النجاح الحقيقي في المحن // يحيى البوليني
احمد ابوبكر
1435/07/23 - 2014/05/22 02:47AM
ليس مستغربا ولا مستنكرا أن تضطرب بعض القلوب المؤمنة عند نزول المحن , فالقلوب تتفاوت على محك اختبار المحنة وعند أول وقوعها , وثبات القلوب عند المحن منحة ربانية يهبها الله لبعض عباده كنتيجة ليقين اعتقادهم ولسوابق أعمالهم .
وللمحنة شدتها وعمق تأثيرها في النفوس والقلوب , وثبات المؤمن فيها على المنهاج الحق والتزامه بالمنهج الإلهي والسنة النبوية وعدم تلون قلبه هو المعيار الأول لنجاحه في اجتيازها .
ولا يقصد بالمحنة فقط وقوع البلاء والضراء , فالدنيا كلها محنة بكل ما فيها من سراء وضراء كما قال ربنا " وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " وقال سبحانه " فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ " , فهناك الابتلاء بالإكرام والنعم وابتلاء بنقص النعم والأرزاق , وكلاهما محنة واختبار على نفس الدرجة .
ولا يظن أحد أن ابتلاء السراء أيسر على القلوب من الابتلاء بالضراء , بل ربما يكون الأمر على العكس تماما , فقد صرح سلفنا الصالح بهذا , فقال عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه : " ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا ، ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ فَلَمْ نَصْبِرْ " [1].
ويخطئ من يظن أن مهمة المؤمن في هذه الدنيا ومعيار نجاحه في الدنيا هو تحقيق النجاحات, فلن يحاسب الله عباده على ما حققوا من نتائج , ولكن سيحاسبهم على عقائدهم وأعمالهم ما داموا بذروا بذرة الحق وغرسوا غرس الهدى , فلن يضيره علو الفساد والباطل إن كان قد أدى واجبه كمسلم وعمل ما في وسعه وما أمره الله به .
فكم من شهيد مات ولم ير نصر المسلمين ولا عز دولة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سادت وتمكنت فهل يضيره ذلك وهل ينقص من أجره شيئا ؟
مات شهداء أحد وهم من أفضل وأعلى درجات الشهداء , فمنهم سيد الشهداء حمزة [2] , ومنهم من كلمه الله كفاحا بغير حجاب بعد موته [3] , ومنهم مصعب الذي تذكره خباب فقال : هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله تعالى فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد وترك نمرة فإذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها " [4] .
ان تقييم النجاح في الابتلاء والمحنة بل النجاح في حياة الداعية لم ولن يكون بعدد الأتباع , فقد نهينا عن تفضيل نبي على نبي لقول ربنا سبحانه " كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ " , وجاء عن النبي كما رواه ابن عباس رضي الله عنهما فقَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ .. " [5], فلم يكن معيار نجاح نبي وتقييمه في عدد أتباعه فكل مأجور ولكل منهم حقه وقيمته التي لم يقلل منها عدم تحقيقه للنجاحات المادية الممثلة في عدد الأتباع .
إن القيمة الحقيقة والنجاح الحقيقي للمسلم أن يثبت عند المحنة وان يتمسك بالمنهج الإسلامي الصحيح فلا يغتر بكثرة السالكين معه أو بقلتهم وعليه أن يكون حلقة في السلسلة الإيمانية ليسلم الجيل الذي يليه هذه الدعوة نقية بيضاء بلا تلون ولا غدر ولا تبديل ولا تفريط , فليس عليه أن يحقق النجاحات ولكن عليه أن يتمسك بعرى هذا الدين حتى الرمق الأخير .
________________________________________
[1] سنن الترمذي 2401 وقَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"
[2] عن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله " رواه الترمذي 2308 والحاكم وقال صحيح الإسناد وصححه السيوطي والألباني
[3] " يا جابرُ ألا أُخبِرُكَ بما قال اللهُ لِأَبِيكَ قال بلى قال وما كلم اللهُ أحدًا إلا من وراءِ حِجابٍ إلا أباك كلم اللهُ أباك كِفاحًا .." حسنه الألباني في تخريج كتاب السنة برقم:602
[4] صحيح مسلم 940
[5] رواه البخاري باب "من لم يرق" 5420
المصدر: موقع المسلم
وللمحنة شدتها وعمق تأثيرها في النفوس والقلوب , وثبات المؤمن فيها على المنهاج الحق والتزامه بالمنهج الإلهي والسنة النبوية وعدم تلون قلبه هو المعيار الأول لنجاحه في اجتيازها .
ولا يقصد بالمحنة فقط وقوع البلاء والضراء , فالدنيا كلها محنة بكل ما فيها من سراء وضراء كما قال ربنا " وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " وقال سبحانه " فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ " , فهناك الابتلاء بالإكرام والنعم وابتلاء بنقص النعم والأرزاق , وكلاهما محنة واختبار على نفس الدرجة .
ولا يظن أحد أن ابتلاء السراء أيسر على القلوب من الابتلاء بالضراء , بل ربما يكون الأمر على العكس تماما , فقد صرح سلفنا الصالح بهذا , فقال عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه : " ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا ، ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ فَلَمْ نَصْبِرْ " [1].
ويخطئ من يظن أن مهمة المؤمن في هذه الدنيا ومعيار نجاحه في الدنيا هو تحقيق النجاحات, فلن يحاسب الله عباده على ما حققوا من نتائج , ولكن سيحاسبهم على عقائدهم وأعمالهم ما داموا بذروا بذرة الحق وغرسوا غرس الهدى , فلن يضيره علو الفساد والباطل إن كان قد أدى واجبه كمسلم وعمل ما في وسعه وما أمره الله به .
فكم من شهيد مات ولم ير نصر المسلمين ولا عز دولة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سادت وتمكنت فهل يضيره ذلك وهل ينقص من أجره شيئا ؟
مات شهداء أحد وهم من أفضل وأعلى درجات الشهداء , فمنهم سيد الشهداء حمزة [2] , ومنهم من كلمه الله كفاحا بغير حجاب بعد موته [3] , ومنهم مصعب الذي تذكره خباب فقال : هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله تعالى فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد وترك نمرة فإذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها " [4] .
ان تقييم النجاح في الابتلاء والمحنة بل النجاح في حياة الداعية لم ولن يكون بعدد الأتباع , فقد نهينا عن تفضيل نبي على نبي لقول ربنا سبحانه " كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ " , وجاء عن النبي كما رواه ابن عباس رضي الله عنهما فقَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ .. " [5], فلم يكن معيار نجاح نبي وتقييمه في عدد أتباعه فكل مأجور ولكل منهم حقه وقيمته التي لم يقلل منها عدم تحقيقه للنجاحات المادية الممثلة في عدد الأتباع .
إن القيمة الحقيقة والنجاح الحقيقي للمسلم أن يثبت عند المحنة وان يتمسك بالمنهج الإسلامي الصحيح فلا يغتر بكثرة السالكين معه أو بقلتهم وعليه أن يكون حلقة في السلسلة الإيمانية ليسلم الجيل الذي يليه هذه الدعوة نقية بيضاء بلا تلون ولا غدر ولا تبديل ولا تفريط , فليس عليه أن يحقق النجاحات ولكن عليه أن يتمسك بعرى هذا الدين حتى الرمق الأخير .
________________________________________
[1] سنن الترمذي 2401 وقَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"
[2] عن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله " رواه الترمذي 2308 والحاكم وقال صحيح الإسناد وصححه السيوطي والألباني
[3] " يا جابرُ ألا أُخبِرُكَ بما قال اللهُ لِأَبِيكَ قال بلى قال وما كلم اللهُ أحدًا إلا من وراءِ حِجابٍ إلا أباك كلم اللهُ أباك كِفاحًا .." حسنه الألباني في تخريج كتاب السنة برقم:602
[4] صحيح مسلم 940
[5] رواه البخاري باب "من لم يرق" 5420
المصدر: موقع المسلم