النخلة والمؤمن ( 1 )
صالح العويد
1437/10/17 - 2016/07/22 05:14AM
الحمد لله الحليم الرحيم الرحمن ، الغني القوي السلطان ، الكبير القدير الديان ، المتفضل بفضله على جميع خلقه ، الأول فلا سبق لسبقه ، والمنعم فما قام مخلوق بحقه ، أنشأ المخلوقات بحكمته ، وفرق الأشياء بقدرته ، أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، أنعم علينا بتمام إحسانه ، وعاد علينا بفضله وامتنانه ، السماء رفعها ووضع الميزان ، وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ، فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة نرجو بها الخلود في فسيح الجنان ، ونتقي بها من دار العذاب والهوان .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، صلاة دائمة متوالية على توالي الأزمان ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، تقوى الله وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
عباد الله :إليكم حديثاً من أحاديث الود والمؤانسة ، في مجلس عدد من فيه عشرة رجال، عرفنا ثلاثة منهم، ولم تبين الروايات البقية الباقية ، أما الثلاثة فهم صديق هذه الأمة أبو بكر و عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم .أمَّا سيد المجلس وتاجه، وقرة عين الجالسين فهو من أرسله الله رحمة للمؤمنين إنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .فاستمعوا ماذا دارفي هذا المجلس عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوس إذ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجمار نخل .
الجمار قلب النخلة .فجعل عليه الصلاة والسلام يأكل من هذا الجمار .
ثم دار حديث المجلس بهذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات صيفاً ولا شتاء) وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ من الشجر شجرة كالرجل المؤمن ) . وفي رواية أخرى (إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم) وفي رواية رابعة (أخبروني عن شجرة مَثلُها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ولا تحت ورقها )
هكذا جاء السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم يختبر الحاضرين، لغز منه لأصحابه .فقال القوم هي شجرة كذا هي شجرة كذا .فجعلوا يذكرون شجر البوادي شجرة شجرة !! قال ابن عمر وهو أصغر الحاضرين : فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهت أن أتكلم ، وثمَّ أبو بكر وعمر فلما لم يتكلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( هي النخلة ) قال ابن عمر: فلما خرجت مع أبي قلت: يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة .قال ما منعك أن تقولها ؟ قال : ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت أن أتكلم وأنا غلام شاب فاستحييت! . قال : لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا .
عباد الله لا نمرعلى هذا التشبيه من غير وقفات نعتبرها .
شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة فما وجه الشبة ؟
إن من أوضح أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة الثبات والاستِقامَةُ الذي جعله في الاثنين فشجرة النخل ثابتة في أصلها لا تزيدها السنوات إلا ثباتاً في أرضها ليست كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار .
وفي هذا يقول تعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) وكذا من أراد الله ثباته من عباده المؤمنين فهم ثابتون رغم البلاء الذي يعصف، والفتن التي تقصف وهي تحاول زعزعتهم فالعالم من حولهم يلهث خلف شهوات الدنيا ، وتعج بهم شبهاتها وهم لا يزالون مستمسكين بدينهم صبروا أنفسهم، وصابروا لربهم ، ورابطوا علموا أنَّ وعد الله حق فلم تغرهم الحياة الدنيا، ولم يغرهم بالله الغرور .
ثم من وجه الشبه بقاؤها على هيئتها كما قال في الحديث (لا يحت ورقها صيفاً ولا شتاء) فهي بكامل لباسها وزينتها.
وكذلك المؤمن ليس له وجهان وَجْه أمَامَ النَّاسِ طَاعَةٌ وَتَبَتُّلٌ!وَوَجْهٌ قَبِيحٌ إذا خَلا بِمَحارِمِ اللهِ وَلَغَ فِيهاَ , ووجه في الرخاء يطغى فيه ويغفل، ووجه في الشدة والضراء يقبل فيه ويتذكر .بل المؤمن الصادق يعبد ربه في الرخاء والشدة في المنشط والمكره في عسره ويسره إذا وافقت العبادة رغبته أو خالفت .فهو متزين بلباس التقوى يعبد ربه حتى يأتيه اليقين .
ومن أوجه الشبه وأعجبه أنَّ قَلْب المُؤمِنِ أَبيضٌ صَافٍ,كَقَلْبِ النَّخلَةِ أَبيَضٌ حُلْوٌ لا يَحمِلُ غِلاًّ ولا حِقدَاً على إخوانِه المُسلِمينَ,إنْ رأى عِندَهُمْ خيرَاً فَرِحَ لَهم وباركَ لَهُم,وإنْ أتاهُم مَا يَسُوؤُهُم ؛حَزِنَ لِحُزْنِهِم,على لِسَانِهِ دَومَاً وَأبَدا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10].وإنْ تَدَنَّسَ قَلبُهُ بِمَعصِيَةٍ بَادَرَها بِالتَّوبَةِ إلى أرحَمِ الرَّاحِمينَ فيعود أبيض ناصعاً!: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].فاللهم نَقِّنا مِن الذُّنُوبِ والخَطَايا كَما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ مِن الدَّنسِ. النَّخْلَةُ المُبارَكَةُ تُؤْتِي ثَمَرَهَا كُلَّ حِينٍ وَهَكَذَا المُؤمِنُ لا يَأتيكَ مِنهُ إلا الطَّيِّبُ.أَخلاقٌ فَاضِلَةٌ ومُعَامَلاتٌ كَرِيمَةٌ وآدَابٌ حَسَنَةٌ،(والْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَدِمَائِهِمْ).كَما النَّخْلَةُ مَأمُونَةُ الجَانِبِ!
ومن أوجه الشبه أن النَّخْلَةُ فُرُوعُها مُمْتَدَّةٌ فِي السَّمَاءِ وَهَكَذا المُؤمِنُ لَهُ أعمَالٌ وطاعات وقربات مُتَنَوِّعَةٌ,نَفعُها وَخيرُها ممتد إلى كُلِّ النَّاسِ,فَهُوَ مُبَارَكٌ عَلى نَفْسِهِ وَغَيرِهِ،لَيسَ أنانِيَّاً,فَهُوَ المُعِينُ لِإخوَانِهِ السَّاعِي لِمَصَالِحِهِم,البَاذِلُ مَاَلَهُ؛يَتَصَدَّقُ عَلى هَذا,وَيُقرِضُ ذَاكَ،وَيَعْفُوَ عَنْ المُعسِرِ,ويُنْظِرُ المُتَعَثِّرَ.يَبْذُلُ جَاهَهُ لِنَفْعِ إخوانِهِ مُتَمَثِّلاً قَولَ نَبِيِّنا : « اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا». مبارك أينما كان
أيُّها الكِرامُ:النَّخْلَةُ المُبارَكَةُ تَحتَاجُ إلى مَاءٍ يَسْقِيهَا,وَهَكَذا المُؤمِنُ حَيَاتُهُ بِإِيمَانِهِ وَقُرْآنِهِ وإتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ كَمَا قَالَ رَبُّنا تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]. النَّخْلُ لَيسَ على رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بَينَهُ تَفَاضُلٌ وَتَمَايُزٌ كَبِيرٌ!وَهَكَذا أَهْلُ الإيْمَانِ لَيسُوا على دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]."وَلَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي،وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ،وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ".
ومن أوجه الشبه أن النَّخْلَةُ كُلُّها نَافِعَةٌ وَمُفِيدَةٌ جِذْعُهَا وَلِيفُهَا وأجزَاؤها،وَهَكَذا المُؤْمِنُ أينَمَا حَلَّ نَفَعَ.فَهُوَ):كَحَامِلِ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً). والنَّخلةُ كلَّما طالَ عمرُها ازدادَ خيرُها وجادَ ثمرُها، وهكذا المؤمنُ إذا طالَ عمرُه ازدادَ خيرُه وحسنَ عملُه، ففي الحديثِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟، قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ". أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)﴾.بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكرالحكيم وأستغفر الله لي ولكم ولسائرالمسلمين فاستغفروه إنه غفوررحيم.
الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليمًا كثيرًاإلى يوم الوعيد وبعد
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على آلائه واعلموا أن من أعظم الشبه وأعجبه علاقة الحنو والعطف بين النخلة والمؤمن وقد يستغرب الكثيرون من ذلك ، فالنخلة بالرغم من قوّتها وطولها وثباتها، وتعميرها وشدّتها، إلا أنها رقيقة القلب، لينة، معطاء، مرهفة الإحساس، مطيعة لله ولرسوله خاضعة له ومؤتمرة بأمره، فعن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقوم يوم الجمعة إلى نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم) فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضمه إليه وهي تئنّ أنين الصبي الذي يُسَكّن، قال: (كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) متفق عليه. هذا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خيرالورى المصطفى ، كما أمركم بذلك المولى اللطيف الخبير ووصى، فقال تعالى قولا كريما: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفّق ولىّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرا لشعوبهم وأوطانهم ورحمة على من وليتهم عليهم ،اللهم ربنا عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك اللهم لا يرد أمرك ولا يهزم جندك سبحانك وبحمدك .. اللهم انصر جندك وأيدهم في كل مكان اللهم انصراخواننا المرابطين والمجاهدين على الحوثيين اللهم وردهم إلى أهليهم سالمين غانمين منتصرين اللهم كن للمسلمين المستضعفين في كل مكان اللهم كن لهم في فلسطين وفي سورياوفي العراق وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان.اللهم سدد رميهم وكن لهم ولا تكن عليهم واحفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم وأعراضهم، اللهم عليك بمن عاداهم وحاربهم يارب العالمين اللهم اغفرللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياءمنهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة نرجو بها الخلود في فسيح الجنان ، ونتقي بها من دار العذاب والهوان .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، صلاة دائمة متوالية على توالي الأزمان ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، تقوى الله وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
عباد الله :إليكم حديثاً من أحاديث الود والمؤانسة ، في مجلس عدد من فيه عشرة رجال، عرفنا ثلاثة منهم، ولم تبين الروايات البقية الباقية ، أما الثلاثة فهم صديق هذه الأمة أبو بكر و عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم .أمَّا سيد المجلس وتاجه، وقرة عين الجالسين فهو من أرسله الله رحمة للمؤمنين إنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .فاستمعوا ماذا دارفي هذا المجلس عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوس إذ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجمار نخل .
الجمار قلب النخلة .فجعل عليه الصلاة والسلام يأكل من هذا الجمار .
ثم دار حديث المجلس بهذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات صيفاً ولا شتاء) وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ من الشجر شجرة كالرجل المؤمن ) . وفي رواية أخرى (إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم) وفي رواية رابعة (أخبروني عن شجرة مَثلُها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ولا تحت ورقها )
هكذا جاء السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم يختبر الحاضرين، لغز منه لأصحابه .فقال القوم هي شجرة كذا هي شجرة كذا .فجعلوا يذكرون شجر البوادي شجرة شجرة !! قال ابن عمر وهو أصغر الحاضرين : فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهت أن أتكلم ، وثمَّ أبو بكر وعمر فلما لم يتكلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( هي النخلة ) قال ابن عمر: فلما خرجت مع أبي قلت: يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة .قال ما منعك أن تقولها ؟ قال : ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت أن أتكلم وأنا غلام شاب فاستحييت! . قال : لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا .
عباد الله لا نمرعلى هذا التشبيه من غير وقفات نعتبرها .
شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة فما وجه الشبة ؟
إن من أوضح أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة الثبات والاستِقامَةُ الذي جعله في الاثنين فشجرة النخل ثابتة في أصلها لا تزيدها السنوات إلا ثباتاً في أرضها ليست كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار .
وفي هذا يقول تعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) وكذا من أراد الله ثباته من عباده المؤمنين فهم ثابتون رغم البلاء الذي يعصف، والفتن التي تقصف وهي تحاول زعزعتهم فالعالم من حولهم يلهث خلف شهوات الدنيا ، وتعج بهم شبهاتها وهم لا يزالون مستمسكين بدينهم صبروا أنفسهم، وصابروا لربهم ، ورابطوا علموا أنَّ وعد الله حق فلم تغرهم الحياة الدنيا، ولم يغرهم بالله الغرور .
ثم من وجه الشبه بقاؤها على هيئتها كما قال في الحديث (لا يحت ورقها صيفاً ولا شتاء) فهي بكامل لباسها وزينتها.
وكذلك المؤمن ليس له وجهان وَجْه أمَامَ النَّاسِ طَاعَةٌ وَتَبَتُّلٌ!وَوَجْهٌ قَبِيحٌ إذا خَلا بِمَحارِمِ اللهِ وَلَغَ فِيهاَ , ووجه في الرخاء يطغى فيه ويغفل، ووجه في الشدة والضراء يقبل فيه ويتذكر .بل المؤمن الصادق يعبد ربه في الرخاء والشدة في المنشط والمكره في عسره ويسره إذا وافقت العبادة رغبته أو خالفت .فهو متزين بلباس التقوى يعبد ربه حتى يأتيه اليقين .
ومن أوجه الشبه وأعجبه أنَّ قَلْب المُؤمِنِ أَبيضٌ صَافٍ,كَقَلْبِ النَّخلَةِ أَبيَضٌ حُلْوٌ لا يَحمِلُ غِلاًّ ولا حِقدَاً على إخوانِه المُسلِمينَ,إنْ رأى عِندَهُمْ خيرَاً فَرِحَ لَهم وباركَ لَهُم,وإنْ أتاهُم مَا يَسُوؤُهُم ؛حَزِنَ لِحُزْنِهِم,على لِسَانِهِ دَومَاً وَأبَدا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10].وإنْ تَدَنَّسَ قَلبُهُ بِمَعصِيَةٍ بَادَرَها بِالتَّوبَةِ إلى أرحَمِ الرَّاحِمينَ فيعود أبيض ناصعاً!: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].فاللهم نَقِّنا مِن الذُّنُوبِ والخَطَايا كَما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ مِن الدَّنسِ. النَّخْلَةُ المُبارَكَةُ تُؤْتِي ثَمَرَهَا كُلَّ حِينٍ وَهَكَذَا المُؤمِنُ لا يَأتيكَ مِنهُ إلا الطَّيِّبُ.أَخلاقٌ فَاضِلَةٌ ومُعَامَلاتٌ كَرِيمَةٌ وآدَابٌ حَسَنَةٌ،(والْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَدِمَائِهِمْ).كَما النَّخْلَةُ مَأمُونَةُ الجَانِبِ!
ومن أوجه الشبه أن النَّخْلَةُ فُرُوعُها مُمْتَدَّةٌ فِي السَّمَاءِ وَهَكَذا المُؤمِنُ لَهُ أعمَالٌ وطاعات وقربات مُتَنَوِّعَةٌ,نَفعُها وَخيرُها ممتد إلى كُلِّ النَّاسِ,فَهُوَ مُبَارَكٌ عَلى نَفْسِهِ وَغَيرِهِ،لَيسَ أنانِيَّاً,فَهُوَ المُعِينُ لِإخوَانِهِ السَّاعِي لِمَصَالِحِهِم,البَاذِلُ مَاَلَهُ؛يَتَصَدَّقُ عَلى هَذا,وَيُقرِضُ ذَاكَ،وَيَعْفُوَ عَنْ المُعسِرِ,ويُنْظِرُ المُتَعَثِّرَ.يَبْذُلُ جَاهَهُ لِنَفْعِ إخوانِهِ مُتَمَثِّلاً قَولَ نَبِيِّنا : « اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا». مبارك أينما كان
أيُّها الكِرامُ:النَّخْلَةُ المُبارَكَةُ تَحتَاجُ إلى مَاءٍ يَسْقِيهَا,وَهَكَذا المُؤمِنُ حَيَاتُهُ بِإِيمَانِهِ وَقُرْآنِهِ وإتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ كَمَا قَالَ رَبُّنا تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]. النَّخْلُ لَيسَ على رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بَينَهُ تَفَاضُلٌ وَتَمَايُزٌ كَبِيرٌ!وَهَكَذا أَهْلُ الإيْمَانِ لَيسُوا على دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]."وَلَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي،وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ،وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ".
ومن أوجه الشبه أن النَّخْلَةُ كُلُّها نَافِعَةٌ وَمُفِيدَةٌ جِذْعُهَا وَلِيفُهَا وأجزَاؤها،وَهَكَذا المُؤْمِنُ أينَمَا حَلَّ نَفَعَ.فَهُوَ):كَحَامِلِ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً). والنَّخلةُ كلَّما طالَ عمرُها ازدادَ خيرُها وجادَ ثمرُها، وهكذا المؤمنُ إذا طالَ عمرُه ازدادَ خيرُه وحسنَ عملُه، ففي الحديثِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟، قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ". أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)﴾.بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكرالحكيم وأستغفر الله لي ولكم ولسائرالمسلمين فاستغفروه إنه غفوررحيم.
الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليمًا كثيرًاإلى يوم الوعيد وبعد
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على آلائه واعلموا أن من أعظم الشبه وأعجبه علاقة الحنو والعطف بين النخلة والمؤمن وقد يستغرب الكثيرون من ذلك ، فالنخلة بالرغم من قوّتها وطولها وثباتها، وتعميرها وشدّتها، إلا أنها رقيقة القلب، لينة، معطاء، مرهفة الإحساس، مطيعة لله ولرسوله خاضعة له ومؤتمرة بأمره، فعن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقوم يوم الجمعة إلى نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم) فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضمه إليه وهي تئنّ أنين الصبي الذي يُسَكّن، قال: (كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) متفق عليه. هذا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خيرالورى المصطفى ، كما أمركم بذلك المولى اللطيف الخبير ووصى، فقال تعالى قولا كريما: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفّق ولىّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرا لشعوبهم وأوطانهم ورحمة على من وليتهم عليهم ،اللهم ربنا عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك اللهم لا يرد أمرك ولا يهزم جندك سبحانك وبحمدك .. اللهم انصر جندك وأيدهم في كل مكان اللهم انصراخواننا المرابطين والمجاهدين على الحوثيين اللهم وردهم إلى أهليهم سالمين غانمين منتصرين اللهم كن للمسلمين المستضعفين في كل مكان اللهم كن لهم في فلسطين وفي سورياوفي العراق وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان.اللهم سدد رميهم وكن لهم ولا تكن عليهم واحفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم وأعراضهم، اللهم عليك بمن عاداهم وحاربهم يارب العالمين اللهم اغفرللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياءمنهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.