المكاسب المحرمة – الاحتفال بالمولد النبوي

المكاسب المحرمة – الاحتفال بالمولد النبوي

ألقيت في جامع حمراء الأسد – المدينة المنورة

9/ 3/ 1443

عبدالله بن عبدالرحمن الرحيلي

عناصر الخطبة:

 1-أهمية طلب الكسب الحلال.

2-الآثار السيئة للمكاسب المحرمة.

3- عقوبة الكسب الخبيث في الآخرة.

4-بعض صور المكاسب المحرمة.

5- بيان حرمة التستر التجاري.

6- بركة المال الحلال، وشؤم المال الحرام.

7- كمال الدين، وخطر الابتداع.

8- حرمة الاحتفال بالمولد النبوي.

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الحميد المجيد، الفعال لما يريد، المتكفل بأرزاق جميع العبيد، منَّ على عباده بوافر النعم، ووعد الشاكرين بالمزيد.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، المبدئُ المعيد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيدُ الرسل وأكمل العبيد؛ اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم التسليم المزيد.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله لعلكم تفلحون، اتقوه فيما تأتون وتذرون، واتقوه فيما تكسبون وتأكلون، (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [البقرة: 281]

 

عِبَادَ اللهِ.. إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، لا يقبل إلا الخالص له من الأعمال، ولا يقبل من المكاسب إلا الطيب الحلال.

 

أمر بالمشي في مَنَاكِبِ الأَرْضِ لتأكلوا من رزقه، وندب إلى أن يأكل العبد من عمل يده:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»

 

عِبَادَ اللهِ: إن الكسب الطيب الحلال مطلب شريف، ومقصدٌ عالٍ وعزٌ منيف، يتقي العبد فيه ربه، ويحفظ به كرامته ويصون عرضه.

 

يقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ: خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ؛ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

 

عباد الله..

وإن من ضعف الخشية والإيمان، وغربة الدين في آخر الزمان، ألا يبالي المرء كيف أخذ المال!  أَمِنْ حرام أَمْ مِنْ حلال؟

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ، أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ ؟ ».

 

الْكَسْبَ الْخَبِيثَ - عباد الله - شُؤْمٌ وَبَلَاءٌ، ومانع عظيم من إجابة الدعاء، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ. فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) [الْمُؤْمِنُونَ:51] وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

 

الكسب الخبيث عباد الله.. أصوله مستخبثة، ومحصوله ممحوق البركة، يشقى صاحبه في الدنيا بخبيث مكاسبه، والنار يوم القيامة أولى به.

 

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ ».

 

فالويل لآكل الحرام في يوم عظيم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يومٌ يُسأل فيه العبد عن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟

 

عباد الله..

قال رسول الله: "لا يستبطئنّ أحد منكم رزقه؛ فإن جبريل ألقى في رُوعي أن أحدًا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله -أيها الناس- وأجمِلوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبْه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال فضلُه بمعصيته".

 

والمكاسب الخبيثة عباد الله صور متنوعة؛ فمن أكل الربا والميسر، إلى أكل أموال الناس بالباطل؛ غصب وسرقة، ظلم ورشوة، غش وخديعة، كذب واحتيال وفجور، بغي وشهادة زور.

 

مبتغي الحرامِ عبد اتبع هواه، وأسكره حب المال وأعماه؛ فصار يأخذ أموال الناس بالخصومات الفاجرة، ويمنع حقوقهم بالأيمان الكاذبة، يتجر ببيع المحرمات والمطاعم الخبيثة؛ كبيع الْمُسْكِرَاتِ والدخان والشيشة،

 

قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ).

 

ومن أكل المال الحرام: ما يقع بين الأفراد والشركات من تستر تجاري، باتفاق مسبق ومقابل مالي، يتحايلون به على الأنظمة، وهو من المكاسب الخبيثة المحرمة.

 

لما فيه من الكذب والتدليس، ومخالفة الأنظمة التي ألزم بها ولي الأمر،  ولكونه سببا لتضييع حقوقِ أصحاب العمل والعمالِ المستحقين.

كما أفتى بهذا العلماء، وقالته اللجنة الدائمة للإفتاء.

 

وبعد عباد الله.. فإن في الحلال غنيةً عن المكاسب المحرمة، والطرقِ الملتوية والحيلِ الآثمة.

 

وفي المكاسب الطيبة كفاية وسعادة، وحسن عاقبة في الدنيا والآخرة.

 

الكسب الحلال يبارك الله فيه وإن كان قليلاً، والمال الحرام يمحق الله بركته وإن كان كثيرًا.

 

فطوبى لمن وفقه الله لهداه؛ فأصلح بالمال دينه ودنياه، واستعان بطيب كسبه على طاعة مولاه، وويل لمن جعل الدنيا غاية مبتغاه، فشقي بماله في دنياه وأخراه .

 

فاحفظوا حقوق الله وأدوا حقوق العباد، ولا تكونوا ممن صار عبدا للدرهم والدينار؛ فإن عقباه الكسادُ والخسار، ووراءه  قبرٌ وأهوالٌ ونار، (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ). [إبراهيم: 42-43]

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وجعلنا خير أمة أُخرجت للعالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين.

 

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام المرسلين، وقائد الغرِّ المحجّلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الغرِّ الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد؛ فإن الله تعالى قد امتن علينا بدين كامل لا يَحتاج إلى زيادةٍ أبدًا، قد أتمَّه الله فلا ينقصه، وقد رضِيَه سبحانه فلا يَسخطه.

 

قال عز وجل ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ﴾. [المائدة: 3]

وما لم يكن من الدين زمن نزول هذه الآية؛ لا يكون اليوم دينا.

 

وإن المراد الطيب والقصد الحسن؛ لابد أن يكون مطابقاً لصحيح السنن، وفق هدي النبي عليه الصلاة والسلام، حتى يكون عملا صالحا مقبولا، فإن شرط قبول أعمال المسلمين: الإخلاصُ لله والمتابعةُ لسنة سيد المرسلين.

 

وإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون أعظم في قلوب المؤمنين؛ من محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين.

 

محبة يجب أن تكون وفق ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام، وعلى سبيل الصحابة الكرام، وهديِ التابعين الأعلام.

 

محبةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسيرها الأهواء والآراء المحدثات، ولا تقررها الرؤى والمنامات؛ بل محبة وفق الآيات البينات، والسنن الواضحات.

 

وإن من المحدثات: الاحتفالَ بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.

 

احتفال لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به، وهو صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يكتم عنا شيئا من الهدى والدين؛ فلو كان خيرا لندبنا إليه؛ ولو كان قربة لحثنا عليه.

 

احتفال لم يفعله أحد من صحابته ولا التابعون ولا أتباع التابعين، بل ولم يفعله في تلك القرون أحد ولو من عامة المسلمين.

 

وهم أحرص الأمة على تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته، وأهداهم سبيلا لهديه وسنته.

فلو كان خيراً لسبقونا إليه، ولكانوا أشد حرصا من كل الناس عليه.

 

احتفال أحدثه العبيديون الباطنيون؛ في أواخر القرن الرابع الهجري.

 

وكيف يُخص يومٌ باحتفال وعبادة! وليس في الإسلام أيام معظمة؛ سوى عيد الفطر والأضحى ويومِ الجمعة؛ فكل يوم يخص باحتفال سوى ما تقدم: فهو منكَر وعيد محرم ؛ أيا كان مسماه، ومهما كان مبتغاه.

 

احتفال هو في نفسه إحداث ومنكَرَ، ولو كان خاليا من المنكرات الأخر، فكيف وقد اشتمل كثير من هذه الموالد على منكرات عظيمة، كزعم بعضهم حضورَ النبي صلى الله عليه وسلم لها، وغِشيانَه مجالسَها، وسلامَه على أهلها، وكإنشادهم مدائحَ فيها غلو في النبي صلى الله عليه وسلم وشرك بالله تعالى، وسيدنا وإمامنا صلى الله عليه وسلم يقول (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبدُ الله ورسولُه).

 

وبعد .. فاتقوا الله -عباد الله- واستغنوا بما شرعه الله، واكتفوا بما سنه رسول الله، وكونوا طيلة العام أتبعَ له، وأدومَ صلاةً عليه، وأكثرَ مطالعةً لسيرته، وأحرصَ على تعظيمه وتوقيره.

 

ثم صلوا وسلموا عباد الله على خير الورى ورسول الهدى، صلوا وسلموا على من شرفنا الله ببعثته، وهدانا برسالته، وأكرمنا بشفاعته.

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

اللهم اجعلنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين، ولحوض نبيك صلى الله عليه وسلم من الواردين، وعلى الصراط من العابرين، وعن النار من المزحزحين، وإلى جناتك جنات النعيم من أول الداخلين.

 

اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.

 

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وفُجاءَة نقمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك.

 

اللهم انصر دينَك، وكتابَك، وسُنَّةَ نبيِّك وعبادك الصالحين.

اللهم وفِّق عبدك خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لهُداك، واجعل عملَهما في رِضاك.

 

نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، برحمتِك يا أرحم الراحمين.

 

 

المرفقات

1634469048_خطبة المكاسب المحرمة والاحتفال بالمولد النبوي.docx

1634469048_خطبة المكاسب المحرمة والاحتفال بالمولد النبوي.pdf

المشاهدات 471 | التعليقات 0