المولد النبوي بين الاتباع والابتداع
إبراهيم بن سلطان العريفان
1436/03/11 - 2015/01/02 08:23AM
الحمد لله العلي العظيم، مَالِكَ الْمُلْكِ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ وَ يَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ وَ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَ يُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَ يُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَيُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
خلق فأبدع، وقدر فهدى، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، نحمده ونشكره، وهو المستحق لأن يُحمد ويشكر على كل ما حكم وأمضى. والصلاة والسلام على صفوة خلقه البشير النذير النبي الأمين، الذي أرسله الله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الذين قاموا بالحق وبه كانوا يعدلون.
اتقوا الله تعالى – أيها المؤمنون - بامتثال أوامره، والانتهاء عما نهاكم عنه، واعلموا أن طاعته هي تقواه، وهي الخلاص من كل بلية، والدليل على كل فضيلة ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ) ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... في صبيحة يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولد نبي الرحمة والرسول الكريم وخاتم النبيين وأشرف المرسلين وأكرم الخلق: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر.
وكانت أمه آمنة بنت وهب لم تجد في حملها ما تجده النساء عادة من ألم وضعف، بل كان حملا سهلا يسيرا مباركا، وقد سمعت هاتفا يهتف بها قائلاً: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: إني أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وسميه محمدا.
ولما وضعته أمه خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى أضاءت منه قصور بصرى بأرض الشام وهو المولود بمكة.
عبادالله ... كانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت قد انتشرت فيها عبادة الأصنام والأوثان، والإيمان بالخرافات والجهالات، كما انتشرت الأخلاف الوضيعة والعادات السيئة والتقاليد القبيحة كالزنا، وشرب الخمر، والتجرؤ على القتل وسفك الدماء، وقتل الأبناء ووأد البنات - أي دفنهن حيات - خوفا من الفقر أو العار.
كما كان يسود التعصب القبلي الشديد الذي يدفع صاحبه إلى مناصرة أهل قبيلته بالحق أو الباطل، والتفاخر بالأحساب والأنساب، والحرص على الشرف والمكانة والسمعة الذي كان كثيرا ما يفضي إلى حروب ومعارك بين القبائل تستمر سنوات طويلات، وتسفك فيها الدماء رخيصة، على الرغم من تفاهة الأسباب التي اشتعلت بسببها تلك الحروب.
ورغم نشأة النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأجواء الجاهلية إلا أنه منذ صغره لم يتلوث بأي من هذه الوثنيات والعادات المنحرفة، ولم ينخرط مع أهل قبيلته في غيهم وظلمهم، بل حفظه الله منذ نعومة أظفاره.
وينتسب النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى أسرة عريقة ذات نسب عظيم عند العرب، فقد كان أجداده من أشراف العرب وأحسنهم سيرة.
وقد ولد - صلى الله عليه وسلم - يتيمًا فقيرًا، فقد توفي والده عبد الله أثناء حمل أمه آمنة بنت وهب فيه.
وكان من عادة العرب أن يدفعوا أولادهم عند ولادتهم إلى مرضعات يعشن في البادية؛ لكي يبعدوهم عن الأمراض المنتشرة في الحواضر، ولتقوى أجسادهم، وليتقنوا لغة العرب الفصيحة في مهدهم.
ولذلك دفعت آمنة بنت وهب وليدها محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى مرضعة من بني سعد تسمى حليمة.
وقد رأت حليمة العجائب من بركة هذا الطفل المبارك محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث زاد اللبن في صدرها، وزاد الكلأ في مراعي أغنامها، وزادت الأغنام سمنًا ولحمًا ولبنًا، وتبدلت حياة حليمة من جفاف وفقر ومشقة ومعاناة إلى خير وفير وبركة عجيبة، فعلمت أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كونه ليس مثل كل الأطفال، بل هو طفل مبارك، واستيقنت أنه شخص سيكون له شأن كبير، فكانت حريصة كل الحرص عليه وعلى وجوده معها، وكانت شديدة المحبة له.
وعندما بلغ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ست سنوات توفيت أمه، فعاش في رعاية جده عبد المطلب الذي أعطاه رعاية كبيرة، وكان يردد كثيرًا : أن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم، ثم توفي عبد المطلب عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنوات، وعهد بكفالته إلى عمه أبي طالب الذي قام بحق ابن أخيه خير قيام.
يا أمة محمد .. كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في صغره يعمل في رعي الأغنام، ثم اتجه للعمل في التجارة حين شب، وأبدى مهارة كبيرة في العمل التجاري، وعُرِف عنه الصدق والأمانة وكرم الأخلاق وحسن السيرة والعقل الراجح والحكمة البالغة.
وكان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم ينأى بنفسه عن كل خصال الجاهلية القبيحة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل من الذبائح التي تذبح للأصنام، ولم يكن يحضر أي عيد أو احتفال يقام للأوثان، بل كان معروفًا عنه كراهيته الشديدة لعبادة الأصنام وتعظيمها، حتى أنه كان لا يحب مجرد سماع الحلف باللات والعزى وهما صنمان مشهوران كان العرب يعظمونهما ويعبدونهما ويكثرون الحلف بهما.
ولم يكن نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم يشارك شباب قريش في حفلات السمر واللهو ومجالس الغناء والعزف والخمر، وكان يستنكر الزنا واللهو مع النساء.
وكان الرسول العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم - يمتاز في قومه بالأخلاق الصالحة، حتى أنه كان أعظمهم مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأكثرهم حلمًا. فاشتهر عنه مساعدة المحتاجين، وإعانة المبتلين، وإكرام الضيوف، والإحسان إلى الجيران، والوفاء بالعهد، وعفة اللسان، وكان قمة في الأمانة والصدق حتى عرف بين قومه بـ "الصادق الأمين".
هذه هو نبي الأمة – يا أمة محمد – فاهتدوا بهديه، والتزموا نهجه، واستنوا بسنته، جعلني الله وإياكم من أتباعه صلى الله عليه وسلم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين .. إن من أعظم نعم الله على الناس بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه الله على حين فترة من الرسل، فكان صلى الله عليه وسلم دعوةَ أبيه إبراهيم حين قال ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) وكان بشرى أخيه عيسى حين قال ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) وكان رؤيا أمه حين رأت في المنام قبل ولادته أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام.
جعله الله سراجاً منيراً استنارت به الأرض بعد ظلمتها، وجمع الله به الأمة بعد شتاتها، واهتدت به البشرية بعد حيرتها.. لقد أعاد صلى الله عليه وسلم للحنيفية السمحة ملةِ إبراهيم صفاءها وضياءها، وأماط عنها ما علق بها من أوضار الجاهلية وضلالاتها، وجمع الله به كلمة الأمة بعد تفرقها، ثم لحق بالرفيق الأعلى؛ صلوات الله وسلامه عليه.
وإن واجب كل مسلم نحو هذه النعمة العظيمة أن يشكر الله عليها بالتمسك بها والمحافظة عليها، وذلك باتباع هذا الرسول العظيم والاقتداء به، وأن نحبه أكثر مما نحب أنفسنا وأولادنا.
وإن من أعظم مظاهر طاعته ومحبته: فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ويقول عليه الصلاةوالسلام ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) وقال صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فقد دلت هذه النصوص على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن الابتداع، لأن الدين قد كمل، فليس لأحد بعد ذلك أن يشرع شيئاً لم يشرعه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم استحساناً من عقله الناقص أو اتباعاً لهوى ضال.
عباد الله ... ومما أحدثه بعض الجهلة والمغرضين من البدع: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وهو احتفال يقام في مثل الأيام الذي يُدعى أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد فيه، وهو بدعة محدثة، وأمر منكر، وهو ممنوع مردود، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم بهذا الاحتفال المزعوم في حياته، ولم يأمر به أصحابه بعد موته وهم أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤثر عن أحدهم أنه أشار إليه أو استحبه لا من قريب ولا من بعيد. ولم يفعل هذا أصحاب القرون الثلاثة المفضلة جميعهم، ولو كان هذا خيراً لسبقونا إليه.
ثم اعلموا .. إن في الاحتفال بذكرى المولد تشبهاً بالنصارى، لأنهم يحتفلون بذكرى مولد المسيح عليه الصلاة والسلام.. وقد جاء النهي عن التشبه بالمشركين صريحاً ( خالفوا المشركين ) وقال ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
عباد الله .. إن في الاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة إلى الغلو فيه والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي ذلك إلى دعائه والاستغاثة به من دون الله؛ كما هو الواقع الآن في كثير ممن يحيون هذه البدعة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه فقال ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله ).
واعلموا .. أن في إحياء هذه البدعة فتح لأبواب البدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، لأنه ما أحييت بدعة إلا بموت سنة. ولذلك قد صار دينُ كثير من أولئك المبتدعة ذكرياتٍ بدعيةً وموالد، يُحْيون فيها ذكرياتِ أئمتهم ومشايخهم، فلا يفرغون من مولد إلا ويشتغلون بآخر.و قد نتج عن ذلك الغلو في أولئك الموتى ودعاؤهم من دون الله.
ناهيك بعد كل عما يصاحب تلك الاحتفالات من المنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء والأعمال الشركية.
اللهم إنا نسألك الإخلاص وحسن الاتباع، ونعوذ بك من الشرك والابتداع.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين
خلق فأبدع، وقدر فهدى، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، نحمده ونشكره، وهو المستحق لأن يُحمد ويشكر على كل ما حكم وأمضى. والصلاة والسلام على صفوة خلقه البشير النذير النبي الأمين، الذي أرسله الله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الذين قاموا بالحق وبه كانوا يعدلون.
اتقوا الله تعالى – أيها المؤمنون - بامتثال أوامره، والانتهاء عما نهاكم عنه، واعلموا أن طاعته هي تقواه، وهي الخلاص من كل بلية، والدليل على كل فضيلة ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ) ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... في صبيحة يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولد نبي الرحمة والرسول الكريم وخاتم النبيين وأشرف المرسلين وأكرم الخلق: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر.
وكانت أمه آمنة بنت وهب لم تجد في حملها ما تجده النساء عادة من ألم وضعف، بل كان حملا سهلا يسيرا مباركا، وقد سمعت هاتفا يهتف بها قائلاً: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: إني أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وسميه محمدا.
ولما وضعته أمه خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى أضاءت منه قصور بصرى بأرض الشام وهو المولود بمكة.
عبادالله ... كانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت قد انتشرت فيها عبادة الأصنام والأوثان، والإيمان بالخرافات والجهالات، كما انتشرت الأخلاف الوضيعة والعادات السيئة والتقاليد القبيحة كالزنا، وشرب الخمر، والتجرؤ على القتل وسفك الدماء، وقتل الأبناء ووأد البنات - أي دفنهن حيات - خوفا من الفقر أو العار.
كما كان يسود التعصب القبلي الشديد الذي يدفع صاحبه إلى مناصرة أهل قبيلته بالحق أو الباطل، والتفاخر بالأحساب والأنساب، والحرص على الشرف والمكانة والسمعة الذي كان كثيرا ما يفضي إلى حروب ومعارك بين القبائل تستمر سنوات طويلات، وتسفك فيها الدماء رخيصة، على الرغم من تفاهة الأسباب التي اشتعلت بسببها تلك الحروب.
ورغم نشأة النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأجواء الجاهلية إلا أنه منذ صغره لم يتلوث بأي من هذه الوثنيات والعادات المنحرفة، ولم ينخرط مع أهل قبيلته في غيهم وظلمهم، بل حفظه الله منذ نعومة أظفاره.
وينتسب النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى أسرة عريقة ذات نسب عظيم عند العرب، فقد كان أجداده من أشراف العرب وأحسنهم سيرة.
وقد ولد - صلى الله عليه وسلم - يتيمًا فقيرًا، فقد توفي والده عبد الله أثناء حمل أمه آمنة بنت وهب فيه.
وكان من عادة العرب أن يدفعوا أولادهم عند ولادتهم إلى مرضعات يعشن في البادية؛ لكي يبعدوهم عن الأمراض المنتشرة في الحواضر، ولتقوى أجسادهم، وليتقنوا لغة العرب الفصيحة في مهدهم.
ولذلك دفعت آمنة بنت وهب وليدها محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى مرضعة من بني سعد تسمى حليمة.
وقد رأت حليمة العجائب من بركة هذا الطفل المبارك محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث زاد اللبن في صدرها، وزاد الكلأ في مراعي أغنامها، وزادت الأغنام سمنًا ولحمًا ولبنًا، وتبدلت حياة حليمة من جفاف وفقر ومشقة ومعاناة إلى خير وفير وبركة عجيبة، فعلمت أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كونه ليس مثل كل الأطفال، بل هو طفل مبارك، واستيقنت أنه شخص سيكون له شأن كبير، فكانت حريصة كل الحرص عليه وعلى وجوده معها، وكانت شديدة المحبة له.
وعندما بلغ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ست سنوات توفيت أمه، فعاش في رعاية جده عبد المطلب الذي أعطاه رعاية كبيرة، وكان يردد كثيرًا : أن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم، ثم توفي عبد المطلب عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنوات، وعهد بكفالته إلى عمه أبي طالب الذي قام بحق ابن أخيه خير قيام.
يا أمة محمد .. كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في صغره يعمل في رعي الأغنام، ثم اتجه للعمل في التجارة حين شب، وأبدى مهارة كبيرة في العمل التجاري، وعُرِف عنه الصدق والأمانة وكرم الأخلاق وحسن السيرة والعقل الراجح والحكمة البالغة.
وكان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم ينأى بنفسه عن كل خصال الجاهلية القبيحة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل من الذبائح التي تذبح للأصنام، ولم يكن يحضر أي عيد أو احتفال يقام للأوثان، بل كان معروفًا عنه كراهيته الشديدة لعبادة الأصنام وتعظيمها، حتى أنه كان لا يحب مجرد سماع الحلف باللات والعزى وهما صنمان مشهوران كان العرب يعظمونهما ويعبدونهما ويكثرون الحلف بهما.
ولم يكن نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم يشارك شباب قريش في حفلات السمر واللهو ومجالس الغناء والعزف والخمر، وكان يستنكر الزنا واللهو مع النساء.
وكان الرسول العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم - يمتاز في قومه بالأخلاق الصالحة، حتى أنه كان أعظمهم مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأكثرهم حلمًا. فاشتهر عنه مساعدة المحتاجين، وإعانة المبتلين، وإكرام الضيوف، والإحسان إلى الجيران، والوفاء بالعهد، وعفة اللسان، وكان قمة في الأمانة والصدق حتى عرف بين قومه بـ "الصادق الأمين".
هذه هو نبي الأمة – يا أمة محمد – فاهتدوا بهديه، والتزموا نهجه، واستنوا بسنته، جعلني الله وإياكم من أتباعه صلى الله عليه وسلم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين .. إن من أعظم نعم الله على الناس بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه الله على حين فترة من الرسل، فكان صلى الله عليه وسلم دعوةَ أبيه إبراهيم حين قال ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) وكان بشرى أخيه عيسى حين قال ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) وكان رؤيا أمه حين رأت في المنام قبل ولادته أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام.
جعله الله سراجاً منيراً استنارت به الأرض بعد ظلمتها، وجمع الله به الأمة بعد شتاتها، واهتدت به البشرية بعد حيرتها.. لقد أعاد صلى الله عليه وسلم للحنيفية السمحة ملةِ إبراهيم صفاءها وضياءها، وأماط عنها ما علق بها من أوضار الجاهلية وضلالاتها، وجمع الله به كلمة الأمة بعد تفرقها، ثم لحق بالرفيق الأعلى؛ صلوات الله وسلامه عليه.
وإن واجب كل مسلم نحو هذه النعمة العظيمة أن يشكر الله عليها بالتمسك بها والمحافظة عليها، وذلك باتباع هذا الرسول العظيم والاقتداء به، وأن نحبه أكثر مما نحب أنفسنا وأولادنا.
وإن من أعظم مظاهر طاعته ومحبته: فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ويقول عليه الصلاةوالسلام ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) وقال صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فقد دلت هذه النصوص على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن الابتداع، لأن الدين قد كمل، فليس لأحد بعد ذلك أن يشرع شيئاً لم يشرعه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم استحساناً من عقله الناقص أو اتباعاً لهوى ضال.
عباد الله ... ومما أحدثه بعض الجهلة والمغرضين من البدع: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وهو احتفال يقام في مثل الأيام الذي يُدعى أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد فيه، وهو بدعة محدثة، وأمر منكر، وهو ممنوع مردود، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم بهذا الاحتفال المزعوم في حياته، ولم يأمر به أصحابه بعد موته وهم أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤثر عن أحدهم أنه أشار إليه أو استحبه لا من قريب ولا من بعيد. ولم يفعل هذا أصحاب القرون الثلاثة المفضلة جميعهم، ولو كان هذا خيراً لسبقونا إليه.
ثم اعلموا .. إن في الاحتفال بذكرى المولد تشبهاً بالنصارى، لأنهم يحتفلون بذكرى مولد المسيح عليه الصلاة والسلام.. وقد جاء النهي عن التشبه بالمشركين صريحاً ( خالفوا المشركين ) وقال ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
عباد الله .. إن في الاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة إلى الغلو فيه والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي ذلك إلى دعائه والاستغاثة به من دون الله؛ كما هو الواقع الآن في كثير ممن يحيون هذه البدعة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه فقال ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله ).
واعلموا .. أن في إحياء هذه البدعة فتح لأبواب البدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن، لأنه ما أحييت بدعة إلا بموت سنة. ولذلك قد صار دينُ كثير من أولئك المبتدعة ذكرياتٍ بدعيةً وموالد، يُحْيون فيها ذكرياتِ أئمتهم ومشايخهم، فلا يفرغون من مولد إلا ويشتغلون بآخر.و قد نتج عن ذلك الغلو في أولئك الموتى ودعاؤهم من دون الله.
ناهيك بعد كل عما يصاحب تلك الاحتفالات من المنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء والأعمال الشركية.
اللهم إنا نسألك الإخلاص وحسن الاتباع، ونعوذ بك من الشرك والابتداع.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق