الموت ... عبرة وعظة

الحمد لله الذي هدم بالموت نشيد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار، لا يمتنع منه ممتنع بجدار، ولا يحترس منه محترس بكثرة جموع وأنصار، حكمة بالغة من حكيم ذي اقتدار.

أحمده سبحانه وأشكره، وفضله على شاكره مدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القرار.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

إخوة الإيمان والعقيدة: شاب يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، كان في المسجد يتلو القرآن، وينتظر إقامة صلاة الفجر، فلما أقيمت الصلاة، رد المصحف إلى مكانه، ثم نهض ليقف في الصف، فإذا به يقع على الأرض فجأة مغمى عليه.

حمله بعض المصلين إلى المستشفى، يقول الدكتور الذي عاين حالته: أُتي إلينا بهذا الشاب محمولاً كالجنازة، فلما كشفت عليه فإذا هو مصاب بجلطة في القلب لو أصيب بها جمل لأردته ميتاً، نظرت إلى الشاب فإذا هو يصارع الموت ويودع أنفاس الحياة، سارعنا إلى نجدته وتنشيط قلبه.

أوقفتُ عنده طبيب الإسعاف يراقب حالته، وذهبت لإحضار بعض الأجهزة لمعالجته، فلما أقبلت إليه مسرعاً، فإذا الشاب متعلق بيد طبيب الإسعاف، والطبيب قد ألصق أذنه بفم الشاب، والشاب يهمس في أذنه بكلمات، فوقفت أنظر إليهما لحظات.

وفجأة أطلق الشاب يد الطبيب، وحاول جاهداً أن يلتفت لجانبه الأيمن، ثم قال بلسان ثقيل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأخذ يكررها، ونبضه يتلاشى، وضربات القلب تختفي، ونحن نحاول إنقاذه؛ ولكن قضاء الله كان أقوى، ومات الشاب.

عندها انفجر طبيب الإسعاف باكياً، حتى لم يستطع الوقوف على قدميه، فعجبنا وقلنا له: يا فلان! ما لك تبكي؟ ليست هذه أول مرة ترى فيها ميتاً! لكن طبيب الإسعاف استمر في بكائه ونحيبه، فلما خف عنه البكاء سألناه: ماذا كان يقول لك الشاب؟ فقال: لما رآك يا دكتور تذهب وتجيء وتأمر وتنهى، علم أنك الطبيب المختص به، فقال لي: قل لصاحبك الدكتور لا يتعب نفسه، لا يتعب، أنا ميت لا محالة، والله إني أرى مقعدي من الجنة الآن.

الله أكبر! (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) أسأل الله أن يختم لنا جميعاً بالصالحات.

ولما سئل والده عن حال الشاب (ابنه) قال: ابني هذا ما كان يفوته الصف الأول في المسجد، ابني هذا هو الذي كان يوقظنا لصلاة الفجر، ابني هذا كان ملازما لحلقات تحفيظ القرآن، ابني هذا كان في الصف الثاني ثانوي علمي، وكان تقديره "امتياز".

هذا هو الفرق -يا عباد الله- بين المطيع والعاصي، والفرق الحقيقي يتبينُ (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) سبحان الله العظيم! ولا إله إلا هو الله.

عباد الله: ولكم في الموت عبرة وعظة، ولكن من يتعظ؟ فهنيئاً لِمَنْ لاقى اللهَ وقد صلـُحَ عَملـُهُ! وتعِسَ مَنْ ساءَ عَملـُهُ حتى جاءَهُ أجلـُه.

فجديرٌ بمن الموتُ مصرَعُهُ، والترابُ مضجعُهُ، والدودُ أنيسُهُ, ومُنكرٌ ونَكيرٌ جليسُهُ, والقبرُ مقرهُ، وبطنُ الأرض مُستقرهُ، والقيامة موعدُهُ، والجنة  أو النارُ موردُهُ، أن لا يكونَ لهُ فكرٌ إلاَّ في الموت, ولا ذكر إلاَّ للموت, ولا استعداد إلاَّ لأجل الموت، ولا تدبير إلّا في الموت, ولا تطلع إلاَّ إلى الموت، ولا تعريج إلاَّ على الموت، ولا اهتمام إلاَّ بالموت.

لقد خاطبَ ربُّ البشرِ، سائرَ البشرِ, بما خاطبَ بهِ سيدَ البشر -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فقالَ عزَّ مِنْ قائل (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) فاللهُ تباركَ وتعالى كتبَ على خلقِهِ الفناءَ, ولنفسِهِ البقاءَ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).

فالموتُ هوَ الوقتُ المعلومُ، والأجلُ المحدودُ، فإذا جاءَ أجلُ الإنسان فقد دنتْ ساعَتهُ، وحانتْ مَنيَّـتـُهُ، وصدقَ الله (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

أيُّها العُقلاءُ الأكارمُ: إنًّ العُمُرَ قصيرٌ وإن طالَ التـَّمَتـُّعُ بهِ، وإنَّ القبرَ يَضِيْقُ إلاَّ لِمَنْ أعدَّ لهُ، وإنَّ الحسابَ قريبْ؛ فمَنْ يُعِدُّ لهُ؟ فاليومَ عملٌ ولا حِساب, وغداً حِسابٌ ولا عَمل, فلا بدَّ -واللهِ- منَ التفكـُّرِ والتدبُّرِ.

أسأل الله أن يحسن ختامنا، ويرحم موتانا وموتى المسلمين. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله ....

 

 

الحمد لله الذي كتب على عباده الموت والفناء، وتفرد سبحانه بالحياة والبقاء، والصلاة والسلام على من ختمت به الرسل والأنبياء، وعلى آله وأتباعه إلى يوم اللقاء.

معاشر المؤمنين .. إن الموت لا ريب فيه، ويقين لا شك فيه (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ).

فمَن يجادل في الموت وسكرته؟! ومن يخاصم في القبر وضمته؟! ومن يَقْدِر على تأخيرِ موتِه وتأجيلِ ساعتِه! (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ).

فلماذا تتكبر أيها الإنسان؛ وسوف تأكلك الديدان؟! لماذا تطغى؛ وفي التراب ستلقى؟! لماذا التسويف والغفلة؛ وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة!!

ولو أنا إذا متْنا تُرِكْنَا  *** لكانَ الموتُ غايةَ كُلِّ حَيِّ

ولكنّا إذا متنا بُعِـثْنَا  *** ونُسأل بعدَهُ عَنْ كُلِّ شَي

فالموت هو والانتقال من دار إلى دار، وبه تطوى صحف الأعمال، وتنقطع التوبة والإمهال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)

الموت من أعظم المصائب (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

اللهم ثبتنا عند الموت بقول لا إله إلا الله يا رب العالمين. اللهم هون علينا سكرات الموت، وتوفنا وأنت راض عنا. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، غير خزايا ولا مفتونين. اللهم اجعل أحب الأعمال لك خواتيم أعمالنا، وثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة. اللهم أعنا على الموت وكربته، وعلى القبر وغمته، وعلى الميزان وخفته، وعلى الصراط وزلته، ويوم القيامة وروعته. اللهم إنا نعوذ بك من فتن الدنيا. اللهم ارزقنا حسن الخاتمة. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واجعل الموت رحمة لنا من كل سوء برحمتك يا ارحم الراحمين.

المرفقات

1703833268_الموت عبرة وعظة.pdf

1703833277_الموت عبرة وعظة.docx

المشاهدات 835 | التعليقات 0