الناس بعد رمضان !!

الحمد لله ذي المنِّ والعطاءِ، نحمدُه على الإحسان والنَّعماءِ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ, شرَّفَنَا بالإسلامِ، وَتَابَع علينا الإنعَامَ، تَفَضَّل على التَّائبينَ والصَّائِمينَ بالعفو والغُفرانِ, ونشهدُ أنَّ نبينَا محمداً عبدُ الله ورسوله, إمامُ الحُنَفَاءِ، وسيِّدُ الأَصفِيَاءِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله الأتقياء، وأصحابِهِ الأوفياءِ، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ وإيمانٍ ما دامتِ الأرضُ والسماءُ.
فاتَّقوا اللهَ يا مُسلمونَ، فالتَّقوى أكرمُ ما أَسرَرتُم وأَبَهى ما أَظْهَرتُم. هي أربَحُ بِضاعَةٍ، فاستقيموا على الخيرِ والطَّاعةِ, إلى أنْ تَقومَ السَّاعةُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ )
إخوة الإيمان والعقيدة ... ها نحن ودعنا شهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، شهر الصبر والجهاد والبر والإحسان، فماذا جنينا من ثماره اليانعة؟ هل حققنا تقوى الله وتقربنا إليه يما يسعدنا يوم لقاه؟ وتخرجنا منه بشهادة المتقين؟ هل تعلمنا فيه الصبر على الطاعات والصبر عن السيئات؟ هل تربينا على مجاهدة النفس وانتصرنا على شهواتها وهواها ورغباتها؟ خواطر عديدة بعد رحيل رمضان تتردد على قلب كل مسلم صادق، يسأل نفسه بصراحة وصدق؟
لقد كان رمضان نعمة ربانية، ومدرسة إيمانية للتغيير من الأعمال والسلوك والعادات والأخلاق المخالفة لشرع رب البريات، فمن لم يستفد منها، فلن يتغير له حال حتى يغير ما بنفسه ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) فقد كان بعضُ السلفِ يظهر عليه الحزن يوم فطره، فيُقَالَ له: إنه يوم فرح وسرور؟ فيقول: صدقتم؛ ولكني عبدٌ أمرني مولاي أنْ أعملَ لَهُ عملاً، فلا أَدْرِي أَيْقبَلُهُ مِنِّي أَمْ لا ؟
عباد الله ... إنه حري بالمسلم الوجل بعد فعل الخير أن يشكر ربه على ما منَّ به عليه من توفيقه له ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) حري بالمسلم أن يخشى ألا يقبل الله منه مع حسن ظنه بالله ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) حري بالمسلم أن يتضرع بين يدي خالقه أن يتقبل منه، كما قال الله عن إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) حري بالمسلم أن يدعو ربه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم يا مقلوب القلوب ثبتي قلبي على دينك )
نعم، لقد رحل رمضان ولم يمض على رحيله إلا القليل ! ولربما عاد تارك الصلاة لتركه, وآكل الربا لأكله, ومشاهد الفحش لفحشه, وشارب الدخان لشربه، وهذا من التعاسة والخذلان فحاله كتلك المرأة التي أخبر الله عنها في كتابه العزيز ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ) كان الأولى بمن وفقه للتوبة وفعل الخير في رمضان أن يستمر فيه ويداوم عليه، حتى يتحقق له المراد ويسعد يوم التناد.
لإن كان اللبيب هو من اغتنم أيام رمضان ولياليه، ونفحاته وأعمال البر فيه، فإن العاقل الموفق من استمر على ذلك ولم يقطع الخير الذي تربى عليه في رمضان بخروجه ورحيله، بل جعل ذلك دأبه وديدنه، حتى يلقى ربه.
فهنيئا لمن خلص الله رقبته من النار، وقبله من المتقين الأخيار، وأعد له نزلاً بدار المقامة مع الأبرار الأطهار، والعزاء لمن أدرك رمضان وخرج منه وهو من الأشقياء، والغافلين والتعساء، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ارتقى المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، فقيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال: قال لي جبريل عليه السلام رغم أنف عبد دخل عليه رمضان فلم يغفر له فقلت: آمين )
إن الخيبة والخسارة أن يعود العبد بعد انقضاء رمضان إلى ارتكاب الذنوب، واقتراف المعاصي والعيوب، والتقصير في طاعة علام الغيوب، فنوم عن الصلوات وغفلة عن الذكر والآيات، ونسيان لصلاة الليل والابتهال، وعودة إلى قبائح الخصال، وبعد عن الكريم المتعال، واقتراف لما يشقي في الدنيا والمآل.
ويحقق العبد الغاية من خلقه ووجوده استمراره في عبادة الله وتوحيده، ولزومه طاعة ربه وهجر مخالفته، كما كان حال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي واظب على عبادة ربه وشكر خالقه حتى فارقت روحه الطاهرة الحياة، فكانت حياته دعوة وجهاد وصبر ومسارعة وسباق إلى ربه في حله وترحاله في السلم والحرب في الحضر والسفر في الأمن والخوف، وكان النبي صلوات ربي وسلامه عليه يحب العمل الدائم وإن كان قليلاً، لأنه أنفع للعبد وأحب إلى الله من الكثير المنقطع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلَّ ).
أسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... الناس بعد رمضان أصناف ثلاثة:
-فقوم كانوا على خير وطاعة، فلما جاء رمضان شمروا عن سواعدهم، وضاعفوا من جهدهم، وجعلوا رمضان غنيمة ربانية، ومنحة إلهية، فاستكثروا من الخيرات، ونافسوا على الطاعات والقربات، وتداركوا ما فات، فما إن انقضى رمضان إلا وقد حصلوا على زاد عظيم، وعلت رتبتهم عند ربهم الكريم، وعلموا أن لا مستراح لهم إلا تحت شجرة طوبى في جنة النعيم، فواصلوا ما كانوا عليه في رمضان.
-وصنف كانوا قبل رمضان في غفلة وسهو ولعب، فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة والعبادة، صاموا وقاموا، قرأوا القران وتصدقوا ودمعت عيونهم وخشعت قلوبهم، ولكن ما أن ولى رمضان حتى عادوا إلى ما كانوا عليه ،عادوا إلى غفلتهم ، عادوا إلى ذنوبهم.
-وآخرون دخل عليهم رمضان وخرج رمضان، ولم يتغير لهم حال، بل ربما زادت آثامهم، وعظمت ذنوبهم، واسودت صحائفهم، هؤلاء هم الخاسرون حقًّا، لم يعرفوا لماذا خلقوا عوضًا أن يعرفوا قدر رمضان وحرمة رمضان.
فيا فوز من أطاع مولاه واستعد للقاه.
عباد الله ...
غدا توفى النفوس ما كسبت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المقبولين .. ممن قَبِل صيامهم وقيامهم وصالح أعمالهم.
اللهم وفق خادم الحرمين وولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم اجزهم عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء
يا أرحم الراحمين. اللهم من أرادهم بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي عهده للصلاح والفلاح والرشد، واجعلهم رحمة للناس يا رب العالمين.
اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين لما ما تحب وترضى، واجعله سيفًا على الظالمين ، ونصيرًا للمظلومين، وعونًا للضعفاء والمساكين.
اللهم ثبِّت إخواننا المرابطين في عاصفة الحزم والسهم الذهبي، وانصرهم على عدوك وعدوهم. واخلف عليهم وعلى أهليهم خيرًا. اللهم كن معهم عونًا ونصيرًا، اشف مريضهم وارحم ميتهم وتقبل شهداءهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المشاهدات 1314 | التعليقات 0