المغرم والمأثم-6-6-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ خالد القرعاوي

محمد بن سامر
1441/06/05 - 2020/01/30 19:44PM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
نَقِفُ اليومَ مَعَ رَجُلٍ باتَ يَتَقلَّبُ على فِرَاشِهِ طَوَالَ اللِّيلِ، قد علاهُ الهمُّ والغَمُّ، وَحَاصَرَتْهُ الأَفْكَارُ، فَهو مُكتَئِبٌ حيرانُ، يَشْعُرُ دَومًا أنَّ عَلَيهِ مِن النَّاسِ رَقِيبٌ، إذا وعدَ أَخْلَفَ، وإذا حدَّثَ فَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ كَذَّابٌ، لَعَلَّكُمْ عَرَفْتُمُوهُ؟! نَعَمْ إنَّهُ صَاحِبُ الدَّينِ، وَقَدْ يَكْثُرُونَ فِي زَمَنِنَا، مَعَ تَقَلُّبَاتِ الأوضَاعِ الاقْتِصَادِيَّةِ, وَكَثْرَةِ النَّفَقَاتِ، وَإيقَافِ الخَدَمَاتِ، وَلَقَدْ نَصَحَ رَسُولُ اللهِ-صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-لَنَا حِينَ قَالَ: "لا تُخِيفُوا أَنفُسَكُم بَعدَ أَمنِهَا قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟قال: الدَّينُ"، ولذلكَ كانَ رَسُولُنا-صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما يَتَعَوَّذُ من الدَّينِ، فيَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ والهَرَمِ، وَغلبةِ الدَّينِ وضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ وقهرِ الرِجالِ". وضَلَعُ الدَّينِ هو شِدَّتُه وثِقلُهُ.
كُلَّ أحَدٍ قَدْ يَمُرُّ عليهِ أزَمَاتٌ، يحْتَاجُ بِسبَبِهَا أنْ يَسْتَدِينَ! لَكِنَّ مِنْ غَيرِ المَقْبُولِ ولا المَعْقُولِ أنْ يَكُونَ سَبَبُ الدَّينِ تَرْمِيمَ مَنْزِلٍ, أو شِرَاءَ سيَّارَةٍ بِأغْلى الأثْمَانِ, أو سفرًا وتجولًا بينَ البُلْدَانِ!
إنَّ الدَّينَ يُؤثِّرُ على إيمَانِ الرَّجُلِ وَصَدْقِهِ! لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَغْرَمِ والْمَأْثَمِ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ! أيْ: من الدَّيْنِ، فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ".
يا عبدَ اللهِ: إذا أردتَ أن تبقى صَدِيقًا مُحتَرَمًا، محبوبًا مُكَرَّمًا، فاستغنِ عَمَّا فِي أَيدِي النَّاسِ، وَصَدَقَ مَنْ قَالَ: مَنْ احْتَجْتَ إليهِ، هُنتَ عليه!.
فانظرْ إلى مَنْ تُمَلِّكُهُ أَمرَكَ؛ فإنْ اضْطَرَّتَكَ الظُّرُوفُ وَاحْتَجْتَ دَيْنًا، فاستدنْ ممنْ هُوَ كَريمُ النَّفْسِ غيرُ مَنَّانٍ، يَحتَسِبُ الأَجرَ والجَزَاءَ مِن اللهِ، وَلا تَنْسَ أَنَّ أَطْوَلَ آيةٍ فِي القُرَآنِ هِيَ آيَةُ الدَّينِ، التي اشْتَمَلَتْ على أَحكَامٍ عَظِيمَةٍ، جَلِيلةِ المَنْفَعَةِ وَالمِقْدَارِ، ومِنْهَا: الأَمْرُ بِكِتَابَةِ جَمِيعِ الديونِ لِشِدَّةِ الحَاجَةِ إلى كِتَابَتِهَا، وَبِدُونِها يَدْخُلُ الغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ، وَالمُنَازَعاتُ وَالمُشَاجَرَاتُ، وَهَذا شَرٌّ عَظِيمٌ.
أخي الحبيبُ: تَعَجَّلْ فِي سَدادِ دَينِكَ ولو كَانَ قَليلًا، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ-صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يُذَكِّرُ أصْحَابَهُ بفَضْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ, إِلَّا الدَّيْنَ؛ فَإِنَّ جِبْرِيلَ-عَلَيْهِ السَّلَامَ-قَالَ لِي ذَلِكَ".
هذا رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ, المُحِبُّ لِصَحَابَتِهِ, يَمْتَنِعُ مِن الصَّلاةِ على أَحَدِ أصْحَابهِ؟ هَلْ هُوَ سَارِقٌ؟ أمْ هُوَ زَانٍ؟ لا، يقولُ جَابِرٌ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-ليُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فقَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ-تَرَكَ الصَّلاةَ عليهِ-! فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قَالَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ يا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: أُحِقَّ الْغَرِيمُ-أُعطيَ حقَهُ-، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَوْمٍ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ قَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا يا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ". يا اللهُ! ما أعظمَ إثمَ مَنْ يُمَاطِلُونَ، ولا يُوفُونُ بالعَهْدَ والوَعْدِ والمِيثَاقِ وَهُمْ يَستَطِيعُونَ!
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ وأُعيذُ المسلمينَ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ والهَرَمِ، وَغلبةِ الدَّينِ وضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ وقهرِ الرِجالِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّه في يومِ القِيامةِ لا دُخولَ لِلجَنَّةِ ولا فِدَاءَ، حَتَّى تُسدَّدَ حُقُوقُ الغُرَمَاءِ؛ صَلَّى النَّبِيُّ-صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَّمَ-فَجْرَ يومٍ بِأصْحَابِهِ فَقَالَ: "هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ؟ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ؟, فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا يا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ-أحدَ الموتى-مَحْبُوسٌ عَنِ الْجَنَّةِ بِدَيْنِهِ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَافْدُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَأَسْلِمُوهُ"، سُبْحَانَ اللهِ! مَحْبُوسٌ عَنِ الْجَنَّةِ بِدَيْنِهِ! أيُّ تَهْدِيدٍ لِمَنْ يَتَهَاونُونَ بالدَّينِ وَيَكْذِبُونَ ولا يُوفُونَ!
أخي المدينُ: إنْ صَدَقَتْ نِيَّتُكَ في وفاءِ دينِك، وَحَسُنَ مَقْصِدُكَ في أداءِ ما للناسِ عليك، فأبشرُك بِبِشَارَةِ رَسُولِ اللهِ-صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَّمَ-وَوَعْدِهِ لَكَ! يقولُ: "مَنْ أَخَذَ أمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أدَاءَهَا أدَّى اللهُ عنهُ، ومَنْ أخَذَها يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللهُ"، ما أجملَ ألا تنسى فَضْلَ مَنْ أَحْسَنَ إليكَ وَأَقْرَضَكَ, حِينَ جِئتَهَ مَدِينًا حَزِينًا، مَهْمُومًا مَغْمُومًا، تَشْكُو إليهِ حَالَكَ، وَتُثْنِيِ عَلَيهِ وَتَمْدَحُهُ، وَتَدْعُو لَهُ, وَتَعدِهُ بِسُرْعَةِ سدادِ الدّينِ، وتُشهدُ اللهَ على ذَلِكَ، وما أحسنَ أنْ تُعّجِّلَ في الوفاءِ بالدينِ عندَ حُلُولِ أجلِهِ، وإن تعسرتْ أمورُكَ، وصعبتْ ظُروفُك، فما أرقى أنْ تعتذرَ له عن التَّأْخِيرِ، وتجيبَ على اتصالاتِهِ، وَتعطيَهِ مَا تيَّسرَ-وَإنْ كَانَ دَخْلُكَ قَليلًا-، وإيَّاكَ ونيَّةَ السُّوءِ والخِدَاعِ وَنُكْرَانَ الجَمِيلِ! فَهَذِهِ صِفَةُ الُّلؤمَاءِ والسارقينَ-وَحَاشَاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ!-، فقد وصفَ رسولُ اللهِ-صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-مَنْ هَذِهِ حَالُهُ بِذلِكَ فَقَالَ: "وَمَنِ ادَّانَ دَيْنًا وَهُوَ يَنْوِي أَلَا يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ سَارِقٌ".
أخي المَدَينُ: أمرَنا اللهُ-سبحانَه-بكتابةِ الدينِ؛ فاكتبْ كُلَّ دُيُونَكَ-وَلو كَانَتْ قَلِيلَةً-، وَأَشْهِدْ عَلى ذَلِكَ، و فِ أَصْحَابَها، من عمالٍ أو أصحابِ محلاتٍ أو بقالاتٍ أو غيرِهم، فَأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فائدة: الأفعال الماضية مثل: وعى، وفى، وقى يكون أمرها على حرفٍ واحدٍ: عِ ما أقولُ، فِ الحقَ لصاحبِه، قِ نفسَك النارَ والبردَ.
 
المرفقات

المغرم-والمأثم-6-6-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-الش

المغرم-والمأثم-6-6-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-الش

المشاهدات 915 | التعليقات 0