المقدسي لـ"داعش": كفوا عن الظلم وأوقفوا العدوان
احمد ابوبكر
1435/11/14 - 2014/09/09 07:51AM
وجه منظر التيار السلفي الجهادي في الأردن رسالة إلى ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، طالبهم فيها بالكف عن الظلم ووقف العدوان.
وطالب أبو محمد المقدسي من أسماهم عقلاء الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، بالإحسان والتقوى في النوايا والأقول والأفعال؛ وأنّ يتقوا الله في هذه الأمّة، قائلا: "اتقوا الله في أنفسكم وشبابكم وفي المجاهدين وعموم المسلمين، لعل الله تعالى يصرف عنكم هذا البلاء، ويرد كيد أعداء الملة المتألبين عليكم اليوم والمتآمرين؛ فقد قال تعالى ((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)) فإذا اتقيتم وأحسنتم وصار الله معكم، لن يضركم كيدهم شيئا، إن الله بما يعملون محيط".
كما دعا تنظيمَ داعش للتوبة إلى الله من الظلم، "فالظلم ظلمات يوم القيامة، ومن لا يَرحم لا يُرحم، فردوا الحقوق إلى أهلها، وكفوا سكاكينكم عن رقاب المسلمين، وحولوا بنادقكم عن صدورهم"، بحسب المقدسي.
وطالب داعش بالنصح لأتباعها "بتوجيه بنادقهم إلى صدور أعداء الملة، وتعظيم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وعظوهم وخوفوهم من تكفير المسلمين، وادعوهم إلى التأدب مع كبرائهم ومشايخهم وعموم إخوانهم المسلمين".
كما أكد على ضرورة وأهمية توجيه النصح للشباب، "فلا تجعلوهم مشاريع لعمليات التفجير في إخوانهم المجاهدين، أو وقودا لمعارك مع المسلمين"، وفقا للمقدسي.
وقال المقدسي في رسالته:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الولاء والبراء من أوثق عرى الإيمان والصلاة والسلام على المصطفى الذي علمنا أن نقيم الوزن بالقسط ولا نخسر الميزان..
وبعد..
فقد روى البخاري ومسلم عن جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: " بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" . واللفظ في هذا الحديث عام إذ ( لكل ) من الصيغ التي تفيد العموم والشمول فيدخل فيها كل مسلم مهما كان حاله أو معصيته أوظلمه أو بغيه أوغلوه أو طغيانه، فإن له علينا حق النصح ..
وقد كنت ناصحت تنظيم الدولة من قبل وأنا في سجني، وراسلتهم وراسلوني، حتى رفضوا التحكيم الذي عرضناه عليهم، فانقطع بيننا الاتصال، وحق له أن ينقطع، فالإعراض عن التحكيم إلى الشرع لفض الخصومة بين المجاهدين، والصلح بين المسلمين، وحقن الدماء، ورد الحقوق، أمر يُغضب له، وليس بالامر الذي يمرر أو يستسهل عند كل من عرف التوحيد وعظم حقوقه ..
وهو هو الأمر الرئيس الذي أسخطنا وقطع عرى التواصل بيننا؛ وما قطعناها لسب سفهائهم، أوتطاول أراذل كتابهم، وشتم أغيلمتهم وافترائهم، كلا وحاشا؛ فإن ذاك كان قبل هذا السب والشتم والافتراء حين كان أكابرهم وشرعيوهم يخاطبوننا بشيخ المجاهدين وشيخنا المفضال، ولذلك فنحن نحتسب موقفنا ذاك غضبا لله لا لأنفسنا ..
حتى إذا ما رأينا تكالب الأمم والطواغيت عليهم، وعاينا اجتماع حلف الناتو وأذنابه وتآمره عليهم؛ دفعتنا وشيجة الولاء لكل مسلم؛ ودعتنا إلى فتح باب النصح لهم من جديد، لعل وعسى أن يهدي الله منهم من يستجيب ..
يا عقلاء الدولة، إني والله مشفق عليكم وعلى الشباب الذين يتوافدون عليكم من شتى بقاع الأرض زرافات ووحدانا؛ تحدوهم آمال وأحلام التمكين لدولة الخلافة؛ فأحسنوا واتقوا، أحسنوا النوايا والأقوال والأفعال، واتقوا الله في أنفسكم وشبابكم وفي المجاهدين وعموم المسلمين، لعل الله تعالى يصرف عنكم هذا البلاء، ويرد كيد أعداء الملة المتألبين عليكم اليوم والمتآمرين؛ فقد قال تعالى (( ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) فإذا اتقيتم وأحسنتم وصار الله معكم، لن يضركم كيدهم شيئا، إن الله بما يعملون محيط ..
انصحوا لأنفسكم بالتوبة إلى الله من الظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة، ومن لا يَرحم لا يُرحم، فردوا الحقوق إلى أهلها، وكفوا سكاكينكم عن رقاب المسلمين، وحولوا بنادقكم عن صدورهم ..
وانصحوا لأتباعكم بتوجيه بنادقهم إلى صدور أعداء الملة، وتعظيم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وعظوهم وخوفوهم من تكفير المسلمين، وادعوهم إلى التأدب مع كبرائهم ومشايخهم وعموم إخوانهم المسلمين ..
وانصحوا للشباب، فلا تجعلوهم مشاريع لعمليات التفجير في إخوانهم المجاهدين، أو وقودا لمعارك مع المسلمين .
وانصحوا لعوام المسلمين، فارحموهم فقد ذاقوا الويلات من جور الطواغيت وظلمهم، فأذيقوهم رحمة الإسلام، وأروهم سماحة الشريعة وسعتها، وصونوا دماءهم وأموالهم في سوريا والعراق ..
وانصحوا لعموم المجاهدين المسلمين، لا تكفروهم أو تستحلوا دماءهم وأموالهم بتهمة الخيانة والصحوات، بمجرد الدعاوى والشبهات بغير بينات.
ووسّعوا لكل المسلمين صدوركم، ودعوا التخيير بين البيعة أو القتل، خصوصا مع الذين أعانوا على دحر الروافض في العراق وأبلوا في جهاد الصليبيين بلاء لا ينكر، كأنصار الإسلام وجيش المجاهدين.
وانصحوا لعموم المجاهدين في أرجاء المعمورة، فتجنبوا إثارة الفتن في صفوفهم في الساحات الأخرى، واحذروا من دعاة شق صفوفهم ممن يتحدثون باسمكم ويدعون إلى بيعتكم في بلاد لا سلطان لكم عليها، فلا يغرنكم هؤلاء، وليكن موقفكم من أمثالهم واضحا ..
وانصحوا للشريعة وحدودها، فأقيموها بصورة عادلة رحيمة شفيقة تحببونها للناس .. وركزوا على نشر صور إعانتكم للفقراء والمساكين والأرامل واليتامى، وإغاثتكم للملهوف، وعدلكم مع الناس وإطعامكم الطعام، وتعليمكم الإسلام أكثر من تركيزكم على نشر صور القطع والجلد والرجم، خصوصا حين يقوم عليها غير الخبراء، فتصير تعذيبا للمحدود، وصدا عن الحدود ..
وانصحوا لحكم الله بقبول النزول له ولو كانت نتائجه عليكم لا لكم، فلن يحيف حكم الله ولا حكم رسوله عليكم، فردوا الخصومات بينكم وبين المجاهدين إلى محاكم شرعية مستقلة ترد الحقوق إلى أهلها ..
وانصحوا للجهاد الشامي فأعلنوا كفكم عن قتال فصائل المجاهدين، وأعلنوا فورا صلحا أو هدنة تحقن دماء المسلمين وتوجه البنادق كلها إلى صدور أعداء الدين وتفرغكم لصد هجمة الصليبيين والمرتدين.
وانصحوا للجهاد والمجاهدين، لا تشوهوهم بخطف مؤمّن أمّنه أي مسلم، فالمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، وتجنبوا خطف أو قتل موظفي الإغاثة ومندوبي اللجنة الدولية، وأطلقوا سراحهم فورا لتظهروا تمييزكم بين المحاربين وغيرهم، فالعرف يقتضي أن أمثال هؤلاء إغاثيون غير محاربين .
وكفوا عن نشر مناظر القتل وتصويره، واتركوا الإصرار على القتل بالذبح حتى ولو مع الكفار والمستحقين للقتل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة "، وقد صارت هذه المناظر الرهيبة مستمسكات في أيدي أعداء الإسلام يصدون بها عن الجهاد والمجاهدين، ويشوهون بها الإسلام والمسلمين، كما توسع فيها السفهاء من القتلة والمعتوهين حتى رأينا رقاب المجاهدين تحز، ورؤوسهم الملتحية تدحرج وتشوه ويعبث بها ..
وتذكروا أن الجهاد والقتال وسيلة، والتوحيد وإعلاء كلمته غاية، وتنبهوا إلى شرف الغاية وتقديمها على الوسيلة، فاجعلوا الوسيلة حافظة وخادمة للغاية، وحذار من جعلها مشوهة أو مبطلة لها .
وتذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل المنافقين ومن آذوه قبل اكتمال عز دولته، ولم يقاتل الدنيا كلها دفعة واحدة، بل هادن أقواما وعاهد آخرين، وكف عن أناس وحالف بعضهم، وحيد قبائل وأجل أخرى، وبدأ بمن يليه .. فتعلموا من سياسته الشرعية ففيها كل خير، ولا تشتتوا دائرة الصراع وتدخلوا الدنيا كلها في صراع معكم وتذعروا العالم كله عليكم ببث التهديدات تجاه أقطار الدنيا كلها، فليس هذا من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا من طريقته في الجهاد .
انصحوا لأنصاركم والمتعصبين لكم من الكتّاب الذين نزلوا عليكم بالمظلات، وما كانوا يوما في العير ولا النفير، فما كانوا من أنصار هذا المنهج أو انتسبوا إليه، ولا تعبوا في الدعوة إليه أو ابتلوا في سبيل نصرته، ولم يدفعوا من أعمارهم شيئا لنصرته، فلا تلتفتوا إلى تحريضهم ولا تغتروا بجرأتهم بالباطل أو بقلة أدبهم؛ فأكثرهم لا يهمهم حرق أبناء هذا التيار وجهاده أو دحر وإهدار ثمراته، لأن من لم يشارك في الزرع ولا الحرث ولا السقي، لا يهمه من حصد أو قطع أو أتلف ..
وها هم باسم نصرتكم يحرضون ويسبون ويشتمون ويفترون ويطيلون ألسنتهم بالسوء على كل من خالفكم أو انتقدكم ولو كان انتقاده حرصا على الجهاد والمجاهدين وشفقة على الإسلام والمسلمين، يطعنون في النوايا ويكذبون ويفترون، فلا أبقوا كبيرا إلا وشتموه، ولا عالما إلا وحقروه، ولا شيبة إلا وتطاولوا عليه، أخلاقهم ذميمة، وإساءاتهم عميمة، ينوحون عليكم، زعموا، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة، ويدعون التحرق من أجل الدولة والخلافة وليس الخلي كالشجي ..
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
لا يسهر الليل إلا من به ألم لا تحرق النار إلا رجل واطيها
فمن النصح للدعوة والتوحيد والجهاد إعلان البراءة من هؤلاء ومن كتاباتهم الخبيثة، ولا تفرحوا بتصفيقهم أو بتطبيلهم أو تزميرهم لكم، فالعاقل لا يفرح بمن يصفق له حتى يعلم من الذي يصفق وما قيمته ..ابرأوا من هؤلاء النوكى، وأعيدوا تواصلكم بمرجعياتكم الصادقة المخلصة في النصح لكم وإن شددوا النكير عليكم، فينبغي أن يكون ذلك مدعاة لاحترامكم لهم، وسببا لتكريمهم إذ لم يرضوكم على حساب الشرع لترفعوهم، بل أسخطوكم نصرة للدين ولو أهنتموهم ..
واتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، وحذار من دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة): ( الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: " الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".
ولما سمع عمرو بن العاص المستوردَ بن شدادَ يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " تقوم الساعة والروم أكثر الناس. قال له عمرو: أبصر ما تقول؟ فقال المستورد: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمرو : لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك " . رواه مسلم.
فذكر أن هذه الخصال سبب بقائهم وكثرتهم رغم كفرهم، وفي المقابل ( فالظلم مؤذن بخراب العمران ) وهذه سنة عقد لها ابن خلدون فصلا في مقدمته .
أسأل الله تعالى لكم الهداية، وأن يردكم إلى الحق ردا جميلا، فينصر بكم الدين ويرحم بكم المسلمين ويقمع بكم أعداءه، وأن يفتح بنصائحي هذه آذانا صما وعيونا عميا وقلوبا غلفا، وأن لا تذهب كصيحة في واد أو نفخة في رماد، وأن لا أكون وإياكم كما قال الأول:
بذلت لهم نصحي بِمُنْعرَجِ اللِّــــو *** فلمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلا ضُحى الغَدِ
فالنصح إن وجد القبول فضيلة *** ويكون إن عدم القبول فضولا
***
وأذكر المجاهدين خاصة والمسلمين عامة في هذه النازلة بقوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}.
وبقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.
فحذار أيها المجاهدون، وإياكم أيها المسلمون من الاصطفاف في صف الصليبين وحلفهم أو مظاهرة المرتدين على المسلمين مهما كان ظلمهم .. اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ..
فهاهم يتآمرون على المسلمين ويحشدون حشودهم، فحذار من مظاهرتهم أو توليهم أو تكثير سوادهم، واعتبروا بما حل في بلاد المسلمين التي غزوها من قبل، وتذكروا أن قنابلهم الذكية من الخبث والذكاء لدرجة أنها لا تميز بين الغلاة والمعتدلين، ولا تفرق بين الدولة والنصرة، ولا بين المجاهدين وعموم المسلمين المستضعفين ..
فحذار من الفرح بضرب الصليبين والمرتدين للدولة أو جنودها، فلا يفرح بذلك مسلم عاقل متزن الولاء والبراء متبصر بمكائد الأعداء، ومن لم يكن كذلك سيقرع سن نادم حين يقول ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض ) ..
فاليوم الدولة وغدا النصرة وبعد غد كل فصيل يرفع راية التوحيد ويرفض رايات التنديد ..
فكونوا أيها المسلمين واضحين .. لا تتحرجوا من إعلان مناصرتكم ولو بالدعاء للمسلمين كائنا من كانوا على الصليبيين والمرتدين، كما تعلنون رفضكم للظلم والغلو والعدوان .. وأنا لا يخفى عليّ ثقل هذا على نفوس كثير منكم خصوصا من اكتوا منكم بظلم الدولة وعسف غلاتها؛ ولكن الحق في هذه النازلة نصرة المسلمين ولو كانوا بغاة ظالمين أو غلاة خارجيين على المرتدين والصليبيين ولو بالتحريض والبيان أو بالدعاء واللسان، وحذار من الشماتة والفرح بعدوان الصليبيين والمرتدين عليهم، فهذا اختلال في ميزان الولاء والبراء لا يليق بمن ينادي بتحكيم الشرع وعدله، وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره".
فليكن هذا حاديكم في هذه النازلة ..
وأذكر الدولة -كما أسلفتُ- بالكف عن ظلم المسلمين ووقف العدوان على المجاهدين لعل الله يكشف بذلك عنها الغمة ويرد به عنها العدوان، فالجزاء من جنس العمل، ولا يكونوا فتنة للمسلمين بظلمهم لهم فيصدوهم بسبب الظلم عن موالاة المسلمين ويدفعوهم بالجور إلى تأييد المرتدين والصليبيين والاستجارة من الرمضاء بالنار، والفرح بضربهم وغزوهم بلاد المسلمين ..
أخيرا أنا أعلم أن كثيرا من المتبصرين بانحرافات الدولة المعاينين ظلمها وغلوها سوف يستثقلون بياني هذا، وستسخطهم دعوتي هذه لمناصرة من ظلمهم على الصليبيين والمرتدين، فليعلموا أن الظلم لا يدفع بالظلم، وأن الانحراف عن الشرع لا يدفع بانحراف مثله أو أشد منه، وأن اختلال الولاء للمسلمين لا ينكر أو يصحح باختلال في البراء من الكافرين ..
ولذلك فإني أذكر في الختام بما رواه البخاري في الأدب المفرد عن الفاروق رضي الله عنه أنه قال لأسلم : " لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا "
قال أسلم فقلت : كيف ذاك ؟
قال : " إذا أحببت كلفت كلف الصبي، وإذا أبغضت أحببت لصاحبه التلف " .
فهذه الوصية لا شك وصية غالية من ثاني الخلفاء الراشدين ومن لو كان في الأمة مُحَدّثُونَ، لكان منهم عُمَرَ كما في الحديث الذي في الصحيحين، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ.
وهي وصية أضعها نصب عيني في أوقات الخصومات مع المخالفين من المسلمين أفرادا وجماعات، وأتمنى لو تراعى في أدب الخلاف عند كل مسلم .
فكم نحن بحاجة إليها اليوم في هذه الأوقات الحرجة حين نرى الناس بسبب هذه الفتن التي جرت في الساحة الشامية قد انقسموا طائفتين؛ طائفة كلفت حبا بمن تتعصب لهم، وحبها للشيء يعمي ويصم عن كل مخالفة، جربتهم فمهما أوردت لهم من ملاحظات بادروا إلى ترقيعها مباشرة دون تدبر أو نظر، وصدهم هذا الكلف والتحيز الذي لا يميز عن العدل في المخالفين فيقبلون فيهم ما لا يقبلونه في جماعتهم، ولا يوردون على نقدهم أصول النقد التي يستعملونها في دحر انتقادات من كلفوا بحبهم فصاروا من المطففين .
وطائفة أخرى دفعها بغضها والظلم الذي حل عليها إلى أن تتمنى لعدوها المسلم التلف والاندحار ولو على أيدي أعداء الدين من الروافض والمرتدين والصليبيين .. وهذا لا شك اختلال وانحراف في الولاء والبراء جعل بعضهم يميع الفتاوى القديمة التي كان يشدد فيها جدا في الاستعانة بالكفار؛ فيقلبها إلى فتاوى معاصرة تسهل الاستعانة بهم على المسلمين الظالمين ..
والمعصوم من عصمه الله ..
{ واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}.
وطالب أبو محمد المقدسي من أسماهم عقلاء الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، بالإحسان والتقوى في النوايا والأقول والأفعال؛ وأنّ يتقوا الله في هذه الأمّة، قائلا: "اتقوا الله في أنفسكم وشبابكم وفي المجاهدين وعموم المسلمين، لعل الله تعالى يصرف عنكم هذا البلاء، ويرد كيد أعداء الملة المتألبين عليكم اليوم والمتآمرين؛ فقد قال تعالى ((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)) فإذا اتقيتم وأحسنتم وصار الله معكم، لن يضركم كيدهم شيئا، إن الله بما يعملون محيط".
كما دعا تنظيمَ داعش للتوبة إلى الله من الظلم، "فالظلم ظلمات يوم القيامة، ومن لا يَرحم لا يُرحم، فردوا الحقوق إلى أهلها، وكفوا سكاكينكم عن رقاب المسلمين، وحولوا بنادقكم عن صدورهم"، بحسب المقدسي.
وطالب داعش بالنصح لأتباعها "بتوجيه بنادقهم إلى صدور أعداء الملة، وتعظيم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وعظوهم وخوفوهم من تكفير المسلمين، وادعوهم إلى التأدب مع كبرائهم ومشايخهم وعموم إخوانهم المسلمين".
كما أكد على ضرورة وأهمية توجيه النصح للشباب، "فلا تجعلوهم مشاريع لعمليات التفجير في إخوانهم المجاهدين، أو وقودا لمعارك مع المسلمين"، وفقا للمقدسي.
وقال المقدسي في رسالته:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الولاء والبراء من أوثق عرى الإيمان والصلاة والسلام على المصطفى الذي علمنا أن نقيم الوزن بالقسط ولا نخسر الميزان..
وبعد..
فقد روى البخاري ومسلم عن جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: " بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" . واللفظ في هذا الحديث عام إذ ( لكل ) من الصيغ التي تفيد العموم والشمول فيدخل فيها كل مسلم مهما كان حاله أو معصيته أوظلمه أو بغيه أوغلوه أو طغيانه، فإن له علينا حق النصح ..
وقد كنت ناصحت تنظيم الدولة من قبل وأنا في سجني، وراسلتهم وراسلوني، حتى رفضوا التحكيم الذي عرضناه عليهم، فانقطع بيننا الاتصال، وحق له أن ينقطع، فالإعراض عن التحكيم إلى الشرع لفض الخصومة بين المجاهدين، والصلح بين المسلمين، وحقن الدماء، ورد الحقوق، أمر يُغضب له، وليس بالامر الذي يمرر أو يستسهل عند كل من عرف التوحيد وعظم حقوقه ..
وهو هو الأمر الرئيس الذي أسخطنا وقطع عرى التواصل بيننا؛ وما قطعناها لسب سفهائهم، أوتطاول أراذل كتابهم، وشتم أغيلمتهم وافترائهم، كلا وحاشا؛ فإن ذاك كان قبل هذا السب والشتم والافتراء حين كان أكابرهم وشرعيوهم يخاطبوننا بشيخ المجاهدين وشيخنا المفضال، ولذلك فنحن نحتسب موقفنا ذاك غضبا لله لا لأنفسنا ..
حتى إذا ما رأينا تكالب الأمم والطواغيت عليهم، وعاينا اجتماع حلف الناتو وأذنابه وتآمره عليهم؛ دفعتنا وشيجة الولاء لكل مسلم؛ ودعتنا إلى فتح باب النصح لهم من جديد، لعل وعسى أن يهدي الله منهم من يستجيب ..
يا عقلاء الدولة، إني والله مشفق عليكم وعلى الشباب الذين يتوافدون عليكم من شتى بقاع الأرض زرافات ووحدانا؛ تحدوهم آمال وأحلام التمكين لدولة الخلافة؛ فأحسنوا واتقوا، أحسنوا النوايا والأقوال والأفعال، واتقوا الله في أنفسكم وشبابكم وفي المجاهدين وعموم المسلمين، لعل الله تعالى يصرف عنكم هذا البلاء، ويرد كيد أعداء الملة المتألبين عليكم اليوم والمتآمرين؛ فقد قال تعالى (( ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) فإذا اتقيتم وأحسنتم وصار الله معكم، لن يضركم كيدهم شيئا، إن الله بما يعملون محيط ..
انصحوا لأنفسكم بالتوبة إلى الله من الظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة، ومن لا يَرحم لا يُرحم، فردوا الحقوق إلى أهلها، وكفوا سكاكينكم عن رقاب المسلمين، وحولوا بنادقكم عن صدورهم ..
وانصحوا لأتباعكم بتوجيه بنادقهم إلى صدور أعداء الملة، وتعظيم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وعظوهم وخوفوهم من تكفير المسلمين، وادعوهم إلى التأدب مع كبرائهم ومشايخهم وعموم إخوانهم المسلمين ..
وانصحوا للشباب، فلا تجعلوهم مشاريع لعمليات التفجير في إخوانهم المجاهدين، أو وقودا لمعارك مع المسلمين .
وانصحوا لعوام المسلمين، فارحموهم فقد ذاقوا الويلات من جور الطواغيت وظلمهم، فأذيقوهم رحمة الإسلام، وأروهم سماحة الشريعة وسعتها، وصونوا دماءهم وأموالهم في سوريا والعراق ..
وانصحوا لعموم المجاهدين المسلمين، لا تكفروهم أو تستحلوا دماءهم وأموالهم بتهمة الخيانة والصحوات، بمجرد الدعاوى والشبهات بغير بينات.
ووسّعوا لكل المسلمين صدوركم، ودعوا التخيير بين البيعة أو القتل، خصوصا مع الذين أعانوا على دحر الروافض في العراق وأبلوا في جهاد الصليبيين بلاء لا ينكر، كأنصار الإسلام وجيش المجاهدين.
وانصحوا لعموم المجاهدين في أرجاء المعمورة، فتجنبوا إثارة الفتن في صفوفهم في الساحات الأخرى، واحذروا من دعاة شق صفوفهم ممن يتحدثون باسمكم ويدعون إلى بيعتكم في بلاد لا سلطان لكم عليها، فلا يغرنكم هؤلاء، وليكن موقفكم من أمثالهم واضحا ..
وانصحوا للشريعة وحدودها، فأقيموها بصورة عادلة رحيمة شفيقة تحببونها للناس .. وركزوا على نشر صور إعانتكم للفقراء والمساكين والأرامل واليتامى، وإغاثتكم للملهوف، وعدلكم مع الناس وإطعامكم الطعام، وتعليمكم الإسلام أكثر من تركيزكم على نشر صور القطع والجلد والرجم، خصوصا حين يقوم عليها غير الخبراء، فتصير تعذيبا للمحدود، وصدا عن الحدود ..
وانصحوا لحكم الله بقبول النزول له ولو كانت نتائجه عليكم لا لكم، فلن يحيف حكم الله ولا حكم رسوله عليكم، فردوا الخصومات بينكم وبين المجاهدين إلى محاكم شرعية مستقلة ترد الحقوق إلى أهلها ..
وانصحوا للجهاد الشامي فأعلنوا كفكم عن قتال فصائل المجاهدين، وأعلنوا فورا صلحا أو هدنة تحقن دماء المسلمين وتوجه البنادق كلها إلى صدور أعداء الدين وتفرغكم لصد هجمة الصليبيين والمرتدين.
وانصحوا للجهاد والمجاهدين، لا تشوهوهم بخطف مؤمّن أمّنه أي مسلم، فالمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، وتجنبوا خطف أو قتل موظفي الإغاثة ومندوبي اللجنة الدولية، وأطلقوا سراحهم فورا لتظهروا تمييزكم بين المحاربين وغيرهم، فالعرف يقتضي أن أمثال هؤلاء إغاثيون غير محاربين .
وكفوا عن نشر مناظر القتل وتصويره، واتركوا الإصرار على القتل بالذبح حتى ولو مع الكفار والمستحقين للقتل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة "، وقد صارت هذه المناظر الرهيبة مستمسكات في أيدي أعداء الإسلام يصدون بها عن الجهاد والمجاهدين، ويشوهون بها الإسلام والمسلمين، كما توسع فيها السفهاء من القتلة والمعتوهين حتى رأينا رقاب المجاهدين تحز، ورؤوسهم الملتحية تدحرج وتشوه ويعبث بها ..
وتذكروا أن الجهاد والقتال وسيلة، والتوحيد وإعلاء كلمته غاية، وتنبهوا إلى شرف الغاية وتقديمها على الوسيلة، فاجعلوا الوسيلة حافظة وخادمة للغاية، وحذار من جعلها مشوهة أو مبطلة لها .
وتذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل المنافقين ومن آذوه قبل اكتمال عز دولته، ولم يقاتل الدنيا كلها دفعة واحدة، بل هادن أقواما وعاهد آخرين، وكف عن أناس وحالف بعضهم، وحيد قبائل وأجل أخرى، وبدأ بمن يليه .. فتعلموا من سياسته الشرعية ففيها كل خير، ولا تشتتوا دائرة الصراع وتدخلوا الدنيا كلها في صراع معكم وتذعروا العالم كله عليكم ببث التهديدات تجاه أقطار الدنيا كلها، فليس هذا من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا من طريقته في الجهاد .
انصحوا لأنصاركم والمتعصبين لكم من الكتّاب الذين نزلوا عليكم بالمظلات، وما كانوا يوما في العير ولا النفير، فما كانوا من أنصار هذا المنهج أو انتسبوا إليه، ولا تعبوا في الدعوة إليه أو ابتلوا في سبيل نصرته، ولم يدفعوا من أعمارهم شيئا لنصرته، فلا تلتفتوا إلى تحريضهم ولا تغتروا بجرأتهم بالباطل أو بقلة أدبهم؛ فأكثرهم لا يهمهم حرق أبناء هذا التيار وجهاده أو دحر وإهدار ثمراته، لأن من لم يشارك في الزرع ولا الحرث ولا السقي، لا يهمه من حصد أو قطع أو أتلف ..
وها هم باسم نصرتكم يحرضون ويسبون ويشتمون ويفترون ويطيلون ألسنتهم بالسوء على كل من خالفكم أو انتقدكم ولو كان انتقاده حرصا على الجهاد والمجاهدين وشفقة على الإسلام والمسلمين، يطعنون في النوايا ويكذبون ويفترون، فلا أبقوا كبيرا إلا وشتموه، ولا عالما إلا وحقروه، ولا شيبة إلا وتطاولوا عليه، أخلاقهم ذميمة، وإساءاتهم عميمة، ينوحون عليكم، زعموا، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة، ويدعون التحرق من أجل الدولة والخلافة وليس الخلي كالشجي ..
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
لا يسهر الليل إلا من به ألم لا تحرق النار إلا رجل واطيها
فمن النصح للدعوة والتوحيد والجهاد إعلان البراءة من هؤلاء ومن كتاباتهم الخبيثة، ولا تفرحوا بتصفيقهم أو بتطبيلهم أو تزميرهم لكم، فالعاقل لا يفرح بمن يصفق له حتى يعلم من الذي يصفق وما قيمته ..ابرأوا من هؤلاء النوكى، وأعيدوا تواصلكم بمرجعياتكم الصادقة المخلصة في النصح لكم وإن شددوا النكير عليكم، فينبغي أن يكون ذلك مدعاة لاحترامكم لهم، وسببا لتكريمهم إذ لم يرضوكم على حساب الشرع لترفعوهم، بل أسخطوكم نصرة للدين ولو أهنتموهم ..
واتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، وحذار من دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة): ( الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: " الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".
ولما سمع عمرو بن العاص المستوردَ بن شدادَ يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " تقوم الساعة والروم أكثر الناس. قال له عمرو: أبصر ما تقول؟ فقال المستورد: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمرو : لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك " . رواه مسلم.
فذكر أن هذه الخصال سبب بقائهم وكثرتهم رغم كفرهم، وفي المقابل ( فالظلم مؤذن بخراب العمران ) وهذه سنة عقد لها ابن خلدون فصلا في مقدمته .
أسأل الله تعالى لكم الهداية، وأن يردكم إلى الحق ردا جميلا، فينصر بكم الدين ويرحم بكم المسلمين ويقمع بكم أعداءه، وأن يفتح بنصائحي هذه آذانا صما وعيونا عميا وقلوبا غلفا، وأن لا تذهب كصيحة في واد أو نفخة في رماد، وأن لا أكون وإياكم كما قال الأول:
بذلت لهم نصحي بِمُنْعرَجِ اللِّــــو *** فلمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلا ضُحى الغَدِ
فالنصح إن وجد القبول فضيلة *** ويكون إن عدم القبول فضولا
***
وأذكر المجاهدين خاصة والمسلمين عامة في هذه النازلة بقوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}.
وبقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.
فحذار أيها المجاهدون، وإياكم أيها المسلمون من الاصطفاف في صف الصليبين وحلفهم أو مظاهرة المرتدين على المسلمين مهما كان ظلمهم .. اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ..
فهاهم يتآمرون على المسلمين ويحشدون حشودهم، فحذار من مظاهرتهم أو توليهم أو تكثير سوادهم، واعتبروا بما حل في بلاد المسلمين التي غزوها من قبل، وتذكروا أن قنابلهم الذكية من الخبث والذكاء لدرجة أنها لا تميز بين الغلاة والمعتدلين، ولا تفرق بين الدولة والنصرة، ولا بين المجاهدين وعموم المسلمين المستضعفين ..
فحذار من الفرح بضرب الصليبين والمرتدين للدولة أو جنودها، فلا يفرح بذلك مسلم عاقل متزن الولاء والبراء متبصر بمكائد الأعداء، ومن لم يكن كذلك سيقرع سن نادم حين يقول ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض ) ..
فاليوم الدولة وغدا النصرة وبعد غد كل فصيل يرفع راية التوحيد ويرفض رايات التنديد ..
فكونوا أيها المسلمين واضحين .. لا تتحرجوا من إعلان مناصرتكم ولو بالدعاء للمسلمين كائنا من كانوا على الصليبيين والمرتدين، كما تعلنون رفضكم للظلم والغلو والعدوان .. وأنا لا يخفى عليّ ثقل هذا على نفوس كثير منكم خصوصا من اكتوا منكم بظلم الدولة وعسف غلاتها؛ ولكن الحق في هذه النازلة نصرة المسلمين ولو كانوا بغاة ظالمين أو غلاة خارجيين على المرتدين والصليبيين ولو بالتحريض والبيان أو بالدعاء واللسان، وحذار من الشماتة والفرح بعدوان الصليبيين والمرتدين عليهم، فهذا اختلال في ميزان الولاء والبراء لا يليق بمن ينادي بتحكيم الشرع وعدله، وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره".
فليكن هذا حاديكم في هذه النازلة ..
وأذكر الدولة -كما أسلفتُ- بالكف عن ظلم المسلمين ووقف العدوان على المجاهدين لعل الله يكشف بذلك عنها الغمة ويرد به عنها العدوان، فالجزاء من جنس العمل، ولا يكونوا فتنة للمسلمين بظلمهم لهم فيصدوهم بسبب الظلم عن موالاة المسلمين ويدفعوهم بالجور إلى تأييد المرتدين والصليبيين والاستجارة من الرمضاء بالنار، والفرح بضربهم وغزوهم بلاد المسلمين ..
أخيرا أنا أعلم أن كثيرا من المتبصرين بانحرافات الدولة المعاينين ظلمها وغلوها سوف يستثقلون بياني هذا، وستسخطهم دعوتي هذه لمناصرة من ظلمهم على الصليبيين والمرتدين، فليعلموا أن الظلم لا يدفع بالظلم، وأن الانحراف عن الشرع لا يدفع بانحراف مثله أو أشد منه، وأن اختلال الولاء للمسلمين لا ينكر أو يصحح باختلال في البراء من الكافرين ..
ولذلك فإني أذكر في الختام بما رواه البخاري في الأدب المفرد عن الفاروق رضي الله عنه أنه قال لأسلم : " لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا "
قال أسلم فقلت : كيف ذاك ؟
قال : " إذا أحببت كلفت كلف الصبي، وإذا أبغضت أحببت لصاحبه التلف " .
فهذه الوصية لا شك وصية غالية من ثاني الخلفاء الراشدين ومن لو كان في الأمة مُحَدّثُونَ، لكان منهم عُمَرَ كما في الحديث الذي في الصحيحين، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ.
وهي وصية أضعها نصب عيني في أوقات الخصومات مع المخالفين من المسلمين أفرادا وجماعات، وأتمنى لو تراعى في أدب الخلاف عند كل مسلم .
فكم نحن بحاجة إليها اليوم في هذه الأوقات الحرجة حين نرى الناس بسبب هذه الفتن التي جرت في الساحة الشامية قد انقسموا طائفتين؛ طائفة كلفت حبا بمن تتعصب لهم، وحبها للشيء يعمي ويصم عن كل مخالفة، جربتهم فمهما أوردت لهم من ملاحظات بادروا إلى ترقيعها مباشرة دون تدبر أو نظر، وصدهم هذا الكلف والتحيز الذي لا يميز عن العدل في المخالفين فيقبلون فيهم ما لا يقبلونه في جماعتهم، ولا يوردون على نقدهم أصول النقد التي يستعملونها في دحر انتقادات من كلفوا بحبهم فصاروا من المطففين .
وطائفة أخرى دفعها بغضها والظلم الذي حل عليها إلى أن تتمنى لعدوها المسلم التلف والاندحار ولو على أيدي أعداء الدين من الروافض والمرتدين والصليبيين .. وهذا لا شك اختلال وانحراف في الولاء والبراء جعل بعضهم يميع الفتاوى القديمة التي كان يشدد فيها جدا في الاستعانة بالكفار؛ فيقلبها إلى فتاوى معاصرة تسهل الاستعانة بهم على المسلمين الظالمين ..
والمعصوم من عصمه الله ..
{ واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}.