المنجيات من العقوبات

عناصر الخطبة
1/أسباب تدفع العقوبات عن العباد في الدنيا والآخرة.
اقتباس

ومن المنجيات يوم القيامة من عذاب الله: ما يحصل للمؤمن في قبره من الضغطة والروعة والفتنة؛ فإن ذلك مما يكفر الله به الخطايا؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “فإن مما يكفِّر السيئات: ما يُبتلى به…

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

معشر المؤمنين: خلق الله الخلق لعبادته وطاعته وأوجب عليهم تقواه والعمل على تحقيق رضاه؛ وبين لهم -سبحانه- ما يوجب لهم رحمته في الدنيا وجنته في الآخرة؛ وحذرهم مما يوجب عليهم سخطه في الدنيا وعذابه في الآخرة؛ ولأن رحمة الرحيم الرحمن سبقت غضب المنتقم الجبار جعل الله أسبابا ومنجيات يدفع بها المؤمن العذاب عن نفسه ويأمن عليها من العقوبة في الدنيا والآخرة؛ فمن ذلك:

الإيمان بالله والتوبة إليه وفعل الأعمال الصالحة، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان:68-70].

 

ومن المنجيات من العقوبات: القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: “مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا على مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا على أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا“(صححه البخاري).

 

ومن المنجيات: الاستغفار من الأوزار؛ قال الله -تعالى-: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)[الأنفال:33].

قال شيخ اﻹسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “‏أخبر الله -سبحانه- أنه لا يعذب مستغفراً، لأن الاستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب؛ فيندفع العذاب“.

 

ومن المنجيات: البكاء من خشية من الله؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع…”(صحيح الجامع).

 

ومما ينجي العبد يوم القيامة: حسن الخلق واللين مع الناس؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْل“(صححه الألباني).

 

ومن المنجيات من عذاب الله: الصدقات وإطعام الطعام وسقي الماء والإحسان إلى الخلق.

 

ومن منجيات العبد من العذاب: ثناء المؤمنين على الميت وشهود الصلاة عليه؛ “ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه“(رواه مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنه-).

 

ومن ذلك: استغفار الملائكة؛ كما في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[غافر:7]؛ “يخبر -تعالى- عن كمال لطفه -تعالى- بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة جدًا، أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن بإيمانه تسبب لهذا الفضل العظيم“(السعدي -رحمه الله-).

 

ومن المنجيات يوم القيامة من عذاب الله: ما يحصل للمؤمن في قبره من الضغطة والروعة والفتنة فإن ذلك مما يكفر الله به الخطايا؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “فإن مما يكفِّر السيئات: ما يُبتلى به المؤمن في قبره من الضغطة، وفتنة الملَكين والله -تعالى- أعلم“.

 

أيها المسلمون: ومن المنجيات للعبد في ذلك اليوم العظيم: ما يجده المؤمن من أهوال يوم القيامة وأحوال أهلها وما يحصل فيه من الشدائد والمصاعب والمخاوف من البعث والحشر والنشور والوقوف والحساب والميزان والصراط؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرْلاً قلت: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟، قال: يا عائشة الأمر أشد من أن يُهمهم ذلك، وفي رواية: الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض”(متفق عليه)؛ فدل هذا الحديث على أن الناس يوم القيامة يمرون بلحظات عصيبة ومحطات مخيفة؛ فأكرم الله عباده من أهل التوحيد والإيمان بتكفير الذنوب والأدران.

 

وصدق الشاعر حين وصف بعض أهوال ذلك اليوم العصيب؛ فقال:

مثل لنفسك أيها المغرور*** يوم القيامة والسماء تمور

إذا كورت شمس النهار وأدنيت*** حتي علي رأس العباد تسير

وإذا النجم تساقطت و تناثرت *** وتبدلت بعد الضياء كدور

وإذا البحار تفجرت وتناثرت*** ورايتها مثل الجحيم تفور

وإذا الجبال تقلعت بأصولها *** فرأيتها مثل السحاب تسير

وإذا السماء تكشطت عن أهلها*** ورأيت افلاك السماء تدور

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها *** فلها علي اهل الذنوب زفير

وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت*** لفتي علي طول البلاء صبور

وإذا الجنين بأمه متعلق*** يخشي القصاص وقلبه مذعور

هذا بلاء ذنب يخاف جناية *** كيف المصر علي الذنوب دهور

 

ولما كانت كل هذه الأهوال العظيمة والأحوال العصيبة في ذلك اليوم المهيب كان من كرم الله أن جعلها من المنجيات للعباد من أليم عذابه وعظيم عقابه.

 

ومن المنجيات: الدعاء وسؤال الله النجا؛ (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)[الفرقان: 65].

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله العزيز الغفار الذي بفضله تمحى الذنوب والأوزار والصلاة والسلام الذي حثنا على التوبة إلى الله والرجوع والاستغفار، أما بعد:

 

عباد الله: ألا وإن مما ينجي العبد من عذاب الله يوم القيامة -أيضا-: شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما جاء في الحديث الصحيح: “شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي”، وقال الشافع المشفع -صلى الله عليه وسلم-: “خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة؛ فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر؛ أترونها للمتقين؟ لا ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين“.

 

ومن المخلصات يوم القيام للعبد: رحمة الله التي خبأها -سبحانه- للآخرة ليرحم بها عباده؛ كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: “خَلقَ اللهُ مِائةَ رحمةٍ، فَوضَعَ رحمةً واحِدةً بين خلقِهِ، يَتراحَمُونَ بِها، وخَبَّأَ عِندَه مِائةً واحدةً“(أخرجه مسلم وصححه الألباني)؛ فإن لم ينتفع العبد من كل هذه المخلصات والمنجيات يوم القيامة من عذاب ربه ومولاه؛ فلا يلومن إلا نفسه؛ جاء في الحديث القدسي أن رب -العزة والجلال- قال: “يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ”

 

أيها المسلمون: توبوا إلى ربكم وعودوا إليه وأكثروا من الاستغفار وطاعة العزيز الغفار وابذلوا كل ما يدفع عنكم عذاب ربكم تسلموا من الويلات والحسرات وتفوزوا بالحياة في الجنات.

 

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن *** فبمن يلوذ ويستجير المجرم

مالي إليك وسيلة إلا الرضا *** وجميل عفوك ثم أني مسلم

 

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

 

اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين.

 

وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

المشاهدات 1186 | التعليقات 0