {المنافقون:4}، وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي الْحَصْرَ، وَهُوَ مِنْ إِثْبَاتِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْأَحَقِّيَّةِ بِالْعَدَاءِ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْكُفَّارَ أَيْضًا أَعْدَاءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ وَلِذَا كَانَ الْمُنَافِقُونَ َمُتَوَعَّدِينَ بِأَشَدِّ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ [إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا] {النساء:145}.
لَقَدْ كَادُوا لِدُوَلِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا؛ فَسَقَطَ الْقُدْسُ فِي أَيْدِي الصَّلِيبِيِّينَ بِسَبَبِ خِيَانَتِهِمْ، وَاضْمَحَلَّتْ دَوْلَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَقُتِلَ أَشْرَافُهُمْ بِمُؤَامَرَاتِهِمْ وَمُكَاتَبَاتِهِمْ لِلتَّتَرِ الْغَازِينَ، وَتَفَكَّكَتْ دَوْلَةُ بَنِي عُثْمَانَ عَلَى أَيْدِيهِمْ، حِينَ نَخَرُوهَا مِنْ دَاخِلِهَا فَأَسْقَطُوهَا، فَقُسِّمَتْ دَوْلَةُ الْإِسْلَامِ إِلَى دُوَلٍ شَتَّى، وَنَثَرَ الاسْتِعْمَارُ الْصَّلِيبِيُّ الْمُنَافِقِينَ فِي كُلِّ شِبْرٍ مِنْهَا؛ عُيُونًا لَهُمْ، وَعَوْنًا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ.
وَلِلْمُنَافِقِينَ شِعَارَاتٌ يَهْتِفُونَ بِهَا، وَمَذَاهِبُ وَأَفْكَارٌ يُؤَسِّسُهَا الْغَرْبُ لَهُمْ فَيَنْتَحِلُونَهَا، وَيَدْعُونَ إِلَيْهَا، وَيَخْدَعُونَ النَّاسَ بِهَا، وَإِبَّانَ سُقُوطِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ كَانَ شِعَارُهُمُ الْقَوْمِيَّاتِ الْجَاهِلِيَّةَ مُعْجُونَةً بِالْأَفْكَارِ الْإِلْحَادِيَّةِ؛ مِنْ بَعْثِيَّةٍ وَاشْتِرَاكِيَّةِ وَنَحْوِهَا، خَدَعَهُمُ الْغَرْبُ بِهَا، حَتَّى مَكَّنَ لِلدَّوْلَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَخَذَلَهُمْ، وَتَشَكَّلَ وَقْتَهَا مَا سُمِيَّ بِـ: دُوَلِ الْصُّمُودِ وَالتَّصَدِّي، وَهَزَمَهَا الْيَهُودُ شَرَّ هَزِيمَةٍ، فِيمَا عُرِفَ بِالنَّكْسَةِ، وَكَانَ النِّظَامُ النُّصَيْرِيُّ الْبَعْثِيُّ يُظْهِرُ الْعِدَاءَ لِلْيَهُودِ فِي الْعَلَنِ، وَهُوَ الَّذِي سَلَّمَ الْجُولَانَ لَهُمْ بِلَا حَرْبٍ، وَطعَنَ الْمُقَاوِمِينِ فِي ظُهُورِهِمْ!
وَلَمَّا أَجَبْرَ الْغَرْبُ دُوَلَ الطَّوْقِ عَلَى دُخُولِ بَيْتِ الطَّاعَةِ الْيَهُودِيِّ، وَخَرِسَتْ أَبْوَاقُ الْقَوْمِيَّةِ عَنِ ادِّعَاءِ الْبُطُولَاتِ عَقِبَ النَّكْسَةِ، كَانَ الْغَرْبُ قَدْ هَيَّأَ الْبَاطِنِيِّينَ لِيَكُونُوا بَدِيلًا لِلْقَوْمِيِّينَ الْمُنْهَزِمِيِّنَ؛ إِذْ جَاؤُوا بِالْخُمْيَنِيِّ البَاطِنِيِّ وَهُوَ فِي التَّقْيِيمِ الغَرْبِيِّ دَينِيٌّ مُتَعَصِّبٌ مُتَزَمِّتٌ، لَا يَرُوقُ لَهُمْ، جَاؤُوا بِهِ مِنْ فَرَنْسَا بَلَدِ العَلْمَانِيَّةِ؛ لِيَخْلُفَ الشَّاهْ العَلْمَانِيَّ التَّغْرِيبِيَّ؛ إِيذَانًا بِبَدْءِ مَرْحَلَةٍ جَدِيدَةٍ يُرِيدُهَا الغَرْبُ، وَهِيَ ضَرْبُ الإِسْلامِ بِالأَقَلِيَّةِ البَاطِنِيَّةِ فِي العَالَمِ الإِسْلامِيِّ، وَلاَ سِيَّمَا أَنَّ الشُّعُوبَ المُسْلِمَةَ عَادَتْ إِلَى الدِّينِ بَعْدَ إِفْلاسِ القَوْمِيَّةِ وَهَزِيمَتِهَا عَلَى يَدِ الْيَهُودِ، وَلاَ يُضْرَبُ الدِّينُ إِلاَّ بِالدِّينِ، وَالعَلْمَانِيَّةُ لاَ تَسْتَطِيعُ وَحْدَها مُوَاجَهَةَ الإِسْلامَ الصَّاعِدَ فِي المِنْطَقَةِ.
وَتَمَّ تَرْكِيعُ دُوَلِ الطَّوْقِ، وَاسْتِسْلامُهَا لِلْإِمْلاءَاتِ الْيَهُودِيَّةِ، والعَالَمُ العَرَبِيُّ خَلْفَهَا، إِلَّا النِّظَامَ النُّصَيْرِيَّ، وَالدَّوْلَةَ الصَّفَوِيَّةَ البَاطِنِيَّةَ، وَابْنَهَا حِزْبَ الشَّيْطَانِ فِي لُبْنَانَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنْظِمَةَ البَاطِنِيَّةَ كَانَتْ تَكْتَسِحُ الشَّارِعَ الإِسْلاَمِيَّ بِمَا تُظْهِرُهُ مِنْ مُقَاوَمَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَتَعِدُهُمْ بِالإِبَادَةِ وَالزَّوَالِ، وَتُطْلِقُ شِعَارَاتٍ تُدَغْدِغُ مَشَاعِرَ النَّاسِ، وَكَانَتْ أَبْوَاقُهَا الإِعْلامِيَّةُ تَصْدَحُ بِالبُطُولاَتِ، وَتُعْلِنُ التَّصَدِّي وَالصُّمُودَ حَتَّى عُرِفَتْ بِهِ، لَكِنَّهَا لَمْ تُطْلِقْ رَصَاصَةً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ تَزْعُمُ مُقَاوَمَتَهُمْ!
وَكَانَ النَّاصِحُونَ مِنْ أَبْنَاءِ الأُمَّةِ، المُطِّلِعُونَ عَلَى حَقِيقَةِ المَذَاهِبِ البَاطِنِيَّةِ يُحَذِّرُونَ النَّاسَ مِنَ الخَدِيعَةِ بِالبَاطِنِيِّينَ، وَيُبَيِّنُونَ عَدَاوَتَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلاَ سَامِعَ لَهُمْ إِلَّا القَلِيلُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى انْكَشَفَ الغِطَاءُ، وَظَهَرَتْ حَقِائِقُ القَوْمِ، وَبَانَ أَنَّ عَدَاءَهُمْ لِلْغَرْبِ، وَمُمَانَعَتَهُمْ لِلْيَهُودِ مَا هِيَ إِلَّا شِعَارَاتٌ فِي العَلَنِ، وَفِي السِّرِّ لِقَاءَاتٌ وَاتِّفَاقَاتٌ، وَتَآمُرٌ عَلَى المُسْلِمِينَ.
لَقَدْ كَانَ النِّظَامُ النُّصَيْرِيُّ يُفَاخِرُ بِأَنَّهُ الوَحِيدُ البَاقِي مِنْ دُوَلِ الطَّوْقِ العَرَبِيِّ عَلَى المُمَانَعَةِ، وَلَمْ يَتَخَلَّ عَنْهَا، وَلَمْ يَرْضَخْ لِلْيَهُودِ، وَلَمْ يُدَنِّسْ حُكَّامُهُ أَيْدِيَهُمْ بِمُصَافَحَةِ الصَّهَايِنَةِ كَمَا يَقُولُونَ، وَهُوَ الآنَ نِظَامٌ يَذْبَحُ أَهْلَ السُّنَّةِ مِنَ الْوَرِيدِ إِلَى الْوَرِيدِ بِاسْمِ الصُّمُودِ وَالتَّصَدِّي فِي وَجْهِ الْيَهُودِ، وَبِاسْمِ المُمَانَعَةِ مِنَ الصُّلْحِ وَالاتِّفَاقِ مَعَهُمْ، وَيَرَى أَنَّ هَذِهِ الثَّوْرَةَ مُؤَامَرَةٌ يَهُودِيَّةٌ غَرْبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ النِّظَامُ الوَحِيدُ المُمَانِعُ؟!
فَهَلْ مَا يَدَّعِيهِ النِّظَامُ النُّصَيْرِيُّ حَقِيقَةٌ؟ وَهَلْ كَانَ نَزِيهًا فِي تَعَامُلاتِهِ مَعَ الأَعْدَاءِ؟ وَهَلْ مَا يُبْدِيهِ وَمَا يُخْفِيهِ سَوَاءٌ؟
تَعَالَوْا لِنَقْرَأَ شَيْئًا مِنَ التَّارِيخِ الَّذِي كَانَ مَخْفِيًّا ثُمَّ كُشِفَ، وَقَدْ كَشَفَهُ سِيَاسِيُّونَ وَصَحَفِيُّونَ غَرْبِيُّونَ وَيَهَودٌ تَعَامَلُوا مَعَ رُؤُوسِ النِّظَامِ النُّصَيْرِيِّ فِي السِّرِّ، وَدَوَّنُوا ذَلِكَ فِي مُذَكِّرَاتِهِمْ.
كَتَبَ أَحَدُ عُتَاةِ الصَّهَايِنَةِ المُتَعَصِّبِينَ أَنَّهُ قَابَلَ الأَسَدَ الهَالِكَ قَبْلَ رُبْعِ قَرْنٍ وَقَالَ: لَقَدِ اقْتَنَعْتُ أَنَّ الأَسَدَ يُمْكِنُ التَّعَامُلُ مَعَهُ، وَذَكَرَ نِيكْسُونْ فِي مُذَكِّرَاتِهِ أَنَّ حَافِظَ الأَسَدِ كَانَ مُتَصَلِّبًا فِي مَوَاقِفِهِ العَلِنِيَّةِ، لَكِنَّهُ فِي السِّرِّ يَخْتَلِفُ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ: إِنَّ الأَسَدَ تَخَطَّى تَوَقُّعَاتِي مِنْ خِلالِ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ كِيسِنْجَرْ حَوْلَهُ... وَإِذَا تَجَنَّبَ الاغْتِيَالَ أَوِ الإِطَاحَةَ بِهِ فأَنَّهُ يُمْكِنُنَا الاعْتِمَادُ عَلَيْهِ.
وَكَانَ كِيسِنْجَرْ يَقُولُ: إِنَّ دُخُولَ الجَيْشِ السُّورِيِّ فِي لُبْنَانَ لَمْ يُعَرِّضِ المَصَاَلِحَ الأَمْرِيكِيَّةَ لِلْخَطَرِ.
وَأَعَدَّ كَاتِبٌ صَهْيَوْنِيٌّ دِرَاسَةً سِيَاسِيَّةً إِحْصَائِيَّةً عَنْ سُورِيَّا ولُبْنَانَ فِيمَا بَيْنَ عَامَيْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ وَإِحْدَى وَثَمَانِينَ مِيلاَدِيَّةً خَلصَ فِيهَا إِلَى الْتِقَاءٍ وَتَطَابُقٍ فِي المَصَالِحِ بَيْنَ سُورِيَّا وَإِسْرَائِيلَ حَوْلَ لُبْنَانَ وَمُنَظَّمَةِ التَّحْرِيرِ الْفِلَسْطِينيَّةِ مِمَّا مَهَّدَ الطَّرِيقَ لِلْوِفَاقِ بَيْنَهُمَا، ولَقَدْ صَدَقَ فِيمَا قَالَ وَلَوْ كَانَ عَدُوًّا؛ لِأَنَّ المَذَابِحَ الَّتِي فَعَلَهَا الجَيْشُ النُّصَيْرِيُّ وَمُنَظَّمَةُ أَمَلٍ الرَّافِضِيَّةُ بِالْفِلَسْطِينِيِّينَ فِي المُخَيَّمَاتِ اللُبْنَانِيَّةِ تُؤَكِّدُ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ كِيسِنْجَرْ فِي مُذَكِّرَاتِهِ أَنَّ الهَالِكَ الأَسَدَ كَانَ يَخَافُ مِنَ الشَّعْبِ السُّورِيِّ حَتَّى مِنْ أَقْرَبِ مُعَاوِنِيهِ، وأَنَّهُ فِي المُحَادَثَاتِ الدَّقِيقَةِ يَطْلُبُ مُتَرْجِمِينَ أَجَانِبَ، وَلَا يَسْمَحُ لِأَحَدٍ مِنَ السُّورِيِّينَ حُضُورَ تِلْكَ المُحَادَثَاتِ السِّرِّيَّةَ، وَذَكَرَ أَنَّ الأَسَدَ قَالَ لَهُ يَوْمًا: مَاذَا يُرِيدُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ؟! لَقَدْ وَافَقْنَا عَلَى مَطَالِبِهِمْ، وَلَنْ نَمَسَّ أَيَّ مُسْتَعْمَرَةٍ إِسْرَائِيلِيَّةٍ. اهـ.
هَذَا هُوَ رَمْزُ التَّصَدِّي وَالصُّمُودِ!! يَا لِلْخَدِيعَةِ وَالفَضِيحَةِ!
وَلاَ بُدَّ أَنْ نَسْتَحْضِرَ وَنَحْنُ نَقْرَأُ هَذَا الكَلامَ الوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ؛ إِذْ كَانَ فِي السَّبْعِينيَّاتِ المِيلاَدِيَّةِ، وَهِيَ ذِرْوَةُ العِدَاءِ العَرَبِيِّ الْيَهُودِيِّ، فَيَا لَهَا مِنْ خِيَانَةٍ بَاطِنِيَّةِ لِلْقَوْمِيِّينَ المُغَفَّلِينَ.
وَاسْتَأْجَرَ الأَسَدُ الهَالِكُ الصَّحَفِيَّ البِريطَانِيَّ بَاتْرِيكْ سِيلْ؛ لِيَكْتُبَ سِيرَتَهُ وَيُلَمِّعَهُ فِيهَا، فَكَتَبَهَا، فَانْتَقَدَهُ وَزِيرٌ فِي الدَّوْلَة الْيَهُودِيَّة بِسَبَبِ أَنَّهُ فِي تَلْمِيعِهِ لِلْهَالِكِ الأَسَدِ ذَكَرَ أَنَّ الأَسَدَ كَانَ مُسْتَعِدًّا لِلدُّخُولِ فِي صَفْقَةٍ مَعَ إِسْرَائِيلَ، وَعَيَّرَ الوَزِيرُ الْيَهُودِيُّ الصَّحَفِيَّ بأَنَّهُ مُسْتَأْجَرٌ لِكِتَابَةِ سِيرَةِ الأَسَدِ، وَفِي أَثْنَاءِ المَشَادَّةِ الكَلاَمِيَّةِ ذَكَرَ الوَزِيرُ الْيَهُودِيُّ أَنَّهُ قَابَلَ الأَسَدَ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّ لِقَاءَاتِ الأَسَدِ لَيْسَتْ كُلَّهَا مُعْلَنَةً.
هَذَا كُلُّهُ أَيَّامَ التَّصَدِّي وَالْمُوَاجَهَةِ، وَقَبْلَ الاتِّفَاقِيَّاتِ العَرَبِيَّةِ المُتَوَالِيَةِ مَعَ الدَّوْلَةِ الْيَهُودِيَّةِ؛ لِنَعْلَمَ أَنَّ التَّصَدِّي البَاطِنِيَّ لَمْ يَكُنْ يَوْمًا ضِدَّ الْيَهُودِ، وَإِنَّمَا هُوَ ضِدُّ المُسْلِمِينَ، وَلاَ عَزَاءَ لِلْمَخْدُوعِينَ، الَّذِينَ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الأَعْدَاءِ البَاطِنِيِّينَ بِسَذَاجَةٍ وَحُسْنِ نِيَّةٍ، وَيُبْعِدُونَ الْقُرْآنَ عَنْ مَيْدَانِ المَعْرَكَةِ، مَعَ أَنَّ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى هَدَىً فِي كُلَّ شَيْءٍ، وَفِيهِ بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ المُنَافِقِينَ، وَيَكْفِي وَنَحْنُ نُطَالِعُ هَذِهِ الخِيَاناَتِ المُتَتَابِعَةِ الَّتِي اضْطَلَعَ بِهَا النِّظَامُ النُّصَيْرِيُّ فِي سَنَوَاتِ التَّصَدِّي وَالْمُوَاجَهَةِ، ثُمَّ فِي سَنَوَاتِ المُمَانَعَةِ.. يَكْفِي أَنْ نَقْرَأَ وَصْفَ اللهِ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ: [يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ] {آل عمران:154}، هَذِهِ الجُمْلَةُ العَظِيمَةُ تَخْتَصِرُ كُلَّ لِقَاءَاتِ الخِيَانَةِ الأَسَدِيَّةِ مَعَ الدَّوْلَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَحُلَفَائِهَا، وَلاَ عَزَاءَ لِلْمَخْدُوعِينَ، كَفَانَا اللهُ تَعَالَى شَرَّ النِّفَاقِ وَالمُنَافِقِينَ، وَرَدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْرِفُوا حَقِيقَةَ أَعْدَائِكِمْ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بذَلِكَ؛ فقَالَ سُبْحَانَهُ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ] {النساء:71}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدْ فَضَحَتْ أَحْدَاثُ الشَّامِ مَا يُسَمَّى بِدُوَلِ التَّصَدِّي وَالمُمَانَعَةِ، وَكَشَفَتْ عَنْ تَوَاطُئٍ غَرْبِيٍّ شَرْقِيٍّ يَهُودِيٍّ عَلَى أَهَلِ السُّنَّةِ فِي الشَّامِ لِإِبَادَتِهِمْ، فَالشَّرْقُ الشُّيُوعِيُّ يَدْعَمُ فِي العَلَنِ، وَالغَرْبُ يُخَدِّرُ أَهَلَ السُّنَّةِ بِالوُعُودِ وَالمُبَادَرَاتِ، وَمَسْئُولُ الرُّوسِ يُسَوِّغُ فِعْلَ دَوْلَتِهِ بِخَوْفِهِ مِنْ تَمَكُّنِ أَهَلِ السُّنَّةِ فِي الشَّامِ، وَقَبْلَهُ صَرَّحَ مَسْؤُولٌ فِي الدَّوْلَةِ الَّتِي تُمَثِّلُ شُرَطِيَّ العَالَمِ الْيَوْمَ بأَنَّهُ: عِنْدَمَا يَهْوِي نِظَامُ الأَسَدِ، سَتَأْتِي حُكُومَةٌ بِهَا غَالِبِيَّةٌ سُنِّيَّةٌ فِي دِمَشْقَ، وَبِهَذَا يَكْتَمِلُ قَوْسُ الإِسْلامِ السُّنِّيِّ فِي المِنْطَقَةِ؛ لِيَقِفَ ضِدَّ الشِّيعَةِ فِي العَالَمِ.
وَمَسْؤُولُ الأَمْنِ القَوْمِيِّ الصَّهْيَوْنِيِّ يُصَرِّحُ بأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ الأَسَد فَإِنَّ إِسْرَائِيلَ سَتَسْقُطُ؛ وَلِذَا فَلاَ عَجَبَ أَنْ يُصَرِّحَ المَسْؤُول الرُّوسِيُّ بِأَنَّ: "المَوْقِفَ الدَّوْلِيَّ حَوْلَ مَا يَجْرِي فِي سُورِيَّةَ مُوَحَّدٌ"!
نَعَمْ، إِنَّهُ مَوْقِفٌ مُوَحَّدٌ قَدْ وُزِّعَتْ فِيهِ الأَدْوَارُ بَيْنَ الكِبَارِ لِتَمْكِينِ النُّصَيْرِيِّينَ مِنْ ذَبْحِ أَهَلِ السُّنَّةِ وَإِبَادَتِهِمْ، وَهُنَا فَقَطْ خَرِسَتِ الأَصْوَاتُ اللِّيبْرَالِيَّةُ وَالتَّنْوِيرِيَّةُ الَّتِي كَانَتْ مِنْ قَبْلُ تُحَذِّرُ مِنَ التَّنَاوُلِ الطَّائِفِيِّ لِلْمَسَائِلِ السِّيَاسِيَّةِ عِنْدَمَا كَانَ شُيُوخُ أَهَلِ السُّنَّةِ يُحَذِّرُونَ مِنَ المَدِّ البَاطِنِيِّ فِي المِنْطَقَةِ، فَمَا بَالُهُمْ لاَ يَنْطِقُونَ الآنَ، وَهُمْ يَرَوْنَ المَذَابِحَ الطَّائِفِيَّةَ تَكْسُو أَرْضَ الشَّامِ دَمًا مَسْفُوحًا، وَجُثَثًا مُقَطَّعَةً، وَبَشَرًا يُحْرَقُونَ، وَضَعَفَةً يَسْتَغِيثُونَ، قَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا المَلاحِدَةُ الرُّوسُ مَعَ الفُرْسِ الصَّفَوِيِّينَ مَعَ بَاطِنِيَّةِ العِرَاقِ وَلُبْنَانَ عَلَى أَهَلِ السُّنَّةِ فِي سُورِيَّا ذَبْحًا وَقَنْصًا وَقَصْفًا وَتَدْمِيرًا، وَالغَرْبُ يَغُلُّ أَيْدِي العَرَبِ عَنْ تَقْدِيمِ العَوْنِ لِإِخْوَانِهمُ المَنْكُوبِينَ! تِلْكَ هِيَ الطَّائِفِيَّةُ الَّتِي سَكَّهَا الغَرْبُ فِي مَعَامِلِهِ البَحْثِيَّةِ، وَقَذَفَ بِهَا سِلاحًا يَرْمِي بِهِ البَاطِنِيُّونَ غَيْرَهُمْ، وَيُؤَازِرُهُمْ عَلَيْهَا اللِّيبْرَالِيُّونَ وَالتَّنْوِيرِيُّونَ، لَكِنْ لاَ أَحَدَ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُ الآنَ عَنْ المَذَابِحِ الصَّفَوِيَّةِ والنُّصَيْرِيَّةِ الطَّائِفِيَّةِ فِي العِرَاقِ وَسُورِيَّا!
وَلَوْ كَانَ الغَرْبُ صَادِقًا فِي قَلَقِهِ مِنْ نَوَوِيِّ الدَّوْلَةِ الصَّفَوِيَّةِ لَكَانَ إِسْقَاطُ النِّظَامِ النُّصَيْرِيِّ فُرْصَتَهُ السَّانِحَةَ لِإِضْعَافِ الصَّفَوِيِّينَ، وَقَطْعِ أَذْرِعَتِهِمُ المُمْتَدَّةِ فِي المِنْطَقَةِ، ولَكِنَّهَا حِيَلُ الغَرْبِ وَمُخَادَعَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
إِنَّ أهَلَ الشَّامِ الْيَوْمَ يَقِفُونَ رَدْءًا لِلْأُمَّةِ ضِدَّ المَشْرُوعِ الصَّفَوِيِّ، وَكَسْرُهُمْ لِلنُّصَيْرِيِّينَ سَيَكُونُ كَسْرًا لِلْهِلالِ البَاطِنِيِّ الَّذِي زَرَعَهُ الغَرْبُ لِتَطْوِيقِ بِلادِ المُسْلِمِينَ، وَإِنَّ الأَيَّامَ القَادِمَةَ حُبْلَى بِأَحْدَاثٍ عَظِيمَةٍ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهَا خَيْرًا لِلْإِسْلامِ والمُسْلِمِينَ، فَانْصُرُوا إِخْوَانَكُمْ فِي بِلادِ الشَّامِ بِمَا تَسْتَطِيعُونَ مِنْ نُصْرَةٍ، وَأَكْثِرُوا لَهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ كَرْبَهُمْ شَدِيدٌ، وَإِنَّ مِحْنَتَهُمْ عَظِيمَةٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ الأَعْدَاءُ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ، وَهُمْ مَعْقِدُ الأُمَّةِ وَأَمَلُهَا بَعْدَ اللهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ الحَرِجَةِ، وَنَصْرُهُمْ عِزٌّ لِلْإِسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ، وَكَسْرٌ لِلْبَاطِنِيِّينَ، وَإِضْعَافٌ لِلْمَشَارِيعِ الصَّلِيبِيَّةِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ فِي المِنْطَقَةِ، وَإِنَّنَا لَنَرْجُو لَهُمُ النَّصْرَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَنَسْتَبْشِرُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: [كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:249}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: [وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ] {الصَّف:13}، وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: [وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ] {آل عمران:126}.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ..
المرفقات

النصيريون ودعوى التصدي والممانعة.doc

النصيريون ودعوى التصدي والممانعة.doc

النصيريون_ودعوى_التصدي_والممانعة.doc

النصيريون_ودعوى_التصدي_والممانعة.doc

المشاهدات 3068 | التعليقات 4

بارك الله فيك ونفع بك..


خطبة موفقة

جزاك الله خيرا يا شيخ إبراهيم وأسأل الله أن ينفع بك القاصي والداني إنه جواد كريم


جزاك الله خيرا
موضوع مهم قل من تطرق له ونبه المسلمين عنه


الإخوة الكرام والمشايخ الفضلاء: الشمراني ومازن وشبيب.. أشكركم جزيل الشكر على مروركم وتعليقكم على الخطبة، وأسأل الله تعالى أن ينفع بكم وأن يكتب أجركم ويعلي قدركم وأن ينفع بكم..آمين.