الْمَوْقِفُ الصَّحِيحُ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ

محمد بن مبارك الشرافي
1434/02/27 - 2013/01/09 16:11PM
الْمَوْقِفُ الصَّحِيحُ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ 29 صفر 1434 هـ
الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، التَّوَّابِ الرَّحِيم ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ الْقَدِيم ، أَحْمَدُ رَبِّي وَأَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ الْعَمِيم ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيم ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْهَدْيِ الْقَوِيم ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الْخُلُقِ الْكَرِيم .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ , وَاعْلَمُوا أَنَّنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فِي دَارِ بَلاءٍ وَاخْتِبَار , وَأَنَّ اللهَ يَبْلُو بَعْضَنَا بِبَعْضٍ , وَأَنَّ اللهَ يَبْلُونَا بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً , وَأَنَّنَا إِلَى رَبِّنَا رَاجِعُون .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ طَرِيقَ الْمُؤْمِنِ الْعَاقِلِ الذِي يُرِيدُ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ هُوَ أَنَّهُ يَتَّبِعُ الْوَحْيَ الْمُطَهَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , سَوَاءٌ وَافَقَ هَوَى نَفْسِهِ أَمْ خَالَفَهُ , وَسَوَاءٌ وَافَقَ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ النَّاسِ أَمْ خَالَفَهُمْ , وَذَلِكَ لِأَنَّ هَدَفَهُ هُوَ رِضَا رَبِّهُ عَنْهُ وَلَوْ سَخِطَ النَّاسُ عَلَيْهِ , مُمْتَثِلاً فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا)
هَكَذَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ الْعَاقِلُ لِتَكُنْ فِي كُلِّ أُمُورِ حَيَاتِكَ اعْتِقَادَاً وَعَمَلا . وَإِنَّ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَفِي هَذَا الْوَقْتِ بِخُصُوصِهِ هِيَ عَلاقَةُ النَّاسِ بِحُكَّامِهُمْ , مِنَ الْمُلُوكِ وَالأُمُرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَمَنْ دُونَهُمْ مِمَّنْ لَهُ نَوْعُ وَلايَةٍ , وَمَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ شَرْعِيَّةٌ وَجَاءَتِ النُّصُوصُ بِحَسْمِهَا إِلَّا أَنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّهَا مَسَائِلُ عَادَيَّةٌ أَوْ تَرْجِعُ إِلَى الأَعْرَافِ أَو أَنَّهَا مَسَائِلُ سَيَاسِيَّةٌ يُمْكِنُ رَفْضُهَا وَقَبُولُهَا , أَوْ أَنَّهَا سَائِرَةٌ حَسَبَ قُوَّةِ الحُكَّامِ وَضَعْفِهِمْ , فَإِنْ خِفْنَا مِنْهُمْ أَطَعْنَاهُمْ وَإِنْ تَمَكَّنَا مِنَ مَعْصِيَتِهِمْ ترَكْنْاهُمْ وَخَالَفْنَاهُمْ !!!
ثُمَّ إِنَّهُ كَثُرَ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ طَرْقُ هَذَا الْمَوْضُوعِ مِمَّنْ هَبَّ وَدَبَّ , وَخُصُوصَاً بَعْدَ كَثْرَةِ وَسَائِلِ الإِعْلامِ وَأَدَوَاتِ التَّوَاصِلِ الْجَدِيدَةِ , وَصَارَ كُلٌّ يَكْتُبُ وَيَتَكَلَّمُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ أَوْ فَهْمٌ أوْ عَقْلٌ , حَتَّى اخْتَلَطَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَالْتَبَسَ عَلَى عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ الأَمْرُ , وَهَذَا أَمْرٌ يُؤْذِنُ بِالْخَطَرِ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : (1) إِنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِوُلاةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ , قَلَّ أَنْ يَخْلُوَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْعَقِيدَةِ مِنْ تَقْرِيرِهِ وَشَرْحِهِ وَبَيَانِهِ , وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِبَالِغِ أَهَمِّيَّتِهِ وَعَظِيمِ شَأْنِهِ , إِذْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُمْ تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعَاً , وَبِالافْتِيَاتِ عَلَيْهِمْ قَوْلَاً أَوْ فِعْلاً فَسَادُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا .
وَقَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الإِسْلامِ أَنُّهُ لا دِينَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ وَلا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَامَةٍ , وَلا إِمَامَةَ إِلَّا بِسَمْعٍ وَطَاعَة , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ احْتِرَامٌ وَتَقْدِير , وَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ , فَمَا الْهَدَفُ إِذَنْ مِنْ تَوْلِيَتِه ؟
يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الأُمَرَاءِ : هُمْ يَلُونَ مِنْ أُمُورِنَا خَمْسَاً : الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَ وَالثُّغُورَ وَالْحُدُودَ , وَاللهِ لا يَسْتَقِيمُ الدُّينُ إِلَّا بِهِمْ وَإِنْ جَارُوا وَظَلَمُوا , وَاللهِ لَمَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا يُفْسِدُونَ , مَعَ أَنَّ طَاعَتَهُمْ وَاللهِ لِغِبْطَةٌ وَإِنَّ فُرْقَتَهُمْ لَكُفْرٌ ا.هـ.
وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ يُولُونَ هَذَا الأَمْرَ اهْتِمَامَاً خَاصَّاً , لا سِيِّمَا عِنْدَ ظُهُورِ بَوَادِرِ الْفِتْنَةِ , نَظَرَاً لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجَهْلِ بِهِ أَوْ إِغْفَالِهِ مِنَ الْفَسَادِ الْعَرِيضِ فِي الْعِبَادِ وَالْبِلادِ , وَالْعُدُولِ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى وَالرَّشَاد .
وَاهْتِمَامُ السَّلَفِ بِهَذَا الأَمْرِ تَحْمِلُهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ نُقِلَتْ إِلَيْنَا عَنْهُمْ , مِنْ أَبْلَغِهَا وَأَجَلِّهَا مَا قَامَ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ رَحِمَهُ اللهُ , حَيْثَ كَانَ مِثَالاً لِلسُّنَّةِ فِي مُعَامَلَةِ الْوُلاةِ .
فَفِي عَصْرِهِ تَبَنَّى الْوُلاةُ أَحَدَ الْمَذَاهِبِ الْفِكْرِيَّةِ السَّيِّئَةِ , وَحَمَلُوا النَّاسَ عَلَيْهِ بِالْقُوَّةِ وَالسَّيْفِ , وَأُرِيقَتْ دِمَاءُ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ , وَفُرِضَ الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى الأُمَّةِ وَقُرِّرَ ذَلِكَ فِي كَتَاتِيبِ الصِّبْيَانِ , إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الطَّامَّاتِ وَالْعَظَائِمِ , وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالإِمَامُ أَحْمَدُ لا يَنْزَعُهُ هَوَى وَلا تَسْتَجِيشُهُ الْعَوَاطِفُ , بَلْ ثَبَتَ عَلَى السُّنَّةِ , لِأَنَّهَا خَيْرٌ وَأَهْدَى , فَأَمَرَ بِطَاعَةِ وَلِىِّ الأَمْرِ وَجَمَعَ الْعَامَّةَ عَلَيْهِ , وَوقَفَ كَالْجَبَلِ الشَّامِخِ فِي وَجْهِ مَنْ أَرَادَ مُخَالَفَةَ الْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ.
وَمِمَّا يَزِيدُ مَبْدَأُ اهْتِمَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِهَذَا الأَمْرِ وُضُوحَاً مَا جَاءَ فِي كِتَابِ ( السُّنَّةِ) لِلإِمَامِ الْحَسَنِ بْنِ عَلَيٍّ الْبَرْبَهَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ حَيْثُ قَالَ : إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَدْعُو عَلَى السُّلْطَانِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ هَوَى , وَإِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَدْعُو لِلسُّلْطَانِ بِالصَّلاحِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى .
يَقُولُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ (لَوْ كَانَ لِي دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ مَا جَعَلْتُهَا إِلَّا فِي السُّلْطَانِ) !!! فُأُمِرْنَا أَنْ نَدْعُوَ لَهُمْ , وَلَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نَدْعُوَ عَلَيْهِمْ , وَإِنْ جَارُوا وَظَلَمُوا , لِأَنَّ جَورَهُمْ وَظُلْمَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَصَلاحَهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ ا. هـ .
وَيَقُولُ الشَّيْخُ الإِمَامُ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَن آلِ الشَّيْخِ – رَحِمَ اللهُ الْجَمِيعَ – فِي كَلامٍ مَتِينٍ يُحَاوِلُ فِيهِ كَشْفَ شَيْءٍ مِنَ الشُّبَهِ الْمُلْبِسَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ أَشَاعَهَا مِنَ الْجُهَّالِ , حَيْثُ يَقُولُ : وَلَمْ يَدْرِ هَؤُلاءِ الْمَفْتُونُونَ أَنَّ أَكْثَرَ وُلاةِ أَهْلِ الإِسْلامِ مِنْ عَهْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيةَ – حَاشَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنْ شَاءَ اللهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ - قَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْجَرَاءَةِ وَالْحَوادِثِ الْعِظَامِ وَالْخُرُوجِ وَالْفَسَادِ فِي وِلايَةِ أَهْلِ الإِسْلامِ , وَمَعَ ذَلِكَ فَسِيرَةُ الأَئِمَّةِ الأَعْلامِ وَالسَّادَةِ الْعِظَامِ مَعَهُمْ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ لا يَنْزَعُونَ يَدَاً مِنْ طَاعَةٍ فِيمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلامِ وَوَاجِبَاتِ الدِّينِ .
وَأَضْرِبُ لَكَ مَثَلاً بِالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ اشْتَهَرَ أَمْرُهُ فِي الأُمَّةِ بِالظُّلْمِ وَالْغُشْمِ وَالإِسْرَافِ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ وَانْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللهِ , وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْ سَادَاتِ الأُمَّةِ كَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَحَاصَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَقَدْ عَاذَ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ وَاسْتَبَاحَ الْحُرْمَةَ وَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ . وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَقَّفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي طَاعَتِهِ وَالانْقِيَادِ لَهُ فِيمَا تَسُوغُ طَاعَتُهُ فِيهِ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَوَاجِبَاتِهِ . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَمَنْ أَدْرَكَ الْحَجَّاجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُنَازِعُونَهُ وَلا يَمْتَنِعُونَ مِنْ طَاعَتِهِ فِيمَا يَقُومُ بِهِ الإِسْلامُ وَيَكْمُلُ بِهِ الإِيمَانُ . وَكَذَلِكَ مَنْ فِي زَمَنِهِ مِنَ التَّابِعِينَ كَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَأَشْبَاهِهِمْ وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ سَادَاتِ الأُمَّة . وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا بَيْنَ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ يَأْمُرُونَ بِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ مَعَ كُلِّ إِمَامٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِر كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الدَّينِ وَالْعَقَائِدِ ا.هـ. (1)
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفُرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتُّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاحْذَرُوا الْفِتَنَ التِي إِذَا حَلَّتْ عَصَفَتْ بِالْبِلادِ وَالْعِبَادِ .
يَقُولُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ : إِنَّنَا إِذَا احْتَرَمْنَا عُلَمَاءَنَا حَفِظْنَا دِينَنَا وَإِذَا احْتَرَمْنَا حُكَّامَنَا حَفِظْنَا أَمْنَنَا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : اسْمَعُوا لِهَذِهِ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ التِي قَالَهَا أَنْصَحُ الْخَلْقِ وَأَفْصَحُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُ الْخَلْقِ , ثُمَّ تَأَمَّلُوا مَوْقِفَكُمْ مِنْهَا وَاحْذَرُوا فَإِنَّ الْحِسَابَ قَرِيب , وَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ دِينٌ نَتَدَيَّنُ بِه .
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ خَلَعَ يَدَاً مِنْ طَاعَةٍ ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , قَالَ : دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ , فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا : أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا , وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا , وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا , وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . فَـتَأَمَّلُوا هَذِهِ الشُّرُوطَ العَظِيمَةَ وَاحْفَظُوهَا .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكُ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَتَأَمَّلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَذِهِ النُّصُوصَ النَّبَوِيَّةَ الشَّريِفَةَ فِي الْمَوْقِفِ الصَّائِبِ مِنَ الْحُكَّامِ إِذَا جَارُوا أَوْ ظَلَمُوا !!!
وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنْ لا نُنَاصِحَ وُلاةَ الأُمُورِ بَلِ النَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَبِيرَاً كَانَ أَوْ صَغِيرَاً , وَلَكِنَّهَا تَكُونُ بِالطُّرِقِ الشَّرْعِيَّةِ , وَبِالسِّرِّ وَلَيْسَ بِالتَّشْهِيرِ وَالسَّبِّ وَالتَّعْيِيبِ , فَإِنَّ هَذَا لا يَرْضَاهُ أَدْنَى النَّاسِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَهُ مَنْزِلَةٌ وَمَكَانَةٌ فِي الْمُجْتَمَع ؟؟؟ فَيَجِبُ أَنْ نَتَلَطَّفَ فِي مُنَاصَحَتِهِ وَالإِنْكَارِ عَلَيْهِ , وَالسُّنَّةُ أَنْ تُبْذَلَ النَّصِيحَةُ لِلإِمَامِ سِرَّاً , بَعِيداً عَنِ الإِثَارَةِ وَالتَّهْوِيلِ , وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً ، وَلْيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَإِنْ سَمِعَ مِنْهُ فَذَاكَ ، وَإِلَّا أَدَّى الذِي عَلَيْهِ) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَاحْذَرُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ دُعَاةِ الْفْتْنَةِ , وَاعْلَمُوا أَنَّ بِلادَكُمْ مُسْتَهْدَفَةٌ مِنْ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ , فَوَ اللهِ لَوْ حَدَثَ اضْطِرَابٌ أَوِ اخْتِلالٌ فِي الأَمْنِ لَنَعُضَّنَّ أَصَابِعَ النَّدَمِ وَنَتَمَنَّى مَا كُنَّا فِيهِ مِنْ أَمْنٍ وَسَلامٍ وَاسْتِقْرَار .
أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا أَنْ يُصْلِحَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةَ , وَأَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَدُنْيَانَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أَمْرِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا رُشْدَنَا وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا , وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا , وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ , وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَان , اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ , والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

(1)ما بين الرقمين أخذت جله من كتاب [معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة] للشيخ عبد الكريم بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم رحمه الله , وهو كتاب نافع في هذا الباب يحسن اقتناؤه والاستفادة منه , ومن لم يستطع الحصول عليه فيتكرم بمراسلتي على بريدي [email protected] أو رسالة على جوالي 0503460321 وأنا أوفره له بإذن الله .
المرفقات

الْمَوْقِ..[1].doc

الْمَوْقِ..[1].doc

المشاهدات 3775 | التعليقات 5

جزاك الله خير ياشيخنا خطبة رائعة كما عودتنا.


جزاك الله خير خطبة ممتازة ورائعة .
* لي تعليق بسيط كنت أتمنى من الشيخ وفقه الله بيان من أحق بالنصيحة للولاة هل هم العلماء و من يستطيع الوصول إليهم أم لعامة الناس ؟


موفق ومسدد ياشيخ محمد خطبة رائعة ومستندة على الأدلة الشرعية وتطبيق السلف لها في أزمنة الفتن


* لي تعليق بسيط كنت أتمنى من الشيخ وفقه الله بيان من أحق بالنصيحة للولاة هل هم العلماء و من يستطيع الوصول إليهم أم لعامة الناس ؟ ]
أخي الفاضل محمد البدر : ملاحظة مسددة , والجواب عليها أن الجميع مطالبون كلٌ بحسب استطاعته , فالعامي الذي يستطيع الوصول لولي الأمر ينصحه , فكم من العوام لهم دخول ومجالس مع بعض ولاة الأمر وهم مطالبون بنصحهم .
نعم العلماء هم المعنيون أولاً بالشرع بيانا له ودفاعا عنه , لكن ليس كل العلماء يستطيعون الوصول لولاة الأمر , وليس العالم مطالبا بتتبع النمكرات الحاصلة , فلا نجعل كل شيء على العالم , فإن حصل تقصير لُمْنَاه ,


جزاك الله خيرا