النجاة والنعيم الأعظم

عنان عنان
1436/04/02 - 2015/01/22 18:46PM
" الخُطبةُ الاولى "

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهديهِ اللهُ فَهُوَ المُهتدِ، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الَّلهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ..........

عبادَ اللهِ، الناجونَ يومَ القيامةِ قليلٌ، والهالكونَ كثيرٌ، وأهلُ النَّارِ أكثرُ مِنْ أهلِ الجنةِ، قال تعالى: " وما أكثرُ النَّاسِ ولوْ حرصتَ بمؤمنينَ ". وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ-رضيَ اللهُ عنه- عن النبيِّ-صلى الله عليه وسلم- قالَ: " يقولُ الله-تعالى- يا أدمُ، فيقول: لبيكَ وسعديكَ والخيرُ في يديك، فيقولُ: أخرجْ بعثَ النَّارِ، فيقول: وما بعثُ النَّارِ؟ قالَ: منْ كُلِّ الفٍ تسعَ مئةٍ وتسعةً وتسعينَ، فعندها يشيبُ الصغيرُ، وتضعُ كُلُّ ذاتِ حملٍ حملها، وترى النَّاس سُكارى وما هم بِسُكارى ولكنَّ عذابَ اللهِ شديدٌ، قالوا يا رسولَ اللهِ وأيُّنا ذلك الواحدُ، قالَ: أبشروا فإنَّ منكم رجلاً ومِنْ يأجوجَ ومأجوجَ الفاً فكبَّرنا ثُمَّ قالَ: إنِّي لأرجو أن تكونوا رُبعَ أهلِ الجنَّةِ، فكبَّرنا ثُمَّ قالَ: أرجو أن تكونوا ثُلُثَ أهلِ الجنَّةِ، فكبَّرنا ثُمَّ قالَ: أرجو أن تكونوا نصفَ أهلِ الجنَّة، فكبَّرنا فقالَ: ما أنتم في النَّاسِ إلَّا كشَّعرةِ السوداءِ في جلدِ ثورٍ أبيضَ، أوْ كشعرةٍ بيضاءَ في جلدِ ثورٍ أسودَ ". [رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ].

يا عبدَ اللهِ، إذا أردتَ النجاةَ، فالزمْ الاستقامةَ، واعلمْ بأنَّها أعظمُ الكرامةِ ، أما قالَ اللهُ: " إنَّ الذينَ قالوا ربُّنا اللهُ ثُمَّ استقاموا تتنزل عليهمُ الملائكةُ ألَّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنَّةِ التي كنتم توعدون ". وأياك وأياك والتسويفَ وطولَ الاملِ، فواللهِ أكثرُ بكاءِ أهلِ النَّارِ مِنْ سوفَ ولعلَّ وعسى، ولنْ ينفعَهم النَّدمُ، قالَ سبحانَهُ: يصِفُ حسراتِ أهلِ النَّارِ، " وهم يصطرخونَ فيها ربَّنا أخرجنا نعملْ صالحاً غيرَ الذي كُنَّا نعملُ أولمْ نعمركم ما يتذكرُ فيهِ مَنْ تذكرَ وجاءكمُ النَّذيرُ فذوقوا فما للظَّالمينَ مِنْ نصيرٍ ". وربي ستندمُ، ستندمُ على ضياعِ أوقاتِكَ، وستندمُ على تفريطكَ في صلواتِكَ، ولنْ ينفعكَ النَّدمُ، ويندمُ الإِنسانُ في وقتٍ لا ينفعُ فيهِ النَّدمُ، فواللهِ لنْ تخرجَ الأرواحُ مِنَ الدنيا حتى تسمعَ إحدى البُشرَينِ، إمَّا أبشرْ يا عدوَّ اللهِ بالنَّارِ أوْ أبشرْ يا وليَّ اللهِ بالجنَّةِ، قالَ الحسنُ البصريُّ-رحمه الله-: " اتقي اللهَ يا ابنَ أدمَ، لا تجتمعْ عليكَ خِصلتانِ، سكرةُ الموتِ وحسرةُ النَّدامةِ ". فوالذي نفسي بيدهِ، إنَّ غايةَ أُمنيةِ الموتى في قبورِهم حياةُ ساعةٍ، يستدركونَ بها ما فاتهم مِنْ عملٍ صالحٍ، وتوبةٍ للهِ عزَّ وجلَّ، قالَ عثمانُ بنُ عفانَ-رضيَ اللهُ عنه-: " القبرُ أولُ منازلِ الأخرةِ، فإنْ نجا منه العبدُ فما بعدهُ أيسرُ منهُ، ومنْ لمْ ينجو منهُ فما بعدهُ أشدُّ منهُ ". يا ابن أدمَ، أنتَ الذي ولدتكَ أُمُّكَ والنَّاسُ مِنْ حولِكَ يضحكونَ سُروراً، فأعملْ لنفسِكَ أنْ تكونَ إذا بكوا في يومِ موتِكَ ضاحكاً مسرواً.

عبادَ اللهِ، قالَ تعالى: " إنَّ الأبرارَ لفي نعيمٍ ". قالَ أحدُ السلفِ: " هم في نعيمٍ في الدنيا، وفي البرزخِ، وفي الأخرةِ ".
النَّعيمُ الكبيرُ الذي في الدنيا، هُوَ حلاوةُ الأِيمانِ، ولذَّةُ مناجاةِ الرَّحمنِ، وكُلَّما اقتربَ المرءُ مِنْ ربِّهِ، وجدَ مِنَ الأنسِ والسُرورِ، ما لا يعلمهُ إلَّا اللهُ، ولا يزالُ المرءُ يعملُ بالطاعاتِ، ويبتعدُ عَنِ الشهواتِ، حتى يُذِقْهُ اللهُ لذةً يجِدُها في نومهِ ويقظتِهِ وطعامِهِ وشرابِهِ.

عبادَ اللهِ، إنَّ مِنْ نعيمِ الجنَّةِ قبلَ الموتِ، التبشيرَ بالجنَّةِ، حينما تنزلُ الملائكةُ وتقولُ: لأِهلِ الإِيمانِ والاستقامةِ " ابشروا بالجنَّةِ التي كنتم توعدونَ ". " إنَّ الذينَ قالوا ربُّنا اللهُ ثُمَّ استقاموا-ضعْ الفَ خطٍ تحتَ كلمةِ ثُمَّ استقاموا، كُلُّنا يقولُ: ربُّنا اللهُ، ولكنْ ليسَ كُلُّنا مستقيمينَ، أصحابُ الاغاني مستقيمونَ؟ أصحابُ الزنا مستقيمون؟ أصحابُ الشهواتِ والمعاكساتِ مستقيمون؟ أبداً واللهِ ليسوا بمستقيمين، تتنزلُ عليهمُ الملائكةُ ألَّا تخافوا أي لا تخافوا من عذابِ اللهِ فقدْ سلمتم من عذابهِ وعقابِه، ولا تحزنوا أي على ما تركتم في الدنيا فاللهُ-عزَّ وجلَّ-سيحفظُهم لكم بصلاحِكم واستقامتِكم، وأبشروا بالجنَّةِ التي كنتم توعدونَ، وحينها يبتسمُ المؤمنُ قبلَ خروجِ الروحِ.

وهناكَ نعيمٌ ينتظرُ المؤمنينَ في قبورِهم، حيثُ يُقالُ: للمؤمنِ " أُنظرْ إلى يمينِكَ، فيرى مقعدَهُ مِنَ الجنَّةِ، فيأتيهِ مِنْ رَوْحِها ونعيمها ".
واللهُ-عزَّ وجلَّ- يُخفِّفُ طولَ يومِ المحشرِ عَنِ المؤمنينَ، حتى يكونَ كصلاةِ الظُّهرِ أوِ العصرِ، ومنهم مَنْ يُظَلِّهُ اللهُ في ظلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ. أهلُ الجِنانِ يأخذونَ كِتابَهم باليمينِ، فيُنادي صاحبُ الكتابِ أمامَ العالمينَ " هاؤمُ اقرءوا كتابيهْ " واللهِ إنَّ هذا لَهُوَ الفوزُ العظيمُ. أهلُ الجنانِ يحاسبُهم اللهُ حساباً يسيراً، قالَ ربُّنا عنهم: " فسوفَ يُحاسَبُ حساباً يسيراً- وينقلبُ إلى أهلِهِ مسرواً ". أهلُ الجنانِ في شدةِ العطشِ، هُناكَ في أرضِ المحشرِ، يسيرونَ إلى حوضِ النبيِّ-صلى الله عليه وسلم- ليشربوا منه شُربةً واحدةً، فلا يَظمأونَ بعدها أبداً.

وجوهُ أهلُ المحشرِ يومَ القيامةِ مليئةٌ بالبهجةِ والسُرورِ، قالَ ربُّنا عنهم: " وجوهٌ يومئذٍ مُسفِرةٌ ضاحكةٌ مُستبشرةٌ " وقال سبحانَهُ: " وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربِّها ناظرةٌ ".
ويبدأُ الإتِجاهُ إلى الصراطِ، وهو جسرٌ دقيقٌ فوقَ النَّارِ، أدقُّ مِنَ السيفِ، فيسيرُ المؤمنونَ بثباتٍ وطُمنأنيةٍ، لأنَّهم استقاموا في الدنيا، فربُّنا-سبحانه وتعالى- سيثبتُهم على الصراطِ.
أهلُ الجنَّةِ يتنافسونَ في سُرعتِهم على الصراطِ، على حسب سُرعتِهم في الدنيا في الاعمالِ الصَّالحةِ، والجزاءُ مِنْ جنسِ العملِ. حينما يتجاوزنَ الصراطَ يبقونَ في مكانٍ يُقالُ لهُ القنطرةُ، ليُطهرَهم اللهُ مِنَ الغلِّ والحقدِ والحسدِ، قال تعالى: " ونزعنا ما في صُدورِهم مِنْ غِلِّ إخواناً على سُرورٍ مُتقابلينَ". ورسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-يصفُ أخلاقَ أهلِ الجنَّةِ فقالَ: " لا اختلافَ بينهم، ولا تباغضَ، قلوبُهم على قلبِ رجلٍ واحدٍ، يُسبحونَ اللهَ بُكرةً وعشيةً " [رواهُ البخاريُّ].

الجنَّةُ لها ثمانيةُ أبوابٍ، الصلاةُ والصدقةُ والجهادُ والريانُ وهو بابُ الصائمينَ والوالدينَ وهناكَ أبوابٌ أُخرى، المسافةُ بينَ الأبوابِ كبيرةٌ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ ما بينَ المِصراعينِ مِنْ مصارعِ الجنَّةِ-يعني عَرضَ الباب- مسيرةُ أربعينَ سنةً وليأتينَ عليها يومٌ وهيَ كظيظٌ مِنَ الزُّحامِ " [رواهُ مُسلمٌ]. إذا أردتَ أن تدخلَ مِنْ أبوابِ الجنَّةِ الثمانيةِ فواظبْ على هذا الدعاءِ بعدَ كُلِّ وضوءٍ، عَنْ عُمرَ بنِ الخطابِ-رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ توضأ فأسبغَ الوضوءَ، ثُّمَ قالَ: أشهدُ أنْ لا إلهِ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٍ، اللهمَّ اجعلني مِنَ التوابينَ واجعلني مِنَ المتطهرينَ، إلَّا فُتِحتْ لهُ أبوابُ الجنةِ الثمانيةِ يدخلُ منها أيُّها شاءَ " [رواهُ مسلمٌ].
حينما يدخلُ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، يُلِهمُ اللهُ كُلَّ واحدٍ بمكانِ قصرِهِ، قالَ تعالى: " ويُدخِلهمُ الجنَّةُ عرَّفها لهم " فيتجهُ كُلُّ واحدٍ لِقصرِهِ.
في الجنَّةِ أشجارٌ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلم-: " ما مِنْ شجرةٍ في الجنَّةِ، إلَّا وساقُها مِنْ ذهبٍ " [حسنه الالبانيُّ]. وفي الأشجارِ ثِمارٌ كثيرةٌ ومتنوعةٌ قالَ تعالى: " لكم فيها فواكهُ كثيرةٌ ومنها تأكلون " وقال سبحانه: " فيهما مِنْ كُلِّ فاكهةٍ زوجانِ ". وهذه الفواكهُ تدنو لكَ، حتى تأخذُ منها ما تشاءُ ثُمَّ تعودُ إلى مكانِها، قالَ تعالى: " قطوفُها دانيةٌ " وقالَ سبحانَهُ: " وذللتْ قُطُوفُها تذليلاً ".
وفي الجنَّةِ أنهارٌ تجري مِنْ تحتِ القصورِ، قال سبحانَهُ: " مثلُ الجنَّةِ التي وُعِدَ المتقونَ فيها أنهارٌ مِنْ ماءٍ غيرِ آسنٍ وأنهارٌ مِنْ لبنٍ لمْ يتغيرْ طعمْهُ وأنهارٌ مِنْ خمرٍ لذّةٍ للشاربينَ وأنهارٌ مِنْ عسلٍ مُصَّفى ولهم فيها مِنْ كُلِّ الثمراتِ ومغفرةٌ مِنْ ربِّهم " وحافاتُ النَّهرِ اللؤلؤ يحيطُ بها مِنْ جوانِبها، فتخيلْ إنَّكَ على شاطئِ تلكَ الأنهارِ.
وفي الجنَّةِ شجرةٌ يسيرُ الرَّاكبُ في ظِلِّها مائةً عامٍ لا يقطعُها، يالله تخيلْ نفسَك أنتَ وزجتُكَ وأُسرتُكَ هناكَ تحتَ الظِّلِ تسيرونَ على خيلٍ مِنْ ذهبٍ.
أسالُ اللهَ أنْ يُدخلنا الجنَّةَ مِنْ غيرِ حسابٍ ولا سابقِ عذابٍ. أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فأستغفروه وتوبوا إليهِ، إنَّهُ هو التوابُ الرحيمُ.

" الخُطبةُ الثانية "
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعينَ
أمَّا بعدُ، عبادَ اللهِ، بناءُ الجنَّةِ مِنْ ذهبٍ وفضةٍ، والحصى المُتناثرُ في جوانبِها مِنْ لؤلؤٍ، وهناكَ خيمةٌ مِنْ لؤلوٍ لكلِّ مؤمنٍ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ للعبدِ المؤمنِ في الجنَّةِ لَخيمةً مِنْ لؤلؤةٍ، طُولُها ثلاثونَ ميلاً للمؤمنِ فيها أهلونَ، يطوفُ عليهنَّ لا يرى بعضُهم بعضاً " [رواه البخاريُّ ومسلمٌ].
وفي تلكَ الخيمةِ امرأةٌ تنتظركَ بشوقٍ، طالما انتظرتْ قُدومكَ، كانتْ أخبارُكَ تصلُ لها وتفرحُ بها إنَّها الحوريةُ التي تُحبِّكَ، الحورُ العينِ جميلةُ اللباسِ، حسنةُ الرائحةِ، صادقةُ الحُبِّ، كثيرةُ الشوقِ، إبداعٌ في الأخلاقِ، لنْ تسمعَ منها ما يجرحكَ، هيَ مخلوقةٌ لك، عَنْ عطاءٍ السُّلميِّ قالَ: قلتُ لمالكِ بنِ دينارٍ، يا أبا يحيى شوقْنا، قالَ: " يا عطاءُ إنَّ في الجنَّةِ حوراءَ، يتباهي أهلُ الجنَّةِ بحُسنها وجمالِها، ولوْ أنَّ اللهَ-تعالى-كتبَ على أهلِ الجنَّةِ أنْ لا يَموتوا لماتوا مِنْ حُسنِها وجمالِها، فلمْ يزلْ عطاءُ كمداً حزيناً مِنْ قولِ مالكٍ ".
عَنْ يزيدَ الرَّقاشيِّ قالَ: " بلغني أنَّ نوراً سطعَ في الجنَّةِ، لمْ يبقَ موضعٌ في الجنَّةِ إلَّا وأُدخلَ مِنْ ذلكَ النُّورِ فيهِ، فقيل: ما هو؟ قالَ: حوراءُ ضحكتْ في وجهِ زوجِها ". فما ظنُّكَ بامرأةٍ إذا ضحكتْ أضاءتْ الجنَّةَ مِنْ ضحكِها، وإذا تنقلتْ مِنْ قصرٍ إلى قصرٍ قلتُ: هذه الشمسُ تتنقلُ في بروجِ فلكِها،
وحديثُها السِحرُ الحلالِ*** لمْ يجنِ قتلَ المسلمِ المتحرزَ
إنْ طالَ لمْ يُملِلْ وإنْ هي حدَّثتْ*** ودَّ المُحدَّتُ أنَّها لمْ توجِزَ
وإنْ حاضرتْ زوجَها فيا حسنَ تلكَ المُحاضرةِ، وإنْ خاصرتهُ فيا لذةَ تلكَ المعانقةِ والمخاصرةِ، وإن غنتْ فيا لذةَ تلكَ الأبصارِ والأسماعِ، وإنْ آنست فيا حبذا تلكَ المؤانسةِ والأمتاعِ، وإنْ قبَّلتْ فلا شيءَ أشهى إليهِ مِنْ ذلكَ التقبيلِ، وإنْ نُوِّلتْ فلا الذَّ ولا أطيبَ مِنْ ذلكِ التنويلِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " ولوْ أنَّ امرأةً اطلعتْ على أهلِ الأرضِ، لأضاءتْ ما بينهما ولملأتْ ما بينهما ريحاً " [رواهُ البخاريُّ]. ما شعوركَ حينَ وأنتَ مع الحوريةِ تتجولانِ في الجنَّةِ، والأشجارُ تحيطُ بكم والأنهارُ تجري، والخدمُ يطوفون حولَكَ يُريدونَ خِدمتَكَ؟
والمرأةُ الصالحةُ تعلو منازلَ عاليةً في الجنَّةِ، وتُصبحُ سيدةً للحورِ العينِ، بسببِ صلاحِها وحسناتِها.
قال تعالى: " إنَّ أصحابَ الجنَّةِ اليومَ في شُغلٍ فاكهونَ ". عَنْ أبي مجلزٍ قالَ: قلتُ لإبنِ عباسٍ ما الذي شغلهم يا ابنَ عباسٍ؟-لأنَّه انتهت العبادةُ في الجنَّةِ فما الذي شغلهم؟ فقالَ: " شغلهم افتضاضُ العذارى ". والأعجبُ مِنْ ذلكَ أنَّه كلما جامعها وجدها بِكراً، قالَ تعالى: " ولهم فيها أزواجٌ مطهرةٌ " أي مطهرةٌ مِنَ الحيضِ والنِّفاسِ والقذارةِ.

عبادَ اللهِ، أهلُ الجنَّةِ يأكلونَ ويشربونَ ولا يبولونَ ولا يتفلونَ ولا يمتخطونَ ولا ينامونَ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- النَّومُ أخو الموتِ، وأهلُ الجنَّةِ لا يموتونَ ولا ينامونَ " [صححه الالبانيُّ] ليستمتعوا طوالَ الوقتِ بالنَّعيمِ والسُرورِ. وبينما أهلُ الجنَّةِ في نعيمِهم وإذا بهم يسمعونَ نداءً جميلاً، يا أهلَ الجنَّةِ إنَّ لكم أنْ تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإنَّ لكم أنْ تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإنَّ لكم أنْ تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإنَّ لكم أن تنعموا فلا تسأموا أبداً.


هيا بنا لنتأملْ هذا المشهدَ العجيبَ منْ مشاهدِ الجنَّةِ بينما أهلُ الجنانِ في نعيمهم يتلذذون إذ بصوتٍ يناديهم : " إنَّ لكم عندَ الله مَوْعِداً يريدُ أن يُنْجِزَكُمُوهُ .". إنه صوتُ اللهِ ، الكريمِ الرحيمِ ، صوتُ ربك الجميلِ الجليلِ.

ما أجملَ الصوتَ وما أحسنَ اللطفَ منه سبحانه.. يتوقف النعيمُ هنا إلى نعيمٍ أعلى وأغلى.. فيقولونَ: " ما هُو ألَمْ يُثَقِّلْ موازينَنَا ويُبَيِّضْ وجوهَنا ويدخلْنا الجنةَ ويزحْزحْنا عن النار؟ قال : فيكشفُ لهم الحِجَاب.. فينظرونَ إليه فواللهِ ما أعطاهم الله ُشيئاً أحبَّ إليهمْ من النظرِ إليهِ ولا أقَرَّ لأعينِهم منهُ " رواه مسلمٌ. وفي رواية : " أحل عليكم رضواني فلا أسخطُ عليكم أبداً ".


فإذا أردتَ أنْ ترى وجهَ الرحمنِ فحافظْ على صلاةِ الفجرِ والمغربِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّكم سترونَ ربَّكم كما ترونَ هذا القمرَ، لا تضامونَ في رؤيتهِ، فإنِ استطعتم أنْ لا تغلبوا على صلاةٍ قبلَ طلوعِ الشمسِ وقبلَ غروبِها فأفعلوا " [رواه البخاريُّ].

عبادَ اللهِ، طريقُ الجنةِ يحتاجُ إلى مجاهدةِ النفسِ عَنِ الهوى، فإنَّ النَّعيمَ لا يُدرَكُ بالنَّعيمِ، ولأنَّ الثمنَ غالٍ فلا بدَّ أنْ يكونَ ثمنُ الوصولِ إلى آخرِ الطريقِ غالياً، قالَ تعالى: " وجزاهم بما صبروا جنَّةً وحريراً ". أيْ صبروا على المعاصيِّ
قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " ما منْ أحدٍ يسألُ اللهَ الجنَّةَ ثلاثاً إلَّا قالتْ الجنَّةُ: اللهمَّ أدخله الجنَّةَ، وما مِنْ أحدٍ يستجيرُ مِنَ النَّارِ ثلاثاً إلَّا قالتْ النَّارُ: اللهمَّ أجرْهُ مِنَ النَّارِ " [رواهُ مسلمٌ].
اللهم إنَّا نسألك الجنَّة وما قرب إليها من قولٍ أوْ عملٍ ونعوذُ باللهِ مِنَ النَّارِ وما قرب إليها من قولٍ أوْ عملٍ
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعينَ.
المشاهدات 1605 | التعليقات 0