الملك الكبير

شايع بن محمد الغبيشي
1444/12/30 - 2023/07/18 00:33AM

الملك الكبير

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشر الأنبياء وخاتم المرسلين لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: عباد الله أوصيكم بلزوم تقوى الله حتى نلقاه قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))

إخوة الإيمان تأملوا هذا الخبر عن عبد الرحمن بن ساعدة رضي الله عنه قال كنت أحب الخيل فقلت يا رسول الله هل في الجنة خيل فقال إن أدخلك الله الجنة يا عبد الرحمن كان لك فيها فرس من ياقوت له جناحان تطير بك حيث شئت ) رواه الطبراني وحسنه الألباني .

وأنا اسمع هذا الحديث دار في ذهني سؤال هل يحتاج المؤمن في الجنة إلى الطيران ليتنقل في ملكه؟ ما مقدار ملك العبد في الجنة؟

إنه ملك عظيم كبير وحتى نتصور ذلك دعونا نستمع خبر آخر لرجل ينجو من النار ويدخل الجن فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا، رجل يخرج من النار كبوا، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها - أو: إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا - فيقول: تضحك مني - وأنت الملك " فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقول: «ذاك أدنى أهل الجنة منزلة» رواه البخاري ومسلم

هذا هو أدنى أهل الجنة منزلاً يعطى مثل عشرة أمثال الدنيا يا الله هذا الدنيا كلها بقاراتها وبحارها وأنهارها وكنوزها إي والله إنه الملك الكبير وصدق الله إذا يقول عن نعم أهل الجنة: { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} ([1])   قال السعدي رحمه الله: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} أي: هناك في الجنة، ورمقت ما هم فيه من النعيم (5) {رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} فتجد الواحد منهم، عنده من القصور والمساكن والغرف المزينة المزخرفة، ما لا يدركه الوصف، ولديه من البساتين الزاهرة، والثمار الدانية، والفواكه اللذيذة، والأنهار الجارية، والرياض المعجبة، والطيور المطربة المشجية ما يأخذ بالقلوب، ويفرح النفوس.

وعنده من الزوجات. اللاتي هن في غاية الحسن والإحسان، الجامعات لجمال الظاهر والباطن، الخيرات الحسان، ما يملأ القلب سرورا، ولذة وحبورا، وحوله من الولدان المخلدين، والخدم المؤبدين، ما به تحصل الراحة والطمأنينة، وتتم لذة العيش، وتكمل الغبطة.

ثم علاوة ذلك وأعظمه الفوز برؤية الرب الرحيم، وسماع خطابه، ولذة قربه، والابتهاج برضاه، والخلود الدائم، وتزايد ما هم فيه من النعيم كل وقت وحين.

عباد الله هل تعلمون أن أعلى ناطحة سحاب في الدنيا يبلغ ارتفاعها 828 متراً أي أقل من كيلومتر فاسمعوا هذا الخبر عن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنَّ لِلمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُها في السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً. لِلمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً» متفق عليه. في رواية لمسلم: « قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إنَّ في الجنَّة خَيْمةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مجوَّفَةِ، عَرْضُها ستّونَ ميلاً، في كلِّ زاويةٍ منْها أهلٌ ما يرونَ الآخَرين، يَطوفُ عليهم المؤْمِنُ، وجنَّتانِ مِنْ فِضَّةٍ آنيتُهما وما فيهِما، وجنَّتانِ مِنْ ذَهبٍ آنِيَتُها وما فيهِما) رواه البخاري

إي أن الخيمة في الجنة ارتفاعها في السماء أكثر من 96كم وعرضها أكثر من 96كم هذه الخيمة فكيف بقصور الذهب والفضة، إنه الملك الكبير.

نعم إنه الملك الكبير عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنَّ في الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّريعَ مِئَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها» . متفق عليه. وفي رواية قال: «يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مئةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها» هذه شجرة واحدة في جنة كثير الأشجار

اللهم ادخلنا جنتك، اللهم إنا نسالك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل يا حي يا قيوم.

الخطبة الثانية

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً

عباد الله ومن عظمة ملك الجنة أنه سليم من المنغصات فلا هم ولا كدر ولا شحناء ولا بغضاء، ولا نصب ولا تعب ولا موت ولا مرض قال تعالى:{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} ([2])  وعن أبي هريرة رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يُنَادِي مُنَادٍ: إنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا، فَلا تَمُوتُوا أَبَداً، إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا، فلا تَسْقَمُوا أبداً، وإنَّ لَكمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبداً، وإنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا، فَلا تَبْأسُوا أَبَداً»  رواه مسلم.

إنه الملك الكبير حياة السعد والأنس والجمال عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنَّ في الجَنَّةِ سُوقاً يَأتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ. فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِم وَثِيَابِهِمْ، فَيَزدَادُونَ حُسناً وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ، وَقَد ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لقدِ ازْدَدْتُمْ حُسْناً وَجَمَالاً! فَيقُولُونَ: وَأنْتُمْ وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمالاً» رواه مسلم.

يمتّع أهل الجنة بالقوة التي تزيد أنسهم وسعادتهم قالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، إنَّ أحَدهُم لَيُعْطى قوةَ مِئَةِ رجلٍ في المطْعَمِ والمشْربِ والشهوَةِ والجِماعِ" ورواه ابن حبان وصححه الألباني،

إنه الملك الكبير فيه يخدم المؤمن فلا يتعنى لشيء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول "إنَ أدْنَى أهْلِ الجنَّةِ منزلةً مَنْ يَسْعى عليه ألْفُ خادمٍ، كلُّ خادِمٍ على عمَلٍ ليسَ عليه صاحبُه. قال: وتلا هذه الآية {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} رواه البيهقي وصححه الألباني

إنه الملك الكبير تأمل مشربهم أنهار تجري من تحتهم قال تعالى{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } ([3])  

إنه الملك الكبير أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمار الجنة فقال: «إني رأيت الجنة، فتناولت عنقودا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا) رواه البخاري

إنه الملك الكبير إنها الجنة جمال حورها يأخذ بالألباب حتى يحار النظار إلى جمالها قال الله في وصفهن {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)} ([4]) وقال: { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} ([5]) وفي الحديث يقول صلى الله عليها وسلم : « ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها» رواه البخاري.

حــــــور حســان قـــد كـمــلن خـــلائـقـــاً *** ومحاسناً من أجمـل النسوان

حتى يحار الطرف في الحسن الذي *** قد ألبست فالطرف كالحيران

ويقـــول لمـا أن يشــاهــد حسـنــها *** سبحان معطي الحسن والإحسان

عباد الله علينا أن نحدث أنفسنا ونمنيها بجنة الله و أن تتشوق نفوسنا لهذا الملك الكبير وأن نعمل من الصالحات ما يجعلنا أهلاً لرحمته الله وتستوقفنا هذه القصة عن عائشة رضي الله عنها قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي عجوز من بني عامر، فقال: « من هذه العجوز؟ » فقلت: من خالاتي، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: « يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز »، فولت تبكي، فقال: «  أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: {إنا أنشأناهن إنشاء , فجعلناهن أبكارا , عربا أترابا} » رواه الترمذي وحسنه الألباني ([6])

عبد الله عجوز تشتاق وتبكي شوقاً فأين أشواقك ؟ أين دعاؤك؟ أين مسارعتك إلى الصالحات؟. اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة يا حي يا قيوم

 

 

 



([1]) ـ [الإنسان: 19، 20]
([2]) ـ [فاطر: 33، 34]
([3]) [محمد: 15]
([4]) [الواقعة: 22، 23]
([5]) [الرحمن: 56 - 58]
([6]) رواه الترمذي في الشمائل والبيهقي في البعث وحسنه الألباني

 

المرفقات

1689629614_الملك الكبير.pdf

المشاهدات 616 | التعليقات 0