الملا محمد عمر / ياسر الزعاترة
احمد ابوبكر
1436/10/18 - 2015/08/03 06:49AM
[align=justify]للحديث عن الملا محمد عمر سياق سياسي، وآخر تاريخي وإنساني، وفي الحالتين نحن أمام قدر من الإثارة التي تستحق التوقف. فأن تحافظ حركة دينية وسياسية ومقاومة في الآن نفسه على خبر موت زعيمها لمدة عامين اثنين، فإن ذلك يعني أن لديها قدرا من القوة والتماسك الذي يستحق الإعجاب، بصرف النظر عن الرأي في قرار عدم الإعلان. نقول ذلك رغم أن الحركة لم تعترف بذلك، وقالت إنه توفي قبل أسبوعين.
في الظاهر كان الملا عمر أشبه بالإمام الغائب إذا جاز التعبير، والذي يحضر في الجانب المعنوي أكثر من الواقع العملي، لكن الواقع لم يكن كذلك، فقد كان الرجل يدير الحركة بشكل فعلي، وهو الذي حافظ على تماسكها طوال الوقت، كما حافظ وهو الأهم، على بوصلتها الواضحة في التعاطي مع الاحتلال، ومن هنا تتبدى أهمية المرحلة التي ستعيشها من بعده، لاسيَّما والاحتلال الأميركي يوشك أن يحمل عصاه ويرحل تاركا زعيما بشتونيا منتخبا (أشرف غني)، من ذات العرقية التي ينتمي إليها الملا عمر، وغالبية أعضاء حركة طالبان، مع عروض بالحوار يدعمها الأميركان مع الحكومة الجديدة، وإن لم يقدموا للحركة حتى الآن عرضا يستحق النقاش بشكل جدي، إذ لا يتجاوز الأمر حد الانخراط في العملية السياسية كما لو أن الحكم قد استقر وما على الحركة سوى التعامل بروحية المهزوم بدل المنتصر، وهي لم تكن مهزومة في واقع الحال، ويمكنها أن تواصل القتال وإفشال العملية السياسية لزمن طويل، بل يمكنها في حال رحيل الاحتلال بالكامل أن تسيطر فعلا على مناطق واسعة من أفغانستان، هي تلك التي يعيش فيها البشتون، خلافا لمناطق الشمال التي يندر فيها حضور الحركة، وبالطبع لأن الجانب العرقي يحضر بقوة في الصراع الأفغاني، ربما على نحو يتفوق على الجانب الديني، لاسيَّما أن أطراف النزاع في أفغانستان لا تكاد تختلف كثيرا لجهة التزامها بالهوية الدينية للبلاد.
أيا يكن الأمر، فغياب الملا محمد عمر سيمثل مأزقا لا بأس به للحركة التي سيصعب عليها توفير شخص يلتف الناس من حوله، بنفس مستوى الملا عمر، بما في ذلك القائد الجديد (ملا أختر منصور)، ولا يُستبعد تبعا لذلك أن تحدث انقسامات بشأن التعاطي مع المرحلة الجديدة، وما إذا كان على الحركة أن تواصل القتال من أجل وضع أفضل لها في مشروع المستقبل، أم إن عليها أن تقبل بالمتاح في عملية سياسية صيغت برعاية أميركية، ما يعني أنها ستكون هامشا على متن لم تشارك في صياغته، فيما سيذهب آخرون إلى فكرة استمرار القتال، حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم البلاد، وحصول الحركة على حكم مناطق البشتون في الجنوب.
من الصعب الحديث بروحية الجزم عن أسئلة المستقبل فيما خص الحركة وما سيحدث لها في ظل القائد الجديد، وفي ظل الظروف الجديدة برمتها، ذلك أن حجم التناقضات في البلد لا تزال كبيرة، ومن العسير الحديث عن حسم سياسي سريع، لاسيَّما أن الاحتلال لم يرحل تماما بعد.
في السياق التاريخي والإنساني، يمكن القول إننا أمام شخصية فريدة في عالم السياسة، وهو عالم مسكون بالشهرة والأضواء والخطابات والمصالح، لكن الرجل الذي نحن بصدده كان يفضل شيئا غير ذلك، وبقي معروفا فقط لقطاع محدود من الناس في قيادة الحركة، وهو كان مبدئيا إلى درجة استثنائية لا تعرفها عوالم السياسة، وموقفه الرافض لتسليم أسامة بن لادن بعد هجمات سبتمبر خير دليل، حيث باع السلطة برمتها من أجل هذا الموقف المبدئي، ولعل هذا البعد في شخصيته هو الذي سحر أسامة بن لادن، وجعله وهو السلفي يبايع «حنفيا ماتريديا» دون أن يتردد في ذلك.
سيقول البعض إن الملا عمر لم يضحّ بشيء، فهو كان يحكم أطلال دولة ما لبثت أن انهارت خلال أسبوعين أمام ضربات التحالف الأميركي، وهو قول سخيف في واقع الحال، فالرجل كان يسيطر على دولة حقيقية، وبمساحة شاسعة وموقع استراتيجي، وإمكانات معتبرة، ولو شاء أن يجمع المليارات من خلال رعاية زراعة المخدرات وحدها لفعل، فيما حاربها حتى كاد أن يوقفها رغم ما يعنيه ذلك من حرب مع باروناتها الكبار ذوي القوة والنفوذ.
جاء الملا عمر على حاجة من الأفغان بعد احتراب المجاهدين بعد رحيل الغزاة، وتمكن من توفير الكثير من الأمن للناس، ورغم نمط التشدد الفقهي الذي اختاره، إلا أنه كان جزءا من اختيارات غالبية المجتمع، وكان يمكن أن يخضع للتطور الطبيعي في المجتمعات لو استمر في السلطة.
يستحق نموذج الملا عمر المزيد من التوقف، وربما في سطور أطول، لاسيَّما أنه كما قلنا حالة فريدة. عاش غريبا ومات غريبا. جاهد وفق قناعاته، وبقي عابدا، زاهدا في الدنيا حتى رحل إلى جوار ربه. أما الأسئلة التالية، فهو ليس مسؤولا عنها، لاسيَّما أن من حوله رجال جيدون أيضا، ويمكنهم أن يواصلوا المسيرة، لكن الأمر لن يكون سهلا في ظل تحديات كثيرة، من بينها تحدي الخارج، وتحدي الواقع الأفغاني بالغ التعقيد، وربما تحدي تنظيم الدولة الإسلامية أيضا.
المصدر: العرب
[/align]
في الظاهر كان الملا عمر أشبه بالإمام الغائب إذا جاز التعبير، والذي يحضر في الجانب المعنوي أكثر من الواقع العملي، لكن الواقع لم يكن كذلك، فقد كان الرجل يدير الحركة بشكل فعلي، وهو الذي حافظ على تماسكها طوال الوقت، كما حافظ وهو الأهم، على بوصلتها الواضحة في التعاطي مع الاحتلال، ومن هنا تتبدى أهمية المرحلة التي ستعيشها من بعده، لاسيَّما والاحتلال الأميركي يوشك أن يحمل عصاه ويرحل تاركا زعيما بشتونيا منتخبا (أشرف غني)، من ذات العرقية التي ينتمي إليها الملا عمر، وغالبية أعضاء حركة طالبان، مع عروض بالحوار يدعمها الأميركان مع الحكومة الجديدة، وإن لم يقدموا للحركة حتى الآن عرضا يستحق النقاش بشكل جدي، إذ لا يتجاوز الأمر حد الانخراط في العملية السياسية كما لو أن الحكم قد استقر وما على الحركة سوى التعامل بروحية المهزوم بدل المنتصر، وهي لم تكن مهزومة في واقع الحال، ويمكنها أن تواصل القتال وإفشال العملية السياسية لزمن طويل، بل يمكنها في حال رحيل الاحتلال بالكامل أن تسيطر فعلا على مناطق واسعة من أفغانستان، هي تلك التي يعيش فيها البشتون، خلافا لمناطق الشمال التي يندر فيها حضور الحركة، وبالطبع لأن الجانب العرقي يحضر بقوة في الصراع الأفغاني، ربما على نحو يتفوق على الجانب الديني، لاسيَّما أن أطراف النزاع في أفغانستان لا تكاد تختلف كثيرا لجهة التزامها بالهوية الدينية للبلاد.
أيا يكن الأمر، فغياب الملا محمد عمر سيمثل مأزقا لا بأس به للحركة التي سيصعب عليها توفير شخص يلتف الناس من حوله، بنفس مستوى الملا عمر، بما في ذلك القائد الجديد (ملا أختر منصور)، ولا يُستبعد تبعا لذلك أن تحدث انقسامات بشأن التعاطي مع المرحلة الجديدة، وما إذا كان على الحركة أن تواصل القتال من أجل وضع أفضل لها في مشروع المستقبل، أم إن عليها أن تقبل بالمتاح في عملية سياسية صيغت برعاية أميركية، ما يعني أنها ستكون هامشا على متن لم تشارك في صياغته، فيما سيذهب آخرون إلى فكرة استمرار القتال، حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم البلاد، وحصول الحركة على حكم مناطق البشتون في الجنوب.
من الصعب الحديث بروحية الجزم عن أسئلة المستقبل فيما خص الحركة وما سيحدث لها في ظل القائد الجديد، وفي ظل الظروف الجديدة برمتها، ذلك أن حجم التناقضات في البلد لا تزال كبيرة، ومن العسير الحديث عن حسم سياسي سريع، لاسيَّما أن الاحتلال لم يرحل تماما بعد.
في السياق التاريخي والإنساني، يمكن القول إننا أمام شخصية فريدة في عالم السياسة، وهو عالم مسكون بالشهرة والأضواء والخطابات والمصالح، لكن الرجل الذي نحن بصدده كان يفضل شيئا غير ذلك، وبقي معروفا فقط لقطاع محدود من الناس في قيادة الحركة، وهو كان مبدئيا إلى درجة استثنائية لا تعرفها عوالم السياسة، وموقفه الرافض لتسليم أسامة بن لادن بعد هجمات سبتمبر خير دليل، حيث باع السلطة برمتها من أجل هذا الموقف المبدئي، ولعل هذا البعد في شخصيته هو الذي سحر أسامة بن لادن، وجعله وهو السلفي يبايع «حنفيا ماتريديا» دون أن يتردد في ذلك.
سيقول البعض إن الملا عمر لم يضحّ بشيء، فهو كان يحكم أطلال دولة ما لبثت أن انهارت خلال أسبوعين أمام ضربات التحالف الأميركي، وهو قول سخيف في واقع الحال، فالرجل كان يسيطر على دولة حقيقية، وبمساحة شاسعة وموقع استراتيجي، وإمكانات معتبرة، ولو شاء أن يجمع المليارات من خلال رعاية زراعة المخدرات وحدها لفعل، فيما حاربها حتى كاد أن يوقفها رغم ما يعنيه ذلك من حرب مع باروناتها الكبار ذوي القوة والنفوذ.
جاء الملا عمر على حاجة من الأفغان بعد احتراب المجاهدين بعد رحيل الغزاة، وتمكن من توفير الكثير من الأمن للناس، ورغم نمط التشدد الفقهي الذي اختاره، إلا أنه كان جزءا من اختيارات غالبية المجتمع، وكان يمكن أن يخضع للتطور الطبيعي في المجتمعات لو استمر في السلطة.
يستحق نموذج الملا عمر المزيد من التوقف، وربما في سطور أطول، لاسيَّما أنه كما قلنا حالة فريدة. عاش غريبا ومات غريبا. جاهد وفق قناعاته، وبقي عابدا، زاهدا في الدنيا حتى رحل إلى جوار ربه. أما الأسئلة التالية، فهو ليس مسؤولا عنها، لاسيَّما أن من حوله رجال جيدون أيضا، ويمكنهم أن يواصلوا المسيرة، لكن الأمر لن يكون سهلا في ظل تحديات كثيرة، من بينها تحدي الخارج، وتحدي الواقع الأفغاني بالغ التعقيد، وربما تحدي تنظيم الدولة الإسلامية أيضا.
المصدر: العرب
[/align]