النزاهة والأمانة والحفاظ على المال العام

خالد الكناني
1445/05/24 - 2023/12/08 07:00AM

النزاهة والأمانة والحفاظ على المال العام 24 / 5 / 1445هـ

إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.، أما بعدُ : أيها المسلمون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

أيها المسلمون : : إن المنجزات والمكتسبات التي حققتها الدولة في بلادنا من المستشفيات والمدارس والمصانع والجسور والشوارع والطرقات والكهرباء والمياه والحدائق وغيرها من المكتسبات ، لهي نعم من نعم الله تعالى ، وهي مكتسبات وممتلكات عامة ليست ملكا لأحد ، بل هي من المال العام ، والذي ينتفع به جميع أفراد المجتمع ، لذا كان من الواجب علينا جميعا المحافظة عليه وتربية أولادنا ومن نعول على المحافظة على هذه النعم وهذه المكتسبات التي انجزتها الدولة ، ويعتبر الاعتداء عليه بأي وسيلة أو طريقة نوع من الإفساد في الأرض ، قال تعالى : ((وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) الأعراف 85

وقد حذرنا الله تعالى من أكل أموال الناس بالباطل والاعتداء عليها بأي طريقة كانت ، قال تعالى : ((وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) سورة البقرة 188

وقال صلى الله عليه وسلم : مبينا حرمة أموال المسلمين والتعدي عليها بغير حق فقال : ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ))

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي»

عباد الله : المسلم مسؤول مسئولية فردية عما أكتسب من المال من أين أتى به ؟ وفي ماذا أنفقه ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ وذكر منها : (( وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ )) من أين لك هذا المال ، وماهي طرق الحصول عليه ، مما أحل الله تعالى فتهنأ بذلك ، أم مما حرم عليك ذلك ، فتشقى به .

أيها المسلمون : لقد لَبَّسَ الشيطان على بعض من المسلمين حتى وقعوا في التطاول على المال العام  ، وبطرق مختلفة ومتنوعة إما سرقته وأكله مباشرة وأما عن طريق الرشاوي أو عدم الإنجاز والقيام بما يجب وسطو على أموال الدولة وأكلها بطرق غير مشروعة ، وهذا الأمر محرم ، وقد ورد النهي عن أكل أموال المسلمين بالباطل ، أو بالتحايل ، وحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير وبين لنا خطورته ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: «فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» ثَلاَثًا

ولا بد أن نعلم أن المال العام حرمته كبيرة ، وحمايته عظيمة ، وما ذلك إلا لكثرة الحقوق المتعلقة به وتعدد الذمم المالكة له ، وعقوبة من تطاول على ذلك عظيمة ، عن عبد اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا - أَوْ عَبَاءَةٍ -» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ»، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ))

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )) سورة آل عمران 161

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ، أما بعد ،عباد الله : إن الله تعالى أمرنا أن نتعاون على البر والتقوى ، قال تعالى : ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ، وإن من التعاون المثمر للفرد والجماعة ، المحافظة على الممتلكات العامة وعلى هذه المنجزات والمكتسبات والتي يعود نفعها على جميع أفراد المجتمع ، ولنربي أنفسنا وأبناءنا على الكسب الطيب ، والعفاف والورع ، ولنشكر المولى جل وعلا على هذه النعم فبالشكر تزيد ويبارك فيها ، قال تعالى : (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) سورة إبراهيم 7

ولنؤدي الأمانة كما يجب ، ولنكن عينا أمينة متعاونة مع أجهزة الدولة فيما يحقق المصلحة العامة للعباد والبلاد  ، ولنحذر من الاعتداء والتسلط على المال العام أو التعاون مع من يعتدون عليه ، وليسع المسلم أن تكون حياته قائمة على الحلال ليكتب له القبول في الأرض والنجاة يوم القيامة ، جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ "

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يطيب كسبنا وأن يصلح حالنا ، وأن يرزقنا وإياكم تقواه وخشيته إنه سميع قريب مجيب .

هذا وصلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))

 

المرفقات

1702008031_النزاهة والأمانة والحفاظ على المال العام.pdf

المشاهدات 476 | التعليقات 0