المهارات الصوتية للخطيب ١
سامي القرشي
المهارات الصوتية للخطيب ١
الخطابة فن له أركان ثلاثة هي: المضمون والأسلوب والصوت،
المضمون هو موضوع الخطبة، والأسلوب هو الطريقة التي يعرض بها الموضوع من جهة تأليف الكلام وتنظيمه، والصوت هو الأداة التي توصل المضون إلى أسماع المستمعين، ولكل من هذه الأركان أهميته، ومهاراته التي تناسبه.
وكلامنها هنا هو عن المهارات الصوتية التي ينبغي أن يراعيها الخطيب لتكون خطبته مسموعة مفهومة جاذبة مؤثرة غير مملة.
لاشك أن جهارة الصوت وعدم خفوته من الأمور المهمة في أداء الخطيب، وكذلك سلامة النطق، والعناية بمخارج الحروف، والتأني في الكلام وعدم العجلة، وكل من هذه المهارات وغيرها تستحق أن يتكلم عنها بما يحتاج إليه الخطيب فيها، لكنني سأتكلم في هذا المقال عن مهارة واحدة، وهي مهارة مستوى الصوت.
الخطابة تحتاج إلى صوت جهير غير خافت ولا ضعيف، ولكن إلى أي حد تكون جهارة الصوت؟ وكيف هي طريقة الأداء؟
إن اشتراط جهارة الصوت في الخطبة لا يعني أن يكون صوت الخطيب على وتيرة واحدة في جميع الخطبة من أولها إلى آخرها بل مما يحسن بالخطيب مراعاته هو تلوين الصوت بحيث لا يستمر وقتًا طويلًا على مستوى واحد فإن ذلك يُملُّ المستمع وربما أدَّى به إلى العدم الانتباه أو النوم.
وتلوين الصوت خفضًا ورفعًا مرتبط بنوع الكلام الذي يلقيه الخطيب فإن من العبارات عبارات يحسن معها رفع الصوت كعبارات التخويف والتحذير والتنبيه، وهناك عبارات يحسن معها خفض الصوت قليلًا كعبارات التحزين والتبشير والاستعطاف ونحوها، وهي مهارة تحتاج إلى استماع كثير للخطباء المميزين وتدرب مستمر إلى أن يكتسب الخطيب الحساسية الخاصة بالتفاعل مع الكلام،
ولكن هناك طريقة عامة لا يصلح أن يجهلها الخطيب حتى ولو لم يتمهر بالمهارة السابقة، وهي معرفة كيف يبدأ الخطبة من الناحية الصوتية، وكيف يمضي فيها وكيف يختمها؟
أما البداية فينبغي أن تكون بصوت معتدل غير منفعل حتى يفرغ من الحمد ويشرع في موضوع الخطبة، ثم يتدرج في رفع الصوت شيئًا فشيئًا إلى منتصف الخطبة أو ثلثيها، ثم يعود أدراجه في مستوى الصوت فيخفف منه شئًا فشيئًا إلى أن يصلى إلى المستوى الذي بدأ به الخطبة، وليتخيل الخطبة تلّة يريد أن يصعدها فيبدأ المشي من الأرض القرار، ثم يأخذ في الصعود حتى يبلغ القمة، ثم شرع في النزول من الناحية الأخرى إلى أن ينزل إلى القرار الذي بدأ منه.
هذه في الخطب القصيرة، وإن كانت الخطبة طويلة فليتعامل معها كما لو كانت تلتين يصعد إلى الأولى ثم ينزل منها ويبدأ الصعود في الثانية إلى أن ينزل منها.
إذا فعل الخطيب هذا فإنه يضمن -غالبًا- استحواذه على انتباه المستمعين، ونفور النوم عنهم الذي يجلبه الصوت المنخفض والمستوى الرتيب.
وهذه المهارة العامة لا تتعارض مع مهارة التلوين المرتبط بأنواع العبارات السابق ذكرها ولكنهما يكملان بعضهما، وإن احتاج ذلك إلى قدر من التدريب والممارسة.
ثم يبقى أن ننبه إلى أن المبالغة مذمومة في كل شيء وهي كذلك مذمومة في رفع الصوت في الخطبة، فإن من الخطباء من يبالغ في رفع الصوت حتى يخرج من حد الخطبة إلى الصياح والإزعاج وأذية الأسماع وتنفير القلوب، وقد يكون رفع الصوت المزعج ليس من الخطيب وإنما من صوتيات المسجد حين تكون مرفوعة إلى مستوى غير مناسب، أو مِن تعامل الخطيب معها حيث يقترب من لاقط الصوت بقدر يكون معه الصوت مزعجًا، فليراع الخطيب كل ذلك فإن مستوى الصوت ارتفاعًا وانخفاضًا من الأمور المهمة المؤثرة في مستوى الانتفاع بالخطبة وادائها لأهدافها.