المفاتيح السبعة في سورة الفاتحة عصام بن صالح العويد

المفاتيح السبعة في سورة الفاتحة
عصام بن صالح العويد

مفتاح الإعانة: بدءُ يومك بالاستعاذة ، وأمورك بالبسملة.
كما بُدئت سورة الفاتحة بـ (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ، فالعاقل يبدأ يومه بالدخول في حمى الله بقراءة المعوذات: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ، قراءة قلب ولسان معاً.
وبالبسملة يفتتح المسلم عمله كله بها طلبة للبركة والعون من الله ، فيفتح الله له بها مغاليق الأمور ، فالبسملة من هدي الأنبياء السابقين ، وفي كتاب الله تعالى على لسان نوح عليه السلام (بسم الله مجراها ومرساها) ، وابتدأ بها سليمان عليه السلام في كتابه (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) ، وكذلك القرآن فصار البدء بها سنة إلى يومنا هذا.
وعند أحمد في المسند عن رِدفِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: عَثَرَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارُهُ فَقُلْت: تَعِسَ الشَّيْطَان فَقَالَ صلى الله عليه وسلم " لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَان ، فَإِنَّك إِذَا قُلْت: تَعِسَ الشَّيْطَان. تَعَاظَمَ وَقَالَ: بِقُوَّتِي صَرَعْته ، وَإِذَا قُلْت: بِسْمِ اللَّه تَصَاغَرَ حَتَّى يَصِير مِثْل الذُّبَاب " قال ابن كثير: إسناده جيد.
ولذا تُشرع البسملة عند: الوضوء والأكل والتذكية والصيد والجماع والنوم والدخول والخروج وأوراد الصباح والمساء ورقية المريض وإنزال الميت في القبر وغيرها

مفتاح الطمأنينة: الثقة بسعة رحمة الله (الرحمن الرحيم).
فقد تكررت "الرحمة" صريحةً في السورة مع قصر آياتها (أربع مرات) في البسملة وداخل السورة ، وجاء التنبيه عليها ضمناً في (الحمد لله رب العالمين) و(إياك نستعين) و(اهدنا الصراط المستقيم) ، وهذا ما لم يكن لأي صفة أخرى في سورة الفاتحة إلا الرحمة ، فإياك وطريق القانطين (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)[الحجر: 56].
وليتذكر المذنب ــ وكلنا كذلك ــ ما ورد في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ت قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ خ: « لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي!.

مفتاح الشكر: المداومة على حمد الله بالقلب واللسان والجوارح في كل الأحوال والأزمان والأماكن.
والفاتحة واحدة من خمس سور افتتحت بالحمد وهي: (الفاتحة ، والأنعام ، والكهف ، وسبأ ، وفاطر) ، و"ال" في قوله تعالى (الـحمد لله) جنسية استغراقية ، تستغرق كل أنواع الحمد له سبحانه دون استثناء.
يقول نظام الدين النيسابوري: في تفسيره "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" في كلام محرر نفيس عن مقامات الحمد: الحمد على نعم الدين أفضل من الحمد على نعم الدنيا ، والحمد على أعمال القلوب أولى من الحمد على أعمال الجوارح ، والحمد على النعم من حيث إنها عطية المنعم أولى من الحمد عليها من حيث هي نِعَم ، فهذه مقامات يجب اعتبارها حتى يقع الحمد في موضعه اللائق به.
· واعلم ــ رعاك الله ــ أن أصول الحمد أربعة:
1- حمده سبحانه على ذاته المقدسة وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
2- حمده على خلقه ونعمته.
3- حمده على وحيه وهدايته.
4- حمده على قضائه وقدره.

مفتاح الرهبة: تذكير النفس بيوم الدين والجزاء (مالك يوم الدين)
فالنفس علاجها الذي لا تُفلح إلا به؛ أنها إن أقبلت على الطاعة فذكرها بالجنة ، وإن أقبلت على المعصية فخوفها بالنار ، ألا ترى كيف ملأ الله كتابه العظيم بالتذكير بيوم القيامة وما بعده ، ألم تتفكر لماذا هذه الأسماء الكثيرة ليوم القيامة (الغاشية ، الطامة ، الصاخة ، القارعة ، الحاقة ،...)؟! ، وقد عدَّها العلاّمتان الغزالي والقرطبي فبلغت خمسين اسماً.

مفتاح الكمال: إخلاص العبادة مع تمام التذلل لله (إياك نعبد وإياك نستعين)
فإياك نعبد تدفع الرياء ، وإياك نستعين تدفع الكبرياء.
وقد جاء شرح حقيقة العبادة ولزوم التذلل والاستعانة بالله وحده آيات كثيرة من القرآن منها: قوله تعالى (الله الصمد) أي الذي يُصمد إليه ، وقوله (فصل لربك وانحر) ، وقوله (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162 ، 163] ، وهذه هي حقيقة دعوة الأنبياء عليهم السلام جميعاً (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25].

مفتاح التوفيق: الإلحاح في الدعاء.
فكم نكرر الدعاء بقولنا (اهدنا الصراط المستقيم) ، والدعاء لُبّ العبادة كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: « الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ! ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وسورة الفاتحة نصفها دعاء ولذا كان من أسمائها "سورة الدعاء" ، وفيها الحوائج الأصلية التي لا بد للعباد منها ، ففيها أفضل وأوجب وأنفع دعاء دعا به العبد ربه ، فإنه يجمع مصالح الدين و الدنيا والآخرة و العبد دائما محتاج إليه لا يقوم غيره مقامه ، فلو حصل له أجر تسعة أعشار القرآن ـ دع ثلثه ـ ولم يحصل له مقصود هذا الدعاء لم يقم مقامه ولم يسد مسده.

وقد جاءت سورة الفاتحة ببيان آداب الدعاء التي يكون بسببها مقبولاً:
1- فأول ما يبدأ به الداعي هو الثناء والحمد لربه ، ويطيل في ذلك بما يُقارب دعاء المسألة ، فقد قُسمت سورة الفاتحة نصفين ، نصفاً ثناء ونصفاً دعاء.
وعند النسائي من حديث فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ « أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمعَ رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ ، لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ الله خ ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُصَلِّي ، فَمَجَّدَ اللهَ ، وَحَمِدَهُ ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ادْعُ تُجَبْ ، وَسَلْ تُعْطَ!.
2- ثم يتذلل لله بذكر عبوديته وحاجته لمولاه ، وينطرح بين يدي ربه منكسرا خاضعاً ، يتبرا من كل حول وقوة إلا من حول وقوة القادر وحده سبحانه.
3- ثم يبدأ بالسؤال مقدماً أهم شؤنه وأعظمها (اهدنا) ، متبعاً ذلك بكل حاجة له مهما دقّت وصغرت كما جاء في الحديث عند الترمذي وصححه ابن حبان عن الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم: «ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجته كلها حتى شِسْعَ نَعْلِه» ، وكان بعض السلف يسأل الله كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته.
4- وعلمتنا سورة الفاتحة الإلحاح وتكرار الدعاء ، فالمسلم يكرر نفس الدعاء في كل ركعة منها دون ملل ولا كلل ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول: دعوت فلم يستجب لي! ، وثبت في مسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أَلِظُّوا بـ: يا ذا الجلال والإكرام " ،
5- وعلمتنا جوامع الدعاء: فالخير كله في كلمة واحدة (اهدنا الصراط المستقيم).
6- وعلمتنا أيضاً التفصيل وتكرار المعاني عند الدعاء في المهمات والأمور العظام ، ففي الثناء جاء حمد الرب على ربوبيته وألوهيته ورحمته وملكه ، ولم تكتف السورة بواحد منها ، وفي دعاء المسألة جاء تكرار المعاني بذكر (الذين أنعمت عليهم) و (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) مع أن الثاني بدلٌ من الأول ، لكنه من باب التوكيد الذي يُستحب في مثل هذه المواطن.
وكان من دعائه المفصل خ ما ثبت في الصحيحين في قوله خ « اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا وَفِى بَصَرِى نُورًا وَفِى سَمْعِى نُورًا وَعَنْ يَمِينِى نُورًا وَعَنْ يَسَارِى نُورًا وَفَوْقِى نُورًا وَتَحْتِى نُورًا وَأَمَامِى نُورًا وَخَلْفِى نُورًا وَعَظِّمْ لِى نُورًا ». وفي رواية: « وفي عَصَبِى وَلَحْمِى وَدَمِى وَشَعَرِى وَبَشَرِى!.

مفتاح المحبة: الحب في الله والبغض في الله
كما قال تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ، فهذه أوثق عرى الإيمان ، ومن كان يدعو ربه في كل ركعة وقلبه حاضر أن يُلحقه بالمنعم عليهم؛ فهذا لن يكون إلا بمحبته التامة لهم ، والمحبة لها في ديننا شأن عجب ، ومن أعظم التوفيق أن يرزق المسلم محبة الصالحين وإن لم يعمل بعملهم؛ ففي الصحيحين: جاء رجلٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله ، كَيْفَ تَقُولُ في رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: « المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ! قَالَ أنَس: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِه: « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ!. قَالَ أنَس: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ.
وكلنا نرجو ما رجاه أنس رضي الله عنه.
المشاهدات 2297 | التعليقات 0