النزاهة والمال العام + موافقة للتعميم
صالح عبد الرحمن
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله أنعَمَ علينا بالأموالِ، وفَّق من شاءَ لِكَسْبِها بالحلالِ، أَشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له ذو العظمةِ والجلالِ, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وآلهِ وأصحابِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومٍ الْمآل. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ في أنفسِكم وأعمالِكم وأموالِكم: يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأرْضِ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ .
عبادَ اللهِ: المَالُ زينةُ الحَيَاةِ الدُّنيا، وَهُوَ لا يطلبُ لذاتِهِ، لأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لا غَايَةٌ، فَمَا أَسْعَدَ مَنْ كَسَبَ طيِّباً! وَمَا أَشقَى مَنْ كَسَبَهُ مِن الحَرامِ! فإنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ .صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليكَ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتَ:( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلالِ أَمْ مِنْ الحَرامِ) رَواهُ البُخَارِيُّ. فَكَيفَ سَيُواجِهُونَ اللهَ تَعَالىَ مَنْ يَستَدِينُونَ ولا يُوفُونَ! ويَسْرِقُونَ ويَغُشُّونَ! مَنْ يَستَعمِلُونَ الأَيمَانَ الفَاجِرَةَ! ليُنَفِّقُوا السِّلَعَ وَيُغَرِّروا بالمُشتَرِينَ! كَيفَ سَيُواجِهُونَ اللهَ مَنْ يَتَخَوَّضُونَ بِالحَرَامِ, وَيُزَوِّرُونَ فِي العُقُودِ.
وَرَسُولُنا قَالَ:(يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتِ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ, النَّاسُ غَادِيَانِ: فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا). صَحَّحَهُ الألبانِيُّ.
عبادَ اللهِ: رَسُولُ اللهِ كَمَا في الصَّحِيحَينَ قالَ:(وَاللهِ مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ). وفي رِوايَةٍ (وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ). مَنْ تَأمَّلَ هذا رَأَى بأُمِّ عَينِهِ كَيفَ تَقَحَّمَ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ الحَرَامَ, وَاجْتَرَأوا على الأَمْوالِ العَامَّةِ! كَفَاهُم خِزْيَاً أنَّهُمْ اُتِّهِمُوا على رُؤوسِ الأشْهَادِ!
وَالْمَالُ الْحَرَامُ دَخْلٌ مَشْؤُومٌ، وَهُوَ أَخْطُرُ عَلَى بَنِي آدَمَ مِنَ السُّمُومِ، فَإِنَّهُ يَقْصِمُ الْأَعْمَارَ، وَيُخَرِّبُ الدِّيَّارَ، وَيُورِثُ الْخِزْيَ وَالْعَارَ، وَيَكُونُ وَقُودًا عَلَى صَاحِبِهِ فِي النَّارِ.
فاللهمَّ أَغْنِنَا بِحَلالِكَ عن حَرَامِكَ وبفضلِكَ عمَّن سواكَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِر المُسلمين من كلِّ ذنَّبٍ فاستغفروهُ وتُوبوا إليهِ إنَّ ربَّي غفورٌ رحيمٌ.
الخطبةُ الثانية :
الحمدُ لله أَغْنَانَا بِحلالهِ عن حرامِهِ، وبِفضلِهِ عمَّن سِواهُ, أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهَ، وَأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الَّلهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِهِ ومَنْ اهتدى بِهداهُ. أمَّا بعد: فأوصيكم: ونفسي بتقوى اللهِ, ثُمَّ اعلموا أنَّ قيمةَ المُسلمِ ليست بِكثرةِ أموالِهِ. في صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ). ثُمَّ تَذَكَّرُوا كَذلكَ: أَنَّهُ ليسَ للمُسلِمِ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا أَكَلَ فَأَفنَى، أو لَبِسَ فَأبلَى، أو تَصَدَّقَ فأمضى وأبقى! حَقَّاً لقد جَعَلَ اللهُ المالَ فتنةً لنا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ .والمَالُ النَّافِعُ ما نُقَدِّمُهُ لأنفسِنا ذُخْرًا لَنَا عِندَ ربِّنا
أيُّها المُؤمنونَ: ألَمْ تَرَوا مَا أَحَلَّ اللهُ بِأهْلِ الفَسَادِ والنَّصْبِ مِنَ الفَضِيحَةِ, والعَارِ؟ وَمَا يَنْتَظِرُهُمْ إنْ لَمْ يَتُوبُوا لِرَبِّهِمْ وَيَرُدُّوا الحُقُوقَ لأَهلِها, ومَا يَنْتَظِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ أشَدُّ وَأنْكَى! فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَمَعْنَاهُ أنَّهُمْ يَخْلِطُونَ الحَرَامَ مَعَ الحَلالِ, وَيَخُوضُونَ فِي تَحْصِيلِ المَالِ مِنْ غَيرِ وَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ, وَكَيفَمَا أَمْكَنَ! أَيُّها الكِرَامُ: في ظِلِّ مَسرَحِيَّاتِ التَّحَايُلِ والفَسَادِ التي تَتَكَشَّفُ كُلَّ حِينٍ, حينها تُبصِرُ طَرِيقًا آمِنًا, بِأنَّ تَتَّبِعَ قَولَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ الحلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَينَهُما أُمُورٌ مُشتَبِهَاتٌ لا يَعلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ استَبرَأ لِدِينِهِ وعِرضِهِ، وَمَن وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرعَى حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يَرتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ محارِمُهُ).
فاللهم لا تجعل الدُّنيا أكبرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، ولا إلى النَّار مَصِيرَنَا، وَقَنِّعنا بما آتيتناَ, وبارك لنا فيما رَزَقْتَنَا,