المملكة أمن وإيمان

سعيد الشهراني
1446/03/15 - 2024/09/18 10:44AM

الخطبة الأولى :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالأَمْن وَالإِيمَانِ، وَغَمَرَنَا بِالْفَضْلِ وَالنِّعَمِ وَالإِحْسَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَنُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْمُؤَيَّدُ بِالْمُعْجِزَةِ وَالْبُرْهَانِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الأَمْنُ مَطْلَبٌ عَزِيزٌ وَكَنْزٌ ثَمِينٌ؛ إِذْ هُوَ قِوَامُ الْحَيَاةِ الإِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا، تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَتَتَسَابَقُ لِتَحْقِيقِهِ السُّلُطَاتُ، وَتَتَنَافَسُ فِي تَأْمِينِهِ الْحُكُومَاتُ، فَهُوَ مَطْلَبٌ يَسْبِقُ طَلَبَ الْغِذَاءِ، فَبِغَيْرِهِ لاَ يُسْتَسَاغُ طَعَامٌ، وَلاَ يَهْنَأُ عَيْشٌ، وَلاَ يَلَذُّ نَوْمٌ، فَالنُّفُوسُ فِي ظِلِّهِ تُحْفَظُ، وَالأَعْرَاضُ وَالأَمْوَالُ تُصَانُ، وَالشَّرْعُ يَسُودُ، وَالاِسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ وَالاِطْمِئْنَانُ الاِجْتِمَاعِيُّ يَتَحَقَّقُ بِإٍذْنِ اللهِ.

وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ - نَعِيشُ مَعَ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَمَعَ غَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحَدُّ، حَتَّى أَصْبَحَتْ بِلاَدُنَا مَضْرِبَ الْمَثَلِ فِي تَحْقِيقِهِ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه البخاري.

وَمِمَّا يُذْكَرُ وَلاَ يُنْكَرُ: مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْنَا فِي بِلاَدِنَا مِنْ نِعْمَةِ الْمَالِ الْفَائِضِ، وَالْخَيْرِ الْوَفِيرِ، وَالْعَيْشِ الرَّغِيدِ، حَتَّى شَهِدَ بِذَلِكَ الْبَعِيدُ وَالْقَرِيبُ، وَالْعَدُوُّ وَالصَّدِيقُ، وَأَضْحَى تَأْثِيرُهَا عَلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَهَذَا فَضْلٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِفَضْلِ تَمَسُّكِهَا وَاعْتِزَازِهَا بِدِينِهَا؛ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِذَا عُدْنَا إِلَى الْوَرَاءِ قَلِيلاً وَتَذَكَّرْنَا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَسْلاَفُنَا فِي هَذِهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ؛ مِنْ جَهْلٍ وَفَقْرٍ وَذِلَّةٍ وَهَوَانٍ وَتَنَاحُرٍ وَتَدَابُرٍ وَتَفَرُّقٍ وَاخْتِلاَفٍ، حَتَّى مَنَّ اللهُ عَلَى أَهْلِهَا بِمَنْ وَحَّدَ عَلَى يَدَيْهِ كَلِمَتَهَا، وَجَمَعَ شَمْلَهَا، وَأَعَزَّ اللهُ بِهِ شَأْنَهَا؛ فَاجْتَمَعَتِ الْقُلُوبُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَاتَّحَدَتِ الْكَلِمَةُ بَعْدَ الاِخْتِلاَفِ، وَرَفْرَفَتْ رَايَةُ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَانْتَشَرَتْ دُرُوسُ الْعِلْمِ، وَأَخْرَجَ اللهُ كُنُوزَ الأَرْضِ، وَبَسَطَ أَمْنَهُ عَلَى أَرْجَائِهَا مُدُنًا وَقُرًى وَصَحَارِيَ وَقَفَارًا.

أيها المسلمون: ومما يجب عَلَيْنَا جَمِيعًا الْمُحَافَظَةِ عَلَى نِعْمَةِ الأَمْنِ، وَوَحْدَةِ الصَّفِّ، وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ؛ وَالاِلْتِفَافُ حَوْلَ الْقِيَادَةِ الْحَكِيِمَةِ ، وَصَدُّ كُلِّ فِتْنَةٍ، أَوْ مَسْلَكٍ، أَوْ دَعْوَةٍ تُهَدِّدُ أَمْنَ هَذَا الْوَطَنِ، وَرَغَدَ عَيْشِهِ، وَالْوقُوفُ صَفًّا وَاحِدًا مَعَ وُلاَةِ أَمْرِنَا فِي وَجْهِ كُلِّ مُتَرَبِّصٍ وَحَاقِدٍ تَحْقِيقِاً لقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا..﴾  وعلينا جميعا َأن نغَرْسِ حُبِّ الْوَطَنِ فِي أَنْفُسِنَا وَفِي أَوْلاَدِنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا، وَالدِّفَاعِ عَنْهُ، وَأَنْ نَكُونَ يَدًا وَاحِدَةً مَعَ قِيَادَةِ بِلاَدِنَا الَّذِينَ لَهُمُ الْفَضْلُ -بَعْدَ اللهِ تَعَالَى- فِي جَمْعِ كَلِمَتِنَا، وَوَحْدَةِ صَفِّنَا، وَارْتِفَاعِ شَأْنِ بِلاَدِنَا وَازْدِهَارِهِ، َكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ وَقَوْلِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا لِمَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ. وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ».فاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ فِي أَنْفُسِنَا وَفِي أَوْطَانِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية :

الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ الْعَالَمِينَ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وأشكرُهُ عَلَى نِعمةِ الأَمْنِ والدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ، وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أما بعد: فاتَّقوا اللهَ فيما أَمَر، وانتَهُوا عمَّا نهَى عنهُ وزَجَر.. لا تَسْتَعِينُوا بالعَطايا على الخَطايا، وأَحْسِنُوا جِوَارَ النِّعَم؛ تَحْفَظُوا النِّعمَ الموجُودَة، وتَجلِبُوا النِّعَمَ المفقُودة، وتَسْتَدِيمُوا عَطاءَ اللهِ وكرَمَهُ وجُودَه؛ فما أدبَرَتْ نِعمَةٌ بعدما أقبَلَتْ، ولا رُفِعَتْ مِنَّةٌ بعدما نزَلَتْ، ولا سُلِبَتْ كرَامَةٌ بعدما مُنِحَتْ؛ إلا بسببِ عَطايا ما شُكِرَتْ، أو بسببِ خَطايا فُعِلَتْ، والنِّعَمُ إذا شُكِرَتْ قرَّتْ، وإذا كُفِرَتْ فرَّتْ، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

ألا فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واحفظوا أمنَكم ووحدتَكم، ووطنَكم واستقراركم، واحذروا نزع الأيادي عنِ الطاعة، واحذروا مُفارقةَ الجماعة، وخذوا العبرةَ مِمّنْ حولكم، ممن ضاعَ أمنُهم، وتفرَّق شملُهم، وتبدَّدَت وحدتهم، واختلفَت كلمتُهم، والسعيدُ من وُعِظ بغيره، والشقيُّ من وُعِظ بنفسه. فاللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَدِمْ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِي بِلَادِنَا وَبِلَادِ الْـمُسْلِمِيْنَ يا رب العالمين.

هذا وصلّوا وسلِّموا على نبيّكم محمّد..

المرفقات

1726645493_خطبة بعنوان ( المملكة بلد الأمن والإيمان) مختصرة.docx

المشاهدات 200 | التعليقات 0