المولد النبوي مولد الرحمةِ المُهـداة

أحمد عبدالله صالح
1443/03/04 - 2021/10/10 15:59PM

🎤

خطبــة جمعـــة بعنـــوان          

المولد النبوي الشريف - مولدُ الرحمةِ المهداة 

أما بعـــد ايها الأحباب الكرام :                    

في وقفةٍ سابقةً من مولِدِ الحبيب صلى الله عليه وسلم من جمعة مضت تحدثنا فيها عن المولدِ النبوي (( مولدُ التحول الهائل ..))

واليوم سنقف الوقفةَ الثانية من مولدة عليه الصلاة والسلام وهي :

 ( المولدُ النبوي مولدُ الرحمةِ المهداة )

وهو عليه الصلاة والسلام رحمةً للعالمين

قال الله عنه : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء الآية: 107]

لم يقل( رحمةً للمؤمنين )ولا ( رحمةً للمسلمين )

بل قال ( رحمةً للعالمين ) لتشمل المؤمن, والعاصي، والطائع والكافر، والانسان والحيوان، والجن والإنس، والصغير والكبير، والأعمى والبصير، والأبيض والأسود، والذكر والأنثى، بأبّي هو وأمّي 

عليه الصلاة والسلام القائل كما روى مسلم

"' إنّما بُعثتُ رحمة..'" .

تخيّل نفسك الآن من غير النبي صلى الله عليه وسلم..!!

حقاً إنّ رسول اللهَ من أعظمِ الرحمات .!

فبه عرفنا لماذا خلقنا ؟ وما غايتنا ؟

وما هدفنا في الحياة ؟ وبه عرفنا الجنّةَ وعرفنا النّار .؟

ولولا النبي عليه الصلاة والسلام بعد الله لكنّا ضائعين تائهين عاصين لافرق بيننا وبين من يقدسون البشر ..!

ولافرق بيننا وبين من يسجدون للشمس والقمر.!

ولافرق بيننا وبين من يتوجهون للنجوم والكواكب .!او يتبركون بالاولياء والقبور او يتقلبون تحتَ اقداميْ ورجلي بوذا ..

إنّ البريةَ يومَ مبعثِ أحمد  

                            نظرَ الإلهُ لها فبدلَ حالها

بل كرّمَ الإنسانَ حينَ اختارَ من    

                           خيرِ البريةِ نجمها وهلالها

لبسَ المرقعَ وهو قائدُ أمةٍ  

                        جبتِ الكنوزَ فكَسّرتْ أغلالها

لمّا رآها اللهُ تمشي نحوه

                       لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

فأمدها مدداً وأعلى شأنها  

                         وأزالَ  شانئها وأصلحَ بالها

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾.  

[ سورة الأنبياء الآية: 107]

كيف اشتقها عليه الصلاة والسلام !!؟

وكيف نالها بأبي هو امي علية الصلاة والسلام !؟

يقول العلماء : 

           نالها من خلالِ اتصاله بالله .!

الإتصال بالله طوقُ النجاه وحبل المدد والتوفيق 

الإتصال بالله هو غاية الغايات فبه تذوق طعم القرب، تذوق طعم الأنس، تذوق طعم الطمأنينة،

تذوق طعم الحياة ..

الإتصال بالله مرتبه وجود يصل اليها العبد

فإذا تابَ إلى الله وجده غفوراً رحيماً ..

وإن توكلَ عليه وجده حسيباً كافياً ..

وإن صدق في الرغبة إليه وجده قريباً مُجيباً..

وإن صدقَ في محبته وجده حبيباً..

وإن صدقَ في الاستغاثة به وجده كاشفاً للكربِ مُخلّصاً منه ..

وإن صدقَ في الإضطرارِ إليه وجده رحيماً مُغيثاً.

وإن صدقَ في اللجوء إليه وجده مؤمِّناً من الخوف.

وإن صدقَ في الرجاء وجد عِندَه حُسنُ ظنه.

وفي الحديث القدسي يقول الله :

((ابنَ آدم اطلبني تجدني, فإن وجدتني وجدتَ كلَّ شيء, وإن فِتُكَ فاتكَ كلَّ شيء))

نعم/

انت تسمو اذا اتصلت بمخلوقٍ على شيء من الميزات . 

وتسعد اذا اتصلت اتصالاً بصرياً بمنظرٍ جميل .

وتَرتاح اذا اتصلت اتصالاً سمعياً بنغمٍ جميل .

وتستمتع إذا اتصلت بحقيقةٍ علمية . 

فكيفَ كيف إذا اتصلتَ بالحقيقة الأولى والأخيرة !

كيف اذا اتصلت بِسرِ القوة في الكون !

كيف اذا اتصلت بِسرِ الحِكمة، بِسرِ الرحمة

بِسرِ الغِنى، بِسرِ القدرة جل جلاله وجل شأنه .!

ولهذا عندما اتصلنا بالله حُلّت مشاكلنا وقُضيت حوائجنا وفُرجت همومنا وصَلُحت أحوالنا ..

وعندما فقدنا الاتصال بالله كَثُرت مشاكلنا

وساءت أحوالنا، وفسدت القيم، وضاقت النفوس، وذهبت الراحة، وظهر القلق والخوف على الرزق والأولاد والمستقبل، وتسلَّطَ العدوُّ، وتأخَّرَ النصرُ، واعتمد الناس على قوَّتِهم وذكائهم وأموالهم في تدبير شؤون حياتهم، فما كان إلا المزيد من الضياع والحرمان وقسوة القلوب، قال تعالى-:

 (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43].

ولذلكم

إلهنا، وربنا، وخالقنا، ومربينا، يخاطب رسوله  فيقول : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 159 ]

أي بسبب اتصالك بنا يا محمد امتلأ قلبكَ رحمة، فلما امتلأ قلبك رحمةً انعكست هذه الرحمةُ ليناً، وهذا اللينُ هو سببُ التفافَ الناسِ حولَك.

ولهذا بعد ان قال الله لنبيه :      

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

عقبَ عليه فقال له :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 159 ]

أي : اما لو كنت منقطعاً عنا يامحمد وتوقف اتصالك بنا عندئذٍ سيمتلئ القلب قسوة،وستنعكسُ القسوةُ غلظة، والغلظةُ تسبب أن ينفضَّ الناسُ من حولك ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

هذه الآية يحتاجها كُلُّ إنسان .!

يحتاجها كُلُّ أب، وكُلُّ أم ..

يحتاجها كُلُّ معلم، وكلُ طبيبب..

يحتاجها كُلُّ رئيس دائرة، وكلُ مدير ..!

يحتاجها كُلُّ إنسانٍ ولاه الله على عباده ..

هذه الآية معادلة رياضية :

فإتصالٌ بالله يساوي :

 ( رحمة، لين، التفاف )

وانقطاعٌ عن الله يساوي :

( قسوة، غلظة، انفضاض )

ولأجل ذلكم حبيبكم وقدوتكم ورسولكم عليه الصلاه والسلام رحمة بل هو الرحمة بذاتها وهو القائل عن نفسه كما أخرج ذلك الامام الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وارضاه :

(( إنّما أنا رحمةٌ مهداة )) ..

وفي اليوم الذي فتح فيه عليه الصلاة والسلام مكه وقد أحاطت سيوفُ جنوده بأطرافِ مكة ..!

هذه المدينة التي أخرجته، وآذته ..

هذه المدينة التى حاربته ثلاثة حروب ..

هذه المدينه التى نكّلت بأصحابه وطاردتهم وشردتهم وقتلتهم .!!

مصيرُ هؤلاء المشركين عندما صاروا بين يديه عليه الصلاة والسلام عند فتحه لمكه بكلمةٍ ينطقها وبأمرٍ يأمره فيسألهم الرحمةُ المهداة عليه الصلاة والسلام : ما تظنونَ أني فاعلٌ بكم ؟

قالوا: أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم .!!

قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .!

إنّها دليلُ الرحمة، وهو الرحمه بعينها وهو الرحمة المهداة بذاتها :-

بشرى لنا معشرَ الإسلامِ أنْ لنا           

                          من العنايةِ ركناً غيرَ منهدمِ

لما دعا اللهُ داعينا لطاعتهِ    

                        بأكرمِ الرسلِ كنّا أكرمَ الأممِ

أخوكَ عيسى دعا ميتاً فقامَ له

                       وأنتَ أحييتَ أجيالاً من الرممِ

احبتي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :

موقفٌ إنسانيٌ نبويٌ عظيم له عليه الصلاة والسلام يحدثنا عنه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فيقول :

( كَانَ غُلَامٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، وَهُوَ على فراش الْمَوْتِ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ .!

 فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : 

أَطِعْ أَبَا القاسِم، فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ :

الْحَمْدُ ِللهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ ..

ثم  قَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَصْحَابِهِ :

 ( صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ ).

إنّ هذا الموقفُ النبويُ الكريم يكشفُ الجوانب الإنسانية الحقة في شخصِ النبي صلى الله عليه وسلم، ورسالته العالمية للناسِ كافة، وشفقته وحرصه صلى الله عليه وسلم في دخولِ الناس في الإسلام ..

يتفقد ويزور ويدعو وينصح ليكشف للانسانيةِ قاطبة وللبشريةِ جمعاء انّ علاقة المسلمين بغيرهم هي علاقة صلة وحب ورأفة ورحمة ومودة وتعارف ودعوة وهداية للبشرية كافة.

وهذا إعرابي يلتقى بالنبي عليه الصلاة والسلام وهو حافي القدمين، فيقول في قسوةٍ وفي جهالة : اعدل يا محمد، فليس المالُ مالَك، ولا مالَ أبيك .!

أيُّ إنسانٍ قوي يُقالُ له هذا القول بهذه القسوة وبهذه الغلظة وبهذه الفضاضة يمكن أن يقتله كلياً.. يمكن أن يسجنه على الفور .. يمكن ان ينهال عليه بالشتم او الضرب ..!

لكن انظروا كيف تعامل معه رسول الله وكيف تصرف معه عليه الصلاة والسلام بعد هذه الفضاضة والقسوة  !!

 قال عليه الصلاة والسلام :

صدق إنّه مالُ الله، ثم أكرمه علية الصلاة والسلام وأعطاه وأرضاه.

ويسمعُ عليه الصلاة والسلام بكاءَ طفلٍ رضيع في صلاة الفجر وكأنه ببكائه يخاطب أمه ..

 والعادة أنّ أطول صلاة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام هي صلاة الفجر، فقرأ أقصر سورة وسلّم فلما سألوه لمَ فعلت هذا يا رسول ؟ 

قال : سمعت بكاءَ طفلٍ ينادي أمه ببكائه فأردت أن أرحمه "..

وروى شداد بن الهادِ عن أبيه قال :

خرج علينا رسول الله في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حَسَنًا أو حسينًا، فتقدَّم رسول الله فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها، قال أبي:

فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلمَّا قضى رسول الله الصلاة قال الناس يا رسول الله :

إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك. 

فقال عليه الصلاة والسلام :

 "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ".

وثبت في الصحيحين من حديث ابي قتاده انّه صلى الله عليه وسلم يأتي بـأمامة بنت زينب ويصلي وهي على كتفيه في الفريضة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها }

إنّه الرحمةُ المهداة والنعمةُ المسداة صلى الله عليه وسلم ..

حتى حقوق الحيوان ورحمتُه بها لم يغفل عنها رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم  :

فيرى عليه الصلاة والسلام أحدَ أصحابه يَذبحُ شاةً أمام أختها فغضب قال : هلا حجبتها عن أختها..!!  أتريدُ أن تميتها مرتين ؟

وفي الحديث الصحيح أنّه صلى الله عليك وسلم دخل يوماً حائطاً (بستانا) من حيطان الأنصار، فإذا جملٌ قد أتاه يُجرجرُ (يهدر) فلما رأى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وذرفت عيناه, فمسح رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ على سراته اي :

( سنامه) ومسح على ذِفْراهُ اي (مؤخرة رأسه) فسكن (الجمل).

فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : "مَنْ صَاحِبُ الجملِ؟" 

فجاء فتى من الأنصارِ, فقال : هُو لي يا رسُولَ اللهِ .!!

فقال له رسول الرحمة : أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله ؟

 إنّه شكى لي أنك تجيعه وتُدئبه ..

اي: (تُتعبه بكثرةِ العملِ)". 

كان يرتجف عليه الصلاة والسلام من أعماقه إذا رأى دابةً تُحمّلُ فوق طاقتها، وفوق قدرتها وقوتها فكيف بالذي يُحمّلُ شعوباً فوق طاقتها؟

وهو القائل عليه الصلاة والسلام كما في المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه :

(( دخلتِ النار امرأةٌ في هرةٍ حبستها حتى ماتت ؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )) .. 

كما روى ابن مسعود رضي الله عنه في حديث حسن : {أنّ حمّرةَ طيرٍ رفرفت على رأسه عليه الصلاة والسلام وهو جالسٌ تحت شجرة، فقال لأصحابه: أتدرون ما لهذا الطائر؟ قالوا: لا.

قال : إنّها تشكو من فجعها بأفراخها ؟

ردوا عليها أفراخها، ثم أعاد إليها صلى الله عليه وسلم أفراخها في عشها } ..

وقد أنشد احدهم لرسول الله فقال :

جاءت إليكَ حمامةٌ مشتاقةٌ    

                         تشكو إليك بقلبِ صبٍّ واجفِ

من أخبرَ الورقاءَ أنْ مكانكم  

                                حَرَمٌ وأنّكَ ملجأٌ للخائفِ

صلى الله وسلم وبارك عليك يا حبيبي ياقرةَ عيني يا ابا القاسم يا محمد يارسول الله ...

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة..

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ويا فوز المستغفرين ويانجاة التائبين ...

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :                                

أما بعـــد ايها الأحباب الكرام :

في مثلِ هذا الشَّهر وفي مثلِ هذا الايام من كلِ عامٍ هجري وفي شهرٍ ربيع الأول تَهلُ علينا ذِكْرَى مولِد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذي بدَّد الله به جَميعَ الظُّلمات، فهدى به من الضَّلالة، وعلَّمَ به من الجهالة، وأرْشد به من الغَواية :

نُورٌ مِنَ الرَّحْمَنِ أَرْسَلَهُ 

                   هُدىً لِلنَّاسِ فَازْدَهَرَ الزَّمَانُ وَأَيْنَعَا 

دَعْ عَنْكَ إِيوَاناً لِكِسْرَى عِنْدَمَا 

                          هَتَفُوا بِمَوْلِدِهِ هَوَى وَتَصَدَّعَا 

وَاذْكُرْهُ كَيْفَ أَتَى شُعُوباً فُرِّقَتْ 

                        أَهْوَاؤُهَا كُلٌّ يُصَحِّحُ مَا ادَّعى 

فَهَدَاهُمُ لِلحَقِّ حَتَّى أَصْبَحُوا 

                            فِي اللَّهِ إِخْوَاناً تَرَاهُمْ رُكَّعَا 

 


كانَ عليه الصلاة والسلام ذا رأفَةٍ ورَحمةٍ، ذا شَفَقَةٍ وإحسانٍ يُواسي الفُقراءَ وَيَسْعى في قضاءِ حاجةِ الأرامِلِ والأيتامِ والمساكينِ والضُّعفاءِ يحبُّهم وَيَشْهَدُ جنائِزَهُم .!

فما أعظَمَهُ من نبيٍ وما أحلاها من صِفاتٍ كريمةٍ عَسَانا ان نَتَجَمَّلَ بها لنكونَ على هديِهِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ كما قالَ ربُّهُ وهو يمتدِحُهُ :

{بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ} 

رؤوفٌ بمن حوله، رحيمٌ بالإنسان، بالحيوان

بالمساكين بالفقراء بالمحتاجين بالضعفاء وهو القائل عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي اخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه :(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))

أحدُ أكبرِ أسبابِ النصر والغنى والعزة والرفعة

هذا الضعيف، هذا الجائع، هذا المسكين 

هذا الفقير ، هذا المحروم، هذا المحتاج، هذا المحزون، هذا المديون، هذا المُعدم،هذا المحروم.!

يمكن أن تَسحقه، يمكن أن تُهينه، يمكن أن تجيعه، يمكن أن تُعطيه مبلغاً لا يكفيه أياماً وهو يقبل من شدة الفقر، يقبل من شدة الحاجه .

هذا الضعيف إذا أطعمته إنْ كان جائعاً،او كسوته إن كان عارياً، او علمته إن كان جاهلاً، او زوجته إن كان أعزباً، او آويته إن كان مشرداً، او نصرته إنْ كان مظلوماً، او عالجته إن كان مريضاً .! 

ساعدت كلَ هؤلاء بصدق واخلاص، وساندتهم لأجل الله ولله ولوجة الله ولرضا الله ..

إعلم علم يقين انّ الله عزوجل سيتجلى عليك بالرحمة.

إعلم علم يقينٍ انّ الله لن يتخلى عنك عند شدتك

ولن يتركك عند حاجتك ..

ولن يتركك عند ضعفك او مصيبتك  ..

لن يتركك وحيداً تعاني هماً او غماً او كرباً او ضعفاً طالما أنّك رحمت عبداً من عباده ومددت يد المساعده لفقير من فقراءة ...

كيف وهو القائل كما ورد ذلك في الحديث القدسي عن ابي بكر رضي الله عنه :

(( إنْ كنتم تحبونَ رحمتي فارحموا خلقي ))

وهو القائل علية الصلاة والسلام في الحديث الذي اخرجه أحمد والترمذي من حديث ابي هريرة رضي الله عنه : ( من أنظرَ معسراً : أي :

اخر له السداد - أجّل عنه وقت الدفع - لم يضايقه بطلب حقه )   

وما اكثر الذين يضايقون المعسرين في هذا الزمان مع علمهم بحالهم ووضعهم ..

لك مبلغْ مع شخص، وأنت وضعُكَ المادي جيد جداً، والشخص ليس كذاباً، وليس محتالاً، لكنه لا يملك المال، وأنت معك سند ومعك مايثبت ذلك ومعك الدعوى جاهزة، وعندك محام جاهز لاسترداد حقك اسمع معي :

(( من انظر معسراً أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ))

والله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [ سورة البقرة الآية: 280 ]

الذي لا يَرحمْ لا يُرحم، والراحمون يرحمهم الرحمن  والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الذي اخرجه احمد من حديث ابن عمر رضي الله عنه :

((من أرادَ أن تستجابَ دعوته، وأن تُكشفَ كربته، فليفرجْ عن معسر))..

فهذا هو حبيبنا وهذا هو قدوتنا وهذا هو نبيُّ الرحمة الذي بعثه ربه رحمةً للعالمين ليُعلّمَ الناس الخير ويأمرهم بالبر ويُبيّن لهم شرائع الإسلام ..!

هذا هو محمد بن عبدالله ..!

فما احيلاه من نبيٍ كريم ..

وما أعظمها من أخلاقٍ إسلامية محمدية ..!

وما أحوجنا للإطلاع على شمائله عليه الصلاة والسلام لنهذبَ أنفسنا ونُطهرَ جوارحنا ونرتقي بأخلاقنا ونتواضع فيما بيننا ونتطاوع ..

الرحمةُ المهداةُ جاء مبشِّراً 

                   ولأفضلِ كل الدياناتِ قامَ فأنذرا

ولأكرمِ الأخلاقِ جاءَ مُتمِّماً    

                       يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا

صلى عليه اللهُ في ملكوته  

                       ما قامَ عبدٌ في الصلاة وكبّرا

صلى عليه اللهُ في ملكوته  

                        ما عاقبَ الليلُ النهارَ وأدبرا

صلى عليه اللهُ في ملكوته  

                     ما دارت الأفلاكُ أو نجمٌ سرى

وعليه من لدنِّ الإلهِ تحيةٌ    

                            رَوْحٌ وريحانٌ بطيبٍ أثمرا

 وختامُها عادَ الكلامُ بما بدا  

                     بأبي وأمي أنت يا خيرَ الورى

صَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً:

(( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) .

المشاهدات 2685 | التعليقات 0